الدكتورة رندا ماروني: إخراج مساجين وإعتقال مفكرين

411

إخراج مساجين وإعتقال مفكرين
الدكتورة رندا ماروني/20 كانون الثاني/18

إن التطاول المستمر من قبل السلطة السياسية على حق المواطن اللبناني في التعبير عن رأيه، هذا الحق الذي كرسته الفقرة “ج” من مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص على أن لبنان جمهورية ديمقراطية، تقوم على إحترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل، هذا التطاول قابله البحث في موضوع العفو العام وفي إمكانية إستصدار قانون بهذا الشأن في مجلس النواب في عقده التشريعي العادي القادم في منتصف شهر آذار المقبل، وفي حين أنه من المرجح أن يتم التوافق على إستصدار قانون في موضوع العفو العام غير أن التطاول على حق التعبير المكرس في الدستور يشهد إستخداما وتوظيفا سياسيا في إطار الخلافات القائمة بين الأطراف المتنازعة على السلطة.

فمنذ خروج موقوفي الضنية في إطار صفقة عام 2005 التي جاءت في إطار العفو العام الذي صدر عن قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في مقابل الإفراج عنهم، إستأنف المتطرفون معارك نهر البارد واعتدوا على الجيش اللبناني عام 2007 فأودعوا السجن بالمئات في مبنى يضيق بهم وبرزت الانتفاضات المتتالية، فكان أبرزها في نيسان من العام 2008 حيث حصلت عملية شغب في مبنى المحكومين إستمرت حوالي التسع ساعات تم خلالها أسر عريف وخمسة مجندين من قوى الأمن وحرق قسم من المبنى، وتوالت بعدها حوادث الشغب وعمليات الفرار وكان أولها فرار الموقوف السوري طه أحمد حاجي سليمان الذي ينتمي لفتح الإسلام.

وفي 18 أيلول من العام 2009 ألقت القوى الأمنية القبض على سبعة سجناء آخرين ينتمون لفتح الإسلام في محاولة فرار بعدما ربطوا أغطية ببعضها على شكل حبال تدلت من الطابق الثالث من المبنى “ب” إلى باحة السجن الرئيسية بعد استعمال منشار حديد لقطع الشبكة الحديدية لإحدى النوافذ.

وفي 22 تشرين الثاني من العام 2010 فر السجين وليد البستاني فيما باءت بالفشل محاولة زميله السوري منجد الفحام وهما من فتح الإسلام وبينت التحقيقات في حينه تورط مجند في قوى الأمن في تسهيل عملية الهرب بتأمينه للسجينين جهاز قطع صامت لقطع الحديد يعمل على البطاريات.

وفي شهر نيسان من العام 2011 بدأ السجناء تمردا واسعا ضد ما اعتبروه إجراءات إنتقامية قام بها ضدهم ضابطان من قوى الأمن الداخلي، إستمر التمرد ثلاثة أيام أشعلت الحرائق خلالها في المبنى ودمرت بعض المحتويات وقتل السجين روي عازار في إنفجار قنبلة صوتية وقضي السجين جميل أبو غني بأزمة قلبية. وفي شهر آب من العام نفسه تمكن خمسة سجناء الفرار من المبنى “ب”، ثلاثة منهم ينتمون إلى فتح الإسلام بعد أن إندسوا بين الزوار وخرجوا من الباب الرئيسي، وهم السوريان عبدالله سعد الدين الشكري وعبد العزيز أحمد المصري واللبناني عبد الناصر سنجر، أما الآخران فهما موقوف سوداني وآخر كويتي من تنظيم القاعدة يدعى أبو طلحة، وقد تمت عملية الفرار بالتوافق مع عناصر من قوى الأمن.

وتوالت أحداث متفرقة من الشغب حتى السابع عشر من شهر كانون التاني في العام 2014 حيث وقع حادث مريب متمثل بالانتحار المشبوه للسجين الفلسطيني في المبنى “ب”، غسان قندقلي الذي قيل أنه شنق نفسه بوشاح من الصوف في المرحاض في حين أثيرت الشكوك حول عملية مدبرة.

أحداث متتالية في مبان غير مؤهلة وإذا كان السجن كما هو متعارف عليه مركزا لإعادة التأهيل فإن وضع السجون في لبنان أبعد ما يكون عن هذا العرف، ومن يدخل إليه مجرما لا مفر لنا من إستقباله بيننا أكثر إجراما، لا تخلو السجون من المظلومين ولكن أيضا من المجرمين، فالعفو العام في ظل عدم وجود النظام والانتظام سيطال شريحة واسعة من الموقوفين الإسلاميين، والهاربين من العدالة وتجار المخدرات ومحكومين بجنايات التزوير والسرقة والسلب، كلهم ينتظرون قانون العفو العام لفتح أبواب السجون وإسقاط الأحكام الغيابية ليستفيد من هذا القانون أكثر من ستون ألفا بين المحكوم والموقوف والفار من وجه العدالة من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية في ظل غياب المعايير العلمية إنما فقط التوافقية الزعماتية.

وإذا كانت هذه التوافقية الزعماتية ستلتقي قريبا حول إستصدار قانون عفو عام، لا يخلو من الشوائب، كما إعتدنا، إنما هذه المرة لن تطال تداعيات هذه الشوائب جيب المواطن فحسب إنما ستطال السلامة العامة في لبنان.

وإذا كانت هذه التوافقية الزعماتية ستلتقي قريبا حول هذا القانون، إلا أن التطاول على الحق المكتسب للمواطن في التعبير عن رأيه يشهد توظيفا سياسيا في إطار الخلافات القائمة بين الأطراف السياسية المتنازعة على السلطة، فوصف وزير العدل اللبناني سليم جريصاتي من قبل الرئيس سليمان فرنجية بأنه إسم على مسمى نظرا لما يقوم به من ملاحقات قانونية تطال حرية الرأي والتعبير غير مسبوقة ولم نشهد مثيلها حتى في ظل الإحتلال السوري، كما سبق للرئيس بري أن علق في موضوع القضاء واصفا إياه بأنه للضعفاء مطلقا على الوزير صفة الفريق السياسي.

هذا التوظيف يعري السلطة القضائية ممثلة في وزيرها ويجعلها عرضة للانتقاد ليس بشكل حقوقي فقط إنما بشكل ساخر مع رفع الغطاء السياسي الذي يحق له ما لا يحق لغيره، فنضحى في صورة دراماتيكية من إخراج مساجين وإعتقال مفكرين وقضاء مهزوز تارة يسرتا وتارة يمين.
إخراج مساجين
وإعتقال مفكرين
وقضاء مهزوز
يسرتا يمين
مزاجي الهوى
وعدله يهين
مسير مقاد
أحكامه كمين
وعبرة لمن إعتبر
ومثالا ثمين
فالتدخل فوقي
بالبطش يستعين
يعري يبرئ
يعفي يدين
سياسة رعناء
سورها حصين
تلغي الحضارة
تقصف الرائدين
تطلق مساجين
تعتقل مفكرين
والقضاء مهزوز
يسرتا يمين.