نبيل يوسف/الانتخابات النيابية في منطقة البترون: ماضياً وحاضراً

186

الانتخابات النيابية في منطقة البترون: ماضياً وحاضراً -2
الحلقة الثانية- عهد الرئيس بشارة الخوري ودورة 1943

نبيل يوسف/نقلا عن موقع مدى الصوت/04 أيار/18

إندلعت عام 1939 الحرب العالمية الثانية، فصدر قرار عن المفوض السامي الفرنسي بتعليق الدستور، وتضمن القرار تنظيم الحكم عن طريق رئيس الجمهورية وأمين سر الدولة.

بعد دخول الحلفاء لبنان عام 1941، بدأ البحث في إعادة الحياة الدستورية، فطرحت فكرة إعادة إحياء المجلس النيابي السابق، على اعتبار أنه يجب عدم احتساب مدة توقفه عن العمل، وبالتالي إكمال السنوات المتبقة، إلا أن خلافاً حول رئاسة الجمهورية أدى إلى استبعاد الفكرة.

أخيراً بعد خلافات ومفاوضات بدأها رئيس الجمهورية ألفرد نقاش، واستكملها خلفه الرئيس أيوب تابت، تقرر صدور القانون الانتخابي الجديد الذي يتضمن نصاً بإلغاء المادة التي كانت تجيز تعيين ثلث أعضاء المجلس، لكن خلافات جديدة ظهرت حول توزيع المقاعد النيابية على الطوائف، بسبب اعتراض الطوائف الاسلامية على الغبن اللاحق بهم.

أقيل أيوب تابت وعُيّن بترو طراد رئيساً للجمهورية، وبعد مفاوضات جديدة، لم تخل من اتصالات وتدخلات شملت المفوض السامي الفرنسي والمندوب البريطاني والمعتمد الاميركي وقنصلا مصر والعراق، صدر القانون الجديد الذي وزّع المقاعد بين المسيحيين والمسلمين على قاعدة 6 على 5، واستمرت هذه القاعدة متبعة حتى أول انتخابات نيابية جرت بعد انتهاء الحرب عام 1992.

رفع القانون الجديد عدد النواب إلى 55 نائباً، وقسّم المحافظات دوائر انتخابية، وكان الشمال دائرة انتخابية واحدة يمثلها 12 نائباً (مورانة 5، سنة 5، أرثوذكس 2).

في منطقة البترون ظهرت عائلات جديدة، ففي الجرد شكلت هذه الدورة الانتخابية الترشيح الجدي الأول لآل حرب، ومن يومها بدأت بوادر الانفصال السياسي في تنورين بين آل حرب من ناحية، وتحالف باقي العائلات من ناحية أخرى. لكن هذا الانقسام التنوري، لم يظهر بصورة واسعة في هذه الدورة نتيجة تصويت عدة عائلات مع مرشح آل حرب، لكنه عاد وترسخ في الدورات الانتخابية اللاحقة.

في رد على إقالته من سلك القضاء، أجمعت عائلة حرب على ترشيح الشيخ شارل بطرس الخوري حرب، ودعم هذا الترشيح ابن عمه إميل أنطوان بك حرب. وكان الشيخ شارل رغم الضغوط التي تعرض لها أصدر حكماً في دعوى ضد الرئيس إميل إده فسعى لإقالته وكان له ما أراد، لكن إقالة الشيخ شارل لم تمر مرور الكرام فأقامت له نقابة المحامين إحتفالاً تكريمياً واتفق المحامون على تعيينه محكماً في ما بينهم.

كان مقيضاً للشيخ شارل حرب أن يترشح على لائحة الكتلة الدستورية في الشمال التي كان يسعى إلى تشكيلها حميد فرنجية وعبد الحميد كرامي، لكن الرئيس بشارة الخوري تخلى عن دعمه ما اضطره للمشاركة في اللائحة الثانية التي ترأسها عمر المقدم، ومن المعروف أن بين آل كرامي وآل المقدم في طرابلس عداوة مزمنة، وصلت إلى محاولة اغتيال عبد الحميد كرامي في 26 حزيران 1935 وإطلاق النار على عبد المجيد المقدم، واتخذت هذه الانتخابات طابعاً خاصاً زادها حدة ومردها إلى الشائعات عن تبني البطريرك الماروني أنطوان عريضة اللائحة التي تضم الشيخ شارل لأن فيها نسيبه توفيق لطف الله عواد.

