علي الأمين: حزب الله عدوّ إسرائيل وحليفها الموضوعي في خراب المنطقة

71

حزب الله عدوّ إسرائيل وحليفها الموضوعي في خراب المنطقة
علي الأمين/العرب/07 كانون الثاني/19

العاصفة نورما التي تضرب لبنان، نقلت اهتمامات اللبنانيين نحو متابعة تفاصيل مرور العاصفة وسيرها بين المناطق اللبنانية وعلى طول الساحل اللبناني الغربي، وتفتقت العقول عن عشرات النكات التي تعكس أريحية اللبنانيين، الذين راحوا يتسقّطون أحوال المناخ على أحوال السياسة في طرائف تتناول المشهد السياسي البائس من باب العاصفة. ليس الطقس استثنائياً، ولا الأمطار غير مسبوقة، ولا العاصفة هي الأولى التي يشهدها لبنان، لكن ما يفسر تعامل اللبنانيين الملفت على وسائل التواصل الاجتماعي مع مجريات المشهد المناخي، هو الملل من تكرار الشيء نفسه في دوائر الحياة السياسية التي صارت مأسورة لسطوة سلاح من خارج الدولة من جهة، وألعاب سياسية مملة تمثلها مواقف استعراضية فارغة لقوى سياسية ومسؤولي أحزاب من جهة أخرى، وهي تبدو تعويضا عن الغياب الفعلي عن مركز القرار المصادر أصلا، فيما يتحول الزجل السياسي الذي يقع على هامش الفعل السياسي الذي تكمن مقاليده خارج المسرح السياسي، إلى محاولة بائسة وخبيثة في آن، لتظهير أن المشكلة في لبنان تقبع في القعر الطائفي أو في ما يسمى المحاصصة السياسية، وهي عناوين تكتسب حضورها الشكلي، باعتبارها المساحة أو الملعب المسيج إقليميا ودولياً، الذي يجب أن يتقيد اللاعبون بحدوده من دون تخطي حدوده المرسومة.
يحق للبنانيين أن يتنافسوا على حصص ومكاسب تسمى حصص الطوائف أو المسيطرين عليها. منابر السياسة والإعلام مسخرة للتناطح حول هذه الحصص وعلى المواقع في الدولة، ومن يريد أن يدخل النادي السياسي في لبنان، يجب أن يبدأ من أنه يدخل إلى الملعب من باب الدفاع عن حقوق طائفته وكرامتها، وأن يثبت قدراته على أنه يستنفر غرائز مذهبية وطائفية أفضل من قرينه سواء في طائفته أو في المقلب الآخر، وربما في المقالب الأخرى. هذا متاح للجميع ومن دون عوائق، بل بمحفزات يمكن مشاهدتها عبر كل المنابر الإعلامية التي باتت مستسلمة لمشهد الزجل السياسي الذي يرسخ دور السياسة كما هو في لبنان اليوم على الهامش، فيما تأبى الاقتراب من مركز السلطة القابع فوق الدولة وخارج المؤسسات.
هكذا يعاد إنتاج المزيد من الشيء نفسه في لبنان، ولكن بمهزلة غياب الدولة أو هزالها تتحول الثقافة السياسية إلى مجرد عناوين هامشية في مقاصد الدولة، إلى عصبيات طائفية ومذهبية تجري حمايتها، وحصر تعبيراتها في بناء ثقافة الخوف من الآخر. هذا الخوف تجري عملية تغذيته كي يتحول إلى متنفس لجمهور يشعر بانتهاك كرامته، بل ومصادرة أدنى حقوقه. جمهور يدفع من قوته ودمه أثمانا عالية لغياب الدولة أو تغييبها، وبالتالي فإن الغضب الذي يعتمل في داخل المواطن الفرد أو المجتمع، لا يترجم إلى فعل سياسي وطني، بل يجري تطويقه بإثارة النعرات الطائفية وبالترهيب والتخويف، ليترك للمواطنين منفذاً واحداً لن يحاسبهم أحد على الخروج منه، هو منفذ رمي المسؤولية على الآخر أي الطائفة الأخرى والمذهب الآخر. عبّر في هذا المجال كما شئت وكيفما تشتهي، واغضب ضد المختلف طائفيا ولكن إياك أن تقترب من السلطة الفعلية، ومن يدير هذه اللعبة الخبيثة ويشرف على تفاصيلها.
على رئيس الجمهورية وهو يقوم بدوره الدستوري كرئيس للدولة والشعب، أن لا يمارس صلاحياته التي تتصل بالدستور باعتباره حامي هذا الدستور والقائم على تطبيقه، وما يجب أن يتناوله في ممارسة دوره، هو عدم الاقتراب من القضايا السيادية التي تتصل بأولويات قيام الدولة، ولا يخفى على القارئ أن الرئيس لا يصل منصبه، إنْ لم يكن يدرك هذه الحقائق التي عليه الالتزام بعدم الاقتراب منها كسيادة الدولة وحق احتكار العنف المشروع بيد الدولة. والمفارقة أن ما لا يحاسب عليه هو أن يخرج، صباح – مساء، ليطالب بتحسين شروط طائفته في السلطة، هذا متاح بل يجري التحفيز على الغرق فيه، طالما أن الموضوع الفعلي والأساسي، أي الدولة، لا يقاربه ولا يمسه من خلفه أو أمامه.
