إيلي الحاج/نقلاً موقع مدى الصوت: أيها اللبنانيّون هؤلاء هُم حُكّامُكم الفِعليّون

100

أيها اللبنانيّون هؤلاء هُم حُكّامُكم الفِعليّون/قرار “الدولة العميقة” في مكان غير ما تعتقدون
المال ورجال الدين وعون وبري والحريري/القرار لـ”حزب الله” بعد جلاء جيش النظام السوري رسمياً
باسيل وجعجع وجنبلاط وفرنجية والجميّل ..التحالفات تغيّرت في الطريق إلى سبق الرئاسة

إيلي الحاج/نقلاً موقع مدى الصوت/30 حزيران/18

أيها اللبنانيّون هؤلاء هُم حُكّامُكم الفِعليّون! (1 من 3)/قرار “الدولة العميقة” في مكان غير ما تعتقدون
إيلي الحاج/موقع مدى الصوت/25 حزيران/18
https://alsawt.org/%D8%A3%D9%8A%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%91%D9%88%D9%86-%D9%87%D8%A4%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D9%87%D9%8F%D9%85-%D8%AD%D9%8F%D9%83%D9%91%D8%A7%D9%85%D9%8F%D9%83%D9%85/
نشأت دولة لبنان جمهوريةً برلمانية وفق النموذج الفرنسي في ظل نظام الانتداب الذي استمر بعد الحرب العالمية الأولى من 1918 حتى 1943 ، ولكنه لم يتطور على غرار جمهوريات دول الغرب وأنظمتها المتعددة، بل بقي أشبه بإمارات طائفية متحدة في مراحل، ومتنازعة في مراحل أخرى، تتقاسم الدولة ومؤسساتها، بلداً يحكمه مزيج من كل شيء ويقع في أزمة عند كل منعطف، أكان انتخاباً لرئيس أو تأليفاً لحكومة، كما هي الحال اليوم، أو حتى عند إصدار قوانين ومراسيم.
هنا جزء أول من ثلاثة أجزاء:
1  - تحكم لبنان عائلات سياسية وراثية في داخل كل طائفة، من طوائف المسلمين والمسيحيين، كل منها تشارك في تمثيل طائفتها في الدولة وتتنافس مع عائلات أخرى على الحصة الأكبر من عوائد هذا التمثيل وفوائده عليها.
وحتى المنتفضون والرافضون لهذا التوارث السياسي العائلي، سرعان ما يشكلون بدورهم عائلات سياسية جديدة باسمهم، لهم ولأولادهم وأحفادهم وأنسبائهم، ما أن يصلوا إلى السلطة.
في الطائفة الإسلامية الشيعية طرأ جديد في زمن الحرب مع بروز حركة “أمل” بقيادة الإمام موسى الصدر، على أنقاض العائلات السياسية التي توارثت زعامة الطائفة، مثل آل الأسعد وآل حمادة وآل عسيران والخليل،، ثم ظهر “حزب الله” بدعم إيران في لبنان بدءاً من عام 1982، وتقاسم النفوذ مع “أمل” بعد صراع عسكري معها، وانتهى الأمر إلى سيطرته على الطائفة وامتثال حركة “أمل” له حتى الامحاء تحت شعار “المقاومة الإسلامية في لبنان”.
ألغى صعود “الثنائي الشيعي” التوارث السياسي العائلي في الطائفة الشيعية، لكنه أحل مكانها مرجعية حزبية توالي الخارج، أي إيران ولاية الفقيه. صارت هذه المرجعية المرتبطة بالخارج هي التي تحدد من يمثل الطائفة، سواء في البرلمان أو الحكومة أو في الإدارة والوظائف العليا والوسطى في وزارات الدولة ومصالحها ومؤسساتها، وحتى في الوظائف الأقل تأثيراً. من يحمل مطلباً للتوظيف في الدولة أو خدمة ما يلجأ إلى هذه المرجعية التي صارت أشبه ما يكون بدويلة غير مرئية ضمن الدولة، في خدمة مشروع يخرج طائفة من لبنان وإن بقيت فيه، لتتبع النموذج الإيراني.
إلا أن القرار الأعلى في الطائفة الشيعية يعود إلى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، وهو الذي يقرر أن يساير رئيس حركة “أمل ” نبيه بري في القرار أم لا .
“الثنائي الشيعي” غيّر تمثيل الطائفة وأحكم القبضة.
أما في الطائفة الإسلامية السنية فقد نجحت “الحريرية السياسية” إلى حد بعيد، على يد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في الدخول بقوة على نادي العائلات السياسية والتغيير فيها، ومدها بكفاءات وشخصيات جديدة ما كان ممكناً أن تصل إلى مواقع في البرلمان والدولة لولا الدفع القوي الذي شكله الرئيس الشهيد. أول من يخطر في الذهن من هذه الكفاءات الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة.
ولكن خلافاً لما حصل في البيئة الشيعية اللبنانية احتفظت الطائفة السُنّية بأدوار لأبناء عائلاتها السياسية التاريخية، مثل آل سلام وآل كرامي، وإن كانت أدواراً أقل تأثيراً بل هامشية نسبة إلى السابق.