في الساحل البتروني كان الترشيح الجدي الأول للمحامي الشاب يوسف أسعد بك ضو رفيق وحليف حميد فرنجية الذي أصر على اصطحابه معه ضمن اللائحة الدستورية التي شكلها بالتعاون مع الرئيس عبد الحميد كرامي، بينما غاب أي ترشيح من وسط منطقة البترون أو من الجرد من غير عائلة حرب.

خاضت مدينة البترون والساحل المعركة الى جانب المرشح يوسف ضو وحتى آل عقل دعموا هذا الترشيح، بينما أجمعت مختلف العائلات في تنورين على دعم الشيخ شارل حرب لا سيما آل طربيه، فيما غالبية آل يونس وآل مراد صوتت ضده. وكان آل مراد منذ مقتل زعيمهم ضوميط الخوري مراد اتخذوا موقفاً معارضاً لآل حرب داعمين أي موقع عائلي يواجه آل حرب. وانعكس هذا الانقسام على قرى الجرد.

لماذا دعم آل طربيه مرشح آل حرب رغم العداء بين العائلتين؟
يقول بعض المراجع أن الشيخ بطرس طربيه اعتبر وقتها أن التناقض الرئيسي لآل طربيه هو مع آل مراد وما ساعده في ممارسة هذا التوجه السياسي العائلي، أنه أصبح في حل من دعم آل يونس على قاعدة علاقة القرابة التي تجمع الشيخ أسعد كنعان طربيه بمسعود بك يونس بعد إاهيار زعامة هذا الأخير الانتدابية، وكان الشيخ أسعد كنعان طربيه استطاع قبل سنوات تشكيل تحالف من العائلات التنورية واجه به آل حرب، مستنداً على القرابة التي تربطه بآل يونس فهو إبن خالة مسعود بك يونس وإبن عمة يوسف جبرايل يونس، وإبن خال يوسف طنوس غوش الذي كان يمثل موقع السلطة في عائلته.

أما قرى وسط منطقة البترون التي كان خرج منها يواكيم البيطار فانقسمت ما بين مرشح الساحل يوسف ضو ومرشح الجرد شارل حرب، ومن وقتها بدأ ضمور عائلات وسط منطقة البترون لمصلحة مركزية الزعامة في البترون وتنورين حتى ظهور الدكتور جورج سعاده سنة 1968.

أسفرت تلك الانتخابات عن فوز اللائحة الدستورية التي عرفت باللائحة الإنكليزية بأعضائها الـ 12 وهم: حميد فرنجية ونال 16430 صوتاً، ومحمد عبود عبد الرزاق ونال 16252 صوتاً، وعبد الحميد كرامي ونال 16129 صوتاً، وسليمان العلي ونال 15936 صوتاً، ويوسف اسطفان ونال 15936 صوتاً، ونقولا غصن ونال 15728 صوتاً، ويعقوب الصراف ونال 15547 صوتاً، ومحمد المصطفى ونال 15412 صوتاً، وسعدي المنلا ونال 15354 صوتاً، ويوسف ضو (من البترون) ونال 15330 صوتاً، ووهيب جعجع ونال 15316 صوتاً، وبطرس الخوري ونال 15144 صوتاً، فيما لائحة المقدم التي عرفت باللائحة الفرنسية التي تشكلت من: عمر المقدم، شارل الخوري حرب، نديم الجسر، ندره عيسى الخوري، فيليب بولس، معين القدور، خالد عبد القادر، جواد بولس، إسحاق عطية، يوسف فضول، نصوح آغا الفاضل، توفيق عواد، فلم تذكر المراجع الرسمية الأصوات التي نالها المرشحين على اللائحة الثانية، لكنها راوحت بين 13500 و 14500 صوت، وكان عدد الناخبين في الشمال 95382 ناخباً اقترع منهم 29692 ناخباً.

