خلف أحمد الحبتور: التحالف الجديد بقيادة تركيا يستدعي رداً حازماً

119

التحالف الجديد بقيادة تركيا يستدعي رداً حازماً
خلف أحمد الحبتور/السياسة/30 كانون الأول/127

لا حاجة إلى قراءة الأفكار لفهم أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المهووس بالأنا في المنطقة. فقد سعى، طوال سنوات، إلى التدخل في الشؤون العربية، مدّعياً تارةً أنه صديق، ومُبدياً طوراً عدائية علنية. باتت غايته النهائية واضحة وضوح الشمس.
يأمل أردوغان بإعادة إنشاء الأمبراطورية العثمانية التي تأسست خلال القرن الثالث عشر أو نسخة ما عنها. كانت الأمبراطورية تمتد، في أوجها، في مختلف أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط ومساحات شاسعة من أوروبا، قبل أن تتفكك على أيدي القوى الحليفة في نهاية الحرب العالمية الأولى. هو يدرك أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فرقعة مصيرها الفشل، ويعمل الآن على رسم مسار بلاده الخاص.
يبذل أردوغان جهوداً دؤوبة لإقناع الدول التي تدور في فلكه بالمشاركة في فعل الغدر الذي يرتكبه، وهي بلدان تربطها علاقات وثيقة بجماعة «الإخوان المسلمين» و/أو النظام الإيراني. إنه يقرأ في كتاب الخليفة المزعوم أبي بكر البغدادي إنما بمكر أكبر. وهو يعمل على جعل بعض الدول العربية ذليلة وخاضعة للسيطرة التركية. أراد البغدادي إنشاء خلافة، أما أردوغان فيسعى وراء إقامة سلطنة.
يُقدّم أردوغان الطامح إلى قيادة العالم العربي وأفريقيا نفسه في صورة نصير القضية الفلسطينية بهدف إغواء العرب للانضمام الى ما يصبو إليه، فيما يحافظ على علاقاته الديبلوماسية والتجارية والاستخبارية مع تل أبيب. إنه تلميذ نجيب، فهذه الستراتيجيات يستمدّها مباشرةً من الكتاب الإيراني بغية خداع الرأي العام العربي.
لطالما راودتني شكوك بأن الطاغية التركي يتحرك خلف الستار ضد المملكة العربية السعودية وحلفائها منذ بعض الوقت، رغم زياراته المتزلّفة إلى الرياض. وقد ظهرت الحقيقة ساطعة عندما وقف إلى جانب الدوحة في خلافها مع السعودية والإمارات والبحرين على خلفية تمويلها للإرهابيين، لا بل أيضاً عندما أنشأ، بمباركة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قاعدة عسكرية على الأراضي القطرية تتّسع لخمسة آلاف جندي وعنصر في السلاح الجوي التركي.
وبعدما نجح في وضع الدولة الأصغر حجماً في مجلس التعاون الخليجي في جيبه، حوّل أنظاره نحو السودان حاملاً في يده حفنة من الدولارات من خلال تعهدات بالاستثمارات المباشرة وتوقيع اتفاقات تجارية.
لقد انتهز الفرصة مستغلاً التوتر الراهن في العلاقات بين مصر والسودان، على خلفية مطالبة الخرطوم بالسيادة على مثلّث حلايب الواقع عند البحر الأحمر، والذي يقع ضمن محافظة البحر الأحمر في مصر.
وبغية رد الجميل إلى أردوغان لشكره على «سخائه»، وتسديد ضربة في اتجاه القاهرة، سلّم الرئيس السوداني عمر البشير تركيا جزيرة سواكن السودانية التي كانت في ما مضى محطة للحجّاج المسلمين في طريقهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.
سوف تعيد تركيا البلدة الصغيرة المهجورة إلى مجدها الذي عرفته خلال الحقبة العثمانية، وسوف تعمد إلى ترميم المرفأ مع بناء حوض جديد للمراكب المدنية والسفن الحربية.
تردّ السودان على المعترضين بالقول: إن الوجود التركي لا يشكّل تهديداً لجيرانها، رغم أن التقارير تشير إلى أن تركيا والسودان وقّعتا اتفاق تعاون عسكرياً. بإمكان المسؤولين في الدولتَين أن يدّعوا ما يشاؤون. فأنا لا أصدّق كلامهم.
ما حاجة تركيا إلى هذه الجزيرة في حين أنها قادرة على الوصول إلى جزر المتوسط، والكثير من الجزر الأخرى، ما لم تكن لدى أردوغان مخططات للسيطرة على مياه البحر الأحمر وما هو أبعد منها؟