كما أن ثمة شخصيات سياسية جديدة شقت طريقها في عالم السياسة بفضل علاقات نسجتها مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وبعده نجله بشار الأسد، والحاشية المحيطة بكل منهما خلال سنوات وصاية النظام السوري على لبنان. أبرز هؤلاء الرئيس نجيب ميقاتي الذي يبقى باعتداله وتكيفه مع الظروف “رئيس حكومة الظل” في الأذهان ما دام الرئيس سعد الحريري أو سواه رئيساً للحكومة.
عند المسيحيين أدت الحرب الأهلية الطويلة بين 1975 – 1990 إلى سيطرة من قادوا الحرب العسكرية وتحولوا سياسيين بعدها .
لذلك نرى التأثير الأكبر في هذه الطائفة للجنرال ميشال عون الذي قاد وحدات الجيش التي كانت في “المنطقة الشرقية” بلغة الحرب أيام كان قائداً للجيش ورئيساً لحكومة العسكريين الإنتقالية. وأيضاً للدكتور سمير جعجع الذي قاد ميليشيا ” القوات اللبنانية” في الحرب وحوّلها حزباً سياسياً بعد خروجه إثر “انتفاضة 2005 ” من السجن الذي مكث فيه 11 سنة و5 أشهر في وزارة الدفاع.
وبقي نفوذ وحضور لحزب الكتائب اللبنانية الذي انشقت عنه “القوات” في الثمانينيات، وأيضاً لـ”تيار المردة” بقيادة آل فرنجية التاريخية والمتوارثة. في حين ضعف جداً حزب الوطنيين الأحرار، حزب الرئيس الراحل كميل شمعون الذي يترأسه نجله دوري. وغاب عن الساحة حزب الكتلة الوطنية التاريخي أيضاً، حزب الرئيس إميل لحود والعميد الراحل ريمون إده بقرار من رئيس الحزب الحالي كارلوس إده.
-أما الدروز فحافظوا تماماً على “العائلات الحاكمة” وبالأحرى على العائلة الجنبلاطية التي تستمر في تمثيلهم وقيادتهم منذ القرن السادس عشر، بالمشاركة طبعاً مع عائلات أخرى أبرزها آل إرسلان، ويمثلها حالياً الأمير طلال إرسلان، لكن القرار الرئيسي للطائفة يبقى بيد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، رغم أنه لم يترشح للانتخابات وسلّم الدور البرلماني إلى نجله النائب تيمور.
2  - تشارك في حكم لبنان مراكز قوى عسكرية وأمنية وقضائية، مَن يسيطر عليها يسيطر على ما يمكن تسميته “الدولة العميقة”.
تُختصر هذه القوى في مؤسسات الجيش، ولا سيما قيادته، والمخابرات التابعة له، والإعلام العسكري (مديرية التوجيه). كما في الأجهزة الأمنية: قوى الأمن الداخلي ومن ضمنها شعبة المعلومات وأجهزة الاستقصاء والمباحث، والأمن العام، وأمن الدولة. وأيضاً القضاء ولا سيما المحكمة العسكرية المختصة بالقضايا التي تختص بالإرهاب والتفجيرات والأمن عموماً، والنيابات العامة في بيروت والمحافظات.
هذه “الدولة العميقة” على صلة وثيقة بـ”حزب الله”، إلى درجة أن صورة وُزعت من طريق الخطأ لاجتماع رؤساء الأجهزة الأمنية برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق، أظهرت مشاركة وفيق صفا، المسؤول عما يسمى “لجنة الارتباط والتنسيق المركزي” في “حزب الله”، في الاجتماع، مما أثار ضجة كبيرة. والواقع أن كلمة وفيق صفا كما يعرف متعاطو الشأن العام، لا تُرد في لبنان، أياً يكن الموضوع الذي يتدخل فيه باسم قيادة الحزب، سواء أكان سياسياً أم أمنيا، أم غير ذلك.
من أقوى وأبرز الفاعلين في المجالين السياسي والأمني، الداخلي والخارجي، من هذه الفئة في الدولة اللبنانية، هو المدير العالم للأمن العام اللواء عباس ابرهيم.
اللواء عباس ابرهيم.
يستمد اللواء ابرهيم قوة موقعه من واقع أنه رئيس جهاز الأمن الذي صار من حصة الطائفة الشيعية، وبالتالي الطرف الأقوى فيها، أي “حزب الله” ويحظى بثقة قيادته الكاملة. كان يترأس الأمن العام – هذا الجهاز الأمني الحساس – منذ نشوء الدولة اللبنانية ضابط أو مدني مسيحي يختاره رئيس الجمهورية ويكون قريباً منه، ولكن رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود عيّن لهذا المنصب في بداية عهده نائب مدير المخابرات العسكرية في الجيش آنذاك، جميل السيّد ورفعه إلى رتبة لواء، وهو المعروف بالتصاقه وقربه الشديدين من النظام السوري و”حزب الله”.