على أثر إعلان النتيجة، تقدم أعضاء اللائحة الخاسرة بطعن لدى لجنة تقديم الطعون، معددين فيه عدداً من المخالفات التي رافقت العملية الانتخابية، لكن لجنة الطعون النيابية رفضت الطعن وصدّقت صحة إنتخاب نواب محافظة الشمال.

مع يوسف أسعد ضو انتقل المقعد النيابي البتروني للمرة الأولى إلى مدينة البترون، ومن يومها أصبحت البترون تتقاسم المقاعد الانتخابية مع تنورين.

– ليلة إعلان النتيجة ولدت طفلة يوسف ضو فسمّاها نجاح.

– بعد انتهاء الانتخابات وفي رد على دعمه له، رشح الشيخ شارل حرب وأخوته ابن عمهم إميل أنطوان حرب لرئاسة بلدية تنورين، التي فاز بها.

استمر هذا المجلس النيابي من 21 أيلول 1943 إلى 7 نيسان 1947 وهو الذي عدّل الدستور وشارك مع الحكومة في معركة الاستقلال، الذي تحقق في 22 تشرين الثاني 1943.

انتخابات العام 1947

الاستقلال طري العود، لم يكمل سنواته الأولى بعد، ولم يستطع الحكم الدستوري حذف الرئيس إميل اده وحزبه من المعادلة، وانتهى عقد المجلس النيابي، ووجب إجراء انتخابات جديدة، وكانت التجربة المرّة.

رغم مرور أكثر من 70 سنة على الدورة الانتخابية التي جرت ذلك العام، فما تزال راسخة في أذهان اللبنانيين، فما أن نذكر انتخابات 25 أيار أو انتخابات السلطان سليم (المقصود الشيخ سليم الخوري شقيق رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري)، حتى يدرك المستمع أن المقصود دورة العام 1947.

قيل كلام كثير، وسيقت اتهامات عديدة، عن عمليات تزوير جرت يومها، وبحسب المعارضين للرئيس بشارة الخوري كان الهدف تأمين مجلس نيابي مطواع يجدد لرئيس الجمهورية عندما تحين الساعة عام 1949.

أما الموالون للعهد، فيلطفون ما جرى قائلين أن بعض الموظفين استرسلوا في عملية تبييض وجوههم مع العهد، من طريق زيادة بعض الأصوات في الصناديق وتغيير بعض المحاضر، ويكملون أنه لم يكن هناك من ضرورة لما حصل: يروى أن النائب الدستوري الشيخ فريد الخازن قال: لا يمكننا أن نقنع أحداً بأننا نواب ولا أنفسنا حتى. وكان يبلغ عدد ناخبي جبل لبنان 48 ألفاً ونال الخازن 25 ألف صوت، ولكن النتيجة الرسمية رفعت عدد المقترعين الى 53 ألفاً وأصواته إلى 27 ألفاً.

في منطقة البترون
في مدينة البترون: دخل عامل بتروني جديد، تمثل بإعلان خليل ابرهيم بك عقل (والد النائب سايد عقل) ترشحه متعاوناً مع خصوم الدستوريين، وكان والده ابرهيم بك عقل مدير ناحية البترون زمن المتصرفية ونفي مع بعض القادة اللبنانيين الى الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى، وكان آل عقل يرتبطون بعلاقة وثيقة بآل اده، ورغم حالة العزلة التي كان يعيشها الرئيس إميل اده وعائلته بعد الاستقلال، بقي آل عقل متحالفين معهم، ومن الأمثلة: الأحد 5 تشرين الأول 1946 زار رئيس الجمهورية بشارة الخوري الشمال فأقيمت له استقبالات شعبية في المدن والبلدات التي عبرها، لكن آل عقل ومناصريهم قاطعوا الاستقبالات ولم يشاركوا حتى في استقبال مدينة البترون.

قبل أشهر من موعد الانتخاب تعرض خليل عقل لعارض قلب كاد يودي به، فآثر الراحة والانسحاب من المعركة منتظراً الدورة القادمة، فلم يعد هناك من مرشح في الساحل سوى النائب يوسف ضو.

