إبراهيم الجبين: رسول ترامب، جيمس جيفري رجل المهمة المستحيلة: مهمته الأميركية تنظيف سوريا من الإيرانيين

83

جيمس جيفري رجل المهمة المستحيلة: تنظيف سوريا من الإيرانيين
إبراهيم الجبين/العرب/27 تشرين الأول/18

جيفري يمتلك خبرات طويلة في صناعة وتطبيق الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وقد شمل تخصصه مواقع حساسة سابقا مثل تركيا والعراق وإيران.

رسول ترامب بين قمة إسطنبول والعمق الاستراتيجي العربي السحيق
تعقد اليوم في إسطنبول التركية قمة ينشد القادة المشاركون فيها التوصل إلى حزمة حلول لعدد من القضايا التي باتت مستعصية في الملف السوري الشائك. وسط أجواء أبعد ما تكون عن التفاؤل، وانشغال عالمي بقضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول وتداعياتها على مستويات عدة.

القمة الرباعية التي يترأسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويحضرها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. تضع على رأس جدول أعمالها الأوضاع في محافظة إدلب وكذلك الدفع بالعملية السياسية المتوقفة وإعادتها إلى جنيف.

تركة أوباما وسفير الفوضى
بينما كان العالم يتابع التغطيات الصحافية بين العواصم ومعها تسريبات قضية خاشقجي، كان رجل مخضرم، بشعر أبيض وابتسامة لا تفارق وجهه، يجوب المسافات ويحط في هذه العاصمة أو تلك مواصلاً عمله الأساسي الذي جاء من أجله، والذي يتمثل في إخراج إيران من سوريا، ويا لها من مهمة.
إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ولأسباب عميقة تتصل باستراتيجية الجمهوريين في تصور الشرق الأوسط القادم والتعامل مع ملفاته، سمحت لإيران بالتمدد والتوسع في عواصم تباهي إيران بأنها باتت اليوم أربع؛ بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء. وفي سوريا كان الحضور الإيراني بأشد أشكالها شراسة متجسداً في قادة كبار من الحرس الثوري وفي ميليشيات درّبتها وموّلتها وسلّحتها إيران وجلبتها لتدافع عن بقاء نظام بشار الأسد، وعلى رأسها حزب الله اللبناني.

وتجذّر الوجود الإيراني في سوريا بدءا من العام 2012 من خلال إرسال مئات المستشارين العسكريين من الحرس الثوري؛ للمشاركة في تقديم الاستشارات ووضع الخطط، إلى جانب الإشراف على عشرات الميليشيات المسلحة.

بعض المصادر تتحدث عن وجود نحو ألفي مستشار إيراني في سوريا، وأكثر من تسعة آلاف مقاتل في مجموعتي {فاطميون” المشكّلة من شيعة أفغانستان، و”زينبيون” المشكّلة من شيعة باكستان، إلى جانب سبعة آلاف مقاتل من” حزب الله” اللبناني، بالإضافة إلى قوات من “الحشد الشعبي”، ومن بينها “النجباء” و”حزب الله العراقي” و”لواء أبوالفضل العباس” و”عصائب أهل الحق”.

وتتحدث بعض التقديرات عن وجود نحو ألفي مستشار وأكثر من تسعة آلاف مقاتل في مجموعتي “فاطميون” المشكّلة من شيعة أفغانستان، و”زينبيون” المشكّلة من شيعة باكستان، إلى جانب سبعة آلاف مقاتل من “حزب الله” اللبناني، بالإضافة إلى قوات من “الحشد الشعبي”، ومن بينها “النجباء” و”حزب الله العراقي” و”لواء أبوالفضل العباس″ و”عصائب أهل الحق”. وفوق ذلك كله نشرت إيران مبشريها على امتداد الساحة السورية وكانت وما زالت تقوم بمسح أيديولوجي حقيقي لكل منطقة يستعيد الأسد أو الميليشيات الداعمة له السيطرة عليها، تسارع إيران إلى إرسال المعمّمين لتطبيق التشيع الإجباري سواء في الشمال الشرقي على امتداد نهر الفرات أو في مناطق الحزام المحيط بدمشق شرقاً وغرباً وجنوباً.

