منير الربيع: باسيل أكثر سوريةً من برّي المشبوه عند الأسد/عاصفة بري- الأسد ورياح الجنوب تضربان قمة بيروت

80

باسيل أكثر سوريةً من برّي “المشبوه” عند الأسد
منير الربيع/المدن/13 كانون الثاني/19

بين الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل، حسابات وخلافات متعددة. حسابات قائمة على تسجيل الضربات المتبادلة، في مبارزات دائمة. وهي إحدى ترسبات العلاقة السيئة مع الرئيس ميشال عون، والتي يصرّ باسيل دوماً على استثمار هذا الغياب المطلق للكيمياء بين الرجلين. وصلت الخلافات إلى حدود المزايدة على بعضهما البعض حول العلاقة مع سوريا. في معرض اعتراض برّي على إجراء القمة الإقتصادية في بيروت، بسبب عدم دعوة سوريا، وعدم تشكيل الحكومة، واتخاذ من دعوة الوفد الليبي ذريعة لتطيير القمة. خرج باسيل معتبراً أن موضوع العلاقة مع سوريا لا يمكن المزايدة فيه عليه، وهي حاجة وضرورة للبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً وتجارياً.

استرضاء دمشق
قال باسيل أكثر من ذلك مستهدفاً برّي، إذ اعتبر أنه لا يمكن لأي طرف يحاول إصلاح علاقته مع سوريا، أن يلجأ إلى المزايدة في موضوع القمة الإقتصادية. كلام باسيل يصيب برّي بوضوح، وهو هنا يلعب على وتر العلاقة المتوترة بين رئيس المجلس والنظام السوري. أكثر من ذلك، دوائر التيار الوطني الحرّ تعتبر أن برّي مضطر لاتخاذ هذا النوع من المواقف التصعيدية من أجل إصلاح علاقته مع دمشق، بعد تعافي النظام واستعادته لنفوذه في سوريا وفي لبنان. باسيل لا يطيق من يزايد عليه في موضوع العلاقة مع سوريا. وهو أيضاً يسعى إلى قطف ثمار مواقفه. الرجلان يسعيان إلى ترتيب أمورهما. وباسيل يعتبر أنها لحظة تاريخية لانتهاز الفرصة وتثبيت وضعه.

في المقابل، يعتبر برّي أن علاقته مع سوريا جيدة، وهو لطالما ذكرها في مواقفه وخطاباته، ومواقفه الأخيرة تشهد على ذلك. لكن على الرغم من ذلك، هناك من يصرّ على وجود حالة توتر بين رئيس حركة أمل والنظام السوري، ويعود إلى استقبال بري لباسيل في عين التينة، بعد كلام الأخير بحقه ووصفه بالبلطجي. خطوة بري تجاه باسيل بمسعى من إيلي الفرزلي، فهمه البعض بأنه رسالة سورية شديدة اللهجة، أجبرت برّي على التعامل معها. مواقف غيرها أدت إلى تراجع برّي أمام عون وباسيل، أيضاً وضعت في سياق الدعم السوري للتيار الوطني الحرّ بوجه رئيس حركة أمل، المغضوب عليه من قبل النظام.

سجل للمراجعة
بدأ التوتر في العلاقة بين بري والنظام السوري، في خطاب الواحد والثلاثين من آب عام 2011، يومها خرج بري ليقول: “أدعو الرئيس الدكتور بشار الأسد إلى حركة تصحيحية ثانية في سوريا”. وتحدث عن الحلّ السياسي. يومها بدأ الغضب منه، ونظروا إلى برّي من موقع الخصم أو الناظر بعين الخصوم. هنا بدأت تتجلى “نقزة” النظام في موقف رئيس المجلس. في العام 2012، أبدى العديد من التنظيمات والأحزاب اللبنانية الاستعداد لإرسال مقاتلين إلى سوريا، للمشاركة في مساندة النظام، بينما أحجمت حركة أمل عن ذلك، وحافظ بري على مسافة من كل هذه الأنشطة، كما احتفظ بعلاقة مع مختلف الدول العربية.

