محمد عبد الحميد بيضون/القانون الانتخابي مفصّل للمافيات

145

محمد عبد الحميد بيضون/القانون الانتخابي مفصّل للمافيات

القانون مفصّل للمافيات
محمد عبد الحميد بيضون/موقع البيان/26 آذار/18
نحن على مشارف الإنتخابات النيابية في لبنان وبدأنا نسمع عن مخاطر أمنية تتهدده، جميع القوى السياسية منهمكة بحملاتها الانتخابية خاصة مع قانون انتخابي هجين لم يأتِ على حجم أمنيات الشعب بقدر ما جاء على قياس الطبقة الحاكمة العائدة الى السلطة عبره.
استضافت “البيان” الوزير السابق الأستاذ عبد الحميد بيضون في لقاء حول الانتخابات النيابية وتداعياتها على المجلس الجديد والمخاوف التي نسمعها من الجميع عن أن الإنتخابات لن تجرى في موعدها، بالإضافة الى التطرق خلال الحديث الى ملفات داخلية أخرى.
في بداية اللقاء طرحنا على الوزير عبد الحميد بيضون السؤال التالي:

هل يمكن برأيك ان يطرأ عائق ما أو حدث خطير قد يحول دون أن تجرى الإنتخابات النيابية في موعدها الرسمي؟
إن التمديد الأول والثاني والثالث للمجلس النيابي الحالي كان لاعتبارات لها علاقة بحضور حزب الله في سوريا. أما اليوم فإنهم يعتبرون أن الوضع السوري قد مال الى مصلحتهم فما عادوا بحاجة الى الإنشغال فيه. لهذا فإن التمديد للمجلس النيابي للمرة الرابعة غير وارد عند حزب الله. من جهة ثانية، إن حزب الله وحليفه الرئيس ميشال عون يعتبران أن إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها الرسمي فرصة ذهبية لهما لكي يأخذا الأغلبية في المجلس النيابي، ويستطيعا فيما بعد التحكم برئيس الجمهورية القادم. لذلك فإن حزب الله مصر على إجراء الإنتخابات تحت أي ظروف، لأنه يعتبر نفسه ضامن الأكثرية في المجلس.

ألا ترى أن هذا القانون قد فصّل على قياس الطبقة الحالية الحاكمة، ما تسبّب بخيبة أمل لدى الشعب اللبناني الذي كان يأمل بتغيير حقيقي؟
أسوأ ما تضمّنه هذا القانون أنه اتُّفق عليه من قبل رؤساء المافيات. لم يصَرْ الى عرض إيجابيات وسلبيات هذا المشروع في مجلس النواب، وهذا ما يذكّرنا بأن البلد محكوم بالمافيات. هذا القانون الإنتخابي مخالف للدستور اللبناني ولاتفاق الطائف وهو قانون مذهبي جداً وتفوق على قانون الستين في هذه النقطة. إنه قانون لتفتيت البلد الى مذاهب وطوائف وكأنه يشير إلى أن اللبناني لا هوية له سوى طائفته ومذهبه. سيكون هذا المجلس المنتخب بهذا القانون أسوأ مجلس نواب في تاريخ لبنان. وللأسف سنرى أن نفس المافيات عائدة الى مجلس النواب. تم “سلق” هذا القانون بسرعة كبيرة، وفي نفس الوقت كان المجتمع المدني يتحول الى أحزاب سياسية ومرشحين، بينما كان من المفترض ان يتحركوا في الشارع ضد هذا القانون. كما أن هذا القانون قد أنجِز في اللحظة الخيرة وكان هناك ضغوطات دولية تصر على إجراء الإنتخابات في موعدها الرسمي.

إنها المرة الثالثة التي ننتخب فيها بعد فلول الوصاية السورية. هل ما تزال هذه الوصاية فاعلة في لبنان تحت غطاء مبطّن، أم حلت محلها الوصاية الإيرانية؟
القرار اليوم لإيران. وكلام الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله واضح جداً. فهو يقول: “ما يقوله المرشد وليّ الفقيه من كلام يعلو الدستور. لبنان محكوم اليوم بمكتب المرشد الإيراني. إضافة الى أن السياسيين الآخرين لا يوجد لديهم ولاء للوطن إنما للمذهب والطائفة والفساد. كل السياسيين غارقون في الفساد، لهذا هم أضعف من أن يواجهوا الوصاية. والشارع القوي هو من سيواجه هذه الوصاية في حال تم تأهيل أرضية مشابهة لإخراج السوريين من لبنان. إن الطبقة السياسية الحاكمة مرتهنة لإيران ولدينا 17 حزباً لبنانياً ممولاً من إيران. هذه المعلومة يجهلها الناس.

