عقل العويط: كفيفان مساء الجمعة… ذهبتُ إلى “فرح العطاء”. إلى حيث تُعاش الأنسنة مثلما يُعاش الهواء في الشجر

51

كفيفان مساء الجمعة
عقل العويط/النهار/22 تموز/18

فاذهبوا إلى كفيفان، لتكتشفوا أن الإنسان في لبنان لا يزال موجوداً فينا.
ذهبتُ إلى “فرح العطاء”. إلى حيث تُعاش الأنسنة مثلما يُعاش الهواء في الشجر.

ما يحدث في لبنان، يقتل الإنسان في لبنان. ويقتل لبنان. هذا ليس تعميماً. لكنه يمثّل ظاهرة شبه معمّمة. ففي حياتنا اللبنانية العامة، في العلاقات بين الناس، في السلطة، في السياسة، في الدين، في الطائفة، في المذهب، في المجتمع، في المؤسسة، في المدرسة، وفي البيت، أخشى أن أقول إن الوحش في الإنسان قد انتصر على الإنسان. أخشى أن أقول إننا صرنا جميعنا وحوشاً، وإننا بتنا نخاف على أنفسنا، وعلى حياتنا، وعلى أولادنا، من حياتنا، ومن أنفسنا بالذات. أنا الإنسان – الوحش، أنتصر على الإنسان – الإنسان. هذا الإنسان – الوحش، هو رجل السياسة، رجل الدين، رجل الاقتصاد، رجال المال، رجل الأمن، رجل الفكر، رجل التربية، رجل المدرسة، ورجل البيت.
ما أقوله ليس تعميمياً. ثمة استثناءات كثيرة بالتأكيد. وما أقوله ليس نظرياً. إنه استنتاجٌ يوميٌّ مَعيشٌ ومخيف. هذا الاستنتاج هو حقيقتنا شبه المطلقة. بدليل هذا “الاحتفال” المستديم بالموت، موت الإنسان.
فإلى أين يذهب الإنسان في لبنان؟ إلى أين يذهب بنفسه، وبلبنان؟
مساء الجمعة الفائت ذهبتُ إلى كفيفان. لأحجّ. لم أقصد كنيسةً. ولا مزاراً. ولا ضريحاً لقدّيس. ولا مكاناً للعبادة. قصدتُ مكاناً أكتشف فيه الإنسان.
مرةً جديدة. مرةً ضرورية. في هذا الزمن اللبناني اللاإنساني بامتياز. ذهبتُ إلى “فرح العطاء”. إلى حيث تُعاش الأنسنة مثلما يُعاش الهواء في الشجر.
ذهبتُ إلى هناك من أجل أن “أتوازن”. ومن أجل أن أستعيد الإنسان.
ما يحدث في كفيفان، يعيد الاعتبار إلى هذا الإنسان. يضعه في الرتبة المستحقّة. يجعله في المصدر. يقيمه في العناصر الأربعة. من أجل أن يعيد صناعة الحياة من جديد.
وعليه، فإن هذا النص المتواضع والمنسحق والمعترِف، هو شهادة.
إنه لا يقع في باب المديح. ولا في باب التقريظ. ولا باب التعظيم. وهو لا يريد شيئاً لنفسه. ولا لكاتبه.
يريد فقط أن يصرخ السماء. وأن يصرخ الأرض. وأن يدعوهما، أن يدعو هاتين السماء والأرض، إلى التلاقي في الإنسان.
ثمّة “مكان” في كفيفان، ينتصر فيه الإنسان.
للمؤمنين، كما للمتعصّبين دينياً، طائفياً، ومذهبياً، أقول: هناك، في كفيفان، في “فرح العطاء” في كفيفان، يتحقق الله.
فليذهبوا إلى هناك، إذا كانوا حقّاً يريدون الله.
للناس، لكلّ الناس، وخصوصاً للذين لم يعودوا ناساً – إذ صاروا وحوشاً – أقول، هناك، في كفيفان، في “فرح العطاء” في كفيفان، يتحقّق الإنسان.
هذا ليس تعميماً. لكنه يمثّل ظاهرةً شبه معمّمة في حياتنا اللبنانية.
الحلّ في لبنان ليس مستحيلاً.
لا نحتاج في لبنان، في حياتنا اللبنانية، في الدولة، في السياسة، في الحكم، في السلطة، في الدين، في الطائفة، في المذهب، في المجتمع، في المؤسسة، في الشارع، في البيت، إلاّ للإنسان فينا.
فاذهبوا إلى كفيفان، لتكتشفوا أن الإنسان في لبنان لا يزال موجوداً فينا.
هذا، إذا كنتم حقاً تريدون الإنسان، وتريدون لبنان.