في تنورين: بعد وفاة الشيخ شارل حرب عام 1946 انعقد لواء زعامة العائلة لشقيقه الشيخ جان، وكان بعض شباب آل حرب حاولوا طرح اسم الشيخ أنطون شيخ شباب العائلة، ورمز إحساسها بقوتها، وكان الشماليون يقولون: يا ويلنا من 4، سليمان شقيق حميد فرنجية، ومالك شقيق سليمان العلي، وأنطون شقيق شارل الخوري حرب، وقبلان عيسى الخوري الذي وحده جمع في شخصه بين رجلي السيف والقلم.

آثر الشيخ أنطون أن يتنازل عن الصدارة السياسية لشقيقه الأكبر سنا الشيخ جان، على أن يبقى ممول حملاته الانتخابية، وسيف آل حرب، والويل لمن يعترض مواكبه الانتخابية مهما كان مركزه، فيوماً اقتحم سرايا البترون ونشر رجاله حولها مهدداً بتدميرها ورمي حجارتها في البحر إذا لم يفتح له العسكر على الفور الطريق لتتمكن مواكبه الانتخابية الداعمة لشقيقه جان من المرور.

ترشيح الشيخ جان حرب جوبه باعتراض إبن عمه إميل أنطوان حرب الذي اعتبر أنه أحق منه بالترشح، فأعلن ترشحه، لكن العائلة التي كانت ملتفة حول بيت الشيخ بطرس والد الشيخ جان تخلت عن إميل حتى أن البعض من أبنائها ناصبه العداء، ورغم محاولاته بطرق شتى إعادة جمعها حوله لم يتمكن لأسباب عدة من أبرزها حضوره الفصلي إلى تنورين، بينما أولاد عمه ملتصقون بأفراد العائلة، ومن ثم لغة إميل السياسية كانت وقتها صعبة الفهم على أفراد عائلته، وكانت علاقته بهم رسمية وبروتوكولية تحد من تعاملهم معه، فيما لغة أولاد عمه سهلة عادية وعلاقاتهم بأفراد العائلة عفوية تلقائية ريفية عشائرية يستسيغونها ويرتاحون إليها.

في تنورين أيضاً أعلن الشيخ بطرس طربيه ترشحه، فتوكبكت من حوله عائلته والعائلات المخاصمة تقليدياً لآل حرب.

وسط منطقة البترون
كان وسط منطقة البترون خرج من المعادلة بخروج يواكيم البيطار ابن كفيفان من الندورة البرلمانية، فعادت قرى وبلدات الوسط ملحقة بزعامات الساحل والجرد، ولكن في تلك الدورة ظهر عامل جديد وهو دخول حزب الكتائب اللبنانية الى المعادلة البترونية مع ترشيح المحامي جاك شديد ابن بلدة إده في الوسط ورئيس اقليم البترون الكتائبي.

وكانت منطقة البترون شهدت منذ أواخر ثلاثينيات القرن المنصرم وصول حزب الكتائب اللبنانية اليها، حمله من بيروت شباب من المنطقة فنشروا أفكاره في قراهم وبلداتهم وفي 6 آب 1945 أقيم أول احتفال كتائبي في منطقة البترون برعاية وحضور الشيخ بيار الجميل في مدرسة النصر في كفيفان وجرى خلاله قسم اليمين لمئات المنتسبين الجدد الى الحزب، وفي هذا الاحتفال أقسم الدكتور جورج سعاده يمين الولاء للكتائب وكان عمره 15 عاماً.

ظروف المعركة وتركيب اللوائح دفعت حزب الكتائب لسحب نرشيح جاك شديد في انتظار الدورة التالية.

بدأ تشكيل اللوائح الانتخابية، وكانت ذيول حوادث طرابلس بعد عودة فوزي القاوقجي وما رافقها من اشكالات واطلاق نار وقتلى وانقسام ما تزال حية .

في التفاصيل: يوم عودة القائد العربي فوزي القاوقجي الى طرابلس، خرج أبناء المدينة بمجملهم لملاقاته، وكانت طرابلس مقسومة يومها بين آل كرامي وآل المقدم وبينهما عداوة دم، وبدأت الاشكالات بين أنصار الطرفين وسرعان ما تطورت الى إطلاق نار ما أدى لمقتل نافذ المقدم عميد آل المقدم وشقيق النائب فايز المقدم، ومقتل مظهر العمري أحد قادة طرابلس ومن أقرب المقربين الى الرئيس عبد الحميد كرامي، وكاد شلال الدم يغمر الجميع لو لم يتم تدارك الوضع بأقل خسائر ممكنة، فانقسمت المدينة انقساماً رهيباً وانعكس هذا الانقسام على الشمال ككل.

