فارس خشّان/حزب الله القوي في لبنان الضعيف وأمسك كليا بالقرار اللبناني كما بالمصير الوطني وبات هو من يضع المعايير ومن يفرض الشروط ومن يتحكّم بدفة الأمور

108

حزب الله’ القوي في لبنان الضعيف
فارس خشّان/الحرة/07 كانون الأول/18

ما إن دخلت صفة “القوة” إلى القاموس السلطوي اللبناني، حتى ظهرت الدولة اللبنانية في أضعف حالاتها.

هذا الضعف ليس جديدا بطبيعة الأمر، ولكن “الضد يظهر حسنة الضد”، كما أن البعض لم يلجأ إلى توسّل شعار “القوة”، لو لم يكن ضعف الدولة من مسببات “الأنين” اللبناني.

ولكن ما حاول “شعاريو” القوة تجاوزه، يكمن في معرفتهم الدقيقة بأن المسبّب الرئيس لضعف الدولة هو بالذات “ولي نعمتهم”. وبهذا المعنى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يكن العماد ميشال عون ليصل إلى رئاسة الجمهورية ويطلق على نفسه لقب “الرئيس القوي”، لولا إصرار “حزب الله” على إدراجه مرشحا وحيدا على الأجندة اللبنانية، وافتعال الحزب فراغا دستوريا مديدا حتى يتمكّن من فرضه فرضا على سائر المكوّنات الوطنية.

منذ انتقال عون من الرابية إلى بعبدا، أخذ “حزب الله” كامل راحته في البلاد، حتى أصبح المرجعية الأمنية الحاسمة في البلاد و”حزب الله” لم يعتمد خيار عون لأنّ برنامجه للرئاسة القوية سحره، بل لإدراكه، بالتجربة، أن “الجنرال” الذي يملك ما يعينه من مشروعية شعبية يحتاج إلى ما يكفي من شرعية دستورية، حتى يساعده على بسط هيمنته على ما تبقى “متحرّرا” في الدولة.

وبالفعل، ومنذ انتقال عون من الرابية إلى بعبدا، أخذ “حزب الله” كامل راحته، حتى أصبح المرجعية الأمنية الحاسمة في البلاد. وبناء عليه، فإنّ “حزب الله” الذي يشارك، مرتاحا إلى التغطية الرسمية، في الحروب العابرة للحدود وفق ما ترغب به إيران، هو الذي يشرف على إيجاد كل ما يلزم من حلول لمخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما حصل مؤخرا في مخيم “المية ومية”، وهو الذي رسم خطا أحمر حول “زلمته” وئام وهاب عندما تحرك القضاء اللبناني والضابطة العدلية ضده، بعيد اتهامه بارتكاب جرائم من شأنها المس بالسلم الأهلي، وهو الذي فرض معادلة تحول دون أو تتيح، انجرار “الجبل الدرزي” إلى البقع المضطربة.

باختصار، فإن “حزب الله”، وفي ظل تنسيب صفة “القوة” لفظيا إلى الدولة، دخل ظافرا فعليا إلى دائرة “صانع الاستقرار”. وتكريس “حزب الله” لموقعه هذا على حساب الدولة المشلولة مؤسساتيا بسبب شروط وضعها الحزب نفسه وحالت دون تشكيل الحكومة، يأتي في توقيت استراتيجي إسرائيليا وأميركيا وأمميا.
على المستوى الإسرائيلي، تستجمع تل أبيب أوراقها ضد لبنان، تارة باسم معلومات عن مصانع صواريخ أنشأتها إيران للحزب في محيط المرافق العامة الحيوية، وتارة باسم أنفاق شقها الحزب تمكّنه من الدخول إلى الجليل، بما يشكل خرقا كبيرا للقرار 1701 الذي يرعى الواقع الحدودي، منذ انتهاء حرب تموز/يوليو 2006.

وعلى المستوى الأميركي، تستكمل واشنطن عدّتها القانونية لفرض مزيد من العقوبات على “حزب الله” المصنّف منظمة إجرامية عابرة للحدود.
أمسك “حزب الله” كليا بالقرار اللبناني وبالمصير الوطني، وبات هو من يضع المعايير ومن يفرض الشروط ومن يتحكّم بدفة الأمور. أما على المستوى الأممي، فيواصل قضاة الغرفة الأولى في “المحكمة الخاصة بلبنان” مذاكراتهم السريّة في ملف المتهمين ـ وهم من “حزب الله” ـ باغتيال الرئيس رفيق الحريري، تمهيدا لإصدار حكم بحقهم، يرجّح أن يكون موعده في شباط/ فبراير المقبل.

وفي كل هذه الملفات، ثمة حاجة إلى مرجعية لبنانية حاسمة للتعاطي، وفق ما تفترضه القوانين والمعاهدات الدولية، مع التحديات الإقليمية والدولية.
وقد بيّن “حزب الله” في التطورات المتلاحقة لبنانيا أنه هو “الآمر الناهي” وأن أي مرجعية لبنانية تتخطى إرادته وشروطه هي مرجعية عاجزة، ومهددة.

وهذا يفيد بأنّ “حزب الله” أمسك كليا بالقرار اللبناني كما بالمصير الوطني، وبات هو من يضع المعايير ومن يفرض الشروط ومن يتحكّم بدفة الأمور.

وتأسيسا عليه، فإن من يتغنّون بصفة “القوة” إنما يصرفون وقتهم في لعبة بروتوكولية تضمن بعض المنافع الخاصة، فيما “حزب الله” الذي “يهبهم” المراكز يستجمع كل عوامل القوة ليحمي أهدافه، في صراع إقليمي كبير قد يطيح مفهوم الدولة الذي عرفها اللبنانيون منذ العام 1943.