هل سيحصد الثنائي الشيعي أكبر عدد من المقاعد النيابية ؟ وما هي تداعيات هذا الامر على الساحة السياسية الداخلية والخارجية؟
كنت أتمنى أن أرى زعامات وطنية، أي أن أشهد لائحة من 65 نائباً. يقول تيار المستقبل إنه عابر لكل الطوائف، لهذا من المفترض أن يسعى الى أن يأتي بأكثرية نيابية. إذاً كان من المفترض أن يكون على لائحة تيار المستقبل 65 نائباً وليس 38، وأن تضم من جميع الطوائف والدوائر وليس مجرد أمر رمزي. مع الأسف، تمت محاصرة للرئيس الحريري. وكان الهدف من لعبة قانون الانتخاب التي لعبها سوية حزب الله والرئيس بري ان يحصرا سعد الحريري ضمن طائفته أي السنة، ويقوما بدعم أطراف سنية أخرى فيكونا بذلك فتّتا الطائفة السنية، وهذا ما يحدث حالياً أمام أعين الجميع. كان من المفترض ان يعوّض الرئيس الحريري بتكبير وزنه الوطني، لكنه لم يفعل ذلك، وهو يشتغل الانتخابات ويساير الرئيس بري وغيره. ونظراً لأن السلاح حاكم كل جنوب لبنان لا يمكن لأي مرشح ان يقوم بجولة انتخابية أو حملة انتخابية أو يلتقي مع الناس. المرشحون يتواصلون عن بعد مع القاعدة الشعبية. ان المناطق المقفلة عسكرياً مثل الجنوب والضاحية وقسم من البقاع صناديق الانتخابية كلها مزوّرة. الانتخابات في ظل السلاح يعني تزويراً ولا تعطي شرعية لأحد لا لبري ولا لحزب الله .ان الحصول على الأغلبية النيابية هو مجرد احتياط لأمور يترقبونها مثل الحصول على رئيس الجمهورية المقبل. يريد حزب الله أن يؤمن في المرحلة المقبلة ان يكون انتخاب الرئيس الجديد بين يديه.

ماذا عن دور السعودية في لبنان في هذه المرحلة الراهنة وهل ما زالت لاعباً أساسياً في رسم السياسة اللبنانية؟
لقد تركت السعودية لبنان لفترة طويلة في الوقت الذي كانت فيه إيران تتملك بلبنان. لم تقم السعودية حتى بجهد دبلوماسي ليصار الى خلق ضغط دولي على إيران لتطبيق القرارات الدولية. كانت السعودية تعتبر أن دورها منوط بدعم الدولة اللبنانية بمطالبها، وأعطت السعودية هبة للجيش اللبناني قيمتها 4 مليارات دولار. واعتبر السعوديون أن هذا كفيل بالتعويض عن دورها السياسي. لكن السعوديين اكتشفوا بعد ذلك أنهم لو أعطوا 400 مليار دولار، فإن الوصاية الإيرانية أصبحت متملكّة في لبنان. لهذا شهدنا تغيرات قامت بها السعودية. إن مصر غير قادرة على أداء دور القيادي العربي لأنها ضعيفة. فمن سيقوم بهذا الدور هما السعودية والإمارات العربية. لهذا يفترض أن يكون لديهما رؤية موحدة لكل مشاكل المنطقة ابتداءً من مشاكل مصر مروراً بمشاكل الشرق الأوسط والهيمنة الإيرانية والصراع السني- الشيعي الذي زرعته إيران في المنطقة. أتمنى أن يكون هناك سياسة سعودية جديدة تدعم الدولة اللبنانية دون أن يكون لمصلحة حزب الله والوصاية الإيرانية.

ماذا عن التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان على لبنان على خلفية الصراع النفطي؟
يبالغ بعض المسؤولين اللبنانيين في سياسة التخويف ليظهروا أنفسهم بأنهم مقاومون بوجه إسرائيل. حالياً، إسرائيل غير مهتمة بأمر لبنان. ينصب اهتمام إسرائيل اليوم بالقواعد الإيرانية في سوريا. أما بالنسبة الى النفط، فإن إسرائيل ولبنان يعرفان أن تلك الأمور تتم عبر مكاتب محاماة دولية. لا يمكن ان نرى شركات نفظية تأتي الى منطقة عليها نزاع لتنقب أو تستخرج. إن وراء تلك الشركات النفطية الكبرى مكاتب محاماة دولية تحل لها كل العقبات قبل أن تأتي الى مكان الإستخراج. كل القضية أن كل مسؤول يريد أن يدعي المقاومة بوجه إسرائيل فينفخ بنفسه، وفي الواقع هم جميعهم جبناء. حين احتدم الخلاف على البلوك النفطي (9) في المياه الإقليمية بينا وبين إسرائيل، حصلت وساطة أمريكية من أجل تخفيف الإحتقان. عند الإجتماع بتلك الوساطة قال “المقاومون العظماء” لساترفيلد “نحن لا يمكننا ان نعقد الآن الإتفاق حول الغاز والنفط لأن لدينا إنتخابات! فلندع تلك الأمور الى ما بعد هذا الإستحقاق.”

