الدكتورة رندا ماروني/لبنان الكبير ودستور أسير

333

لبنان الكبير ودستور أسير
الدكتورة رندا ماروني/15 تموز/18

بعد سبعة وتسعون عاما على إعلان دولة لبنان الكبير ما زال الدستور اللبناني مستمراً في منازلة مع العدو، يضعف حينا وينتفض حينا آخر، إلا أنه لا ينهار في مواجهة شرسة مع خصوم داخليين وخصوم أغراب، فالمعركة مستمرة حتى إحراز النصر، فبنصره ينتصر لبنان ولا نصر آخر مهما وصف كبيرا وصور بطلا وروج له، عراك لم ينتهي بعد، والجولات متتالية لا تكل ولا تمل في محاولات التقويض والتطويق، وفي المقابل مقاومة راسخة في مواجهة الطغيان تحملها الخميرة الصالحة القليلة الحجم الكبيرة المفعول.

لقد أعلن المجلس الدستوري قراره في وقف تنفيذ قانون الأحكام الضريبية لتمويل سلسلة الرتب والرواتب في قرار صدر بإجماع أعضائه بعد دراسة الطعن، عشرة نواب فقط قاموا بواجبهم الوطني فيما الباقي لم يشفع فيه أنين المواطن من الأعباء التي ستضاف على كاهله، ولم يثنيه الواقع الإقتصادي المذري عن التوقيع على القانون الجائر.

لقد أوقف المجلس الدستوري تنفيذ قانون الضرائب إلى الثامن عشر من أيلول، التاريخ المحدد للبت النهائي فيه، على أن يجتمع في الخامس عشر من أيلول لمناقشة الطعن. عشرة نواب فقط تحركوا لنصرة الفقير فهل سيستطيع المجلس الدستوري وقف تنفيذ قانون الأحكام الضريبية وقفا كاملا لا رجعة عنه؟

لقد أتى طلب الطعن في القانون الضريبيي الجديد مستندا إلى ثلاث ركائز أساسية:
أولا: مخالفة القانون للفقرة (ج) من مقدمة الدستور التي تنص على أن لبنان جمهورية ديمقراطي برلمانية، تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل، بإعتبار أن المقدمة والمبادئ تؤلف جميعها مع الدستور كلا لا يتجزأ من ضمن ما يسمى الكتلة الدستورية” Le bloc de constitutionnalité”.

ثانيا: مخالفة القانون للمادة السابعة من الدستور اللبناني التي تنص على أن كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم.

ثالثا: بما أنه في اليوم الثاني من الجلسة التشريعية التي إنعقدت بتاريخ 18-19 تموز 2017 وبعد مناقشة مواد القانون رقم 45 الصادر بتاريخ 21 آب 2017 والمنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 37 تاريخ 21/8/ 2107 والتصويت عليها بندا بندا كما هو منصوص عليه في المادة 81 من النظام الداخلي لمجلس اللبناني، عند ختام المناقشة، أي لدى إلزامية التصويت بالمناداة على القانون بمجمله، ولدى البدء بذلك حصلت عملية هرج ومرج أدت إلى بلبلة كبيرة داخل القاعة العامة لمجلس النواب وكأن هناك خطة ممنهجة للضغط على رئيس مجلس النواب لمنعه من متابعة التصويت بالمناداة واحتساب الأصوات بطريقة دستورية وقد أدى هذا الضغط إلى توقف رئيس المجلس عن المناداة وانتقاله إلى المصادقة على القانون برفع الأيدي خلافا لما يقتضيه الدستور.

لقد تناول الطعن الشكل والمضمون على حد سواء فهل سيستطيع المجلس الدستوري تجاوز الشكل كي يبطل مضمون القانون ومفاعيله؟

ففي الشكل من السهل إعادة القانون إلى الحياة من خلال إعتماد الآلية الدستورية مجددا، أما من حيث المضمون فمن المرجح أن يمارس الضغط السياسي على أعضاء المجلس لشله عن القيام بواجبه الدستوري والوطني. فأحقية الطعن يقابلها تعنت سياسي وشلل دستوري وجمود للحياة السياسية نتيجة عدم قدرة المواطن على المحاسبة من خلال العمليات الإنتخابية النزيهة إضافة عدم قدرة المجلس الدستوري على القيام بدوره الطبيعي في مراقبة دستورية القوانين نتيجة خلل النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بوظيفته المفروضة، مما دفعه إلى وضع مشروع لتعديل النص الدستوري وبعض النصوص القانونية، وصاية التعديلات التي وجدها ضرورية لإدخالها على مجموعة النصوص التي تحكم عمل المجلس الدستوري، بدءا من نص إنشائه الوارد في المادة 19 من الدستور، ورهن المبادرة بمراجعته بمن لهم حصرا هذا الحق، فضلا عن قواعد تنظيمه وأصول العمل فيه وكيفية تشكيله الصادرة بالقانون رقم 250 تاريخ 14/7/1993 (وتعديلاته)، والنظام الداخلي للمجلس الصادر بالقانون رقم 243 تاريخ 7/8/2000.

