د. مصطفى علوش: خطاب نصر الله والمعادلات البائدات

79

خطاب نصر الله والمعادلات البائدات
د. مصطفى علوش/المستقبل/14 تشرين الثاني/18

«قل لمن يبكي على رسم درس واقفاً ما ضرَّ لو كان جلس؟» (أبو نواس)

ليس صحيحاً أن التاريخ يرتبط بمقولات أو شعارات لا تتغير، وبالتأكيد فإن التاريخ لا يعير اهتمامه للمعادلات والفرضيات، يعني ببساطة أن حركة التاريخ لا يهمها تأكيد أو نقض نظرية أو معادلة، لأن التاريخ هو حركة دينامية متعددة العناصر قد تجعل أي فرضية أو معادلة مسألة بائدة وغير قابلة للتطبيق، وحتى أنها قد تتحول إلى ضرر بالكامل عندما يسير الزمن بعكس معطياتها.

في أواسط القرن العشرين وضع فيلسوف الاقتصاد الكبير جوزف شومبيتر مبدأ «الإبداع المدمر»، وهو مبدأ اكتشفه عن طريق الملاحظة التاريخية على مختلف المستويات الاجتماعية والعلمية والسياسية والفنية. يقول المبدأ إن أي إبداع أو نظرية أو معادلة مهما كان دورها أو نفعها في فترة من الزمن، فإنها ستفقد أهميتها بتغيير المعطيات التي أوجبت وجودها. لا بل إن هذا المعادلة من الواجب تدميرها لكون العناد في تطبيقها في غير وقتها، سيؤدي حتماً إلى الأذى.

في خطاب حسن نصر الله الأخير جملة من المعادلات البائدات، بعضها مجرد نكد لا يؤدي إلى أي نفع، وبعضها الآخر لا يستند إلى أي معطيات حقيقية، والنذر اليسير منها استند إلى أسطورة سميت ثالوثاً هو الجيش والشعب والمقاومة، كانت حاجة ملحة لتسويغ الشواذ في وقت من الأوقات، لكن الزمن تجاوزها بالكامل.

المعادلة النكدية هي قوله بأنه طالما تم تأخير تشكيل الحكومة لستة أشهر من أجل حل عقدتي تمثيل أخريين، فعلى الجميع أن ينتظروا أربعة أشهر على الأقل قبل مطالبته بحل عقدة نوابه السنّة. في الواقع لقد تذكرت بما سمعته نكد أيام طفولتنا، عندما كنا نعاند في السلبية أو «نكرّز» لمجرد أن رفيقاً لنا كان سلبياً ونريد أن نعامل بالمثل.

ولكن ما لنا والهزل في هذا المجال، فكلام نصر الله هو كلام مسؤول وعلينا أخذه على محمل الجد بالرغم من غرابته. ولكن هذا يعني أنه إذا كان حل عقدة وزير واحد في الحكومة يجب أن ينتظر أربعة أشهر، فإن تأليف حكومة من ثلاثين عليه أن ينتظر مئة وعشرين شهراً، وليبقى البلد معلقاً إلى ما شاء الله.

في المعادلات التي تستند إلى معطيات كاذبة هي كون نوابه السنّة يشكلون نسبة مهمة من السنّة، لكنه تجنب ذكر الأرقام التي تحصلوا عليها حتى لا يقع في محظور التكذيب. الوقائع الثابتة هي أن الأكثرية الساحقة من السنّة يعتبرون «حزب الله» وجماعة الثامن من آذار والممانعة وبشار وإيران مجرد عدو ممقوت، وهذا يشمل حتى بعض من انتخب بعضاً من سنّة نصر الله، وذلك لأسباب عشائرية أو خدماتية أو شخصية، ولكن بالتأكيد ليس من أجل نصر الله.

وبالتالي، فإن هذه الفرضية التمثيلية ساقطة بالأرقام. والواقع هو أن نسبة تمثيل هؤلاء للسنّة تقارب نسبة الشيعة المعارضين لـ«حزب الله». لكن الفرق هو أن «سنّة ٨ آذار» عندهم الحرية المطلقة بالمعارضة، أما الشيعة المناوئون للثنائي الشيعي، فهم واقعون تحت الإرهاب الإجتماعي المذهبي، ومتهمون بتبعيتهم للسفارة الأميركية وداعشيون وتابعون لقتلة الحسين. ومن لا يصدق فليتذكر ما حل بهاشم السلمان يوم تظاهر أمام سفارة إيران، وللعلامة محمد الأمين يوم طرد من عقر داره، ولعلي الأمين يوم تجرأ على تعليق صوره في قريته.

أما عن الحديث عن الفتنة الطائفية، فالمؤكد أن سنّة نصر الله، إن كان لهم دور، فهو دور لاذكائها لما يشكلونه من استفزاز مباشر للأكثرية المحيطة بهم، وعملياً فهم لهذه الأكثرية مجرد أتباع للطرف الآخر على المستوى المذهبي.

وما منع الوصول إلى فتنة مسلحة مذهبية، والتي أوصل نصر الله لبنان قاب قوسين منها، كان وعي قيادة تيار «المستقبل» ورفضها الإنجرار إلى حرب مفتوحة، بالرغم من سلسة الاغتيالات التي طالت قادته وبالأخص رفيق الحريري.

أما المعادلات الأسطورية التي تتحدث عن المقاومة، فبالرغم من إشكالية استعمال تعبير مقاومة وكأنه وثن وجب الخضوع له بغض النظر عن مضمونه، فإن مجرد ذكر كلمة مقاومة اليوم أمام الكثير من اللبنانيين سيخطر على بالهم مباشرة إهانة تظاهرة ٨ آذار ودعم نظام بشار واغتيال رفيق الحريري، واغتيال قادة ١٤ آذار، واحتلال وسط المدينة، وتعطيل المؤسسات وغزوة ٧ أيار، والتنكيل بشعب سوريا لمجرد أن أكثريته من السنّة، والحشد الشعبي، وقاسم سليماني، ولن يتذكر أحد قصة مواجهة إسرائيل إلا في حال رفع العتب.

تصوروا مثلاً لو أن قائداً من «حزب الله» كان قد استشهد في مواجهة العدو الاسرائيلي، مع وجود اشكالية هذا الواقع، فهل كان عندها من يتجرأ على ذكر إسمه من دون آيات التبجيل والإحترام؟ لكن هذا القائد لم يستشهد في مواجهة إسرائيل، وهو متهم بادارة اغتيال رفيق الحريري، ومن ثم يقتل في حدث مشبوه أثناء مشاركته في قيادة المجزرة ضد شعب سوريا! فهل من الممكن الحديث عن قدسية مقاومة؟ وبماذا يمكن وصف هذا القائد؟.

المعادلات البائدات بخصوص شعب وجيش ومقاومة من تسبب بسقوطها هو «حزب الله» بإصراره على دفع الناس الى نسيان تضحيات شهدائه في مواجهة إسرائيل بعد أن تحول إلى مجرد ميليشيا مذهبية وإجرامية تقتل وتدمر كل من يقف في طريق نزواتها.

قد يغطي نصر الله كل معادلاته ببعض الجدية وبعض الاستلشاق وبعض المزحات السمجة وبعض التهديدات المبطنة، لكنه يعلم أن الزمن قد أسقط الهيبة التي كانت تجعل الناس يصدقون كل ما يقوله. والمعادلة الثابتة الوحيدة هي أنه كلما زاد توتر الأمين العام لـ «حزب الله»، كلما عاد إلى رفع الإصبع الغريزي، مع علمه أن هذه الحركة لم تعد تؤثر على أحد.

*عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»