د. مصطفى علوش: حين يرى العدو في جيش بشار ضمانة لاستمرار احتلال الجولان

60

حين يرى العدو في جيش بشار ضمانة لاستمرار احتلال الجولان
د. مصطفى علوش/المستقبل/09 حزيران/18

«أنا يا صديقة متعب بعروبتي فهل العروبة لعنة وعقاب
والعالم العربي إما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب
إن جاء كافور فكم من حاكم قهر الشعوب وتاجه قبقاب»
(نزار قباني)

عندما اجتاح لواء «جولاني» الإسرائيلي تحصينات الجولان بين التاسع والعاشر من حزيران ١٩٦٧، كانت قيادة سوريا تأمل بأن تمر عاصفة الحرب بأقل الأضرار عليها. فقد سقط ستون بالمئة من الغطاء الجوي السوري في السادس من حزيران، وبقيت القوات البرية من دون حماية غير ارتفاع مواقعها وتحصيناتها في أعلى الهضبة المطلة على سهل الحولة.

لكن حتى هذه التحصينات كانت مكشوفة بالكامل للعدو من خلال الجاسوس «ايلي كوهين» الذي كان حسب المعلومات يتجول فيها مع قادة الأركان السوريين في رحلات تفقدية على الجبهة قبل أشهر من الحرب.

لكن الفضيحة كانت أن وزير الدفاع يومها، حافظ الأسد، اعتبر أن الجولان ساقط منذ بدء المعركة، كما أن عاصمة القطاع القنيطرة اعتبرت محتلة قبل عدة ساعات من تطويقها من قبل الإسرائيليين مما دمر معنويات الجيش السوري ودفع كبار ضباطه للهروب بشكل كيفي من الجبهة، لولا مجموعة من الجنود وصغار الضباط الذين استمروا بالمقاومة لساعات طويلة في «تل الفخا» حيث كبدوا العدو المئات من الإصابات.

الفضيحة كانت مع «ابراهيم ماخوس» وزير خارجية النظام بعد أيام من الهزيمة في تجمع حزبي في حمص، حيث لجأت قيادة البعث بعد أن هربت من دمشق خوفاً من احتلالها. أعلن ماخوس أنه لا هم إن احتلت الأرض وهدمت المدن وقتل من قتل، المهم هو بقاء حزب البعث!

في الواقع فإن هذا يختصر حقيقة النظام في هذا البلد الذي توصف عاصمته بأنها «قلب العروبة النابض». إنه نظام مستعد ليبيع كل شيء في السوق في سبيل البقاء في السلطة، ولا يهم من كان الشاري، أميركا أم إسرائيل، روسيا أم إيران، عربي أم غيره.

بعد حرب تشرين ١٩٧٣، دخل حافظ الأسد في حوار مع «هنري كيسينجر»، وتمكنا من نسج تفاهم مع إسرائيل بحيث تنسحب قوات العدو من القنيطرة «لحفظ ماء الوجه» للأسد، مقرونه بعملية تبادل للأسرى مع هدنة أبقت تلك الحدود هادئة لأكثر من أربعين سنة.

كما أن تفاهماً آخر، نسجه مبعوث أميركي آخر (روبرت مورفي)، بالتوافق مع قادة إسرائيل، سمح لقوات الاسد بالدخول واحتلال لبنان، بعد أن وضعت لقواته الخطوط الحمر جغرافياً.

وحتى بعد الإجتياح سنة ١٩٨٢وخروج القوات السورية من بيروت والجبل، لم تعارض إسرائيل عودتها سنة ١٩٨٦ طالما أنها ملتزمة بقواعد اللعبة.

ما هو مؤكد هو أن خطوط حكام سوريا الحمراء التي رسمتها إسرائيل، ترتكز على السماح بالسباب والشتائم والتهديدات والتحديات لتعبر حدود الأراضي المحتلة من على المنابر وخلف الشاشات وأمام الجماهير، طالما أن سيل الكلمات الجارف لن يتضمن أي رصاصة أو قذيفة ذات تأثير جدي.

وبالتالي فقد كانت الفوائد مشتركة، فشتائم وتهديدات نظام الاسد وضعته في خانة أركان الممانعة والمواجهة ضد العدو، وما يستتبعه كل ذلك من عسف وتسلط على شعبه دون حسيب ولا رقيب. ومن جهة أخرى، فإن إسرائيل تستفيد من التهديدات لتؤكد للعالم مظلوميتها وأنها تحت الخطر الدائم من جيرانها، مما يمنعها من الدخول في تسويات مع مجتمعات عدائية، كما أنها تستعمل كل ذلك لتصليب عود مجتمعها ودفعه إلى المزيد من العسكرة والصمود.

كل ذلك والجولان بأمان، ومصادر المياه لبحيرة طبريا مضمونة، وحتى أن المشاريع السياحية أصبحت تفترش الهضبة المحتلة التي تحولت إلى منتجع صيفي وشتوي لبني صهيون. ورغم كل ذلك، فإن نظام الأسد بقي على رأس قائمة المقاومين الممانعين.

في إحدى خطبه التي سوغ بها انغماس حزبه في المذبحة السورية، قال الأمين العام لـ “حزب الله” أنه تدخل لحماية النظام الذي يحمي ظهر المقاومة. يعني ببساطة أن نظام الأسد الذي صان أمن الحدود في الجولان، ومنع أي عمل مقاوم من الإنطلاق مباشرة من أراضيه، وتجنب أي مبادرة لتحرير أراضيه المحتلة، هو من يحمي ظهر المقاومة. هذا كله بالرغم من أن راعي نظام الأسد رامي مخلوف كان قد صرح بأن زوال نظام قريبه سيهدد أمن إسرائيل، يعني بالمنطق البسيط أن وجود نظام الأسد هو الضامن لأمن إسرائيل.

الآن أتت ساعة الحقيقة، أو بالأحرى ساعة الفضيحة. فبعد أن طنش نظام الأسد عن الغارات التي طالت المواقع الإيرانية، وتواطأ الشريك الروسي مع الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني، نرى الحل الذي تطالب به إسرائيل الآن وهو عودة قوات الاسد، أو ما تبقى منها، لتضمن أمن الحدود. تبارك لإيران هذا الشريك المقاوم.
(*)عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»