منذ ذلك الحين وعلى جاري العادة في لبنان، أصبح الموقع واقعاً في حصة الشيعة، وأصبح شاغله من أقوى رجالات “الدولة العميقة” ، والأكثر فاعلية في السياسة والأمن على السواء بفعل الثقل الذي يشكله دعم “حزب الله” له.
على غرار اللواء جميل السيّد، الذي كبر دوره بانتخابه نائباً على لائحة “الثنائي الشيعي” في بعلبك- الهرمل، يتمتع اللواء عباس ابرهيم بعقل سياسي- أمني، وعلى غراره انتقل إلى منصب المديرالعام للأمن العام من موقعه السابق نائباً لمدير المخابرات العسكرية، إلا أنه ليس استفزازياً في مواقفه خلافاً للواء السيّد، وأحسن نسج علاقات مع دول العرب والغرب انطلاقاً من مسؤولياته الدقيقة، فهو كان في الجيش مكلفاً بالتنسيق مع الجيش السوري، كما مع القوات الدولية في الجنوب (اليونيفيل)، ومشرفاً على أمن المخيمات الفلسطينية والعلاقات بالتنظيمات والفصائل فيها. وعرف أن يرتبط بعلاقات جيدة مع زعماء الطوائف والرؤساء والشخصيات المؤثرة في البلاد على أنواعها، كما مع الصحافيين والإعلاميين.
ويعنى الأمن العام عادة بجمع كل أنواع المعلومات السياسية والأمنية والاقتصادية، ومسائل ضبط الحدود والدخول إلى لبنان والخروج منه والإقامات، وجوازات السفر، وشؤون اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وسواهم، والتعاطي والبعثات الأجنبية في كل ما يتعلق بالتسهيلات والتنسيق الأمني، ومكافحة الأحزاب والتنظيمات الممنوعة، إلى جانب مراقبة وسائل الإعلام والصحف والأفلام السينمائية. وقبل أشهر أثيرت ضجة في لبنان وخارجه حول اكتشاف مركز تنصت وقرصنة على الإنترنت ووسائل التواصل، الواتس أب وغيره، شملت نشاطاته 22 دولة، وقيل إنه يعمل من مكان تابع وملاصق للمقر الأمن العام في منطقة المتحف. لكن الأمن العام أصدر نفياً لذلك.
وكان دور جهاز الأمن العام تضخم مع اللواء عباس ابرهيم إلى مستوى تأمين التنسيق بين قيادتي “حزب الله” وقيادة الدولة اللبنانية على مستوى اتخاذ القرارات، كما ظهر في معركة “فجر الجرود” التي شنها الجيش اللبناني من جهة الحدود اللبنانية، وميليشيات “حزب الله” مع جيش النظام السوري من جهة الحدود السورية ضد مسلحي تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”. فقد أبلغ ابرهيم رئيس الجمهورية ميشال عون بتوصل “حزب الله” إلى اتفاق لوقف المعركة مع المسلحين وتأمين نقلهم في باصات مكيفة إلى منطقة دير الزور في سوريا، فامتثل الجانب اللبناني مما أثار امتعاض الخبراء العسكريين والديبلوماسيين الأميركيين الذين كانوا يواكبون المعركة وساهموا مساهمة كبيرة في الإعداد لها وتوفير مقومات نجاح الجيش اللبناني فيها من دون أخطاء.وعندما علت الاحتجاجات على مرسوم التجنيس الرئاسي الأخير كان اللواء ابرهيم ملجأ الإنقاذ بتفوضه التدقيق في أسماء المشبوهين. وهو الذي تكفّل تغطية القرار بعدم ختم جوازات سفر الإيرانيين عند دخولهم لبنان وخروجهم منه.
وكان اللواء عباس ابرهيم كُلّف مراراً بمهمات في سوريا مع النظام، وفي تركيا وقطر وسواهما لإطلاق معتقلين مؤيدين لـ”حزب الله” أو من بيئته ( قضية أسرى أعزاز، على سبيل المثال).
وجدير بالذكر أن الأجهزة الأمنية، المختلطة في تركيبتها إجمالاً، يبقى كل منها ممهوراً بولاء غير معلن أو تبعية لطائفة، بمعنى أنها انعكاس لتقاسم المواقع والحصص في مجلس الوزراء ومجلس النواب والإدارات. فالأمن العام كما جاء ذكره محسوب للشيعة، وقيادة قوى الأمن الداخلي، ولا سيما شعبة المعلومات للسُنّة، وأمن الدولة للمسيحيين، ومديرية المخابرات مختلطة شيعية – مسيحية- سنية، الشرطة القضائية للدروز. ويفترض تالياَ أخذ موافقات زعماء كل طائفة عند تعيين مسؤول عن الجهاز الذي يتبع لها. إلا أن لـ”حزب الله” فوق حصة الشيعة، بفعل الأمر الواقع وتأثيره في قرارات الدولة، ميزة وضع “فيتو” على من لا تروق سيرته أو سياسته وخلفياته للحزب حتى لو كان من غير الطائفة الشيعية.
