الياس الزغبي/حقائق تحت الدخان

83

حقائق تحت الدخان
الياس الزغبي/النهار/ 24 نيسان/18

قبل قرابة أسبوعين من المنازلة الانتخابية المتخالطة والمتقاطعة، يجدر التوقف عند بعض التناقض بين ظواهرها وخفاياها، لمحاولة جلاء جانب من حقائقها، وفرز الواقعات عن التهويمات تحت دخانها الكثيف.
– في الواقعة الأولى، هناك فريقان متواجهان على أساس سياسي واضح ومحسوم هما: فريق “حزب الله” مع حلفائه من أحزاب ومستقلين من جهة، وفريق ينتمي في شكل أو آخر إلى أهداف “ثورة الأرز” ويمكن وضعه تحت العنوان السيادي، ويضم التقدمي الاشتراكي والقوات والكتائب والأحرار واليسار الديمقراطي واللواء ريفي وشخصيات مستقلة، برغم تلاقيهم في دائرة وتباعدهم في أخرى.
فكما أن فريق “حزب الله” يخوض الانتخابات تحت عنوان “المقاومة والممانعة” مع إضافة جديدة هي مكافحة الفساد، يخوض الفريق المواجه انتخاباته تحت عنوان “السيادة ومكافحة الفساد”، وقد نجح في المحافظة على ثوابته سواء في الشعار او في تشكيل لوائح منسجمة داخل الخط السيادي نفسه. وبعيدأً من تقويم الأساس السياسي للفريقين، لا بدّ من الاعتراف بالتزامهما المبادىء التي يؤمنان بها وعدم الإشراك في الأسس السياسية لتحالفاتهما.
وبين هذين الفريقين هناك فريق ثالث يضم التيارين الأزرق والبرتقالي لم يعتمد مبدأ سياسياً حاسماً بل نسج تحالفاته على أساس براغماتي مصلحي عددي في كسب المقاعد. مع الإشارة الضرورية إلى أن الأزرق حافظ على نسبة مرتفعة من التحالفات السيادية وخرقها في عدد من الدوائر لمصلحة البرتقالي شريكه في السلطة، فيما اعتمد هذا الأخير خياراً مركنتيلياً نفعياً خالصاً في تحالفات متلاطمة ومثيرة بتناقضها، والثابت الوحيد فيها هو مواجهتها، بل عدائيتها الموصوفة، لكل الأحزاب والفاعليات المسيحية ذات الوزن، حتى أن المراقبين تساءلوا عن حقيقة ابتعاد “تيار العهد” عن القوى المسيحية والحزب التقدمي الاشتراكي فقط طالما أنه يرفع شعار الانفتاح والتلاقي مع جميع المكونات، ويطرح نفسه كطرف حريص على الشراكة الوطنية.
– في الواقعة الثانية، أن “التيار العوني”، وتحت دخان خلافه مع “حزب الله” في دائرة كسروان جبيل، سعى ويسعى عملياً لتعزيز موقع “الحزب” في سائر الدوائر. ففي بعبدا عقد تحالفاً متيناً معه، وكذلك في بيروت الثانية، وفي عاليه الشوف. بينما عكف عن سابق تصور وتصميم على تشتيت الأصوات المعارضة ل”حزب الله” في بعلبك الهرمل والبقاع الغربي ومرجعيون حاصبيا، وأراحه في زحله وجزين – صيدا مقابل ما لدى “الحزب” من أصوات ولو محدودة في المتن وعكار والكورة والبترون.
وحتى في دائرة جبيل كسروان، سهّل التيار العوني وبرّر ل”شريكه الاستراتيجي” لعب دور قيادي وتغطية مرشحه الهابط بالمظلة لترؤس لائحة واستدراج مرشحين متهافتين إليها لتأمين الحاصل الانتخابي، ولو بتحويلهم إلى مجرّد وقود لإيصال مرشّحه.
وإلى ذلك كله، يلاحظ المراقب أن هناك نوعاً من التواطؤ السلبي او الاتفاق الضمني على مستوى معين من التناقض في الخطاب السياسي وتبادل الانتقاد كوسيلة لشد عصب قواعدهما، فيتعاضدان سلباً أو إيجاباً لتحقيق الغاية المشتركة نفسها.
– في الواقعة الثالثة، ليس لالتزامات تيار المستقبل بدعم التيار العوني في بعض الدوائر، تحديداً في زحلة والأشرفية والكورة والبترون وزغرتا، أي تفسير في السياسة بمعناها كمبادىء وخط ونهج وأهداف وطنية. لأن توجيه أصواته لمصلحة اللوائح العونية يعني دعماً واضحاً لحليف “حزب الله” الذي لا ينفك يعلن عن متانة التحالف الاستراتيجي مع هذا الحليف الذي يغطي سلاحه في الداخل والخارج، تأسيساً على النص الثابت في “ورقة التفاهم” ببندها العاشر. مع أن الرئيس الحريري يكرر دائماً تناقضه الاستراتيجي مع “الحزب” ووظائف سلاحه.
وفي هذه الثغرة ما يثير أكثر من علامة استفهام حول الدوافع التي لا يمكن وضعها إلّا في خانة المنافع، وتحت عنوان “التسوية” في تقاسم المغانم.
إن براغماتية التيارين قد لا تأتي بما يتوقعانه من نتائج وحصاد مقاعد. لأن السياسة القائمة على الاستقامة ووضوح المواقف ونصاعة الأهداف لم تصبح من الماضي، بل لا يزال لها ناسها ومريدوها، وهم ليسوا قلّة.
وليس من السهل جر الناخبين إلى خيارات لا تشبههم، فلذلك يجب ألّا يفاجئهما عدم شهية القواعد لالتهام الأطباق الجاهزة.
وليس خافياً أن التقاطعات الايجابية بين الحريري وجعجع وجنبلاط في أكثر من منطقة، وبرغم ما يشوبها من تجاذبات وملامات، تركت ارتياحاً واسعاً لدى القواعد الشعبية ل”انتفاضة الاستقلال”، فهذه القواعد لم تفترق بفراقهم، بل فرضت إرادتها على لقائهم لا العكس.
يبقى أن الحسابات غير المريحة لدى بعض القوى، ستدفعها إلى اعتماد إجراءات وأساليب غير عادية وغير مشروعة، وقد باشرت بتنفيذها فعلاً، منها توظيفات العجلة وتسخير السلطات وإمكانات الدولة وترك الأموال الانتخابية على غاربها، ومنها طلائع الضغوط الأمنية وممارسات الترهيب كما جرى للشيخ عباس الجوهري، وكما يحصل في غير منطقة من احتكاكات.
ولا تغيب حسابات “حزب الله” الإقليمية عن المشهد الانتخابي، خصوصاً بعد الغارات الغربية والإسرائيلية في سوريا ووقوف روسيا موقف المتفرج، بما يستبطن من مخاطر على النفوذ الإيراني من خلال وضعه على طاولة المفاوضات الجديدة في مرحلة ما بعد آستانه.
ومن يدري، ربما أن استشعار الخسارات يبدّل المسارات، بما فيها مسار الانتخابات!