في المقابل أيضاً كانت العلاقة مقطوعة بين الرئيس عبد الحميد كرامي والوزير حميد فرنجية، وأبرز 3 نقاط خلافية:

حجم الدوائر: فالرئيس كرامي مصر على إبقاء الشمال دائرة واحدة، فيما حميد قرنجية يطالب بجعل الشمال 3 دوائر أو دائرتين وكان يرغب في جعل أقضية البترون وزغرتا والكورة وبشري دائرة مستقلة.

تعيين محافظ للشمال
قبل سنة من موعد الانتخابات عينت الحكومة القاضي عبد العزيز شهاب محافظاً للشمال فلم يرق هذا التعيين للرئيس كرامي فهاجم رئيس الحكومة سعدي المنلا، وتوسع في مهاجمة الحكومة ووضع العراقيل في وجه المحافظ الجديد ما دفع حميد فرنجية للرد عليه “والاعتراض على تهجماته غير المقبولة رداً على قرار اداري”.

تداعيات زيارة الجنرال سبيرز الى الشمال: أواخر عام 1944 وبعد سنوات من الخدمة في لبنان قرر الوزير البريطاني المفوض ادوار سبيرز مغادرة لبنان نهائياً فأقيمت له احتفالات وداعية من بينها حفل غداء على شرفه في طرابلس، أقامه الرئيس عبد الحميد كرامي بمشاركة جميع قيادت وزعماء الشمال، وكان مقرراً أن يزور الجنرال سبيرز بعد الغداء الوزير حميد فرنجية في زغرتا، ولكن لضيق الوقت كما تردد ألغيت زيارة زغرتا. وكاد هذا الالغاء يفجر الوضع في الشمال بعدما اعتبر المسيحيون لا سيما الموارنة وخاصة رجال الكنيسة عدم زيارة زغرتا اهانة لهم.

بداية استبعد أي تعاون بين الرئيس عبد الحميد كرامي والوزير حميد فرنجية، فباشر الرئيس كرامي التنسيق مع يوسف بك كرم خصم آل فرنجية وشكّل لائحته الأولى من: عبد الحميد كرامي، يوسف كرم، جواد بولس، مصطفى المقدم، معين القدور، يوسف إسطفان، أنيس معوض، جورج بيطار، خالد عبد القادر، جورج حداد، بشير العثمان.

ضغوط كبيرة تعرض لها الرئيس كرامي، لإخراج البعض من لائحته وإدخال آخرين عليها، ما دفعه لإعلان إنسحابه من الانتخابات، فانفرط عقد اللائحة.

على أنقاض لائحة كرامي تشكلت لائحة مؤلفة من: محمد المصطفى، خالد عبد القادر، أحمد اليوسف، عفيف عبد الوهاب، قبلان عيسى الخوري، أنيس معوض، جان حرب، فؤاد الدويهي، طانيوس الشمر، وبقيت بحاجة إلى عضوين أرثوذكسيين، لكن من سعى بفرط لائحة كرامي الأولى سعى لتشتيت هذه اللائحة

عادت الاتصالات ومساعي المصالحات لتشكيل لائحة واحدة في الشمال، وكانت العقبة الرئيسية مصالحة حميد فرنجية ويوسف كرم فتدخل الوزير هنري فرعون المؤيد وصول يوسف كرم الى البرلمان والرئيس رياض الصلح حليف الوزير حميد فرنجية وطلبا من الرئيس بشارة الخوري التدخل فتمت المصالحة برعاية الرئيس بشارة الخوري.

مصالحة الرئيس كرامي وحميد فرنجية كانت أصعب خاصة بعد اللقاء الذي عقد في بلدة علما وضم: حميد فرنجية ونقولا غصن وسعدي المنلا ومحمد عبد الرزاق وسليمان العلي وفيه توافقوا على اكمال الطريق معاً ما أزعج الرئيس كرامي فعادت الاتصالات وتمت مصالحته مع الوزير فرنجية.

