باسكال بطرس/مدرسة دير الآباء الميختاريست مهددة بالزوال

87

مدرسة دير الآباء الميختاريست مهددة بالزوال
باسكال بطرس/المدن/17 تشرين الثاني/18

بعد إثارة قضية إقفال مدرسة الليسيه عبد القادر، الأسبوع الماضي، والتي انتهت بنفي مكتب مالكة العقار هند الحريري ما وصفه بـ”الشائعات”، عاد ملف بيع مدرسة دير الآباء الميختاريست التابع لطائفة الأرمن الكاثوليك في الحازميّة، إلى الواجهة من جديد. فبعد مرور ثلاث سنوات على وقف مشروع البيع، هزّ الرأي العام اللبناني خبرُ عزل مدير المدرسة الأب جوزيف طوباليان وقطع الموارد المالية عنها، مُنبئاً بتشريد 300 طالب وثلاثين أستاذاً من مدرسةٍ شُيّدت منذ سبعين سنة “لتعليم أولاد فقراء الأرمن”، كما هو مكتوب على لوحةٍ عند مدخلها، فيما باتت تضمّ اليوم “أولاد الفقراء” من مختلف الطوائف.
طوباليان المتهم
“نادراً ما سمعتُ عن شخص يعتبره الفقراء أبًا لهم مثلما يعتبر أهالي الحازمية وجوارها الأب طوباليان”، يقول كاهن رعيّة القدّيسين بطرس وبولس للروم الأرثوذكس في الحازميّة الأب ايليا متري. صحيح أن الكاهن أب. ولكن، ليس جميع الكهنة يناديهم الناس، بدلاً من اسمهم، “أبا الفقير”.
آلاف الشّهادات عن مكارم الأب طوباليان تتردّد في بلدة الحازميّة، مشيدةً بـ”عطاءاته ومحبّته اللامتناهية” التي تغمر الفقراء منذ أكثر من ستين سنة، على رغم من كلّ الصعوبات التي واجهته، وتدعوه إلى أن يبقى صامداً قوياً كما عهدوه دائماً، موقنةً بأنّ “الله لا يترك الذين يحبّون الفقراء مثله”. “أعيدوا لنا الأب طوباليان”، “أنصفوا مدير مدرسة الميختاريست”، “لا تحرمونا المدرسة التي تأوينا”، “اعتصام الصغار ضد تسلّط الكبار”، وغيرها من الشعارات رفعها التلاميذ وأهاليهم، إلى جانب الأساتذة الذين حرموا قبض رواتبهم الشهر الماضي، وذلك خلال اعتصام نُظّم على مدخل المدرسة تضامناً مع مديرها، مستنكرين توقيفه وعزله، بناءً على دعوى مقدمة ضده من الرهبانية في البندقية، أمام النيابة العامة في بعبدا، بتهمة إساءة الأمانة، وتطالبه بتحويل عائدات الإيجارات إليها.
التلميذة النائبة يعقوبيان
“اليوم، وبعد خمسين عاما من نذوره وتضحياته، تقول تلميذة الميخاريست النائب بوليت يعقوبيان، لم يبق للدير من يدافع عنه ويتصدّى لعملية بيعه، ولم يعد للأب طابوليان غرفةً يأوي إليها. تشارك يعقوبيان طلاب “مدرستها الحبيبة” دموعهم الممزوجة بالحزن تجاه مصير من هو بمثابة أب حقيقي لهم، والخوف والقلق الشديد على وضعهم الحالي والمستقبلي، مشيدةً بشخص الأب طالوبيان وبمزاياه، داعية الرهبنة الأرمنية الكاثوليكية إلى “تكريمه تقديرا لخدماته والجهود التي بذلها في أحلك الظروف في سبيل بقاء هذه المدرسة، فضلا عن أنه أبى سيامته مطراناً كي لا يُضطرّ لتركها، ونجح في تمويلها عن طريق تأجير أجزاء من أرض الدير”. وإذ تستنكر حادثة توقيف كاهن في مخفرالشرطة وتهديده بالسجن، ما يعتبر منافيا للأخلاق والقانون، ترى يعقوبيان أن “تهمة إساءة الأمانة بمبالغ بدلات الإيجار التي موّل منها ادارة مدرسة الميختاريست، ورواتب الاساتذة والكهرباء والمياه وغيرها، قد أرضخته بعد توقيفه، فوكيل الرهبنة أبلغه الرجوع عن إشارة التوقيف مقابل تنازله عن الأموال وتعهّده بترك الدير والكنيسة والمدرسة نهائيا”.
المدرسة التاريخية
يروي المعترضون أنّ بطريركية الأرمن الكاثوليك افتتحت عام 1956 على أرض دير وكنيسة رهبانية الميختاريست مدرسة لتعليم فقراء الأرمن، تحت إدارة الأب طوباليان، الذي كان سعى إلى تأمين رواتب الأساتذة وبعض المصاريف من عائدات تأجير أقسام من الدير لناد رياضي ومعرض سيارات وفرن، نظرا إلى كونها شبه مجانية لطلاب ذوي الدخل المحدود. مع العلم أن مساحة الارض تقدر بـ 15 الف متر مربع تضم ثمانية عقارات من ضمنها الدير والمدرسة والكنيسة، فيما تؤجر العقارات الأخرى لشركات ولقسم الروضة في مدرسة الإليزيه.
