د. مصطفى علوش/”حزب الله» في لبنان واستحالة التحوّل إلى حزب وطني

146

“حزب الله» في لبنان واستحالة التحوّل إلى حزب وطني
د. مصطفى علوش/المستقبل/14 أيار/18

«لا توحش النفس بخوف الظنون واغنم من الحاضر أمن اليقين» رباعيات الخيام (أحمد رامي)

«بسم الله الرحمن الرحيم. ان استعمال التبغ والتنباك اليوم بأي نحو كان يعد في حكم محاربة إمام الزمان عجل الله فرجه». هذه الكلمات هي للمرجع الأعلى محمد حسن الشيرازي (سنة 1891) فأثارت البلاد في وجه الشاه ناصر الدين وأجبرته على إلغاء اتفاقية التنباك الموقعة مع شركة بريطانية.

«لو قام الشخص الحائز هاتين الخصلتين (العلم بالقانون والعدالة) بتأسيس الحكومة، تثبت له الولاية نفسها التي كانت ثابتة للرسول الأكرم (ص) ويجب على جميع الناس اطاعته» فصل من كتاب الحكومة الاسلامية للإمام الخميني.

ولكن صورة دور الولي الفقيه لدى الإمام الخميني أصبحت واضحة المعالم في الرسالة التي وجهها هو نفسه إلى الإمام علي خامنئي، عندما كان رئيساً للجمهورية الايرانية، في 31 كانون الأول سنة 1988 وفيها يؤكد الولاية السياسية والدينية المطلقة للولي الفقيه. وبعد وفاته انعقد مجلس الشورى الإيراني تحت تأثير الحدث، فتم اعتماد هذه الرؤية في الدستور.

وقد أتت هذه الرسالة على خلفية أزمة تشريعية اثارتها إجازة الإمام الخميني تطبيق بعض القوانين خارج الإطار الدستوري، مما أثار امتعاض رئيس الجمهورية علي خامنئي، وهذا نص الرسالة التاريخية:
«كان يبدو من حديثكم في صلاة الجمعة، ويظهر أنكم لا تؤمنون أن الحكومة التي تعني الولاية المتحولة من الله إلى النبي الأكرم (ص) مقدمة على جميع الأحكام الفرعية. ولو كانت صلاحيات الحكومة (أي ولاية الفقيه) محصورة في إطار الأحكام الفرعية الإلهية لوجب أن تلغي أطروحة الحكومة الإلهية والولاية المطلقة المفوضة إلى نبي الإسلام (ص) وأن تصبح بلا معنى…
ولا بد أن أوضح أن الحكومة شعبة من ولاية رسول الله (ص) المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج… وتستطيع الحكومة (الولي الفقيه) أن تلغي من طرف واحد الإتفاقات الشرعية التي تعقدها مع الشعب إذا رأتها مخالفة لمصلحة البلد والإسلام… إن هذه الحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتاً في ظروف التناقض مع مصالح البلد الإسلامي إذا رأت ذلك، الحج الذي يعتبر من الفرائض الإلهية. وما قيل حتى الآن وما قد يقال، ناشئ من عدم معرفة الولاية المطلقة الإلهية» وهذا يعني شرعية خرق كل الدساتير البشرية وحتى بعض الفرائض الفرعية الإلهية!

وهكذا فان دور البشر في الحياة السياسية يصبح ملغى بوجود فقيه منصوب عليهم من الله، فلا يمكن عندها انتقاد سياسته التي تصبح بدورها مقدسة لصدورها عنه هو المعصوم عن أي خطأ وهو فوق كل الدساتير والأعراف.

الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله أعلن وفاخر منذ سنوات بأنه عضو في حزب ولاية الفقيه ليقطع الطريق على جدل تسببت به التقية التقليدية في هذا الحزب منذ اتفاق الطائف، والتي أرخت بظلال كثيفة من الإبهام حول المرجعية السياسية والعسكرية والدينية المطلقة التي اعتمدها هذا الحزب منذ نشأته في بداية الثمانينات من القرن الماضي، مع أن هذه المرجعية كان قد شرحها بوضوح نائب الأمين العام نعيم قاسم في كتابه «حزب الله» ص 21 ـ 25 حين قال: «نجحت الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الامام الخميني (قده) سنة 1979 فاستقطبت المؤمنين… ناقش الإسلاميون داخل أطرهم، ومع بعضهم البعض كيفية النهوض ومواكبة متطلبات المرحلة في لبنان والاستفادة من التجربة والإشعاع الإيراني. فقوي الإهتمام بضرورة إنشاء تشكيل إسلامي موحد من أجل تحقيق هذه الأهداف. تابع ممثلون عن المجموعات الإسلامية الرئيسة مناقشة أفكار عديدة حول رؤيتهم للعمل الإسلامي في لبنان، تمت صياغتها في ورقة نهائية، ثم انتدبوا تسعة أفراد كممثلين عنهم، ثم رفعوا هذه الوثيقة إلى الإمام الخميني (قده)، فوافق عليها لتكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها. عندها قررت المجموعات الإسلامية الموافقة على الوثيقة وحل تشكيلاتها التنظيمية القائمة وأنشئ تشكيل واحد جديد سمي لاحقاً باسم حزب الله«.
وقد أتى البيان التأسيسي للحزب سنة 1985 ليؤكد على هذه المرجعية كما يلي:»إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران… نلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني«.