كادت المساعي تعود الى نقطة الصفر لسببين:
– اقتراح البعض ترشيح ميشال مفرج بدل النائب نقولا غصن من أجل تمويل اللائحة.

– اقتراح الرئيس كرامي التعاون مع جان حرب بدل يوسف ضو في منطقة البترون.

قرر حميد فرنجية الخروج من اللائحة اذا أخرج حليفاه ضو وغصن، ولكن لظروف تمويل المعركة وافق على ترشيح ميشال مفرج فيما تخلى الرئيس كرامي عن ترشيح جان حرب.

اقترع يومها في الشمال 32739 ناخباً وفازت اللائحة الدستورية الوحيدة ونال المرشحون الأصوات التالية: عبد الحميد كرامي 30261 صوتاً، حميد فرنجية 30184 صوتاً، سليمان العلي 30016 صوتاً، يوسف كرم 30012 صوتاً، يوسف فضول 29859 صوتاً، ندره عيسى الخوري 29837 صوتاً، محمد العبود 29759 صوتاً، يوسف ضو 29614 صوتاً، نصوح آغا الفاضل 29019 صوتاً، ميشال مفرج 27943 صوتاً، عدنان الجسر 25171 صوتاً، وجبران النحاس 25320 صوتاً.

في المحصلة بقي المقعد النيابي في مدينة البترون للمرة الثانية.
استمر هذا المجلس من 25 أيار 1947 ولغاية 20 آذار 1951 وقام 1949 بالتمديد للرئيس بشارة الخوري لمدة ست سنوات جديدة.

انتخابات العام 1951
تم التمديد لرئيس الجمهورية، وتجمع المعارضون تحت شعار “لا شرعية الولاية الثانية”، فيما أراد أنصار الحكم أن تكون هذه الانتخابات، “انتخابات الثأر الدستوري”، الثأر ممن؟: من كل من شكك في خيارات الشعب اللبناني الذي ما زال يبايع قيادة الرئيس بشارة الخوري.

قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي، تم تعديل قانون الانتخاب، ورفع عدد النواب إلى 77 نائباً، وقسّم الشمال إلى 3 دوائر انتخابية:

– طرابلس والمنيه الضنية دائرة وتضم: 2 سنة ونائباً روم أرثوذكس

– عكار دائرة ثانية وتضم: 2 سنة ومارونياً وروم أرثوذكس

– الدائرة الثالثة تمثل الأقضية المسيحية (البترون – الكورة – بشري – زغرتا) في ما عرف بالمثلث المسيحي يمثلها 6 نواب (موارنة 5 وروم أرثوذكس 1).

شهدت هذه الدائرة صراعاً عنيفاً ظهرت معالمه في المرشحين الموارنة بحيث ترشح بدايةً 17 مرشحاً لخمسة مقاعد، ففي زغرتا بلغ عدد المرشحين 6 وأيضاً في البترون بلغ عدد المرشحين 6، وفي بشري 5.

عاد أنصار الكتلة الوطنية بقوة الى الساحة الانتخابية بعد انكفاء لسنوات، ومثلهم في هذه الدائرة آل اسطفان من كفرصغاب متعاونين مع آل الدويهي في زغرتا وآل عقل في البترون وآل مراد في تنورين، وعدة بيوتات سياسية كانت من مؤيدي الرئيس إميل اده.

في هذه الدورة الانتخابية كان عاد الى البترون من كولومبيا كميل ابرهيم عقل (شقيق خليل وعم النائب سايد عقل) وأعلن ترشحه للانتخابات النيابية، فانقسمت البترون وقرى الساحل بين مناصري آل ضو الدستوريين ومناصري آل عقل الكتلويين.

في الجرد بقي الانقسام على حاله: آل حرب من جهة وباقي العائلات من جهة ثانية، وبدأت العائلات المناهضة لآل حرب بالتجمع حول الشيخ بطرس طربيه الذي أعلن ترشحه على لائحة حميد فرنجية.

