كلير شكر/القوّات في زمن النسبيّة: كُن مرشّحاً واصمت

227

«القوّات» في زمن «النسبيّة»: كُن مرشّحاً واصمت
كلير شكر/جريدة الجمهورية/السبت 24 آذار 2018

يُقال إنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كان مِمّن «ضحكوا في عبِّهم» حين رسَت بورصة الاقتراحات الانتخابية على اعتماد النسبيّة في الدوائر المتوسطة، مع أنّه كان موعوداً بـ«تسونامي» عوني – قوّاتي سيأكل أخضَر المقاعد المسيحية ويابسَها فيما لو قاوَم «قانون الستين» محاولات كسرِه.
لكن للنسبيّة حكايتها مع معراب. التحدّي أصعب، لكن الاستثمار سيكون مربحاً فيما لو خِيضت المعارك الانتخابية بحكمة و«عضلات قوية». فالقانون الجديد قدَّم لـ«القوات» فرصةً ذهبية لكي تثبتَ حضورَها على الساحة المسيحية بلا «مِنّة» من أحد. سيكون بمثابة براءة ذمّة لتمثيلها المسيحي فتنفضُ بأرقامه تهمة «التبَعية»، وبأنّها ليست في حاجة إلى «الحبوب الزرقاء» لكي تدخل البرلمان بكتلة وازنة.

إذاً، النسبية جسرُ العبور إلى «زعامة نظيفة»، ذاتيّة، خالية من عيوب مقوّيات الحلفاء. وهي أكثر ما يحتاجه جعجع في لحظة المتغيّرات الإقليمية والداخلية، بعدما صار سعد الحريري أقربَ إلى خصمٍ منه إلى حليف.

هكذا، وكغيرها من الأحزاب المسيحية، واجَهت «القوات» الاستحقاق الانتخابي على الطريقة «المكيافيلية»؛ مجرّد تكديس للأرقام وكسورها، ومِثلها، المرشحين على اللوائح. المهم إيصال المرشّح الحزبي إلى الندوة البرلمانية.

لا يهمّ كيف ومع من، طالما إنّ الهدف هو بلوغ الحاصل الانتخابي لتمكين المرشّح الحزبي من عبور الامتحان. تحوَّل رفاق اللائحة إلى «سلّمٍ» لبلوغ الحاصل. صحيح أنّ معراب لم تقع في معصية التحالف مع خصوم في السياسة، لكنّها بالنتيجة ذهبَت إلى خيارات لا تُحاكي وجدان ناسِها ولا تُحرّك فيهم الحماسة. مجرّد يافطة برّاقة لا تنطق بشيء!

الهاجس هو الخروج من الحلبة بكتلة نيابية حرزانة تجعل من معراب شريكة فعلية في دائرة القرار الوطني. لم يعد وارداً الاتّكال على «كرم» الحريري، ولا على «نوايا» التفاهم مع «التيار الوطني الحر». إنّها مرحلة الاتّكال على الذات.

هكذا ركبَت لوائح «مكتومة القيد»، ولولا وجود حزبي فيها، لكانت «مجهولة الهوية». المتن، كسروان، جبيل، بعبدا، زحلة، كلّها نماذج فاقعة للوائح، بدا كثيرٌ من ركّابها بمثابة «كمالة عدد» للمرشح الحزبي الذي منحَها بعضَ «اللون».

إنفصام الشخصية

هذا في الشكل، أمّا في المضمون، فتخوض معراب كغيرها أيضاً، انتخابات بلا عنوان سياسي. ثمّة مطارح تُخاصم فيها «المستقبل» ومطارح أخرى تُحالفه. لا اصطفاف 14 آذار ولا من يَحزنون. مجرّد سراج وفتيلة بحثاً عن صوتٍ تفضيلي.

مسألتان تساعدان معراب على شدّ عصبِ جمهورها وحملِه إلى صناديق الاقتراع:

– فعلى الرغم من النقمة التي سيواجهها جعجع بعد هدوء عاصفة الصناديق، بفِعل سقوط «تفاهم معراب» الذي أعطى «التيار الوطني الحر» رئيساً للجمهورية بلا مقابل يُذكر، أو بالحدّ الأدنى « شراكة في السلطة مناصَفةً» وُعِدت بها «القوات»، فإنّ الإيجابية الوحيدة لِما يراه معارضو هذا الخيار كونه «سقطةً استراتيجية»، أنّه سيعاود شدَّ عصبِ «القواتيين» الناقمين على «التيار» ويَدفعهم إلى صناديق الاقتراع معبَّئين ضد اللوائح الخصمة حتى ولو لم تكن قوائم معراب على مستوى التطلّعات والأفكار.

– وجود خصوم عقائديين بينهم، مثلاً الحزب السوري القومي الاجتماعي أو ممّن يؤيدون النظام السوري على اللوائح المنافسة، ما يَجعل الناخبَ «القوّاتي» يتّجه فوراً إلى أقلام الاقتراع لإسقاط خصمِه، وليس لنُصرَة مرشّحِه. وهو اقتراع سلبي أو «النكاية».

ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها

ولكن هل ستمرّ الانتخابات على «القوات» كتنظيم، على خير؟

لا بدّ أوّلاً من الإشارة إلى أنه إذا خلت مواقع التواصل الاجتماعي وكواليس الإعلام التقليدي وأخباره من تسريبات عن استقالات في صفوف «القوات» أو اعتراضات على الترشيحات وأداء القيادة، كما يحصل في الأحزاب المسيحية الأخرى، فهذا لا يَعني أنّ الحزب في خير وأنّ الأمور ماشية ولا شيء يعكّر صَفو القرارات الآتية من القلعة الكسروانية. هنا، الحراك الاعتراضي شيء، والكلام عنه شيء آخر.

ثمّة ثقافة في صفوف «القواتيين» متوارَثة من جيل إلى جيل حتى لو اختلفت طبيعة الأجيال المتعاقبة وظروف نشأتها وحزبيتها، هي ثقافة العضّ على الجرح وكتمان الشكوى.

يمكن «القواتي» أن يَحرد سنوات، ويمكنه أن يَلزم منزله، بمعنى الانكفاء عن النشاط الحزبي، ويمكنه أن يسرَّ بعضَ همومِه لرفاقٍ من قماشته، لكنّه لن ينشر أبداً غسيله على السطوح. نماذج الأحزاب والتيارات الأخرى لن تلمحَها بين «القوّاتيين». حتى مفهوم الاستقالة غير مألوف بينهم.

يقول «قوّاتي» عتيق: «لا تزال مسجونيّة جعجع نقطة ضعفٍ لدى كثيرين من القدامى. وحتى الأجيال الناشئة والمجموعات الجديدة يُصار إلى دغدغة مشاعرها بخصوصية «الحكيم». ولا تزال «القوات» تلك القضية التي أسَّس لها بشير، وهي ليست بحزبٍ تقليدي يمكن الاستقالة منه. بالنسبة إلى كثُر هي ارتباط وجداني لا يمكن الطلاق منه أبداً. وضربُها يعني ضربَ ميراثِ المؤسس. وهذه من المحرّمات».

لكنّ مشهدية الترشيحات «القواتية»على طول الدوائر الانتخابية لا تسرُّ قلوبَ المحازبين: أربعة فقط يُعبّرون عن وجدان «القوات» ويُحاكون تاريخَهم وعصبَهم. بيار أبو عاصي، ادي أبي اللمع، عماد واكيم، وأنطوان حبشي. البقية من المحازبين هم أبناء «النسخة المنقّحة». لا يُميّزهم شيء عن المرشحين المستقلّين إلّا البطاقة الحزبية وحنفيات الخدمات التي تؤمّنها القيادة.

يكفي استعراض حالة استبعاد أنطوان زهرا التي سبّبت تملمُلاً في صفوف «رفاقه» ولكن من دون أن يُخرجوها إلى العلن، للدلالة على «التقيّة» التي يمارسها هؤلاء.

وفي كسروان مثلاً، اضطرّ جعجع لمجالسة كوادر المنطقة وإقناعهم بخيار القيادة لهضمِ الانتقادات التي وُجّهت للترشيحات. ومع ذلك يُقال إنّ يوم السادس من أيار سيَشهد تسرّباً للكثير من الأصوات الاقتراعية لمصلحة لوائح أخرى. ولكن لا كلام في العلن.

حتى في بشرّي يخرج الاعتراض محفوفاً ببعض الخَفَر مع أنّه بَلغ حافة الـ40% في الانتخابات البلدية الأخيرة للمدينة، ولكنّه لا يتّخذ من الإقطاعية أو العائلية عنواناً، مع أنّه كذلك.

وفي دائرة بيروت الأولى، التماهي بين قواعد الكتائب و«القوات» ليس محبّباً، خصوصاً إذا انتشرت الأخبار التي تقول إنّ قيادة «القوات» تدير أذنَها الطرشاء للشكاوى التي ترِدها عن تجنّدِ بعض «القواتيين» في ماكينة النائب نديم الجميّل.

حتى آليّة اختيار المرشّحين يَشوبها غموض، وهو ما يدركه القواتيون»، ولكنّهم لا يعترفون بأنّ التسمية هي لآل جعجع، سمير أو ستريدا، وبصمات الأخيرة جليّة في بعض الاختيارات، منها، ادي أبي اللمع، فادي سعد، باتريسيا الياس وغيرها…

وعلى الرغم من ذلك، هناك من يعتقد أنّ ساعة المساءَلة الداخلية ستكون في السابع من أيار، بعد الإفراج عن النتائج. فإذا نجحت القيادة في كسبِ رهانِها على تحصيل كتلة وازنة، ستكون مروحة الملاحظات محدودةً وقد تُبلَع.

ولكن إذا كذّبَت الصناديق توقّعات معراب، فستسمع القيادة أصواتاً اعتراضية، مع أنّها تحرَص دوماً على كفّ أيدي كلِّ من يقترب من النجومية أو التأسيس لحيثية خاصة به. يكفي السؤال عن مصير قياديّي مصلحة الطلّاب الذين برزوا إلى الضوء!

كلُّ هذا العرض في كفّة، وكسبُ جعجع التحدّي في تشكيل كتلة نيابية وازنة في كفّة أُخرى. أمّا إذا لم يفعلها، فقد يكسر بعضُ «القواتيين» «حُرم الصمت»!