وتكمن قوة “التفاعل الموجَّه سياسياً” بين الأجهزة الأمنية والقضاء في القدرة على التوقيف والسجن وإطلاق السراح وتخلية السبيل أو طي ملفات الملاحقة بناءً على طلبات الفاعلين المؤثرين في السلطة. ويحصل أحياناً أن يكون تدخل وزير مسؤول عن جهاز في الداخلية أو عن المؤسسات القضائية أضعف من تأثير “الدولة العميقة”، والتي تتجلى توجهاتها في مجال القضاء تحت عنوان “المصلحة العليا للدولة”.
وباستثناء عدد من القضاة النزهاء والذين يغلبون ضميرهم ، وهم لا يجدون طريقاً إلى الترقية والمواقع الرئيسية عادة لافتقادهم الدعم السياسي. يمكن القول ببساطة إن لا استقلالية حالياً للقضاء في لبنان.
الجزء الثاني: دور مراكز القوى المالية والمؤسسات الدينية في حكم الدولة.
إيلي الحاج/كاتب صحافي وناشر “الصوت”

 

حُكّام لبنان (2-3): المال ورجال الدين وعون وبري والحريري/القرار لـ”حزب الله” بعد جلاء جيش النظام السوري رسمياً
إيلي الحاج/موقع مدى الصوت/27 حزيران/18
https://alsawt.org/%D8%AD%D9%8F%D9%83%D9%91%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-2-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%B9%D9%88%D9%86-%D9%88/
تساهم في حكم “الدولة العميقة” في لبنان مراكز قوى مالية واقتصادية، تملك المصارف والثروات وتسيطر على قطاع الأعمال، وتؤثر إلى حد بعيد في قرارات مجلس الوزراء ومجلس النواب كما في قرارات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة.
يمثل مصالح هؤلاء في الدولة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في شكل خاص. يقدر هذا الرجل وحده، وبقرارات شخصية على وضع هندسات مالية تكلف المال العام مليارات الدولار من دون رقابة أي جهة، وذلك تحت شعار الحفاظ على قيمة الليرة اللبنانية ودعم القطاع المصرفي ومنعه من الانهيار. عندما تقرر تجديد ولاية رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان ليصير أقدم حاكم مصرف مركزي في موقعه على مستوى العالم، لمدة 30 عاماً، لم يظهر اعتراض من أي حزب أو فئة من لبنان، سواء من المشاركين في الحكومة والبرلمان أو من خارجهما. إجماع قل نظيره يعود إلى أن القطاع المصرفي والمالي في لبنان يجمع كل الأطراف السياسيين، كما يدل على قدرة رياض سلامة العجيبة على “إرضاء” جميع السياسيين والأحزاب ووسائل الإعلام والصحافيين. يشارك جميع هؤلاء في التغطية على قراراته التي تتجاوز الحكومة والإدارات العليا للدولة.
وهناك دور تمثيلي في الحكم لرجال الدين، خصوصاً في الطوائف المسيحية، إذ يحق للبطريرك أن يعترض ويعلي الصوت ويطالب بحكم الأعراف والتقاليد. وقد أفادت المواقع الدينية الإسلامية بحكم التنافس والتماثل، من الأدوار الكبيرة التي يؤديها أحياناً البطريرك الماروني في شكل خاص، ولا سيما في زمن البطريرك السابق نصرالله صفير. ويعود هذا الدور أساساً إلى أن نشوء لبنان الحديث، أي دولة لبنان كان بمسعى من الكنيسة المارونية  بعد الحرب العالمية الأولى، والتي استندت إلى المجاعة الكبرى التي ضربت جبل لبنان ومحيطه وقضت على ثلث السكان وفرضت الهجرة على ثلث آخر، من أجل المطالبة بتوسيع حدود لبنان وضم مناطق تحوي سهولاً ومرافئ إليه والعودة تالياً إلى حدود رسمتها بعثة فرنسية عام 1860 . وبفعل تمتع البطريرك الماروني بموقع خاص منذ زمن الانتداب الفرنسي، صار لبقية رؤساء الطوائف الدينيين مواقع خاصة أيضاً.
حُكّام لبنان المُعلنون
بعد هذا العرض التوضيحي لشكل الحكم اللبناني، الاتحادي غير المعلن بين الطوائف، والمركزي البرلماني في الظاهر، ننتقل إلى السؤال : مَن هم حكام لبنان؟
بطبيعة الحال، يسهل القول إن الحاكم الفعلي للبنان بعد جلاء جيش النظام السوري واستخباراته رسمياً على الأقل، بفعل “انتفاضة الإستقلال – 2005″، هو “حزب الله”.
فهذا الحزب هو المخوّل عملياَ بقوة سلاحه وثقله شن الحروب ووقفها انطلاقاً من لبنان، وهو الذي يحدد أسماء الرؤساء والوزراء، أو على الأقل لا يستطيع أي منهم الوصول إلى موقعه من دون موافقة الحزب عليه، أي أن له حق “الفيتو” في كل ما يتعلق بقرارات الدولة اللبنانية، فضلاً عن فرض توجهاتها العامة، كما حصل عندما أطل الأمين العام لهذا الحزب حسن نصرالله عبر شاشة تلفزيونية ودعا جميع الأفرقاء للتوجه إلى قانون للانتخابات النيابية على أساس النسبية والدوائر المتوسطة، فامتثل الجميع.
