نسرين رمضاني: أول حزب إسلامي في كندا أو فن التغريد خارج السرب

61

أول حزب إسلامي في كندا أو فن التغريد خارج السرب
نسرين رمضاني/العرب/14 كانون الثاني/19

الحزب الإسلامي في أونتاريو يواجه مشكلة حقيقية تتعلق بعدم تقبله ليس من أتباع الديانات الأخرى في كندا فقط بل حتى من الكنديين المسلمين، فهو في نظر البعض تنظيم سياسي يهدد القيم الديمقراطية والليبرالية.

توظيف الدين في الحملات الانتخابية
طرح ظهور الحزب الإسلامي في أونتاريو باعتباره أول حزب إسلامي في كندا نقاشا واسعا داخل البلد، إذ أنه يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية داخل المجتمع الكندي وفي كل جوانب الحياة سواء اجتماعيا أو اقتصاديا. هذا الحزب الإسلامي الرافض للحريات الفردية، ومن بينها الاعتراف بالهويات الجنسية المختلفة وحرية تغيير الجنس والحق في الإجهاض والرافض أيضا للاختلاط بين الذكور والإناث داخل المؤسسات التعليمية، يستعد لخوض الانتخابات القادمة في أونتاريو التي من المقرر عقدها في يونيو القادم. لكن الحزب يبدو في صورة المغرد خارج السرب في بلد يقدّس القيم الديمقراطية والعلمانية، إذ تطرح أمامه معضلة الاندماج داخل المجتمع فهو مرفوض من المسلمين أكثر من أتباع الديانات الأخرى.

تستعد كندا لظهور أول حزب إسلامي فيها مع الإعداد للانتخابات العامة في مقاطعة أونتاريو هو الحزب الإسلامي في أونتاريو الذي يمهد لبدء نشاطه مع إتمام إجراءات التأسيس الرسمية المرتبطة بالوثائق والمعاملات الإدارية بموجب ما يقتضيه القانون الكندي المتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية. لكن هذا الحزب يواجه مشكلة حقيقية تتعلق بعدم تقبله ليس من أتباع الديانات الأخرى في كندا فقط بل حتى من الكنديين المسلمين، فهو في نظر البعض تنظيم سياسي يهدد القيم الديمقراطية والليبرالية، فيما يعتبره البعض الآخر أداة لنشر التطرف والتشدد.

تم حجز اسم الحزب الإسلامي في أونتاريو ضمن السجلات الرسمية لانتخابات المقاطعة في أكتوبر الماضي من قبل شخص يدعى جاويد أنور، حيث يشترط القانون الانتخابي في أونتاريو أن يقع حجز اسم الحزب قبل تنظيم الانتخابات وفي الأثناء يتم تسوية الوضعية القانونية لهذا التنظيم السياسي.

وفق الموقع الرسمي لانتخابات أونتاريو “يجب حجز اسم الحزب السياسي” قبل التسجيل للانتخابـات ويمنح القانون مهلة بسنة واحدة بدءا من تاريخ حجز اسم الحزب للتسجيل.

ويفتح باب تسجيل الأحزاب السياسية في أونتاريو مع الانتخابات العامة في المقاطعة، ولا يفرض القانون رسوما على تسجيل الأحزاب السياسية.

حجز اسم الحزب الإسلامي في أونتاريو لدى السلطات والاستعداد لبدء النشاط الفعلي لم يكن حدثا استحق اهتمام وسائل الإعلام الكندية في البداية، لكن مؤخرا بدأت الضجة تثار حول هذا الحزب ذي الخلفية الإسلامية في بلد يقوم على قيم الديمقراطية ويعتبرها من الأمور المقدسة بالنسبة له.

تعرض الحزب الإسلامي في أونتاريو إلى انتقادات كثيرة باعتبار أنه يحاول فرض رؤيته المستندة بالأساس إلى الأيديولوجيا على المجتمع الكندي الذي يعيش في كنف القيم الديمقراطية والليبرالية. هذه الهجمات ضد الحزب وجدت شرعيتها في إعلان الحزب الصريح على أنه يعارض بشدة القيم الليبرالية.

ويروّج الحزب الإسلامي في أونتاريو إلى فكرة اعتبار الإسلام دينا لأونتاريو. ورد في الوثيقة المنشورة على موقع الحزب والتي تتضمن مبادئه وسياسته أن “الحزب الإسلامي في أونتاريو يضع سياسة الحكم والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والرعاية الصحية والحياة الأسرية والبيئة والعدالة وفقاً للقرآن والسنة”.