غير أن إدارة ترامب التي ورثت تلك التركة في سوريا، قررت التعامل معها بحذر، وفق فلسفة ترامب ذاتها التي بات العالم يتهجى أبجديتها عبر تويتر وعبر قرارات الرئيس الأميركي الذي يفاجئ العالم بأنه بالفعل يفعل ما يقوله، وأنه مختلف تماماً عن أوباما صاحب الخطوط الحمراء الوهمية. وبعد أن سمحت واشنطن للروس بتطبيق حلهم في سوريا، بالتعاون مع الإسرائيليين. هاهي تعين السفير جيمس جيفري لتنظف فوضى أوباما وخامنئي في الوقت ذاته.

حطام سياسي
جيفري يمتلك خبرات طويلة في صناعة وتطبيق الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وقد شمل تخصصه مواقع حساسة سابقا مثل تركيا والعراق وإيران. وقد شغل عددا غير قليل من المناصب الرفيعة في واشنطن، إلى جانب عمله كسفير في أنقرة وبغداد.
وكان من أهم المواقع التي شغلها عمله كمساعد للرئيس ونائب لمستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن، وكان حقل عمله حينها ينحصر في كلمة واحدة “إيران”.

ويقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي يعتبر جيفري أحد أهم خبرائه، أن مهام الأخير في إدارة بوش توسعت حتى ضمت إدارة فريق السياسات الخاصة بإيران.

وفي الملف العراقي عمل جيمس مستشارا أعلى لشؤون العراق لوزير الخارجية، وقائما بالأعمال ونائبا لمدير البعثة الأميركية في بغداد وأنقرة، وسفيرا الولايات المتحدة في ألبانيا. قبل ذلك كله، فإن جيفري قادم من المؤسسة العسكرية الأميركية، وكان قد عمل كضابط في سلاح المشاة في ألمانيا وفيتنام نهاية الستينات وحتى أواسط السبعينات.

مهمة جيفري تبدو شبه مستحيلة في ظل التصاق النظام السوري بنيوياً بإيران. فالسوريون يبيعون للإسرائيليين فكرة التخلص من الإيرانيين لإغرائهم بالقبول ببقاء الأسد والمرور نحو الانتقال السياسي الذي تنص عليه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، غير أن هذا يعتبر فوق طاقة الأسد وفريقه
ويتوقع أن يواجه جيفري وسط الحطام السوري، حطاماً سياسيا آخر يطوّق هذا الملف أيضاً. فترامب لا يريد أي خسائر أميركية هناك. وإن كان ثمة تكاليف فيجب أن يدفعها “المتورطون” كما يسميهم.

وفي ذهن جيفري صورة جاهزة للوضع في سوريا، يستقيها من تجربته في العراق. فهو ينظر إلى ما فعلته إيران في سوريا على أنه امتداد لما فعلته في العراق ويقول “الذين مارسوا أسوأ المعاملات مع السنة، هم الذين يعملون تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني”.

جيفري كان قد عارض وبشدة انسحاب القوات الأميركية من العراق في العام 2011، وقال حينها إنه “من دون وجود بصمة على الأرض عبر بقاء القوات الأميركية، فإن تأثير أميركا ونفوذها سيتحجّمان لمصلحة إيران”.

وقد سارت الأمور كما يريد جيفري على ما يبدو مؤخراً، حين تسرّبت أنباء عن دفع السعودية لمبلغ 100 مليون دولار كان قد طلبتها واشنطن عشية زيارة وزير الخارجية الأميركي بومبيو للسعودية للقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد. ذلك المبلغ سيوجه لبقاء القوات الأميركية في سوريا ولدعم حلفاء واشنطن في الشمال والشرق.

إحياء فكرة الانتقال السياسي
أغرب ما ينقل عن المبعوث الأميركي قوله للمعارضة السورية “يمكنكم في عملية الانتقال السياسي، إزاحة الأسد بالانتخابات كما تمت إزاحة نوري المالكي”.أغرب ما ينقل عن المبعوث الأميركي قوله للمعارضة السورية “يمكنكم في عملية الانتقال السياسي، إزاحة الأسد بالانتخابات كما تمت إزاحة نوري المالكي”.