بقي وسط البترون أيضاً خارج المعادلة، فلم يشهد سوى ترشح الياس الحويك من حلتا، لكنه لم يستطع الدخول الى أي لائحة فأكمل منفرداً.

بدأ تشكيل اللوائح الانتخابية، فجرت أكثر من محاولة لجمع حميد فرنجية وجان حرب لانتمائهما الى الخط الدستوري لكنها باءت كلها بالفشل، فحميد فرنجية متمسك بحليفه يوسف ضو وبطرس طربيه.

شكل حميد فرنجية لائحته التي ضمت إليه كلاً من: يوسف ضو من البترون وبطرس طربيه من تنورين، ووجه زغرتاوي جديد هو رينيه معوض وندرة عيسى الخوري من بشري ونقولا غصن من الكورة.

في المقابل، تشكلت لائحة ثانية من مؤيدي الرئيس اميل اده بالاجمال وضمت: يوسف كرم وفؤاد الدويهي من زغرتا وأنطوان اسطفان من كفرصغاب وقبلان عيسى الخوري من بشري وفيليب بولس من الكورة وكميل عقل من البترون.

وتشكلت لائحة ثالثة من: جان حرب من تنورين وميشال مفرج من الكورة وجواد بولس من زغرتا ويوسف فضول من الجبة، وسعيد طوق من بشري، وأسعد الخوري من شكا:

بقي مرشحان منفردان هما جميل كيروز من بشري والياس الحويك من وسط البترون (حلتا).

قبل موعد الانتخاب تخوف بعض مؤيدي للائحة الدستورية من اللائحة الثالثة، فهي تأخذ من أصوات لائحة فرنجية ولا تؤثر على اللائحة المنافسة، فحاولوا القيام بمسعى جديد لجمع حميد فرنجية وجان حرب، لكن المحاولة فشلت مجدداً

كانت أسباب الفشل شكلية: مكان الاجتماع فجان حرب رفض الاجتماع بحميد فرنجية في منزله في طرابلس، وأصر على أن يكون الاجتماع في منزله هو، وعاد وأصر على اكمال الطريق مع رفاقه في اللائحة الثالثة.

يومها لم تكن العلاقة علاقة ود اطلاقاً بين آل فرنجية وآل حرب، وكانت شركة الترابة في شكا من أبرز أسباب الاختلاف بين الطرفين: هذا الاختلاف الذي أدى في مرات عدة إلى مواجهات بين الطرفين وكاد يقع قتلى.

بلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 34698 ناخباً مقسمين على الشكل التالي: زغرتا 10883 ناخباً والكورة 9735 ناخباً والبترون 8320 ناخباً وبشري 5760 ناخباً.

كيف خاضت منطقة البترون الانتخابات؟

في الساحل:
بدا الانقسام واضحاً بين آل ضو وآل عقل، وانعكس على جميع القرى والبلدات الساحلية التي انقسمت بدورها.

في الوسط:
لم يستقطب ترشح الياس الحويك قرى وبلدات وسط البترون، التي انقسمت مجدداً بين مرشحي الساحل والجرد، خاصة مع عودة الكتلة الوطنية الى الساحة فعادت العائلات الكتلوية الجذور الى ينابيعها.

في الجرد:

آل حرب ومن معهم من العائلات الصغيرة تماسكوا حول الشيخ جان حرب.

باقي العائلات انقسموا:
آل طربيه: بعد ترشح زعيمهم أعادوا تماسكهم وتوحدهم السياسي عبر أخذهم لموقع سياسي مستقل للمرة الأولى في تاريحهم، فبعد أن كانوا يدعمون مرشح آل يونس خلال فترة الانتداب الفرنسي، وبعد وقوفهم من مرشح آل حرب عام 1943 قرروا هذه المرة خوض الانتخابات بمرشحهم الشيخ بطرس طربيه واعتبروا أنهم على قاب قوسين من الفوز بالنيابة، خاصة وأن مرشحهم إنضم إلى لائحة قوية مدعومة من القيادة الدستورية في بيروت.