نسمع منذ فترة عن معلومات وتقارير توحي وكأن لبنان مقبل على مرحلة مقلقة أمنياً. ما صحة هذه المعلومات؟
هناك وضع مستجد له علاقة بسوريا. إن الدور الإيراني في سوريا مرفوض أميركياً وتعتبره إسرائيل خطاً أحمر. إذاً، سيمارَس ضغط دولي على إيران، وحين تشعر هذه الأخيرة أن هذا الضغط سيخرجها من سوريا ستجازف بكل شيء. في العام 2006 قرار المجازفة اتخذته إيران ونفذه حزب الله. يوجد اليوم مخاوف من هذا النوع. لقد دفعت إيران حتى اليوم على نظام الأسد أكثر من 40 مليار دولار. ولدى حزب الله والإيرانيين أكثر من 4000 قتيل وما يقارب 10 آلاف جريح من الإيرانيين. هذا دون احتساب المقاتلين الأفغان والباكستان والشيعة العراقيين. إن خرج المرشد من سوريا سيسقط في إيران خاصة بعد كل ما دفعه من أموال ورغم مطالب شعبه عدم التدخل وإبقاء تلك الأموال داخل البلد. إن خرج المرشد من سوريا بهذه الطريقة سيسقط في إيران حتماً. إن الخطر الأساسي الذي يهددنا هو الوصول الى حالة مشابهة لما وصلنا إليها في العام 2006. في العام 2006 وفي بداية شهر حزيران قدّم الأمريكيون للإيرانيين عرض اتفاق حول الملف النووي. تضمن هذا العرض نقاطاً إيجابية جداً، فطلبت إيران مهلة لدراسة العرض، فأعطيت مهلة أسبوع من قبل الإمريكيين. لكن إيران طالبت بمهلة شهر. فحصلت الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز 2006 وسقط موضوع العرض الأمريكي لإيران. ما نخشاه فعلاً أن تجازف إيران إن اضطرت الى الخروج من سوريا وان تبادر الى إشعال الحرب في لبنان، خاصة وأن الخسائر لن تكون على أرضها ولا على شعبها. لكن حتى الساعة لا رؤية أميريكية واضحة لعام 2018. والرئيس ترامب منشغل بقضايا داخلية وإدارية وخلافية. لهذا لن نرى إستراتيجية أميركية واضحة لإخراج الإيرانيين من سوريا، وربما سيبدأ هذا الأمر ابتداء من العام المقبل. لهذا سيكون العام 2018 هادئاً إن لم نخطئ التقدير.

على أي أسس تقام المؤتمرات الدولية لدعم لبنان والتي كان غيثها الأول مؤتمر روما 2 والمساعدة المالية الكبيرة التي قدمت للقوى الأمنية اللبنانية؟
علينا ان لا نتوهم كثيراً. لم يتم تقديم مساعدات للبنان لا بل مجرد قرض ليشتري لبنان السلاح من عندهم. لدى أوروبا مال وفير يمكنها أن تقرض لبنان منه مليارين أو أكثر. لكن ماذا سيفعل لبنان بهذا المبلغ؟ الأوروبيون يعلمون علم اليقين ان الطبقة السياسية فاسدة، لهذا لن يقدموا لها المال. يمكن للأوروبيين ان يعطوا لبنان قروضاً يتم مراقبتها من قبلهم بشكل دقيق وجيد لأن لا ثقة لديهم بالطبقة السياسية اللبنانية. لننتظر ونرَ، وفي الوقت عينه علينا أن لا نعلق أهمية كبرى على تلك المؤتمرات في ظل غياب إصلاحات حقيقية ملموسة. ويبدو من خلال هذا النوع من الإدارة لمجلس النواب ولشؤون البلاد أنه لن يكون هناك أي إصلاحات. منذ باريس 1 وصولاً الى اليوم توضع لائحة إصلاحات مطلوبة من لبنان، وفي كل مرة يضعها الرئيس نبيه بري في الجارور.
حاورته: كارينا أبو نعيم