حازم الأمين/الانتخابات اللبنانية: فراغ وغباء وكراهية

93

الانتخابات اللبنانية: فراغ وغباء وكراهية
حازم الأمين/الحرة/04 أيار/18

بعد ثلاثة أيام يتوجه اللبنانيون إلى صناديق الاقتراع لينتخبوا مجلس نواب جديد. وهم ومع كل يوم يقربنا من هذا الاستحقاق يكتشفون بعدا هذيانيا لواقعة يوم الأحد 6 أيار/مايو، وانخفاضا متواصلا في منسوب الذكاء توازيه انخفاضات أخرى أخلاقية وسياسية وثقافية.
إمعان في الاصطفاف وراء مرشحين كلما أمعن هؤلاء بإسفافهم. وفيما السياسة بعيدة عن تعريفها الأصلي في هذا الاستحقاق، تحولت السوشيل ميديا إلى مسرح يستعرض فيه مرشحون غباءهم، وهو غباء مصمم وهادف، إذ إنهم في مناسبات من هذا النوع يشعرون أن عليهم مخاطبة ناخبيهم بما يداعب مستويات معارفهم ومداركهم. ثمة مقعد نيابي في دائرة البقاع الشمالي تخاض عليه معارك كبرى مثلا. إنه المقعد الشيعي الذي يمكن أن يتم اختراق حزب الله به. هذه المهمة قد تعني الكثير سياسيا، وهي متصلة رمزيا بحروب حزب الله في سورية والعراق واليمن وربما صحراء شمال إفريقيا على ما كشف المغرب مؤخرا، ذاك أن المقعد النيابي المستهدف اقتناصه من الحزب هناك، يمثل المنطقة الحدودية التي يطل منها الحزب على حروبه الأهلية كلها، أي الحدود اللبنانية السورية. وحجز مقعد نيابي شيعي لخصوم الحزب في تلك المنطقة يعني حجز مساحة أهلية للتحرك فيها.
إنه الفراغ، يُملأُ غباء في البقاع الشمالي وكراهية في زحلة والبترون وعجزا وانعدام حيلة في بيروت وطرابلس
وفي مقابل ذلك من المفترض أن تعني المعركة الانتخابية للحزب هناك، على المستوى الرمزي على الأقل، الكثير أيضا، فصموده انتخابيا فيها سيكون رسالة أهلية على مدى صلابة موقعه الطائفي على رغم الأثمان الكبرى التي تتكبدها الجماعة الأهلية جراء زج الحزب لها في الحروب الإيرانية.
ممثلا تلك الحرب الرمزية هما المرشحان على لائحة الحزب اللواء جميل السيد، وعلى اللائحة المنافسة المدعومة من تيار المستقبل والقوات اللبنانية وعشائر شيعية يحي شمص. أما المضامين السياسية والرمزية الهائلة لهذه المعركة الانتخابية فقد انخفضت في خطاب المرشحين إلى مستويات مذهلة من الركاكة وأحيانا الإسفاف، بحيث بتنا حيال سجال أين منه سجالات فتية الأزقة.
جميل السيد خاطب سمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية) على تويتر قائلا: “من اليوم للانتخابات خود (تناول) حبة تحت اللسان لأنو بس تشوف النتيجة رح تصيبك جلطة”، ويحي شمص خاطب أهل بعلبك خلال مهرجان انتخابي، عبر تويتر أيضا: “يا أهل بعلبك نضفو (نظفوا) بعد ما تفل الناس…
يللا حبيباتي جنو ونطو”. وهنا علينا أن نعتذر من قارئ لا يجيد اللهجات اللبنانية لعجزنا عن تفصيح ما تضمنته هذه العبارات، ذاك أنها أهلية إلى حد يصعب معه ترجمتها، إلا إذا تمت الاستعانة بقاموس أنثروبولوجي يعيد العبارة إلى زمنها ما قبل السياسي وما قبل المعرفي، أي إلى الغريزة بصفتها أداة للتعبير عن المصلحة وعن الرغبة، وإلى اللغة بصفتها استعاضة عن القتل عبر اغتصاب الوعي وإهانته.
يملأ جبران باسيل الفراغ السياسي الذي أملته الانتخابات بالدعوة إلى كراهية اللاجئين السوريين
ليس مرشحا البقاع الشمالي اللبناني وحدهما من تولى هتك ذكائنا وتدمير شعورنا بأنفسنا بصفتنا كائنات تعيش في هذا العالم الفائق السرعة في تقدمه. فنحن في لبنان نعيش في ظل رئيس حكومة مرشح بدوره للانتخابات النيابية، وفي كل يوم يظهر لنا حاملا هاتفه وملتقطا صورا لنفسه.
هذه الحركة قد تبدو رشيقة، ولكن تكرارها من قبل رئيس حكومة دولة يعني أيضا أنها رسالة.
لكن ما هي الرسالة السياسية والانتخابية من وراء تكرار سعد الحريري هذه الفعلة عشرات المرات كل يوم؟
ماذا يريد أن يقول لمواطنيه ولناخبيه من ورائها؟
لا جواب على هذا السؤال سوى أن الخطوة استعاضة عن فراغ هائل مواز أملته الانتخابات النيابية.
وأن تفرض الانتخابات فراغا، فهذا يعني أنها فراغ أيضا، وهذا الفراغ عبر عنه المسؤول الأول عنها، وهو رئيس الحكومة التي من المفترض أن تشرف عليها.
لكن ثمة من يملأ هذا الفراغ بما هو أسوأ من صور السلفي، ذاك أن خسائر السلفي تقتصر على وجه صاحبها، لكن جبران باسيل، وزير خارجية لبنان ووجهه في العالم، وهو أحد أبرز أبطال هذه الانتخابات الفراغية، يملأ الفراغ السياسي الذي أملته الانتخابات بالدعوة إلى كراهية اللاجئين السوريين. هذه الكراهية هي البند الأول في برنامجه الانتخابي، والرجل قوي إلى حد أن له مرشحين في كل الدوائر الانتخابية، يزورهم بهمة ونشاط ويزود كل واحد منهم بجرعة الكراهية التي تتطلبها الدائرة الانتخابية التي ترشح فيها.
في دائرة زحلة المختلطة طائفيا، والقريبة من مخيمات اللاجئين، على هذه الجرعة أن تكون كبيرة، وفي عكار يجب خفضها إلى مستويات دنيا حتى لا يخسر وزير خارجيتنا الناخب السني.
إنه الفراغ، يُملأُ غباء في البقاع الشمالي وكراهية في زحلة والبترون وعجزا وانعدام حيلة في بيروت وطرابلس.
والمفجع في هذه المساعي هو أن هذه ليست حال أصحابها؛
جميل السيد يعرف تماما أن ما يمارسه هو تهريج وليس سياسة، وجبران باسيل وإن كان لا يقيم وزنا لصورته في الخارج بصفته وزيرا للخارجية، إلا أنه يعرف أن ما يقوله عنصريا، وهو قال ذات يوم إنه عنصري في لبنانيتـ”ه”، وسعد الحريري المبتسم لعدسة هاتفه ثمة من أشار عليه إلى أن يستعيض عن خطابه بصورته. وهؤلاء جميعهم محقون في اعتقادهم بأن الانتخابات في لبنان هي محطة لملء الفراغ بالفراغ، وأن السياسة هي في مكان آخر، مثلما أن “الحياة هي في مكان آخر”.