لقد كشفت تجربة المجلس الدستوري في لبنان منذ تاريخ إنشائه وممارسته للمهام المنوطة به فضلا عن طريقة تأليفه واتخاذ القرارات الصادرة عنه، عن عدد من الثغرات في النصوص التي تحكم عمله، أدت إلى تقليص دوره في تحقيق العدالة الدستورية وإنتظام أداء المؤسسات الدستورية وعملت على لجم المجلس الدستوري ومنعه من التطور حيث حصرت المادة 19 من الدستور مهام المجلس الدستوري في نطاقين إثنين هما: مراقبة دستورية القوانين والبت بالطعون الناشئة عن الإنتخابات الرئاسية والنيابية.

في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين فإن المادة المذكورة حصرت عمل المجلس الدستوري في أضيق نطاق ممكن مما جعل صلاحياته مبتورة، إن مراقبة دستورية القوانين تقتصر على القوانين التي تصدر لاحقا لإنشاء المجلس الدستوري وضمن مهلة الإسقاط القانونية النافذة بما يجعل القوانين السابقة على إنشاء المجلس الدستوري محصنة ضد أية رقابة عليها ومما يجعل المحاكم بالتالي ملزمة بتطبيقها بصرف النظر عما يشوبها من ثغرات قد تتناقض مع الدستور ومع مبادئ العدالة الدستورية ومبادئ العدالة بصورة عامة.

كما أن المجلس الدستوري في ظل الأحكام الحالية يبقى في حالة الإنتظار حتى يأتيه من يقدم مراجعة أمامه من قبل أحد المراجع المحددة في الأحكام، وهذا ما جعله غير قادر على النظر في دستورية القوانين بمبادرة تلقائية منه ولا سيما في مجالات تتعلق بإعادة تكوين السلطات الدستورية من خلال قانون الإنتخابات النيابية أو في مجالات الأنظمة الداخلية لعمل كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو في مجالات تنظيم السلطة القضائية أو تكوين السلطات الإدارية المحلية أو في مجال قوانين الموازنات العامة حيث يصار إلى تسريب النصوص القانونية المختلفة والتي لا علاقة لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتنفيذ الموازنات كما في مجالات قوانين الجنسية التي لها علاقة مباشرة بتكوين الشعب اللبناني الذي ينبغي المحافظة على توازنه الوطني الدقيق وبخلاف ذلك يتخلخل هذا التوازن ويؤدي إلى خطرا ماثلا بقوة بشأن مصير الوطن.

إن حصر مهام المجلس الدستوري في نطاق ضيق يعبر عن دولة اللاقانون واللادستور التي نعيش فيها ويعبر عن وجوده الشكلي المرسوم له، فهل سيستطيع تحدي السلطة السياسية؟ وهل سيدفع الثمن في حال إستطاع السير قدما في المحاسبة؟

فهو كما باقي المؤسسات الخاضعة لمنطق الأقوى والمقوضة صلاحياتها نتيجة اللعبة السياسية الخارجة عن الأصول القانونية والدستورية المتعارف عليها في كل دساتير العالم ما عدا تلك المتخلفة منها، حكام ينتهكون الدستور ويفرضون قوانين مخالفة له ويشلون المؤسسات ويفرضون معادلات لا دستورية ولا تمت بصلة لأصول ومبادئ الحريات العامة وحق المواطن في تقرير مصيره، فالمجلس الدستوري في حسن أدائه ووسع صلاحياته هو إنعكاس لصورة الدولة المتقدمة الحديثة أما تقليص صلاحياته وتقويض عمله يظهر الصورة المبتورة لما يسمى دولة المؤسسات.

إن المجلس الدستوري مقصي عن لعب دوره في الحياة الوطنية، كما المواطن اللبناني مقصي عن المحاسبة نتيجة القوانين الجائرة، وبعد سبعة وتسعون عاما عن إعلان دولة لبنان الكبير أما آن الآوان لدولة القانون أن تنتصر؟
لبنان الكبير
ودستور أسير
مجلس مكبل
معادلات وتنظير
سائرون في عماها
تنجيم وتبصير
سياسة مطعونة
إقتصاد عسير
قواعد الدولة
محقرة تحقير
يفرضون قيودا
بختم أمير
مفرغة للجيوب
خارقة دساتير
في عهد مبجل
عنوانه تغيير
فالقفز قاعدة
والحكمة شاردة
والمصلحة حاصدة
والنظر قصير
رغم المحاصرة
وحيك المؤامرة
وقوة المؤازرة
نصيره النصير
على أقزام
على أزلام
تلحن أنغام
تعلن الإصلاح
تحبك أساطير.