باسكال صوما/بين علي أبو الدهن ونادين لبكي

101

بين علي أبو الدهن ونادين لبكي
باسكال صوما/مدى الصوت/22 أيار/18

“أيها… حللتم أهلاً وسهلاً ونزلتم في مثواكم الأخير، هنا لا ينتظركم من شيء سوى الموت البطيء كالكلاب والبهائم، هنا جهنم الحمراء التي حدثتكم عنها الأديان والرسالات. لا رحمة هنا ترجونها ولا رأفة، هنا تدمر ولا رب هنا”.
إنه خطاب الاستقبال في سجن تدمر، نقله السجين المحرر علي أبو الدهن ودوّنه مع ذكريات مؤلمة وقصص لا تصدّق في كتاب “عائد من جهنم: ذكريات من تدمر وأخواته”.
يحدث أني أقرأ كتاب علي أبو الدهن، على وقع أخبار المقاومة والانتصارات والتهليل للنظام السوري الجليل واعتبار كل من يريد حياةً طبيعية خائناً وداعشياً.
أقرأ وأبكي. إنها المرة الأولى يوصلني فيها كتابٌ إلى البكاء. قصص من الفظائع، التعذيب، الأمراض النفسية، الموت تحت الجلد، الدواليب، الموت من الجرب، الجوع، القرف، الحرمان من دخول الحمام، كسر الأضلع، تفتيت العظام.
كل شيء بدأ مع علي بفنجان قهوة في مكتب الاستخبارات السورية، في السويداء، وانتهت القصة كابوساً طويلاً استمرّ 13 عاماً من الجحيم.
تتزامن قراءتي هذا الكتاب مع الهجمة على المخرجة نادين لبكي التي ربح فيلمها جائزةً في كان. ذنب الفيلم أنه يتحدّث عن طفلٍ سوري، من درعا. وهكذا توالت التحليلات وأحاديث التخوين واتهامات العمالة، الفيلم عميل، وكل من افتخر به عميل، وكل من كتب على “فيسبوك” عميل، وكلنا عملاء، وهكذا.
حين تقرأ ما كتبه علي أبو الدهن، سترى الحياة من جانبٍ آخر. ستربط كل ما يحدث معك، بمدى العذاب والقهر الذي يحدث يومياً في تلك السجون المظلمة، حيث يُمنع أي ضوء، وحتى ضوء الشمس يحتاج إلى إذنٍ رسمي من القيادة قبل أن يجرؤ على الدخول. ستتذكر علي أبو الدهن كلما واجهتك مصيبة، وكلما قرأت أخبار الصحف، وكلما رأيت صور الحرب، وكلما انتظرت أحداً ولم يعد، وكلما تعبت وكلّما رغبت في حياةٍ جديدة. سترافقتك سيرة علي أبو الدهن ورفاقه، وسيسكن هذا الرجل رأسك، من حيث لا تدري. هذا الكتاب درسٌ في الحياة ومظالمها.
تخيلوا أيها المعتقلون في سوريا ويا أهلهم ويا كل مساكين هذه الأرض، أنّ هناك من ينعت نصف الشعب اللبنانيّ بالعمالة، دفاعاً عن نظامٍ كنظام بشار الأسد!
تخيلوا بينما تقوم قيامتهم دفاعاً عن ذاك النظام، هناك من يموت في أقبية سجونه، هناك من يجوع، هناك من توقف زمنه من دون ذنب، ومن يشيخ من القهر، لا من تراكم السنين.
مرّةً حلم زميل علي أبو الدهن في المعتقل بأنّ الأسد مات، فجُلد وضُرب وتبهدل، بتهمة الحلم. ذنبٌ أكبر من قدرتي على الاستيعاب. والآن آلاف الشبان ماتوا من أجل أن يبقى نظام بشار، ومن أجل أن تعتبر جائزة نادين لبكي جريمةً، ومن أجل ألا يرسم انتصارها الجميل ابتسامةً على وجوهنا المهزومة. بل قدرنا أن نقضي العمر عابسين ساكتين، رافعين الأيدي قابلين بالموت، باعتباره الانتصار الحقيقي الوحيد.
أقرأ ما يحدث في “تويتر” و”فيسبوك”، وأتألم من الداخل، أشعر برغبة في لوم الله كثيراً، لأنه خلقني في أرضٍ تصعب الحياة فيها.
أخرج من كتاب علي أبو الدهن مليئة بالأحزان، أتذكّر أخبار أقاربي الذين سجنوا في سوريا من دون أي ذنب، أنظر من شرفة بيتنا إلى البيوت التي احتلها السوريون خلال وجودهم في لبنان. بيوت تحوّلت خرباً، أصحابها يئسوا وغادروا البلاد. أمرّ قرب السكك الحديد، مكتوبٌ على القطارات المتوقفة “سورية الأسد”.
أفكّر أن على محبي النظام أن يقرأوا ربما كتاب أبو الدهن. لكنني أعرف أن لا شيء ينفع معهم. إنهم في المقلب الآخر تماماً، غير جاهزين لاستيعاب أي فكرة جديدة. وربما سيقولون إنّ كل ما كُتِب تلفيقات.
وطبعاً سيخرج من يعلّق على مقالتي قائلاً: “والسجون الإسرائيلية، لماذا لم تتحدثي عن مظالمها وكتبتِ عن سجون سوريا وحسب؟”. يا أصدقائي النبلاء هذا لا ينفي ذاك، وذاك لا يبرّر هذا.
أشغّل الراديو، تضع إذاعة صوت المحبة، مزمور “ارحمني يا الله”. أصلّي قليلاً، من أجلي ومن أجل كل الصابرين. آمين.
*باسكال صوما/صحافية