وليس رئيس الحكومة أفضل حالاً، فليقاتل كما يشاء من أجل منصب إضافي لطائفته في هذا الموقع أو ذاك، وليستصرخ من يشاء من أهل السنة في سبيل حقيبة وزارية أو بناء مسجد أو حماية مفسد أو غير مفسد في الإدارة باسم طائفته، ولكن إياك أن تتحدث باسم اللبنانيين، أو أن تمارس صلاحياتك الدستورية باعتبارك رئيس حكومة لبنان، فذلك أمر فيه خروج على شروط اللعبة السياسية التي رسمت لك. وهكذا دواليك في مواقع السلطة الشكلية المتمثلة في الدولة اللبنانية ومؤسساتها، إنه مسرح هامشي ومحكوم بأن يبقى في حيز التنازع الطائفي، وأن لا ينتقل إلى خطاب الدولة كصاحبة الشرعية في مواجهة كل نقيض لها وغير شرعي.
ما يجعل هذه المعادلة قوية وصامدة رغم الكوارث الاقتصادية والمالية التي تسببها للمؤسسات والشعب، هو الحماية الإقليمية والدولية لها، لا بل الرعاية الإسرائيلية غير المباشرة لنموذج الدولة الفاشلة القائم على حدودها. ما تريده إسرائيل بالدرجة الأولى في لبنان أمكن لها تحقيقه من خلال جعل معيار الموقف من لبنان، هو من يحولُ دون تحول حدودها معه إلى منطقة مشتعلة بالحرب أو منطلقا لعمليات عسكرية ضد احتلالها لفلسطين، ومن يستطيع أن يوفر هذه الوظيفة يصبح موضوعيا ضرورة إسرائيلية طالما أن البدائل الأخرى غير متوفرة.
هذه الوضعية القائمة اليوم والمستندة إلى معادلة “حماية أمن الجليل”، ذلك الشعار الذي كان عنوان أول اجتياح إسرائيلي للبنان في العام 1978 في مواجهة العمليات الفدائية، أمكن لإسرائيل تحقيقها اليوم، بحيث تحقق الاستقرار على هذه الحدود، ولو كان في ظل خطب نارية ممانعة، ستبقى ضرورية طالما أن وظيفتها الفعلية منع قيام أي عملية عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من جنوب لبنان.
يوفر ما تقدم ولضمان استمرار الاستقرار على الحدود، تعزيز المعادلة التي تحمي هذا الاستقرار، وهذه المعادلة تتطلب إطلاق يد حزب الله في الداخل، وتنفيس الاحتقان إنْ وجد في اتجاهات معاكسة، أي أن هذه القوة التي يمثلها حزب الله عسكريا، يجب أن تعبر عن قوتها وفائض حضورها وانهماكها في المقلب اللبناني والمقلب العربي، وهذه أكبر هدية يمكن أن تقدم لإسرائيل، فهي إن كان لديها قلق من الذراع الإيرانية في لبنان في زمن ما، فمع إيغال هذه الذراع بالدماء العربية، وفي تهميش الدولة اللبنانية وفي استثمارها المذهبي والطائفي في لبنان، فإن النتيجة الطبيعية هي المزيد من الربط إلى حدّ الحلف الموضوعي والجدلي بين استقرار حدود إسرائيل في لبنان من جهة، وضمان بقاء حزب الله منهمكا في العبث في لبنان والساحات العربية من جهة أخرى.
لا يمكن لإيران أن تقاتل عدوين؛ واحد في الدول العربية وآخر هو إسرائيل، وطالما أن العداء الذي تورطت به عربياً، بات من الصعب طيه في مدى قريب، فإن الحرب مع إسرائيل باسم فلسطين أو القدس وما إلى ذلك من شعارات استخدمتها وتستخدمها اليوم بنسب متدنية، باتت غير ممكنة، بل غير واردة.
الخلاصة أن الدمار الذي طال العديد من الدول العربية، وأدى إلى تشقق المجتمعات في تلك الدول، كان لإيران دور محوري في الوصول إلى حصيلته، ولا يعني ذلك أن إيران وذراعها حزب الله في أحسن أحوالهما، بل يجب الانتباه إلى أن حزب الله فقد كل علاقة مع أي مشروع يقوم على نهضة عربية ووطنية لبنانية، ومن يدقق ويتعمق في خطابه وفي بنيته الأيديولوجية سيكتشف الهزال الذي وصل إليه، بكونه حزبا قصارى ما يسعى إليه النطق باسم الشيعة، وما ينجّيه ويجعله يبدو متماسكا وقوياً ليس إلا كونه لم يزل حاجة لاستمرار الاستقرار على حدود إسرائيل الشمالية.
لبنان سيبقى أقل أهمية من استقرار حدود إسرائيل، والعاصفة نورما التي ينهمك اللبنانيون في تتبع بعض أضرارها والتهكم من خلالها على المشهد السياسي البائس في ساحتهم، لن تجعلهم أكثر من مجرد شهود على مدى استعداد الغرب والعرب على جعلهم رهينة لحسابات إيرانية وإسرائيلية حوّلت لبنان إلى نموذج للدولة التي يُراد للعالم العربي أن تكون مثاله، من العراق إلى اليمن فسوريا.. والبقية تأتي إن لم تعتبر.
* نقلا عن “العرب”