علي الأمين/اللاجئون السوريون في لبنان وسياسة الهروب إلى الأمام/Ali al-Amin: The question of Syrian refugees highlights political callousness in Lebanon

97

اللاجئون السوريون في لبنان وسياسة الهروب إلى الأمام
Ali al-Amin: The question of Syrian refugees highlights political callousness in Lebanon

علي الأمين/العرب/19 حزيران/18

طرح قضية اللاجئين بالشكل الذي يتم اليوم في لبنان ينطوي على فتح نافذة للنظام السوري تجاه لبنان، كما ينطوي أيضا على سياسة الهروب إلى الأمام من خلال تفادي مواجهة الاستحقاقات التي يجب على السلطة اللبنانية مواجهتها.

قضية اللاجئين.. مسألة شعبوية في لبنان
تشكّل قضية اللاجئين السوريين في لبنان عنصرا ضاغطا على الاقتصاد وعلى المؤسسات العامة المعنية بتقديم الخدمات، كما أن وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان يثير مخاوف أوروبية من عملية انتقال هؤلاء اللاجئين إلى أوروبا، إما مرغمين وإما عبر طرق اختيارية غير مشروعة، ولذا يبدي المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص اهتماما بهذه القضية سواء لجهة توفير الدعم المادي لهم، أو لناحية التنسيق مع الدولة اللبنانية التي تتلقى أربعين بالمئة مباشرة من المساعدات المالية المقررة دوليا للاجئين السوريين في لبنان بحسب الناطقة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رولا أمين.

قضية الوجود الديموغرافي السوري في لبنان اليوم، تحولت إلى قضية سياسية بامتياز، لا سيما مع انفجار الخلاف بين وزارة الخارجية اللبنانية وتحديدا وزير الخارجية والمنتشرين جبران باسيل ومكتب “المفوضية” في بيروت، بسبب ما اعتبره الأخير منع المفوضية للاجئين من العودة إلى بلادهم، وهو ما نفته المفوضية التي اعتبرت أنها تقوم بواجباتها وهي غير قادرة على منع أي لاجئ من العودة إذا قرر ذلك، وفي نفس الوقت هي عاجزة عن توفير ضمانات العودة الآمنة لهم إلى سوريا.

وعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذتها وزارة الخارجية بمنع تجديد الإقامات في لبنان لموظفي المفوضية، فإن الاتصالات لم تنقطع حين برز تباين بين موقفي رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية، حيث اعتبرت مصادر الحريري أن ما قام به باسيل لا يمثل رأي الحكومة، لكن ذلك لم يمنع باسيل من التمسك بموقفه والتعبير عنه بطرق مختلفة، كان منها قيامه بجولة إلى بعض مخيّمات النازحين في بلدة عرسال الحدودية مع سوريا في محاولة لإظهار أن بعض السوريين يريدون العودة، لكن ثمة عوائق تضعها المفوضية في طريق العودة.

وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان يمثل قضية بحد ذاتها تثقل على الدولة اللبنانية عموما، لكنها تكاد تبدو في الكثير من المواقف السياسية عنوانا للاستثمار السياسي اللبناني الداخلي، ذلك أن لبنان الذي يشكو بعض المسؤولين فيه من أعباء قضية اللجوء الاقتصادية والمالية على الدولة، هم أنفسهم لا يبالون باتخاذ أي إجراءات اقتصادية أو مالية وإدارية للحد من عمليات النهب المنظم لخزينة الدولة عبر سياسة المحاصصة والزبائنية التي تستفحل في الدولة، كما أن أطراف السلطة على وجه العموم لا تقوم بما يتوجب من إجراءات تظهر للبنانيين أن لديها اهتماما بتوفير الحد الأدنى من خطوات لجم التدهور المالي والاقتصادي، إن لم يكن وضع خطط للنهوض بالدولة على مستوى التنمية وجذب الاستثمارات للحد من البطالة المتفشية.

من هنا لا يمكن النظر إلى قضية اللاجئين باعتبارها قضية تخلّ بتوازنات ديموغرافية أو تثقلُ على موازنة الدولة فحسب، بل في كونها شماعة لبعض السياسيين في إطار تسجيل المواقف في الهروب من مواجهة التحديات الجوهرية التي تمنع قيام الدولة في لبنان بما هي مرجعية حصرية في إدارة شؤون المؤسسات الدستورية والقانونية، إذ تتحول قضية اللجوء في لبنان إلى جوهر المشكلة التي يعاني منها لبنان، علما وأن العديد من القضايا كالتورط في الحرب السورية لا تمثل لبعض اللبنانيين قضية ليست ذات أهمية في تداعياتها على أحوال الدولة، ولا عملية تخريب مؤسسات الدولة من خلال أطراف السلطة أنفسهم.

