أبو أرز- أتيان صقر: الوصول من اجل الوصول

134

الوصول من اجل الوصول
أبو أرز- أتيان صقر/04 تموز/18

في بلاد الرقي يختار الشعب ممثليه في الحكم على أساس برامجهم السياسية وليس لإعتبارات اخرى تتعلّق بالحسب والنسب والطائفة والدين كما في بلاد التخلّف.

اما عندنا فالانتخابات تجري بلا برامج ولا من يحزنون، فيستعيض عنها المرشحون بتعليق صورهم القبيحة في كل مكان، وديموقراطيتنا التي نتباهى بها باتت شكليةٍ بنسبةٍ عالية، والطامحون الى النيابة لا يفوزون الا اذا تمكّنوا من الإلتحاق، بطريقة ما، بإحدى اللوائح الرئيسيّة التابعة للقوى السياسية المتحكّمة بالبلاد.

والانتخابات الرئاسية لا يقررها مجلس النواب الا بعد تركيبات داخلية معطوفة على موافقات إقليمية، متصلة بتفاهمات دولية باعتبار ان معظم المرشحين لهذا المنصب ينتمون عادة ً الى قوى خارجية كان لها دائماً اليد الطولى في اختيار هوية الرئيس وبالتالي تقرير مسار سياسة البلاد الخارجية.

والخطير في الامر ان معظم الذين فازوا بهذا المنصب اعتمدوا مبدأ “الوصول من اجل الوصول”، وليس من اجل الإنقاذ وانتشال لبنان من الهاوية السحيقة التي اوقعوه فيها منذ عقود، بدليل ان أحداً منهم لم يحمل معه يوماً الى السلطة برنامجاً سياسياً علمياً ورؤيويّاً، مؤهّلاً لوضع البلاد على طريق الخلاص ، فاعتمدوا كلهم اُسلوب الإرتجال في إدارة شؤون الدولة، اَي ثقافة الترقيع والتحايل على الأزمات وتأجيل حلّها بدلاً من مواجهتها ، حتى تراكمت مع السنين وأصبحت عصيّة على كل حل، فأغرقت البلاد في بحر لا قعر له من المشكلات المعقدة والمستعصية.

مبدأ “الوصول من اجل الوصول” الذي درج عليه “زعماء” البلد او بالأحرى المتزعّمين عليه، ينم عن نفسيةٍ مريضة تسعى فقط وراء المجد الشخصي الذي يزول ، وليس وراء المجد العام الذي لا يزول.

انها نفسية مصابة بعقدة العظمة وحب الظهور ، وبشهوة السلطة وعبادة الأنا ، هذه الأنا التي تصبح مع الوقت طاغية على صاحبها، فتجعله منتشياً من نفسه حتى الثمل، ومستكبراً حتى الانتفاخ، الامر الذي يبعده عن القيم والمبادئ السامية ويفصله عن الواقع، فيغدو خطراً على محيطه ومجتمعه، ويزداد خطره عندما يصبح في موقع المسؤولية والقرار.

مبدأ “الوصول من اجل الوصول” كان الأساس في خراب هذا الوطن حيث انه فتح المجال واسعاً امام الإنتهازيين والوصوليين والنرسيسيين والحربائيين ليقبضوا على خناقه ويُذلّوا شعبه، وأقفلَه امام النخبة ورجال الدولة القادرين وحدهم على إعادة الروح الى هذه الأمة التي أضحت على شفير الموت.

سأل الإسكندر معلمه سقراط ، كيف ادمّر بلداً من دون حرب؟
اجابه، دع رعاعَه يحكمون شرفاءَه.