لتحقيق أهدافه وبرامجه، يؤكد الحزب الإسلامي في أونتاريو أنه سيتبع الوسائل السلمية والديمقراطية التي يوفرها الميثاق الكندي للحقوق والحريات.

كما أثار الحزب جدلا عندما قال الصحافي الكندي طارق فتح إنه تعرّض للتهديد غير المباشر بالقتل من قبل جاويد أنور الذي وصفه بأنه “عدو للإسلام”. طارق فتح المنحدر من أصول هندية هو مؤسس المؤتمر الإسلامي الكندي الذي يعدّ منظمة إسلامية كندية تدافع عن الإسلام الليبرالي في البلاد.

أسس فتح ومجموعة من مسلمي تورنتو هذه المنظمة الفكرية بعد الهجمات على برجي التجارة العالميين في نيويورك في العام 2001، وأكدت المنظمة أنها تمثّل صوتا لكل المسلمين غير الممثلين في منظمات قائمة وتستمد مبادئها التوجيهية من الميثاق الكندي للحقوق والحريات والدستور الكندي.

يؤكد المؤتمر الإسلامي الكندي أنه يتطلع إلى اندماج المسلمين الكنديين مع غيرهم من المواطنين في مجتمع واحد يسعى إلى تقدم البلاد. وتؤمن المنظمة بالأفكار والقيم الليبرالية والتعددية والديمقراطية والعلمانية وبحرية الدين.

كل هذه القيم إلى جانب كل الجهود التي يبذلها المؤتمر لتقديم صورة إيجابية عن المسلمين من منطلق كونهم من أصحاب أفكار متقبلة للآخر ومؤمنة بالعيش المشترك القائم على أسس التسامح واحترام الحريات، أصبحت الآن مهددة مع قرب الظهور الرسمي للحزب الإسلامي في أونتاريو.

تؤكد الوثيقة المتضمنة لمبادئ الحزب الإسلامية في أونتاريو في باب السياسات الاجتماعية أن “العلاقة الجنسية هي فقط بين الرجال والنساء. وينبغي حماية هذه العلاقة بعقد زواج”. ولا يؤمن الحزب بالمثلية الجنسية أو بتغيير الجنس، إذ يعتبر أن الله خلق نوعين فقط هما الرجال والنساء.

ويتهكم الحزب على المفاهيم والرؤى الجديدة للهويات الجنسية بالقول إن “جعل الله آدم وحواء – ليس آدم وستيف”.

الحزب الإسلامي في أونتاريو قد يستقطب البعض من المهاجرين الذين يشعرون بالتهميش أو الاضطهاد في كندا

معارضة الحزب الإسلامي في أونتاريو لحق النساء في الإجهاض واضحة وصريحة، حيث يقول “نؤمن بفرض حظر كامل على الإجهاض إلا في حالة تكون فيها حياة الأم معرضة للخطر”.

وفي ما يتعلق بالحريات الشخصية يطالب الحزب بشكل واضح بوقف ما وصفه بـ”الفحشاء والابتذال والعري والانحراف”. كما يقر بوجوب حظر الخمور والمخدرات”. ويعدُ أنصاره ببناء “مجتمع محترم للآباء والشيوخ والأطفال والشباب والرجال والنساء”.

أما في باب السياسات التعليمية، فإن هذا الحزب الإسلامي يرفض اعتماد نظام الاختلاط بين الجنسين في المؤسسات التعليمية ويطالب بالفصل بين الإناث والذكور، حيث يقول “سندعم الانتقال التدريجي من التعليم المختلط إلى المدارس الخاصة بالجنس”.

وفي باب السياسات الاقتصادية، يقترح الحزب الإسلامي في أونتاريو نظاما اقتصاديا “يطبق المبادئ القرآنية للإنفاق كالصدقات (الصدقة) والاقتصاد الإسلامي الخالي من الفائدة.

الوثيقة التي تضمّنت الكشف عن مبادئ الحزب الإسلامي في أونتاريو تشير إلى أن هذا التنظيم السياسي سيمارس نشاطه انطلاقا من احترامه للميثاق الكندي للحقوق والحريات.