يفصل برّي مواقفه هذه أو المواقف التي تستهدفه، عن مبدأ النظرة الاستراتيجية لسوريا، وهو يعتبر أن العلاقة قدرية على مختلف المستويات، وأياً كانت الظروف. لكن علاقته بالأسد غير جيدة، إلا أن ذلك لا يحول دون حاجة لبنان الاستراتيجية لسوريا. ولذلك هو يتحدث عن سوريا الجامعة، ولم يعلن الولاء للأسد في سنوات الثورة. حتى أن بعض المحسوبين على النظام السوري، يتهمون برّي بالرهان على سقوط الأسد في السنة الأولى للثورة، ولذلك توعدوا باسم النظام السوري الردّ على ذلك. فيما بعد ظهرت تحولات في مواقف برّي تنفي الاتهامات التي صوبت تجاهه. في العام 2016، بدأ يتخذ مواقف أكثر وضوحاً تجاه سوريا، بعد تبيان التحول في المجريات السياسية. والخطاب ارتبط أيضاً بتحرك عملي، من خلال زيارات وزراء حركة أمل إلى سوريا، وصولاً إلى طروحات وزراء الحركة لتوقيع العديد من الاتفاقات مع النظام.

عاصفة بري- الأسد ورياح الجنوب تضربان قمة بيروت
منير الربيع/المدن/12 كانون الثاني/19

بمعزل عن أي إجراء يمكن اتخاذه بشأن القمة الإقتصادية العربية في بيروت، فهي أصبحت بحكم الفاشلة والمنتهية، سواء عقدت أم لم تعقد أو اتخذ قرار بتأجيلها، أو تغيير مكان انعقادها. طُوّقت القمّة بالسياسة بأكثر من سبب وذريعة. أولاً، بسبب عدم دعوة سوريا إليها. وبالتالي، رفع معادلة لا قمة من دون سوريا. وثانياً، واستكمالاً وتعزيزاً للسبب الأول، يأتي الإعتراض من قبل حركة أمل، ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، على دعوة الوفد الليبي. بل والتلويح بالنزول إلى الشارع، وقطع طريق المطار، لمنع الوفد الليبي من الدخول إلى لبنان. واستتبع هذا الموقف، بموقف للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حول رفض حضور الوفد الليبي. ما أدى إلى توتر العلاقة بين بعبدا وعين التينة، خصوصاً أن رئيس الجمهورية يصرّ على عقد القمة.

اصطناع مشكلة ليبيا
عدا عون والحريري، لا يبدو أن هناك حماسة لدى أي طرف لعقد القمة. كما أن ما جرى سيؤدي إلى تخفيض مستوى التمثيل. ما يعني ضرب القمة في الصميم، وقطع الطريق أمامها لإتخاذ أي قرار. وتعتبر مصادر متابعة أن موضوع ليبيا والإعتراض على دعوتها قد اصطنع. ويتساءل البعض عن سبب هذا الإعتراض، بينما ليبيا كانت قد شاركت في العام 2002 بالقمة العربية في بيروت، من خلال وفد رفيع المستوى. ولم تلجأ حينذاك حركة أمل إلى هذا النوع من التصعيد. لذان لا بد من ربط هذا الموقف المستجد بتطورات سياسية أخرى، خصوصاً أنه في العام 2002 كان القذافي لا يزال بالحكم في ليبيا، أما اليوم فإن القذافي في عداد الموتى.

وسط كل هذه التطورات، يتصاعد الموقف بشأن القمة الإقتصادية، المقرر عقدها في بيروت. وهناك من يعتبر أن إمكانية عقد القمة أصبحت صعبة جداً، بعد مواقف الرئيس نبيه بري، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وهذا قد يدفع الجامعة العربية إلى اتخاذ قرار، إما بتأجيل القمة أو بنقل مكانها، فيما الأنظار متجهة إلى رئيس الجمهورية، وما سيفعله، كردّ على محاولات إفشال القمة. وتضع بعض الأوساط تصعيد برّي بأنه جاء في سياق الاستجابة لانتقادات سورية لمواقفه. فبعد هذه الانتقادات لجأ برّي إلى التصعيد (إرضاء للأسد)، تحت شعار لا قمة من دون سوريا.