رغم إعلان المبعوث الدولي للملف السوري ستيفان دي ميستورا عن استقالته من منصبه التي ستدخل حيّز التنفيذ هذا الشتاء، إلا أن هذا لا يعني أن جيفري لا يؤمن بضرورة إحياء جنيف والمفاوضات ما بين النظام السوري والمعارضة. بل إن ذلك قد يكون أحد أسباب إبعاد دي ميستورا عن المشهد، بعد أن برهن على عدم قدرته على إقناع الأسد حتى بقبول المشروع الروسي حول اللجنة الدستورية المشتركة، وعاد من دمشق في زيارته الأسبوع الماضي إليها بخفيّ حنين.

يتردد أن جيفري يقول للمعارضة السورية إنه يشتغل على تأسيس تفاهمات جديدة في الإقليم “تقايض فرض الوجود العسكري الأميركي في سوريا، بانفتاح سياسي واقتصادي للدول الحليفة لأميركا على دمشق”. في ما فهمته المعارضة أنها رغبة أميركية بإطالة عمر الأزمة ومنح الأسد المزيد من الوقت لالتقاط أنفاسه وبسط سلطته.

ولكن ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لجيفري؟ إنه يعني إيقاف الحرب. وبالتالي فرض قواعد السلم التي تتطلب حلولا سياسية بعيدة عن الدور الروسي الذي انشغل بتفكيك الجبهات الإسلامية الجهادية في أكثر من موقع. وصحيح أنه فتت قوة تلك الفصائل التي كانت تزعم معارضتها للأسد، وسلمت المناطق له وفق اتفاقات تم توقيعها في أستانة بإشراف روسي، إلا أن الروس ما يزالون يصرّون على أن جيش الأسد لم يستعد شيئاً من قوته وأنه يمكن أن يعود إلى أوضاعه التي كان عليها في العام 2014 خلال أسبوعين من توقف الدعم الروسي الحالي.

تبقى مهمة جيفري شبه مستحيلة في ظل التصاق النظام السوري بنيوياً بإيران. فالسوريون يبيعون للإسرائيليين فكرة التخلص من الإيرانيين لإغرائهم بالقبول ببقاء الأسد والمرور نحو الانتقال السياسي الذي تنص عليه قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، غير أن هذا فوق طاقة الأسد وفريقه. فإيران متغلغلة في العمق السوري، وليس فقط في الجغرافيا السورية، بل في تكوين النظام ومفاصله. مستفيدة من تكليف الروس بالعمل العسكري الثقيل.

في شهر سبتمبر الماضي أعلن جيفري، أن بلاده باقية في سوريا “لضمان إخراج القوات الإيرانية التي يبدو الروس عاجزين عن إخراجها، وعدم ظهور تنظيمات متشددة مثل تنظيم داعش، وتحقيق انتقال سياسي في البلاد”. وقال حينها في إحاطة إعلامية للصحافيين في نيويورك “إن بشار الأسد يعتقد أنه انتصر بسيطرته على نصف أراضي الدولة السورية، لكنّ نصف الشعب السوري خارج عن سيطرة نظامه وهو يجلس على جثة دولة دون اقتصاد تقريبا، فضلا عن كونه لا يستطيع الوصول إلى موارد الغاز والنفط، ودون أمل واعد في الانتعاش، لذلك لا أعتقد أنه ربح أي شيء”.

ويرى جيفري أن روسيا يجب أن تتوقف على الفور عن دعم نظام الأسد، فهو يعتبر أن “حكومة صديقة لا تعني بالضرورة حكومة جثة تجلس على أنقاض نصف البلاد ولا أعتقد أن روسيا بحاجة إلى هذه الحكومة الصديقة، كون دعم مثل هكذا حكومة مكلفا جدا، لكن إذا أرادوا أن يكون لديهم هذا الشخص، لا يمكننا إقناعهم بالتخلص منه، لكن هذا سيكون مكلف جدا بالنسبة لهم”.

