مصطفى علوش: حول دولة يتيمة على مائدة لئام

74

حول دولة يتيمة على مائدة لئام
مصطفى علوش/المستقبل/12 كانون الأول/18

“إن أدنى مراتب الجحيم مرصودة لمن يتخذون موقف الحياد في الأزمات ذات الطابع الأخلاقي” (دانتي من الكوميديا الإلهية)

مضنية تلك الحوادث التي مرت ثقيلة بوقعها وبمؤشراتها على البلد في الأسبوعين الماضيين.

الحدث الأول كان قصة الجاهلية. بالمختصر المفيد، وخارج نطاق الضوضاء والغوغاء المقصودتين اللتين رافقتا القضية، فإن القصة هي محصورة بملف قضائي أمني، وبالتالي، فهو في دولة طبيعية يجب أن يتم بشكل طبيعي دون كلام كبير وخطابات نقلت عن قصد القضية من سياقها الأساسي، لتتحول إلى مسألة شائكة تحولت إلى كرة نار، ما لبث المسؤولون أن بدأوا بتقاذفها ورميها كل واحد منهم إلى حضن الآخر. لو فرضنا أن القضاء يتصرف كسلطة مستقلة بناءً على مقتضيات القانون، وبما أن الأقوال التي تم التفوه بها في مقابلات وتسجيلات أدت بشكل مباشر إلى وضع السلم الأهلي، المهزوز أساساً، على شفير الإنفجار، فكان على المؤسسة القضائية التحرك بشكل تلقائي، لتطويق الحدث ووضعه في إطاره القانوني القضائي، وذلك كوسيلة منطقية لتطويق ردات الفعل المرجحة. يعني أنه بما أن القانون والقضاء وأدواتهما هي من أسس الدولة التي تسعى إلى تأمين الإستقرار الإجتماعي، فإن تأمين وسائل الحماية الأمنية للقرارات القضائية هو واجب أولي للدولة، وأن الدولة هي كيان معنوي غير حزبي ولا يستند إلى وجهات نظر، على الأقل بالنسبة للرعايا المتواجدين في ظل تلك الدولة.

هنا بيت القصيد، فقد أتفهم أن يخرج معارض سياسي للحديث عن ظلم الحكومة، أو أن يذهب رئيس عصابة إلى العصيان ومقاومة أجهزة الدولة، أو أن يقاوم مطلوب أثناء محاولة القبض عليه لتنفيذ استنابة قضائية في حقه… لكن ما لا يمكن فهمه أو تسويغه هو ذهاب من هم في لب المسؤولية في الحكم والمناط بهم صيانة كيان الدولة إلى أن يتخذوا موقف الحياد في قضية واضحة كقضية الجاهلية تتعلق بسلطة الدولة بكاملها، من رأسها إلى آخر موظف في سلسلة الرتب، هذا كي يستحقوا رواتبهم على الأقل.

ما حاول بعضهم هو تصوير قضية الجاهلية بأنها خلاف بين قوتين مسلحتين شرعيتين، قوى الأمن من جهة الموكلة حسب القانون بتنفيذ أوامر الدولة، في مواجهة عصابة مسلحة (حسب التوصيف الرسمي لأي مجموعة مسلحة غير القوات الشرعية) على قضايا شخصية. وتجول بعضهم على مختلف الأطراف؟ للتوفيق بينهم معتبرين أن القوى الأمنية الخاضعة لسلطة الدولة أخطأت بحق العصابة المسلحة التي انتهكت عدداً لا يمكن حصره من قوانين، تلك الدولة التي كلفت القضاء والقوى الأمنية برعاية تطبيق القانون.

وجه الحياد السلبي الآخر كان في قضية الأنفاق العابرة للحدود التي قال العدو عنها بأنها أنفاق ذات طابع هجومي، وهي بالتالي إن وجدت فهي انتهاك واضح للقرار 1701 الذي أمن الهدوء في الجنوب منذ وضعه حيز التنفيذ. في البداية كان الحديث عن مزاعم إسرائيلية، والعدو معروف بفبركة الأخبار الخبيثة، حتى تلك التي يستشهد بها قادة “حزب الله” من وقت لآخر! والحق يقال، فإن انتهاكات العدو للقرارات الدولية بأجمعها منذ القرار 192 يدفع الجميع للدفاع عن قصة الأنفاق بأن العدو هو من لا يلتزم! وهذا كلام دقيق، لذلك فمن حق لبنان أن يؤمن التوازن العسكري مع العدو من خلال خرق مماثل كأن تخرق الطائرات الصديقة المجال الجوي للعدو مثلاً؟ وبما أن ذلك صعب بما عدا بضعة طائرات إيرانية خلبية أسقطها العدو سابقاً، فقد تكون الأنفاق خيار لبنان! وإن كان كذلك، فعلى الدولة بأجمعها أن تدافع عن هذا الخيار بخرق القرار 1701 ، وهذا يعني حتماً الخروج منه والطلب إلى مجلس الأمن بسحب قواته الدولية التي فشلت بمنع العدو من خرق القرار.

لكن لنعد إلى الموضوعية بدل الإغراق بالفرضيات الوهمية، وبما أن مصلحة لبنان والجنوب بالذات هي بالمحافظة على القرار بالرغم من الإستفزازات العدوة، فقد كان على الدولة بأعلى مستواها أن تستدعي مسؤولي “حزب الله” وتطلب منهم التوقف عن أعمال تؤدي إلى الضرر بمصلحة لبنان. بالتالي عدم حفر أنفاق يمكن أن يكتشفها العدو؟؟؟ لكن صاحب الحل والربط اختار الحياد حتى في مسالة تتعلق بضمان مصلحة لبنان بالقرار الدولي في مواجهة الخيارات الكارثية.

الواقع المضني هو أننا في دولة يتيمة على مائدة لئام.

(*) عضو المكتب السياسي في تيار “المستقبل”