منير الربيع:أخبار الطبل والأسد والعيش في المهزلة/ضحكاته التي تفرقعت بحضور وفد حزب الله بددت أي وقار أمام الموت

163

أخبار الطبل والأسد والعيش في المهزلة

منير الربيع/المدن/08 كانون الول/18

ضحكاته التي تفرقعت بحضور وفد حزب الله بددت أي وقار أمام الموت

نجوم التفاهة إذ تتجسد، فلا بد أنها هنا، في اليوميات اللبنانية. “أبطال” هزليون يهيمنون على الشاشات ويستولون على الصدارة.

منهم من يدّعي الحِداد على مرافق شخصي قُتل غدراً أو خطأً، لمصالح مشتهاة.

منذ اللحظة الأولى بدأ رقصه على الميت، وانفلتت شراهته على الهذر والخلط في ساعة الحداد.

في اليوم الثاني، بدا مزهواً في استعادة بعض عطف خسره من راعيه.

الصغائر والحزازات

ضحكاته التي تفرقعت بحضور وفد حزب الله، في “الجاهلية”، بددت أي وقار أمام الموت، وأي احترام للفقيد وأهله.

بددت الصفاقة بداهة اللياقة بالوقوف أمام جلالة الموت والحزن. وعلى نحو استعراضي مخزٍ، وقف ضاحكاً وسع شدقيه، رافعاً يديه المشبكتين بأيادي مسؤولي الحزب، مبتهجاً بالأضواء، بالفرصة الذهبية للعب دور بطولة درامية وسياسية، مجوفة من الخجل والوجل، بالغة “التمثيل” والدجل. مقابل تطاول رجل الجاهلية ميليشياوياً وإعلامياً، علاوة على تماديه في استعراضاته، كان الخصم المفترض به الفعل، لا الرد اللفظي.. يلجأ إلى الاستعراض عسكرياً في البداية، وسرعان ما تراجع، آثراً الاستعراض الكلامي مستعيناً بلغة كليلة ودمنة وأخبار الطبل والأسد.

 قد تكون الرموز التشبيهية ملائمة هنا.

تأسّدٌ على فقراء ومخدوعين، وطبلٌ على مثال لعلعة الكلام وخوائيته.

في المحصلة، ما الذي تحقق من استفاقة الدولة لاستعادة هيبتها؟

قتيل وحسب، خلّف وراءه أرملة وعائلة مفجوعة. ضاع دمه بين القبائل.

حادثة يتم تدويرها واستهلاكها وأسطرتها واستثمارها كذخيرة في لعبة الصغائر والحزازات التي تنتجها التفاهة اللبنانية، بوصفها حاجة دائمة إلى الاثارة، التي تعتاش منها يومياتنا السياسية، في لعبة الطوائف والعصبيات، وتشتغل فيها وتحيكها غرف سوداء وصالونات فاسدة.

على إيقاع هذه الإثارة كما على حبال افتعال التوتر (الأمني وغير الأمني)، يتراقص موتورون، لا يعرفون عيشاً إلا بحثاً عن أضواء ولو من حرائق.

ولا يجدون مكاناً إلا في فقاعات الفراغ. ولا يتنفسون إلا زفرات النميمة، ولا يحاورون إلا ابتزازاً  وتهديداً.

لا إرادة ولا قرار

ومن ضحالة سياستنا، أن يُشغل الغابة طبل على شجرة، وأسد أعرج لم يزأر إلا  ليثير غبار الهباء.

من سقم يومياتنا، أن تقودنا سلطة كلما وعدتنا بالنهوض وقع علينا المزيد من الركام. سلطة كلما خطت خطوة داست براعمنا الخضراء، فلا أزهرت حياتنا ولا استقام بناؤنا.

العراضة الأمنية يوم السبت الفائت، كمثل أي استعراض للدولة: سلاح بلا إرادة ولا قرار.

والنتيجة كانت احتفالاً مدرسياً أو هو كالعرض العسكري يوم الاستقلال. يوم واحد تعم فيه الاحتفالات ثم يعود الجميع من حيث أتوا.

للأسف هذا “الزهو” الاستقلالي الذي لا يعكّره حرق وجرف حواجز للجيش في حي الشروانة بمدينة بعلبك، فهذا من العاديات التي لا تلفت النظر، ولا يجرؤ أحد على شجبها أو التصدي لها بوصفها إرهاباً.

أو ربما حي الشراونة وكل تلك البقاع البعيدة جمهورية مختلفة، منسية، خارجة مدار “الرفعة الحضارية” أو “التمدن” للإليغانتية اللبنانية.

بل ربما ما يجمع بين تلك المنطقة النائية و”الجاهلية” هو غيابهما عن جدول اهتمامات رئاسة الجمهورية.

فلا بأس بما يجري خارج حدود كسروان والمتن، ولا بأس بما يحدث هنا وهناك، طالما خطوط التوتر الكهربائي لا تعبر فوق المنصورية، وباخرة المحارق والحرائق لا تلامس سواحل الذوق.

الجبروت

بالعودة إلى “الجاهلية”، سنرى ما تنتجه اللعبة اللبنانية من ابتداع للتسويات، على شاكلة “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم”، ولا يأكل الأسد الطبل، بل ربما يتحول الأمر سيركاً من مديح وهجاء. وعلى هذا المنوال، لا ينتهي الشذوذ ولا يُنهى المتطاول والعابث عن أفعاله.

نجم التفاهة هذا، يغيّر بعضاً من ملابسه، ويوضب سلاحه إلى حين، ويكف لسانه إلى غد قريب.

من توهم أن أسدنا المحلي (أسد الدولة والسلطة) قد أخاف صاحب الطبل، أصابه الخذلان سريعاً.

ففي هذه الغابة، لا أحد يخيف ولا أحد يزأر حقاً ولا أحد يملك أنياباً إلا هذا الكاسر: حزب الله. جاء صوته من فوق كقاض مطلق الصلاحيات، وحكم في الجميع: التعادل المهين.