“حزب الله” هو الحاكم الأعلى وغير المنظور في الواجهة، في لبنان. والخطاب الأخير لنصرالله الذي عرض فيه البرنامج الانتخابي لمرشحي حزبه كشف عن توجه إلى الانخراط في شؤون تسيير أمور الدولة، لا سيما الاقتصادية والخدماتية والإدارية بعدما درج على أخذ مسافة عنها باعتباره منصرفاً إلى “المقاومة وشؤون “الأمّة الإسلامية”،، والمقصود التدخل في الدول العربية والغربية لخدمة أهداف إيران، بصفته ذراعها العسكرية والأمنية في المنطقة العربية، والاستعداد الدائم للحروب إن كان في سوريا أو على الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون
حقق جميع أهدافه السياسية ، أو هكذا يبدو، عند انتخابه رئيساً في 31 تشرين الأول 2016، وبقي أمامه أن يؤمن خلافته في المنصب لصهره زوج ابنته وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بعدما أوصله إلى رئاسة “التيار الوطني الحر” الذي أسسه عون مستنداً إلى قاعدة شعبية هي الأكبر عند المسيحيين اللبنانيين، لكن هذه القاعدة تظهر آيلة إلى الضمور نتيجة استنزاف السلطة لمن يتولاها في لبنان، خصوصاً أن عون وتياره أطلقا الكثير من الوعود بالإصلاح والتغيير ولم يلمس اللبنانيون شيئاً عملياً من ذلك في ظل رئاسته، بل ظلت الأمور على حالها في كل الميادين والقطاعات، ولعل الإنجاز الوحيد هو التعيينات في المواقع الإدارية والعسكرية والقضائية، لكنها هي أيضاً لم تحصل من دون شكاوى واتهامات بالمحسوبية .
وتكمن نقطة ضعف عهد عون في عائليته المفرطة، إذ سلم بناته الثلاث وأزواجهن مسؤوليات في القصر الجمهوري والدولة ومؤسسات أخرى تابعة لتياره السياسي، وبدا عند مفاصل عدة أن كلاً من البنات والأصهار نسج شبكة علاقات تدور حوله وتتناولها الشائعات.
كما أن تياره أظهر خللاً على أبواب الانتخابات النيابية، لعل أكبر دليل عليه سجال على الشاشات التلفزيونية اندلع بين مستشارين لرئيس الجمهورية هما جان عزيز الذي فقد على الأثر موقعه في القصر والتلفزيون البرتقالي، تلفزيون تيار الرئيس، وبين النائب الوزير السابق الياس بو صعب، الثري القريب من الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحليف بدوره لـ”حزب الله”.
ولا يتصرف الرئيس عون في الرئاسة من منطلق ثوابت لديه، بل يتعاطى إلى حد كبير ببراغماتية وبناء على حسابات مصلحية، وأكبر دليل الطريقة التي وصل بها إلى رئاسة الجمهورية، بفرض وإكراه من “حزب الله” الذي حجب النصاب مع حلفائه عن جلسات الانتخاب، إلا إذا كانت مخصصة لانتخاب مرشحه عون في شكل مضمون مئة في المئة.
ويجيّر الرئيس عون الكثير من المواضيع لبحثها إلى مساعديه نظراً إلى تقدمه في السن ( 85 سنة استناداً إلى السير الذاتية الرسمية لقادة الجيش اللبناني) علماً أنه صغر عمره لسبب مجهول لاحقاً سنتين، وربما لتمديد خدمته العسكرية. وتسري شائعات كل مدة عن وضعه الصحي رغم أنه يظهر بصحة جيدة على التلفزيونات إجمالاً.
– رئيس مجلس النواب وحركة “أمل” نبيه بري
هو أيضاً تقدم في السن، 80 عاماً، ولا يزال بصحة جيدة ويشغل المنصب نفسه في رئاسة مجلس النواب منذ 26 عاماً على التوالي. بعد ممانعة لتمدد “حزب الله” في البيئة الشيعية على حساب حركة “أمل” في الثمانينيات والتسعينيات أذعن للأمر الواقع وتحوّل تالياً إلى منفذ لسياسات الحزب وتوجهاته في داخل الدولة اللبنانية والبيئة الشيعية على السواء، مع احتفاظه بهامش ضئيل في ما لا يمس بالخطوط العامة التي يرسمها الحزب، كأن يختلف مع الحليف الآخر، المسيحي، لـ”حزب الله”، أي “التيار العوني” بين حين وآخر.
غني عن القول إن وجود الرئيس بري على رأس السلطة التشريعية ونائب واحد ووزير واحد أيضاً لإطلاع “حزب الله” على ما يجري في البرلمان والحكومة، يكفي الحزب كي يواصل هيمنته على مؤسسات الدولة الشرعية من خارجها. وفي الانتخابات النيابية الحالية ارتضى الحزب أن يقسم حصة الطائفة الشيعية، أي 27 نائباً من أصل 128، بالتساوي بينه وبين حركة “أمل”.