آل يونس: كانوا فقدوا قبل سنة مسعود بك يونس الذي كان يشكل موقع إستقطاب العائلة الموحد، فوقفوا ضد آل حرب وآل مراد ودعموا مرشح الساحل كميل عقل لاتباطهم الكتلوي المشترك، ويشير البعض إلى أن آل يونس لم يرغبوا يومها بتظهير زعامة تنورية تواجه آل حرب سواهم، لذلك إعتبروا فوز الشيخ بطرس طربيه سيجعلهم في الموقع الثالث في تنورين، فرغبوا بإبقاء الانقسام الرئيسي بين آل حرب وبينهم إستعداداً لجولة جديدة يتحضرون لها.

آل مراد: بقوا على موقفهم المعارض لآل حرب، وأيضاً ضد آل طربيه فدعموا المرشح الساحلي كميل عقل لارتباطهما بتحالف كتلوي مشترك.

باقي العائلات التنورية كآل داغر وآل غوش وغيرهم من العائلات الصغيرة وقفت مع الشيخ بطرس طربيه ودعمته.

في ختام العملية الانتخابية تبين اقتراع 19875 ناخب من بينهم 5030 ناخب في منطقة البترون، وأسفرت النتائج عن خسارة مدوية للائحة حميد فرنجية التي لم ينج منها سواه وحل محل فؤاد الدويهي، في ظروف ما تزال حتى اليوم ضبابية من أنه تم انجاحه واسقاط الشيخ فؤاد الدويهي خوف حدوث حمام دم في الشمال، ومن هنا بدأ النفور بين عائلتي فرنجية والدويهي في زغرتا التي أدت الى اشكالات مسلحة وسقوط ضحايا من الطرفين لا سيما في مزيارة عام 1957 وما بعدها.

مثل الدورات السابقة حصد الشيخ جان حرب معظم أصوات منطقة البترون وسقط بأصوات الأقضية الأخرى.

بحسب أرقام وزارة الداخلية نال الفائزون الأرقام التالية: أنطوان إسطفان 8739 صوتاً، كميل عقل 8150 صوتاً، يوسف كرم 7928 صوتاً، حميد فرنجية 7922 صوتاً، فيليب بولس 7775 صوتاً، قبلان عيسى الخوري 7265 صوتاً.

أما الخاسرون فنالوا الأرقام التالية: نقولا غصن 7270 صوتاً، فؤاد الدويهي 6903 صوتاً، رينيه معوض 6886 صوتاً، ندره عيسى الخوري 6755 صوتاً، يوسف ضو 6676 صوتاً، بطرس طربيه 6245 صوتاً، جان حرب 4483 صوتاً، جواد بولس 4301 صوتاً، ميشال مفرج 3836 صوتاً، يوسف فضول 3759 صوتاً، أسعد الخوري 3665 صوتاً، سعيد طوق 3399 صوتاً، جميل كيروز 529 صوتاً، الياس الحويك 352 صوتاً.

تردد يومها أن حميد فرنجية خسر الانتخابات الرئاسية في العام التالي في مواجهة الرئيس كميل شمعون بفارق أصوات قليلة (صوت أو صوتين) بسبب عدم اتفاقه مع جان حرب، الذي كان أمّن له فوزاً أفضل للائحته الانتخابية، فعزز له الأغلبية البرلمانية التي رجحت فيما بعد كفة الرئاسة لمصلحة كميل شمعون.

بقي المقعد النيابي في مدينة البترون، لكنه انتقل لأول مرة الى آل عقل الكتلويين.

أسفرت النتائج عن فوز 70 نائباً موالياً للعهد، و7 نواب معارضين هم: كميل شمعون وكمال جنبلاط وإميل البستاني وغسان تويني وديكران توسباط وعبد الله الحاج وبيار اده. الذين عارضوا الحكم تحت إسم الجبهة الاشتراكية الوطنية.

استمر هذا المجلس من 5 حزيران 1951 إلى 3 أيار 1953 وشهد الثورة البيضاء التي قادتها المعارضة، وأرغمت الرئيس بشارة الخوري على الاستقالة وعدم إكمال ولايته الرئاسية، وانتخاب النائب كميل شمعون أحد أعضاء “الجبهة الاشتراكية الوطنية” رئيساً للجمهورية.

*نبيل يوسف/كاتب وباحث