حسام عيتاني: زياد عيتاني نجا… لبنان يحتضر

148

زياد عيتاني نجا… لبنان يحتضر
حسام عيتاني
موقع DARAJ/03 آذار/18

في أقل من ست ساعات من يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر)، أصدرت محكمة الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي و”الحشد الإعلامي الشعبي” الحكم بإدانة الممثل المسرحي اللبناني زياد عيتاني، استناداً إلى بيان باهت أصدره جهاز أمني وتضمن اتهاماتٍ بالتخطيط لاغتيالات وتجنيد مثقفين للتطبيع مع اسرائيل.

بالأمس، وفي أقل من ست ساعات، بعد إصدار الجهاز ذاته بياناً شديد اللهجة، محذراً، “الأقلام المأجورة” من التشكيك بما فعله من توقيف للممثل والصاق الاتهامات به بل اعتباره أن “إثارة قضية عيتاني من جديد، في هذا التوقيت المتزامن مع اقتراب الإستحقاقات النيابية، هي خدمة كبرى لإسرائيل، يسديها إليها أطراف وجهات مشكوك في انتمائهم الوطني وبثقتهم بالمديريات الأمنية”، بدأت التباريك والتهاني تنهال على زياد مهللة له ولبراءته، التي أكدها وزير الداخلية، المسؤول عن الجهاز الذي اوقف زياد والأرجح أنه عذبه وهدده، واستخدم ضده ما لا تقبل به أي دولة تضع للقانون قيمة ما في عملها.

المُشهِّرون والشامتون ومفبركو الاكاذيب، ومن بين هؤلاء مثقفون واساتذة جامعيون (احدهم مختص في القانون الدستوري!!)، هم ذاتهم سارعوا الى التهنئة والتبريك. فئة “ارقى” قليلاً اعتذرت من زياد وعائلته، وأقرت أنها أصيبت بالشلل والخوف، جراء رفع بطاقة العمالة لاسرائيل في وجه الرجل، خصوصاً أننا في دولة حزب الله، وهذه تهمة تودي الى التهلكة.

لا يهم. يعاني بلدنا من دمار متعدد المستويات، ليس أقلها خطراً دمار منظومة القيم والتضامن الاجتماعي والمهني، في وجه سلطة رعناء. الحشد الإعلامي الذي اندفع للتشهير بزياد يوم اعتقاله، يمثل تمثيلاً دقيقاً وضع الصحف ومحطات التلفزة المرتهنة ماليا وسياسيا والتي، وإن حاضرت بالكرامة، إلا أنها لا تعرف لهذه من معنى. ذلك أن الانقضاض على هدف سهل وغير محمي سياسياً مثل زياد عيتاني، واختراع لائحة طويلة من الاتهامات التي لا يصدقها عاقل، من صلب ممارسات هذه الصحف ووسائل الاعلام. من التشهير بأبرياء، الى دعم أنظمة الاستبداد والإبادة الكيماوية، خط واحد ونهج متصل يربط التشهير الرخيص برجل لم يكن بعد قد مضى على اعتقاله ساعات، وتأييد إبادة الأطفال بغازات السارين والكلورين.

لا يمكن فهم قضية زياد عيتاني إلا بردّها الى جذرها الاجتماعي- السياسي. الرئيسة السابقة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية التي أُوقفت ظهر الجمعة، والتي يقال أنها فبركت التهمة لعيتاني، ممثلة ثانوية في هذه المأساة- الملهاة. الممثلون الرئيسيون هم الفرقاء السياسيون، سواء الذين أسسوا لغة القوة والتهديد والوعيد واقتحام الشوارع لتصفية الحسابات، أو اولئك القادمون الجدد إلى ساحات السلطة التي استمرأوا طعمها، والتذوا بها لذة سادية بعدما مسهم بعض من جورها.

تكشف سرعة الانقلاب من الادانة غير المبنية على أي دليل، إلى الاحتفال بالبراءة، هشاشة ما يجتمع اللبنانيون حوله. لقد نجحت أعوام من التهويل والتهديد وفشل محاولات بناء دولة تستحق هذا الاسم، الى جعلنا كماً غير مدركٍ أو واعٍ من البشر، تُحركهم الشائعات والاقاويل، وزمرة تافهة من المسيطرين على السياسة والصحافة. والأهم أنها تكشف كمية الكذب المنتشر في الفضاء العام اللبناني، حيث لا تصمد أي معلومة أو خبر أمام أبسط سؤال. فليس لدى الحكومة ما تفسر به اي شيء، من أزمة النفايات المستمرة منذ أعوام، ومن التدهور المستمر في مؤشرات الفساد، وازدياد الفقر وتلوث البيئة، وصولا الى قانون الانتخابات شديد الطائفية المختبئ وراء غلالة النسبية.

من البديهي أن يتعمم هذا المناخ الموبوء ويصل الى قطاعات واسعة من المواطنين الذين يراقبون عاجزين سيادة لغة القوة وانهيار القانون وغياب أي نوع من “التوزان والرقابة” المتبادلة بين السلطات، وهذا من أسس الحكم الرشيد. فالسلطات كلها وقعت في يد “عائلة” واحدة تتبادل المنافع حينا، وتقدم الاضاحي حينا آخر.

نجا زياد عيتاني من تهمة العمالة لاسرائيل، بعدما تبرع مواطنوه والمسؤولون عن أمنه وكرامته في تدميره والاساءة الى سمعته وسمعة عائلته الصغيرة. التعويض ملح ليعود زياد الى ما أمكن من حياة طبيعية. بيد أن ذلك لا يرفع عنا كابوس احتضار وطننا احتضاراً مؤلما وبطيئا.