ولا شك مما تقدم بأن نخبة محازبي» حزب الله يعتبرون مسألة ولاية الفقيه«مشروع وحدة إسلامية يدعو إلى التجمع تحت راية الولي الفقيه كقيادة سياسية ودينية وجهادية مطلقة حتى تحصر جهود هذه الأمة في عصبة واحدة.
ولكن، وبمجرد نسبة مرجعية هذه القيادة إلى القدرة الإلهية على أساس أنها وكالة عن المهدي (عج) فإنها تفترض بالتابعين الإنتماء المبدأي إلى فقه الإمامية»الإثني عشرية« والتي تؤمن منها بحقيقة المهدي (عج) وغيبته الصغرى والكبرى. وهذا يعني عمليا إقصاء الأكثرية العظمى من المسلمين، من ضمنهم شيعة غير مؤمنين بمرجعية الولي الفقيه المطلقة، عن امكانية الإنتماء الى أمة حزب الله».

وفي هذا المجال قال نعيم قاسم في الصفحة 40 من كتابه: «فاذا قال قائل لماذا لا تجعلوا خياركم من مجموع المذاهب لإيجاد توليفة فقهية بينها فتكونوا بذلك قد تصديتم لمنهج عملي في الوحدة بين المسلمين؟ نقول: أمنيتنا الكبرى أن نكون في هذا الموقع الذي يوحد بين المسلمين، لكنه أمر معقد لم يتمكن الفقهاء من حله خلال مئات السنين». وهذا يعني عمليا وواقعيا أن ضرورة نمو «أمة حزب الله» تجعل من نمو «الإيمان» بولاية الفقيه ضرورة حيوية لعمل «حزب الله».

وقد أثبتت قضية «المقاومة» نجاحاتها في إعلاء شأن هذا الحزب وجعله قبلة أنظار المسلمين. ولكن لو نعود فقط إلى ما صرح به رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الرسمية الإيرانية «حسين شريعتمداري» في آب 2006، وهو من مستشاري الولي الفقيه علي خامنئي، في معرض تعليقه على حرب تموز: «إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء، ولا من اجل مزارع شبعا، ولا حتى القضايا العربية أيا كانت في وقت، وإنما من أجل إيران في صراعها مع الولايات المتحدة».

والحقيقة الأساسية الأخرى هي أن مشروع «حزب الله»، وهو جزء من مشروع ولاية الفقيه يتعدى حتى مسألة السياسات البشرية ليدخل في الماورائيات وما هو خارج حدود التاريخ، كما صرح النائب علي عمار في خطاب له بُعيد حرب تموز 2006 فوق ركام الضاحية الجنوبية، عندما اكد أن حزبه يتعدى الإنتماء البشري ليكون حزب الله بالمعنى الحقيقي، وافترض استمرار هذا الحزب إلى نهاية التاريخ في إشارة إلى خوض غمار المعركة النهائية بين الخير والشر عند عودة المهدي (عج) من غيبته الكبرى.

وتؤكد المرجعيات في هذا الإطار بأن نشر سلطة الولي الفقيه فوق أكبر رقعة من الأرض هي الوسيلة: «إن رد ولاية الفقيه تعادل الشرك بالله وطاعته هي من أكبر التكاليف الإلهية وذلك لتعجيل ظهور «صاحب الزمان» (عج) من خلال تحضير المسلمين على طاعته، فعودته تعتمد على استعداد البشر بالقبول بالولاية».

فالى من يظن أن «حزب الله» يمكن أن يتحول يوما إلى حزب سياسي وطني غير مسلح أن يدرس ما تقدم في المقال ليستنتج الأجوبة.