ما الذي اختلف اليوم
جيفري يرى أن الروس والإيرانيين لم يكسبوا الحرب في سوريا. وهو ينظر إلى نظام الأسد على أنه بحكم المنتهي.جيفري يرى أن الروس والإيرانيين لم يكسبوا الحرب في سوريا. وهو ينظر إلى نظام الأسد على أنه بحكم المنتهي وطيلة الأسبوع الماضي ركز موقع وزارة الخارجية الأميركية على تصريحات جيفري التي بين فيها السيناريو الذي بحوزته لمسار الأحداث القادمة في سوريا، بما في ذلك اتفاق سوتشي حول إدلب، وكذلك مستقبل الانتقال السياسي.
كان جيفري يتحدث من العاصمة التركية أنقرة، في ما يبدو وكأنه تحضير من الخلف للقمة الرباعية، مؤكداً على أن الوضع في سوريا منذ عام 2011 يُعدّ من القضايا المركزية التي كانت على رأس جدول الأعمال بين الولايات المتحدة وتركيا، مشيراً إلى وجود تاريخ طويل من التعاون “الوثيق” بين الولايات المتحدة وتركيا. وهذا ما يفسر قول الكثير من المراقبين إن جيفري يفضل العمل مع الأتراك ولا يحبّذ أي تواصل مع الروس. فرغم معرفته بطبيعة العلاقة الوثيقة ما بين الأتراك والإيرانيين إلا أنه قال “يتفق الأتراك إلى حد كبير مع أهدافنا الأساسية في سوريا المتمثلة بإخراج إيران من سوريا”.

وعن منبج التي يصر الأتراك على تطبيق اتفاقهم مع الأميركيين حولها، وضرورة سحب القوات الكردية من شرق الفرات بدءاً منها، يقول جيفري إن هذه المنطقة منطقة عربية وإن بلاده تتعاون مع الأتراك بشأنها، ويوضح وضع القوات الأميركية في تركيا ويصفها بأنها “تتدرب مع القوات التركية للقيام بدوريات مشتركة حول منبج، وغاية وجودها هو توفر منطقة آمنة حتى يشعر الأتراك بالراحة لأنها قريبة جداً من المناطق التركية. منبج هامة جداً ونحن نتحدث باستمرار مع الأتراك حول ما نفعله في الشمال الشرقي”.

يبدو للمتشائمين أن مقاربة واشنطن للملف السوري هي ذاتها، لم تتغير. وأن هناك عوامل عدة تلعب دوراً في جعل التعامل الأميركي على هذه الشاكلة، من بينها تسليم القرار في ما يخص مستقبل سوريا للحليفة إسرائيل. لكن حين يسأل جيفري ما الذي يجعل عملية السلام في سوريا مختلفة الآن؟ يجيب بالقول إن “هناك خشية من العنف الذي يمكن أن يكون على مستوى الدول، والذي لم نشهده من قبل بنفس الدرجة، إضافة إلى أن العملية الأممية قد نضجت”.
وفي حديث أجرته معه قناة الحرة الأميركية قبل أيام، قال جيفري إن الروس والإيرانيين والنظام السوري لم يكسبوا الحرب في سوريا. وأضاف إن النظام السوري إنما يعيش فقط على مليارات الدولارات التي تقدمها روسيا وإيران.

وفي الوقت الذي يعتبر فيه الأتراك أن قمة إسطنبول، تشكّل نقطة وصل لما تمّ التوصل إليه في لقاءات المعارضة السورية والنظام في أستانة، وبين ما تمّ الاتفاق عليه في سلسلة مؤتمرات جنيف السويسرية. وفي ظل أوضاع عربية غير متوافقة تماماً على ما يجب فعله في سوريا، تبدو، حتى الآن، تصريحات ونقاشات جيفري في جولاته المكوكية مثيرة للاهتمام، لكن أسوأ ما قاله المبعوث الأميركي للمعارضة السورية في أحد اجتماعاته مع قادتها “في عملية الانتقال السياسي، يمكنكم إزاحة بشار الأسد بالانتخابات كما تمت إزاحة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي”. وإذا كانت هذه هي الاستراتيجية التي يحملها جيفري لتنظيف سوريا من الإيرانيين فإننا سنشهد المزيد من الأوضاع المستنسخة عن الأوضاع الدامية التي شهدها العراق بفضل السياسة الأميركية ذاتها
إبراهيم الجبين/كاتب سوري