لكن هذا الأمر يكشف عن تناقض صارخ في أفكار الحزب ومشاريعه المستقبلية، حيث يوضح أن سياسته تقوم على المسؤولية “وليست سياسة الحقوق (لأي مجموعة)”، مما يجعله في تعارض تام مع الميثاق الكندي للحقوق والحريات ومع غيره من قوانين البلاد التي تضبط أسلوب عيش الكنديين وممارساتهم اليومية.

هذا التناقض والازدواجية في أفكار ومبادئ مؤسسي الحزب تبرز بشكل واضح أن الحزب الإسلامي في أونتاريو يواجه مشكلة اندماج حقيقة في المجتمع الكندي، فهو يروج إلى أنه يحترم الميثاق الكندي للحقوق والحريات ودستور البلاد وغيره من القوانين التي تعترف بالحريات الفردية، لكنه من جهة أخرى لا يؤمن بتلك الأفكار ويعتبرها من الأمور “الشاذة”.

قرب الظهور الرسمي للحزب الإسلامي في أونتاريو طرح العديد من الأسئلة حول أسباب تأسيس هذا الحزب في بلد متقدم القيم الديمقراطية والليبرالية فيه تعتبر من المقدسات، لكن الأمر ليس غريبا بالنظر إلى أن البلد أصبح يعتبر أحد البلدان المستقطبة للمهاجرين أعداد كبيرة منهم تنحدر من بلدان إسلامية أو يدينون بالدين الإسلامي.

كندا ليست استثناء غربيا في ما يتعلق بتأسيس الأحزاب الإسلامية، البعض من البلدان الغربية شهدت ظهور أحزاب إسلامية ففي فرنسا مثلا هناك اتحاد الفرنسيين المسلمين أو حزب مسلمي فرنسا وفي بريطانيا هناك الحزب الإسلامي في بريطانيا والأمثلة كثيرة في بلدان أوروبية أخرى. لكن هذه الأحزاب أثبتت على مر التاريخ الحديث فشلها في تحقيق نتائج ملموسة سواء من جهة اندماجها في المجتمعات الغربية التي تنشط داخلها أو في تحقيق نتائج انتخابية مما يكشف عن فشلها أيضا في حشد أنصار من داخل المسلمين المقيمين في تلك البلدان.

هذه الأحزاب الإسلامية ظهرت في صورة المغرّد خارج السرب في بلدان متقدمة قطعت العلاقة منذ زمن بعيد بين الدين والسياسة، وأسست لنظام فصل علماني يحترم قيم كونية أعمق وأشمل ووصل إلى درجة نضج تقدّر إعطاء الحقوق للأفراد واحترام حرياتهم الشخصية والأساليب التي اختاروهم سواء في ملبسهم أو مأكلهم أو في طريقة عيشهم التي يرونها مناسبة لهم.

الحزب الإسلامي في أونتاريو وبالنظر إلى المبادئ التي يقوم عليها سيكون مصيره كمصير غيره من الأحزاب الإسلامية في أوروبا أو غيرها من البلدان الغربية، قد يستقطب البعض من الفئات من أوساط المهاجرين الذين يشعرون بالبعض من التهميش أو الاضطهاد في كندا لكنه لن يستطيع تحقيق غنائم انتخابية ذات قيمة فقط بالترويج لأفكار شعبوية رجعية تتغذى على الأيديولوجيا وتنسى أنها في زمن ترك تلك الأفكار الأصولية وراءه. فهذه الأفكار لم تستطع أن تجد صدى لها في البلدان العربية أو الإسلامية مع وصول الحركات الإسلامية إلى الحكم في سنوات ما بعد ثورات الربيع العربي، فكيف يمكن أن تحقق أحلامها داخل مجتمعات متقدمة وفي بلدان غربية قوانينها الليبرالية والعلمانية صارمة.

وينتقد باحثون ومفكرون كثيرون سماح الحكومات الغربية بنشاط أحزاب إسلامية ويرفضون منحها تأشيرات عمل رسمية باعتبار أن مبادئها تناقض مع قيم الأساسية للمجتمعات الغربية ومن بينها العلمانية والديمقراطية. ويقول الكاتب وليد الحسيني، الباحث في قضايا الإسلام، في تصريحات لوكالة سبوتنيك، إن “الديمقراطية تحفر قبرها في الغرب، لأن قيم هذا النوع من الأحزاب هي ضد قيم الأنظمة الديمقراطية”.

*نسرين رمضاني/صحافية تونسية