وأما المقعد السابع والعشرون فأسنده إلى اللواء المتقاعد جميل السيّد، المدير العام السابق لمديرية الأمن العام، اللصيق الصلة بالحزب والنظام السوري، والذي سُجن 4 سنوات على ذمة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبعد فوزه في انتخابات 6 أيار، يبدو جميل السيّد رأس حربة لتحالف جماعة النظام السوري- إيران على أبواب مرحلة سياسية جديدة للبنان، ويتردد أنه قد يكون الرئيس المقبل لمجلس النواب إلا إذا قرر الرئيس بري البقاء في منصبه وكان لا يزال على توافق مع “حزب الله”، بافتراض أن تكون الأوضاع والتوازنات في لبنان لا تزال كما هي اليوم.
جميل السيّد سيكون في أي حال خلال المرحلة الآتية، الحصان القوي والمستعد لحرق المراكب في كل الإتجاهات في مواجهات “حزب الله” مع خصومه المحليين في البرلمان والحكومة وخارجهما، ولا سيما في موضوع المحكمة الدولية وسواها.
رئيس الحكومة و”تيار المستقبل” سعد الحريري
رغم العنعنات والمناكفات المتعلقة بتأليف الحكومة، يبدو حتى هذه الساعة متقيّداً تماماً بتحالفه مع رئيس الجمهورية ميشال عون و”تياره” برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، “الرجل القوي” للعهد بحكم كونه زوج ابنة الرئيس عون ومحط ثقته وحامل استمرارية مشروعه السياسي القائم على القبض على رئاسة الجمهورية. يصح القول إلى حد بعيد إن لقاء مصالح جمع بين الحريري وباسيل، ويقوم على تحاشي إثارة موضوع سلاح “حزب الله” باعتبار أنه موضوع إقليمي ودولي أكبر من الأفرقاء المحليين وتأثيرهم، والأفضل تالياً هو اعتماد سياسة تمرير المرحلة بما أمكن في انتظار أوضاع أفضل.
في المقابل سهّل عون وباسيل للحريري عودته إلى رئاسة الحكومة والمصالح التي يتوخاها، على أن يسهل الحريري بدوره للعهد الحكم والمصالح التي يتوخاها في وجه العقبات والمعترضين. أكانت هذه المصالح تتعلق بمشاريع تستوجب موافقة الحكومة عليها، أم تعيينات ووظائف في الدولة من ضمن حصة الطائفتين السنية والمسيحية خصوصاً. أما حصص الشيعة فتستوجب العودة في شأنها إلى قيادة “الثنائي الشيعي”.
تتبع حلقة ثالثة عن جبران باسيل وسمير جعجع وآخرين.
إيلي الحاج/كاتب صحافي وناشر “الصوت”

حُكّام لبنان (3-3): باسيل وجعجع وجنبلاط وفرنجية والجميّل ..التحالفات تغيّرت في الطريق إلى سبق الرئاسة
إيلي الحاج/نقلاً عن موقع مدى الصوت/29 حزيران/18
https://alsawt.org/%D8%AD%D9%8F%D9%83%D9%91%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-3-%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%AC%D8%B9%D8%AC%D8%B9-%D9%88%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%B7-%D9%88%D9%81%D8%B1/
يجسّد وزير الخارجية والمغتربين ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مستقبل مشروع “الحركة العونية” في البيئة المسيحية في لبنان، ومختصرها أن الأوضاع تصطلح في لبنان بمجرد وصول شخص يتمتع بالنزاهة ونظافة الكف والوطنية والأخلاق ومزايا البطولة والقداسة، على غرار الجنرال ميشال عون، إلى سدة رئاسة الجمهورية. في سبيل ذلك تهون التضحيات ولا تهم الوسيلة وسيلة الوصول إلى الغاية المطلوبة. فالثقة عمياء بشخص حامل المشروع كما أظهر مراراً في الانتخابات السابقة وسواها، أنصار “التيار الوطني الحر”.
الواقع أن هذا المشروع تحقق بانتخاب العماد ميشال عون، لكن في وقت متأخر بالنسبة إلى الجنرال عون الذي تجاوز مرحلة الشيخوخة، بعدما رفع شعار حقه في الرئاسة في الـ53 من عمره، عند تعيينه رئيساً لحكومة العسكرية الانتقالية سنة 1988.
وبعد مرور نحو سنة ونصف من العهد الرئاسي العوني، لمس رئيس الجمهورية وأعوانه أن إصلاح أحوال الجمهورية وتغييرها، وتحقيق بقية الشعارات التي استخدموها للوصول إلى رأس السلطة، هي أبعد ما يكون عن التحقق ، خصوصواً أنهم سبق قبل انتخاب عون رئيساً أن انغمسوا في نعيم السلطة ومميزاتها ومكاسبها من خلال مشاركة “التيار” والتكتل النيابي الأوسع (“تكتل الإصلاح والتغيير”) الذي ترأسه عون، في الحكومات التي أعقبت اتفاق الدوحة، بعد إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بقوة سلاح “حزب الله” وحلفائه في حملة 7 أيار 2008 العسكرية الشهيرة ضد “قوى 14 آذار” سابقاً.