العنصر الأهم في أسباب الأزمات التي يعاني منها لبنان، ولا مصادرة القضاء وتعطيله لصالح استمرار الاختلال في إدارة شؤون المؤسسات والمجتمع، ولا مرسوم التجنيس الأخير الذي تم فيه منح الجنسية لأكثر من أربعمئة فرد، فاحت منه روائح مشبوهة، هذا من دون أن نتطرق بالتفصيل إلى عملية الفساد والهدر في تلزيمات الكهرباء والنفط فضلا عن التخريب الممنهج لقطاع الاتصالات الذي يتعرض لاستباحة على مستوى التوظيفات وفي إدارة هذا القطاع الذي يكاد يكون القطاع الوحيد الإنتاجي المتبقي في لبنان الذي يدرّ أموالا على الخزينة العامة، لكنه اليوم يعاني من الفضائح التي تختصرها الزبائنية والفساد واللامبالاة من قبل السلطة تجاه تدهور أحوال هذا القطاع الذي تخلف عن محيط لبنان بدرجات غير مبررة.

لا يمكن النظر إلى قضية اللاجئين باعتبارها قضية تخلّ بتوازنات ديموغرافية أو تثقلُ على موازنة الدولة فحسب، بل في كونها شماعة لبعض السياسيين في إطار تسجيل المواقف في الهروب من مواجهة التحديات الجوهرية

يبقى أن قضية اللجوء تجري مقاربتها في لبنان اليوم بشعبوية وطائفية، والأهم هو الاستخدام الذي يجعل من هذه القضية وسيلة من وسائل فتح الباب أمام عودة النفوذ السوري إلى لبنان من خلال هذه القضية، ذلك أن المنطق السياسي والوطني والإنساني يفترض مهما قيل عن الموقف الدولي في تقصيره بشأن اللاجئين السوريين وتوفير شروط عودتهم إلى بلادهم، يبقى الموقف الأفضل أو الأقل خطرا على لبنان إذا ما كانت المقارنة مع سياسة وسلوك النظام السوري في هذا الشأن.

لذا فإن حرص لبنان على المحافظة على الغطاء الدولي وتمتين شروط العلاقة مع مؤسساته هو المنهج الأقل ضررا على الدولة من أي خيار آخر، ذلك أن لبنان لا يمكن له أن يغامر في العلاقة مع مفوضية اللاجئين لحساب النظام السوري. فلبنان الذي عانى من نظام الأسد.

لا يمكن له أن يلجم شهية النظام السوري في السيطرة والنفوذ إلا بالتحصّن بالشرعية الدولية والمظلة العربية، كما أن لبنان ليس لديه ترف المغامرة بعلاقاته الدولية في وقت يدعو فيه إلى احتضان الدولة اللبنانية التي باتت على شفير الإفلاس وهو لا يزال يطالب أيضا بدعم اقتصاده من خلال المؤتمرات الدولية ولا سيما تلك التي انعقدت خلال الشهرين الماضيين، سواء مؤتمر سيدر في باريس الذي أقرّ مساعدات بقيمة أحد عشر مليار دولار أو مؤتمر روما الذي أقر مساعدات عسكرية للجيش اللبناني.

طرح قضية اللاجئين بالشكل الذي يتم اليوم في لبنان ينطوي على فتح نافذة للنظام السوري تجاه لبنان، كما ينطوي أيضا على سياسة الهروب إلى الأمام من خلال تفادي مواجهة الاستحقاقات الرئيسية التي يجب على السلطة اللبنانية مواجهتها، وطالما أن مسألة الأعباء الاقتصادية والمالية هي التي تُرفعُ كشعار لتبرير السلوك المنفّر على هذا الصعيد، فإن ما يجب ألا يخفى على أحد أن عجز السلطة عن مواجهته فإن عجزها أيضا عن مواجهة فساد أطرافها وسوء إدارتها لشؤون المواطنين، هي المعضلة الحقيقية التي تجعل لبنان اليوم من دون أي خطة تنموية فعلية ولا أي سياسة جادة في السيطرة الحصرية على مرافق الدولة وعلى مرافقها، بل هي غائبة عن التحكم الكامل في حدودها البرية مع سوريا.

