وليد أبي مرشد/تركيا بين مطرقة الأكراد وسندان داعش

302

تركيا بين مطرقة الأكراد وسندان داعش

وليد أبي مرشد/الشرق الأوسط

26 تشرين الأول/14

من المسلم به أن تضخيم خطر «داعش» الدولي يصب، بالدرجة الأولى، في مصلحة التنظيم الإرهابي الحريص على إبراز «ثقافة الترويع» في كل تصرفاته، بدءا بتعميمه صور جلد الرجال ورجم النساء، وانتهاء ببثه، باعتزاز، مشاهد قطع الرؤوس البشرية.

ربما كانت هذه القناعة – إلى جانب التباين في تقويم أولويات النزاع السوري – وراء موقف تركيا اللامبالي من تغلغل مسلحي «داعش» في بلدة عين العرب (كوباني) الحدودية. وما يبدو حاليا من بوادر خروج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن موقف اللامبالاة حيال مصير عين العرب، قد لا يعود إلى تخوفه من تبعات سيطرة «الداعشيين» على البلدة بقدر ما يعود إلى تداعيات هذا الحدث على «القضية الكردية» داخل تركيا نفسها.

بالنسبة للرئيس إردوغان، معارك عين العرب لا تخرج عن كونها مواجهة عسكرية بين فصيلين إرهابيين، أحدهما «داعشي» يدعي التجلبب برداء الإسلام، وثانيهما «كردي» انفصالي يتعاطف مع حزب العمال الكردستاني المتمرد على سلطة أنقرة منذ 30 سنة.

انطلاقا من هذين المعطيين، يواجه الرئيس إردوغان خيارا صعبا في ترتيب أولوياته الأمنية على قاعدة أي من الإرهابيين أشد خطرا على تركيا؟

بمنظور عملي تندرج المواجهة الكردية – الداعشية في عين العرب في خانة «فخار يكسر بعضه» (على حد المقولة الشعبية المعروفة).. وعليه، لا تبدو أنقرة في وارد القلق من تحول عين العرب إلى ستالينغراد مصغرة يستنزف فيها الفريقان إمكاناتهما القتالية ولأطول أمد ممكن.

ومما يزيد في تعقيدات هذا الواقع غير المريح لأنقرة اضطرارها إلى «مسايرة» ضغوط حليفها الأطلسي القوي، الولايات المتحدة، الذي يدفعها دفعا إلى محاربة «الداعشيين»، وضمنا، مهادنة الانفصاليين الأكراد.

لا بد من الإقرار بأن الرئيس إردوغان نجح، حتى الآن، في انتهاج استراتيجية «لا تقتل الذئب ولا تفني الغنم»، وذلك بانتهاجه لعبة موازنة صعبة بين ما تتعرض له من ضغوط أميركية وكردية و«داعشية»، وغير خافٍ أن هذه اللعبة تعزز شرطيه المطروحين لخوض حلبة النزاع السوري: إقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية الشمالية، والتركيز على الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

لعبة الموازنة بين الأطراف الـ3 ظهرت جلية في «استرضائه» الأكراد باستئنافه الحوار السياسي مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجالان، وسماحه لعدد محدود من مقاتلي «البيشمركة» بالتوجه إلى جبهة عين العرب عبر الأراضي التركية لمساندة الأكراد السوريين (نحو 200 عنصر لا يتوقع منهم تغيير مجرى المعارك)، ومن جهة ثانية «مراعاته» الداعشيين أيضا برفضه زج القوات التركية في حرب برية ضدهم، و«غضه الطرف» عن تجارة النفط الداعشي المزدهرة عبر وسطاء أتراك وأكراد.. ومن جهة ثالثة، مواصلة «تطمين» واشنطن، كلاميا، بالتزام حكومته الثابت بحرب التحالف الدولي على الإرهاب.

مع ذلك، ما زالت حسابات تركيا الداخلية والإقليمية العامل المعتمد، قبل أي عامل آخر، في تحديد أولويات أنقرة في الحرب الدائرة على الإرهاب.

ولأن أنقرة تدرك – والتطورات الميدانية تثبت – أن لا مجال للقضاء على دولة «داعش» دون مشاركة فعالة من قوى راجلة في «الحرب الجوية» عليها، ولأن تركيا تملك وحدها، بين كل دول الجوار السوري – العراقي المرشحة للتدخل عسكريا في سوريا، جيشا قادرا على خوض معارك برية من هذا المستوى، ولأن خوض هذه المعارك ما زال مرهونا بموافقة واشنطن على أولويتي أنقرة المعلنتين منذ بدء التمدد الداعشي في سوريا؛ أي الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، وقبول اقتراح إقامة منطقة آمنة على حدود سوريا الشمالية.. يصعب توقع مشاركة تركية ميدانية في حسم حرب الاستنزاف الأميركية – الداعشية – الكردية على حدودها الجنوبية ما لم تهدد تداعياتها استقرار المجتمع التركي.

وهنا، تحديدا، نقطة ضعف حسابات أنقرة، فالوضع الراهن للمجتمع التركي يظهر عوارض انقسامات عميقة في داخله على الأصعدة السياسية، والإثنية، والمذهبية، وهي انقسامات توحي بأن تركيا، بعد نحو قرن كامل على ثورة أتاتورك، ما زالت دولة شرق أوسطية بامتياز تعاني من العلل والمشاكل ذاتها التي تنوء بحملها دول المنطقة.