هذه الخطوة تُعرِّض السعودية ومصر والأردن وسواها من دول مجلس التعاون الخليجي لخطر داهم. هذه «الهدية» هي بمثابة باب مشرَّع أمام تركيا وقطر وإيران لتهديد أمننا واستقرارنا.
إن السماح لعرّاب «الإخوان المسلمين» الذي هو أيضاً حليف إيران، بامتلاك القدرة على الوصول مباشرة إلى جزيرة تقع قبالة الساحل الغربي للبحر الأحمر على مرمى حجر من مكة المكرمة، هو ضربٌ من الجنون. إذا أقدمت تركيا على نقل الجنود والسلاح إلى تلك الجزيرة، فسوف نصبح عرضةً للعدوان منها ومن قطر وإيران وعملائها في العراق، ناهيك بـ«حزب الله» الذي هو بمثابة يد طهران في لبنان.
لقد تبيّن أن أمير قطر أفعى متخفّية. لطالما عاملنا قطر كدولة شقيقة قبل أن يتواطأ الأمير الحالي ووالده من قبله مع الإرهابيين، بما في ذلك الإخوان وحركة «طالبان» والحوثيون المأجورون لدى طهران. كيف يجرؤ على تمويل الإرهابيين الذين يهاجمون جنودنا الشجعان الذين يجازفون بحياتهم من أجل إعادة بسط سلطة الحكومة الشرعية في اليمن.
لن أُفاجأ في حال تبيّن أن قطر هي الجهة المموِّلة والعقل المخطط الستراتيجي خلف صفقات أردوغان الشيطانية. يجب أن يشعر البشير، بصفته زعيم دولة عربية مهمة، بالخجل من نفسه لأنه ينضم إلى هذا الثنائي البغيض من أجل حفنة من الدولارات. لن ننسى ذلك أبداً.
ترى ما البلد التالي الذي سينضم إلى الركب؟ هل ستكون تونس التي علّقت رحلاتها إلى الإمارات وحيث يشكّل حزب «النهضة» التابع للإخوان والذي تجمعه روابط بقطر، أكبر الكتل البرلمانية؟ كانت تونس المحطة الأخيرة في جولة أردوغان على بعض البلدان الأفريقية، والتي قطع خلالها وعداً بفتح سفارات تركية في كل دولة من دول القارة الأفريقية.
ينبغي على السعودية والإمارات والبحرين والأردن ومصر أن تبادر على الفور إلى إدراج تركيا وأصدقائها المستجِدّين على قائمة أعدائها، وتحدّد بطريقة لا لبس فيها التبعات المترتّبة عن الازدواجية في سلوكياتهم. تركيا وإيران وقطر متورّطة في مخطط آثم لفرض هيمنتها، ويجب المبادرة على الفور إلى إحباطه.
هل نحتاج إلى مزيد من علامات الخطر التي تلوح أمام عيوننا قبل أن تبادر القيادات العربية إلى الرد بحزم؟ وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش هو واحدٌ من استثناءات قليلة.
فقد غرّد: «النظام العربي في مأزق، والحل في التعاضد والتكاتف والتعاون أمام الأطماع الإقليمية المحيطة»، مضيفاً: «المنظور الطائفي والحزبي ليس بالبديل المقبول، والعالم العربي لن تقوده طهران أو أنقرة».
تقف مصر، إلى جانب السعودية والأردن، في الجبهة الأمامية الجغرافية في مواجهة تأثيرات هذه المؤامرة التركية-السودانية. الدعوات التي وُجِّهَت في الإعلام المصري إلى الحكومة من أجل التحرك لم تُلاقِ حتى الآن سوى صمت مطبق. لست أفهم الأسباب. يجب أن تكون هناك شفافية في التعاطي مع الأمور. ويجب أن تكون شعوبنا على اطلاع على ما يجري، وعلى الخطوات التي تُتَّخذ من أجل التصدّي لهذه التهديدات.
نعيش واحداً من الأزمنة الأشد خطورة في التاريخ الحديث، وأعترف بأنني، كمواطن عربي وإماراتي غيور، شديد القلق والتوجّس من جراء هذا التهديد.
ففي مواجهة المؤامرات التركية-القطرية-الإيرانية، لا يمكننا الجلوس مكتوفي الأيدي أملاً في أن تكون هذه التحالفات الشيطانية مجرد زوبعة في فنجان. لا يمكننا التحلّي بالصبر، فسلوكنا هذا سوف يفسّره أعداؤنا بأنه دليل ضعف.
لذلك أناشد زعماءنا العرب المعنيين أخذ هذا التهديد على محمل الجدّ، وان يتم التعامل معه بالحزم الذي يستحقه، وفي حال الاقتضاء، المبادرة بصورة مشتركة إلى اتخاذ الخطوات المناسبة. لقد أظهر أردوغان همجيته في بلاده، يجب ألا نتيح له المجال لتكرار الشيء نفسه على مقربة من بلداننا.
* رجل أعمال إماراتي