والحال أن موقع جبران باسيل يقع في قمة الهرم بعد الجنرال ميشال عون بين المواقع والمهمات التي وزعها رئيس الجمهورية على أفراد عائلته، الأقربين والأبعد.
ليس وزيراً فوق العادة بل أكبر الوزراء و”رئيس الظل” فحسب، بل هو أيضاً رئيس “التيار” المطلق الصلاحية فيه عملياً، يحدد السياسات والتحالفات، يعقد الصفقات السياسية وغير السياسية، ويحمل “الشعلة” عن عون. وستكون أمامه 4 سنوات ونصف تقريباً، في حال انتهت الولاية الرئاسية في شكل طبيعي، كي يبقي القصر الجمهوري في بعبدا، مساحة عونية. بمعنى أن يخلف والد زوجته في رئاسة الجمهورية.
أما المشروع السياسي لجبران باسيل فهو الذي أعلنه في لقاء شعبي تسرب شريط فيديو عنه في محمرش، إحدى قرى منطقته الانتخابية البترون قبيل الإنتخابات، ومختصره – إذا وضعنا جانباً هجومه على حركة “أمل” ورئيسها نبيه بري- أن قوى إسلامية استولت على حقوق المسيحيين في لبنان في الوظائف والمشاريع والمكتسبات، مستغلة تحالفها مع النظام السوري في زمن الوصاية، وأن للمسيحيين الحق في نصف الدولة بموجب اتفاق الطائف، لكن هذا الحق انتُزع منهم، و”التيار الوطني الحر” سوف يستعيد هذا الحق، وأن رئاسة الجمهورية يجب أن تكون للأكثر تمثيلاً بين المسيحيين، و”التيار ” الذي يترأسه هو الأكثر تمثيلاً وفقاً لما تظهر الانتخابات النيابية من أحجام لكل الأحزاب والشخصيات.
الرئيس ومشروع الرئيس.
وكان باسيل تمكن بدعم من “حزب الله” و”تيار المستقبل” من إدخال تعديلات على مشروع القانون الانتخابي ضَمَنَت فوزه في الانتخابات النيابية عن منطقته البترون، حيث خسر مرتين سابقاً في انتخابات 2005 و2009، وذلك من خلال بندي “الصوت التفضيلي الواحد”، وحصره في مرشحي قضاء المقترع في الدائرة الأوسع. تحالف حزبا القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية في البترون وأقصى ما استطاعا تحقيقه هو إسقاط المرشح السابق لرئاسة الجمهورية النائب السابق بطرس حرب، وكان ترشح للانتخابات عن المقعد الثاني في البترون، مضطراً بعدما ضاقت به الخيارات، على لائحة “تيار المردة” (الذي يترأسه النائب والوزير السابق المرشح للرئاسة أيضاً سليمان فرنجية).
وكان جبران باسيل المشروع المستقبلي للرئيس سعد الحريري وتياره، لو صمدت التحالفات على ما كانت قبل أن يعود الحريري إلى التحالف مع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع. لكن موقف “حزب الله” من باسيل قد يخضع هو أيضاً لإعادة نظر متى تعلق الأمر بموقع رئاسة الجمهورية من جديد. فالتزام الحزب المذكور في هذا الصدد كان مع عمه والد زوجته ميشال عون ولا ينسحب بالضرورة عليه، خصوصاً أن جبران باسيل أرسل مراراً إشارات لم يستسغها “حزب الله” في اتجاه دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً والمجتمع الدولي، للتمييز بينه وبين حليفه “حزب الله”. كما أن خلافاته الشديدة والتي بلغت حد استخدام عبارات مستفزّة في حق الرئيس نبيه بري (“بلطجي”) لا تساعد الحزب في تمرير تأييده لباسيل، إذا أيد ترشيحه للرئاسة، في بيئة الحزب الشيعية.
أما علاقته بحليفه السابق بموجب “اتفاق معراب” فصارت من الماضي بعدما تطوّع لإعلان دفن ذاك الإتفاق بنفسه لقطع الطريق على محاولة “القوات” ترجمة نجاحها الإنتخابي في تشكيلة الحكومة.
كذلك لم يستطع باسيل كبح نفسه، هو وتياره، عن استخدام تعابير تنم عن نوع من عنصرية في مقارباته حيال النازحين السوريين والفلسطينيين. والتصق اسمه في أذهان فئات واسعة من اللبنانيين بالصفقات مع الرئيس سعد الحريري ومدير مكتبه السابق نادر الحريري وسواهما، ولا سيما في موضوع صفقة البواخر المستأجرة لتأمين التيار الكهربائي، وإنشاء السدود وسواها، كما في تعيينات الأنصار والمحاسيب في مواقع- مفاتيح في الدولة على حساب أصحاب الكفاءات، وتغليب الطائفية في التوظيفات على حساب الاعتبارات الأخرى.