وإزاء هذا الهروب تبقى قضية اللاجئين السوريين في لبنان الوسيلة التي يتم من خلالها النموذج الجذاب الذي يغري بعض أطراف السلطة لمداراة عجزها عن تلبية شروط بناء الدولة، أو وسيلة لإخفاء تورطها في ملفات الفساد، عبر استغلال أوجاع المواطنين وحاجاتهم الملحة بإحالتها إلى مشكلة اللجوء، وهذا ما يمهد ليس لمعالجات جادة بل لتعميق الجراح بين البلدين ولا سيما بين الشعب السوري والشعب اللبناني اللذين يقعان اليوم ضحية سلطات خبيثة مستعـدة لأن تغـامر بمستقبل البلدين من أجل مكاسب سلطوية شخصية أو حزبية وفئوية.

The question of Syrian refugees highlights political callousness in Lebanon
علي الأمين/اللاجئون السوريون في لبنان وسياسة الهروب إلى الأمام
Ali al-Amin/The Arab Weekly/June 23/18
There is in Lebanon a populist and sectarian approach to the question of the refugees.
There are European fears that the million-plus Syrian refugees in Lebanon might be forced to migrate to Europe or do it by their own choosing through illegal ways. This is why the international community, in general, and the European Union, in particular, are closely monitoring the situation and diligently collaborating with the Lebanese government.
Rula Amin, spokeswoman for the UN refugee agency in the Middle East and North Africa, said the Lebanese government receives 40% of the international financial aid earmarked for Syrian refugees in Lebanon. The refugees also receive direct aid from other sources.
The presence of a Syrian population in Lebanon has turned into a political crisis, especially between Lebanese Minister of Foreign Affairs and Emigrants Gebran Bassil and the UN agency’s representation in Beirut.
Bassil accused the United Nations of stopping refugees from returning to Syria. The UN refugee agency said it cannot stop any refugee from returning home if he or she wished to do so and that it cannot guarantee the refugees’ safe return to Syria.
There is no doubt that the issue of the refugees is a burden for the Lebanese government. On many occasions, however, the issue has looked like an opportunity for political investment in internal politics. Officials who have complained about the economic, financial and administrative drain caused by the refugees’ file are those who care not less about taking measures to stop the systematic looting and draining of Lebanon’s treasury through quota-based policies and clientelism.
So far, authorities in Lebanon have not indicated they are interested in doing the minimum to stop the downward economic spiral in the country, let alone that they have serious plans for kick-starting development, attracting investors and reducing unemployment.
The refugees’ question in Lebanon is thus not just a demographic and economic issue; it is for many politicians the perfect alibi to run from facing the fundamental challenges to Lebanon: those provisions and practices that prevent the state from being the sole party in charge of running the affairs of the country’s constitutional and legal institutions.
For some politicians and for some Lebanese, the refugees have become Lebanon’s central problem while other issues, such as becoming militarily involved in the Syrian conflict, are irrelevant and with minor consequences for the whole state and its institutions.
The Syrian refugees are the least of Lebanon’s problems. One should instead look at the issue of seizing control of the justice system and preventing it from dealing with the rampant mismanagement in institutions and society at large.
What about the scandal related to the suspicious naturalisation of about 400 individuals?
Let’s not even bring up the subject or details of corruption in the electricity and oil sectors, nor talk about the systematic destruction of the communications sector. It might be the last competitive public sector bringing important revenues to public finances. Yet, it is systematically weakened through cronyism, corruption and carelessness.
There is in Lebanon a populist and sectarian approach to the question of the refugees. The real danger lies in the risk of allowing the return of Syrian influence in Lebanese affairs through the pernicious use of the issue.
The Syrian regime has always had a tremendous appetite for power and influence. Only an international and Arab umbrella can protect Lebanon from the regime’s greed. Lebanon cannot afford the luxury of gambling with its international relations, especially given its economic situation. Not long ago, international donor conferences in Paris and in Rome promised Lebanon $11 billion in financial and military aid.
Not only does the framing of the question of the Syrian refugees in Lebanon open breaches for the Syrian regime to exploit, it highlights Lebanese authorities’ reluctance to deal with their internal weaknesses. As long as officials hide behind the slogan of economic and financial burdens, corruption and mismanagement will thrive.
This is the real issue in Lebanon today or else how can it be explained that the country lacks a serious development plan and cannot control its borders with Syria?
Unfortunately, the question of the Syrian refugees in Lebanon remains for some in power the easiest way to cover their failure to ensure conditions for a strong state or their own involvement in cases of corruption. By pegging all of the Lebanese citizens’ problems and frustrations on the question of the refugees, these dishonest politicians deepen the wounds between Lebanon and Syria rather than heal them.
The irony is that both the Syrian people and Lebanese people are victims of evil powers ready to sacrifice them for personal, partisan or sectarian gains.