العاملان الإيراني والإسرائيلي
أيضاً من بين الأسباب، التي قد تدفع إلى تأجيل القمة، أو تغيير مكانها، هي التطورات الجارية في الجنوب، والإستنفار الذي أعلنه الجيش اللبناني، ردّاً على الاعتداءات الإسرائيلية. فهكذا، يمكن لأي طرف التذرّع بالوضع الأمني لضرب القمة، وعدم انعقادها. لكن، حتى الآن، الدوائر المعنية تستمر بالترتيبات اللوجستية لعقد القمة وإنجازها. وهناك من يؤكد أن لا قرار بتأجيلها أو إلغائها، لأن رئاسة الجمهورية مصرّة على عقدها.

ولا يمكن إدراك هذه التطورات الحدودية والإصرار على الربط بين عقد القمة ودعوة سوريا من قبل بعض الأطراف، إلا بالإشارة لربط الإيرانيين المسارات بين سوريا ولبنان، إنسجاماً مع موقف سابق لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، حول توحيد الجبهات بين لبنان وسوريا، لمواجهة أي احتمال عسكري إسرائيلي. فهذا بلا شك يستخدمه الإسرائيليون في طروحاتهم، الهادفة إلى تحجيم نفوذ إيران في الجنوبين السوري واللبناني، في إطار المسعى الإسرائيلي لتأمين حدودها.

الموفد الأميركي
وهنا أصبح لا بد من طرح سؤال أساسي، حول ما إذا كانت الضغوط الإسرائيلية والأميركية، هادفة حقاً إلى تحجيم نفوذ إيران في جنوب لبنان كما في جنوب سوريا؟ وهذا بلا شك، سيستدعي ردّاً من قبل حزب الله. وهناك من يعتبر أنه إذا ما أصر الإيرانيون على موقفهم، بمواجهة التفاهم الأميركي الروسي في سوريا، القائم على بلورة وصاية أميركية روسية على المنطقة مقابل إبعاد إيران، فإن كل التطورات ستكون مفتوحة على جملة إحتمالات، لا تخلو منها إمكانية توجيه ضربة إلى القوات الإيرانية، أو القوى المتحالفة معها كحزب الله في لبنان مثلاً.

لا شك أن الوضع يوحي بالتأزم. لكن هناك من يستبعد إمكانية الذهاب إلى خيار عسكري. فهو ليس في مصلحة الطرفين. وطالما أن هناك قنوات أميركية إيرانية تتفاوض. وبالتالي، فإن منطق التحجيم الأميركي للنفوذ الإيراني في المنطقة، يندرج في إطار المفاوضات، ولا يستند إلى ضربة عسكرية، خصوصاً في ضوء المحادثات غير المباشرة بين إيران وأميركا، وثانياً من خلال زيارة موفد أميركي إلى لبنان، خلال يومين، للبحث في كيفية سحب عوامل التوتر، وإيجاد حلّ لترسيم الحدود، وملف الأنفاق.

لم يبادر السوريون حتى الآن تجاه برّي لملاقاته في منتصف الطريق. لأنهم يعتبرون أن موقفه رمادي، وهذا غير مقبول إطلاقاً لدى النظام، الذي يعتبر أن على برّي أن يبقى ملتزماً بالخط السوري. وما زاد التوتر بين الجانبين، هو ملف هنيبعل القذافي الذي تم خطفه من سوريا، حين كانت تحيطه بحماية واهتمام، نظراً لاعتباره أحد أكبر المتمولين الموجودين في سوريا. وتداعيات هذا الملف تظهر اليوم من خلال مساعي روسية وسورية لإطلاق سراحه.