كل ذلك يمكن أن يدفع “حزب الله” إلى الاتجاه نحو حليفه وحليف رئيس النظام السوري الدائم سليمان فرنجية، وتفضيله على باسيل متى حان موعد البحث في الانتخابات الرئاسية المقبلة. من دون أن يعني ذلك قطع صلاته الوثيقة حالياً بباسيل،والخطوات التنسيقية في ما يتعلق بالداخل اللبناني وعمل وزارة الخارجية والمغتربين في سبيل حماية “حزب الله” وسلاحه وسياساته.
والمختصر : جبران باسيل ركن أساسي من أركان الحكم في لبنان، ومرشح لدور أكبر في المستقبل.
فاعلون ومؤثرون في الحياة السياسية اللبنانية
رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع
يطمح إلى قيادة معارضة مسيحية لـ”حزب الله” وحليفه في الحكم رئيس الجمهورية وصهره الوزير جبران باسيل ويعدّ لتجميع أوراقه من أجل المنازلة المقبلة للوصول إلى رئاسة الجمهورية، لكنه فقد الكثير من صورته كرجل مبدأ، ومن عناصر القوة التي كانت له أيام كان مرشح “قوى 14 آذار” سابقاً لرئاسة الجمهورية، وذلك بعد خوضه تحالفاً لأسباب مصلحية مع “التيار الوطني الحر” أو “العوني” على قاعدة أنه سوف يرث مؤيديه وأنصاره بعد الرئيس عون. المفاجأة التي كانت تنتظره أن عون وباسيل لم يلتزما ما وعداه به من “مناصفة” في تقاسم حصة المسيحيين في الدولة معه، رغم أنهما أعطياه 4 وزراء في الحكومة، ولكن في حقائب غير أساسية. والمفاجأة الأكبر له أن “التيار” يعد لرئاسة الجمهورية الوزير باسيل خلفاً لعون تحت عنوان أن الرئاسة للأكثر تمثيلاً في الطائفة.
رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط
يبقى الزعيم الأقوى وصاحب الكلمة الفصل في طائفة الموحدين الدروز، رغم توريثه مقعده النيابي لنجله تيمور، وسلوكه طريق مسايرة “حزب الله” وتمرير المرحلة بالتي هي أحسن، طريق يبررها بضرورة حماية الطائفة الصغيرة والتي تفتقد البُعد الإقليمي، كما إلى التحالف مع أفرقاء أقوياء يمكنه الإتكال عليهم في الداخل.
بين حين وآخر يصدر جنبلاط إشارات إلى عدم رضاه عن سير أمور الدولة وسلوك تحالف “حزب الله” – “التيار الوطني الحر”، لكنه يحرص على حماية نفسه والطائفة الدرزية بتحالفات وتفاهمات سياسية وشخصية، لا سيما مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.
رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميّل
هو قائد المعارضة في البرلمان، ونجح دستوريا في التصدي لعدد من قرارات الحكومة غير الصحيحة قانونياً، كما اكتسب ثقة ما يسمى في لبنان “المجتمع المدني” في عملية التحول التي يقودها للحزب التاريخي الذي أسسه جدّه بيار الجميّل عام 1936 ليصير حزباً معاصراً يطرح المواضيع التي تهم الأحزاب في الغرب: البيئة، خدمة الإنترنت، الشفافية، المحاسبة، مكافحة الفساد… وأكثر فأكثر ينهج نهجاً لا طائفياً، أو بالأحرى غير متعصب طائفياً. سامي الجميّل ثابت لم يتخلّ في سلوكه السياسي عن مبادئ “انتفاضة الاستقلال- 2005″، لكن مشكلته أن حزبه قديم ومترهل. كان في ما مضى حزباً ضخماً وقوياً قياساً على الواقع اللبناني، أوصل رئيسين للجمهورية إلى قصر بعبدا، واكتسب عداوات جمة خلال سنوات الحرب الطويلة (1975 – 1990)، مما يفرض عليه تغييراً من الأساس في الشكل والمضمون كي يحقق مبتغاه بالمنافسة على الموقع الأول في الدولة. يساعده في ذلك سنه (مواليد 1980).
رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية
ورث زعامة في منطقة شمال لبنان ذات الغالبية المسيحية عن جده رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية وتخلى عن المقعد النيابي في الانتخابات الأخيرة لنجله طوني. مشروعه السياسي يختصر بالتصدي لمحاولة الوزير جبران باسيل وراثة عمه الرئيس في القصر الجمهوري ومشاريعه. وهو وثيق الصلة برئيس النظام السوري بشار الأسد وبـ”حزب الله” ويعلن أنه لا يخرج على إرادة أمينه العام حسن نصرالله.
بعد الخلافات بين جبران باسيل والرئيس نبيه بري، والمواقف الاستفزازية لكثير من اللبنانيين وغير اللبنانيين التي تصدر عن باسيل، وعلامات الاستفهام على الخطوات التي يمكن أن يُقدم عليها للوصول إلى الرئاسة حيال أي قوة أو دولة مؤثرة على هذا الصعيد، لا يستبعد كثيرون أن يختار “حزب الله” في المرة المقبلة دعم ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بعدما أرغمه على إخلاء الساحة في المرة الماضية لميشال عون.
إيلي الحاج/كاتب صحافي وناشر “الصوت”