الوزير السابق يوسف سلامه/تصبحون على خير… أيّها العروبيّون

115

تصبحون على خير… أيّها العروبيّون
الوزير السابق يوسف سلامه/النهار/07 تشرين الثاني/18

الشهر الفائت، عقدت قيادة الحكم في دمشق اجتماعًا مصيريًّا لها برئاسة الرئيس بشار الأسد.
معروف أنّ هذه القيادة هي قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي. وقرّرت قيادة الحكم حلّ القيادتين القطريّة والقوميّة للحزب وإلغاءهما، والاستعاضة عن ذلك بقيادةٍ محليّة سورية.
القرار لم يوضح أي تفاصيل له. كما أنّ وسائل الإعلام في الدول المحيطة، وفي لبنان بالطبع ومع الأسف، لم تتوقف عنده، ولا أتعبت نفسها بالسؤال عن مغزاه وأبعاده، وما يمكن أن ينسحب عليه من مواقف لدمشق بالنسبة الى العقيدة البعثية.
أول ما يمكن قراءته هو أنّ العاصمة السورية أجرت بجرأة وهدوء عملية نقدٍ ذاتي لما حدث ويحدث من انهياراتٍ في الدولة السورية منذ بدء الحرب عليها.
النقد الذاتي هذا يعترف ضمنًا بما يأتي:
أ- أنّ الفكرة البعثية تخطّاها زمن الشرق الأوسط والعالم.
ب- أنّ هذه الفكرة جاءت مكلفة للغاية للدولة السورية وللشعب السوري، لانها أرغمتهما على الانشغال بالخارج الإقليمي من المحيط إلى الخليج، ولم تلتفت كما ينبغي إلى الواقع المجتمعي وحاجاته الحياتية والإنمائية، بحيث غدا الشعب أرضًا خصبة للاختراق، ولقمةً سائغة لمشاريع التهديم والتفتيت التي قادتها وتقودها أجهزة استخباراتية معلومة، باسم التّزمّت الإسلامي الأقصى.
ج- أنّ الحاجة باتت ملحّة إلى إعادة البناء، الهيكليّة والمجتمعية، أخذًا في الاعتبار الواقع الاقلّوي الغالب، وضرورة السير باللامركزية المناطقية إلى حدودٍ واسعة، إنما تُبقي على مركزيةٍ ما للدولة تؤمّن لها الوحدة والمناعة وسبل التقدّم.
نقد ذاتي من هذا العيار:
– تصبح العروبة به وراء الظهر، لا راية تُرفع في طليعة الصفوف.
– ويتضح من خلاله أنّ المجتمع السوري هو في النهاية مجتمع مركّب، متنوّع، متعدّد الموارد الحضارية والثقافية، هويّته تراكمية غنية، بتراكم توالي الحضارات عليه وأغناها.
تُصبحون على خير، أيّها السادة العروبيّون!
بالأمس، كتب الدروز والموارنة صفحةً ناصعة من التلاقي باسم الحرية وكرامة الانسان في إمارة الجبل اللبناني، فجاء مَن يزعم أنّ هذا التلاقي باهت لا يُعتَدّ به، وهو صنيعة “أعداء الامّة”.
ثم كان إعلان دولة لبنان الكبير، بتوافق أكثر من جماعةٍ روحيّةٍ لبنانية، إن لم يكن فورًا، فلاحقًا، بقيادة البطريرك الياس الحويك.
وجاء مَن يزعم أنّ الكيان الجديد صنيعة الاستعمار، وشذوذ وخروج على وحدة العرب والعروبة. ثم قطف اللبنانيّون استقلالهم. وجاء مَن يزعم أنّ هذا الاستقلال جزءٌ من تقاسم الشرق الأوسط بين دولٍ كبرى.
وما ان اخترق المشروع الاسرائيلي الفضاء الإقليمي، حتى صار النظر إلى مسيحيي لبنان من منظار الارتباط به، فيما هم منه برّاء.
لم تتحرّك عاصمة في المشرق والمغرب نحو خارج حدودها، إلاّ وكان لبنان مطمعها الكبير، لكأنّ إسقاطه، وإسقاط تجربته الحرّة الوحيدة في الشرق الأوسط، هو المرتجى من أجل أن تفوز الناصرية، أو البومدينية، أو القذافية، أو سائر العقائد العروبية.
وكان الاستيلاء على لبنان وطنًا بديلاً للفلسطينيّين هو الهدف الكبير لحشدٍ من العواصم والمنظمات.
لا يُريد الزاعمون الكثر الاعتراف بفضلٍ للمسيحيين في نشوء الكيان اللبناني الإماراتي فالاستقلالي، وفي صدّ المدّ الناصري الاستيعابي، وفي إفشال مؤامرة التوطين الفلسطيني…. وما شهداؤهم في حسابات النضال سوى ضحايا، وقتلى، وثقب في الذاكرة لا بدّ من التئامه بعد حين.
في مدينة الطائف السعودية، ظنّ الظنّانون بأنّ حشر لبنان في خانة العروبة سوف يُنهي مشروعه الريادي في الحرية والسلام والتلاقي والحوار، وفي تغليب الحقّ الإنساني بالتجلّي والترقّي في هذا المشرق كما في المغرب.
وظنّوا بأنّ ما بات سائرًا نحو التطهير المجتمعي الدولتي في سوريا، بعد لبنان، سوف يبقى حيث هو.
فلا أقباط في مِصر، ولا بربر في المغرب والجزائر، ولا شيعة هنا وهناك من اليمن إلى العراق، ولا جماعات إتنية أو دينيّة أو ثقافيّة أخرى حيثما شاءت العروبة طمسها، فكان أن وأدت العروبة نفسها وتجلّت حقيقة التنوّع ساطعة في بلدان الشرق الأوسط، على رغم المتكابرين من العروبيّين وغير العروبيّين.
نحن في الشرق الأوسط، على عتبة عصرٍ جديد هو العصر الحقيقي الفعلي التاريخي الثابت لهذا المشرق.
الوقوف في وجهه يعني مزيدًا من النزاع والعنف، والإقبال عليه لا يعني سوى سلامٍ واستقرار، وسوى حريّة ودول حرّة سائرة نحو تقدّم وازدهار.
وفي هذا الخضمّ، لا مكان للعروبة.
فقد صادرت بالأمس المكان كلّه، وما أطلعت سوى خرابٍ بخراب.
وآن لها أن تُذعن وتَذوي، وللتجربة اللبنانية أن تنتصر وتتوهّج. وسوف تنتصر وتتوهّج! الحياة للبنان.