تبلّغ طوباليان عام 2015، من الرئيس المفوض لـ “مجمع كنائس الشرق الأوسط” الكاردينال ليوناردو ساندري، قرار بيع الدير وما يتبعه، لكون الرهبانية في ايطاليا تعاني من تعثّر مالي وديون لمصلحة بنك الفاتيكان. ويكشف وكيل المدرسة المحامي طوني جبّور أن “حملة إعلامية كبيرة نُظمت يومها، للاعتراض على قرار البيع، نجحت في وقفه، ووضعت بلدية الحازمية إشارة على العقار وأصدرت قراراً بالاستملاك لمنع البيع، خصوصاً أن متمولاً غير مسيحي كان ينوي يومها شراء العقار”. ويعتبر جبور أنه “من المعيب أن يُقضى على هذه المدرسة التاريخية لاعتبارات مادّية فقط”. وإذ يأسف “لما تعرّض له مدير المدرسة، الذي نعرف تاريخه النظيف وممارساته وفقره، من اتهاماتٍ قاسية وخاطئة”، يطالب جبور بـ “أن تبقى هذه المدرسة مفتوحة وأن يتم تعزيزها ودعمها وتطويرها، في وقت نشعر أن هناك نيّات مبيّتة وغير سليمة في عملية البيع هذه”.
الفاتيكان
في المقابل، يرد وكيل رهبانية الميختاريست المحامي عبدو كسرواني، على “الحملة التي فاجأتنا لأننا فعلا نجهل أسبابها”، مؤكدا أنّ “البيع غير مطروح وهناك كتاب من الفاتيكان بهذا الخصوص”. وإذ يلفت إلى أنّ “الرهبانية لم تكترث طيلة السنوات الماضية للمطالبة بالإيجارات لكون التعليم هو رسالتها الأساسية، يكشف كسرواني أنّ “الإدارة الجديدة وجدت أن حجم الخسائر بات كبيراً، وهي لا تعرف فعلياً أين توظف الإيجارات لكونها لا تملك رخصة المدرسة العائدة لبطريركية الروم الكاثوليك”. وقد قررت الرهبانية، بحسب كسرواني، “إعادة فتح المدرسة التابعة لها في منطقة الروضة في المتن الشمالي هذا العام، وطلبت من الأب طوباليان عبر كتب وجهت إليه منذ حزيران الماضي، التوقف عن تسجيل الطلاب والتعاقد مع أساتذة، بعدما تبين أن الإيجارات تُستحق لحسابات شخصية”، مشيراً إلى أنّ “الأب طوباليان لم يمتثل، وتقاضى في تموز الماضي إيجارات تستحق في كانون الأول، فيما استمر في تسجيل الطلاب، ورفض طرحين للرهبانية بإدارة مدرسة الروضة أو الانتقال إلى إيطاليا. عندها صدر قرار من الفاتيكان بعزله من الرهبانية، فلم ينفذ القرار، لذا رفعت الدعوى ضده لتحويل أموال الإيجارات إلى الرهبانية”.
وعن مصير التلامذة والمعلمين، يؤكد كسرواني “أننا لن نقبل برميهم في الشارع، انطلاقاً من مبدأ المسؤولية الأخلاقية وليس القانونية، لكوننا لا نملك إجازة المدرسة، لكننا سنطرح حلولاً للحفاظ على حقوقهم ومستعدون أن نتعاون معهم حتى نتمكن من تمرير الأشهر المتبقية من العام الدراسي الحالي”.
“حركة الأرض” مجدداً
من جهتها، تحرص “حركة الأرض اللبنانية” التي تصدّت عام 2015 لعملية بيع العقار المذكور،على أن يبقى الدير قائما والمدرسة مفتوحة، والعقار ملك الرهبنة. وفي هذا الاطار، يستنكر رئيس الحركة طلال الدويهي ويشجب ما حصل مع الخور اسقف طوباليان وما يحصل في دير الميختاريست، مذكّرا بأن “القضية في الأساس كانت تتعلق بمجموعة أجانب كانوا يريدون شراء العقار، ولكن كما تصدينا وقتها لمشروع البيع بالتعاون مع بلدية الحازمية التي اتخذت قرار استملاك الدير، سنبقى في المرصاد لأي عملية قد تطال العقار، لئلا يتحول إلى ملكية أجنبية، مشددا على “ضرورة أن تستملك بلدية الحازمية العقار، وسنستطلع وجهة نظر البطريرك الأرمن الكاثوليك والسفارة الباباوية بشأن دير الآباء المخيتاريست والخور اسقف طوباليان لكي يعود ويدير المدرسة والدير”.
المعلومات المتوفرة لـ”المدن” تقول أن الأب طوباليان “يملك كل المستندات التي تثبت براءته وهي موجودة، ولكن أحدا لم يطلبها منه”، ولا شك أنه سيبرزها لاحقاً، خلال التحقيق معه، بالدعوى المقامة ضده من قبل وكيل الرهبنة.