كلمة الدكتور توفيق هندي في ذكرى استشهاد محمد شطح الرابعة

101

كلمة الدكتور توفيق هندي في ذكرى استشهاد محمد شطح الرابعة
27 كانون الأول/17

ألقى الدكتور توفيق هندي كلمة خلال الاحتفال الذي أقيم غروب اليوم في فندق “موفمبيك”، في الذكرى الرابعة لاغتيال الوزير السابق الشهيد محمد شطح، قال فيها

أيها الحفل الكريم،
يا أصدقاء محمد شطح،
لقد شرفتني عائلة صديقي العزيز محمد شطح، زوجته المحبة نينا وولداه العزيزان راني وعمر، بأن أتحدث في هذه المناسبة الأليمة، عن مسيرته الوطنية اللامعة ماضيا”، حاضرا” ومستقبلا”.
إستشهد محمد منذ أربع سنوات بالذات، وفي صباح هذا اليوم، على يد الغدر المعلومة. ولكن مسيرته مستمرة. نكون قد إغتلناه ثانية على أيدينا هذه المرة، إن لم نكملها!
أتحدث اليوم عن محمد شطح بأسى شديد. كم كانت الخسارة بليغة للبنان أولا”، للتيار السيادي ثانيا” ولتيار المستقبل ثالثا”، وكم كانت لا تعوض لعائلته الصغيرة والكبيرة، ولكن أيضا” لي شخصيا”!
يوميا” كنا نتواصل ونتحاور، نتبادل المعلومات والآراء والتقييم عبر سكيب عند الصباح، ومساء” عندما كنا نلتقي، وخلال النهار عبر الهاتف أو غيره من وسائل التواصل.
سوف أكون أمينا” صادقا” شفافا” وموضوعيا” كعادتي في إستذكار حقيقة محمد شطح وتوصيف آراءه ونهجه وخطه السياسي، أكاد أضيف وعقيدته السياسية.
لم يمارس محمد شطح السياسة بالمعنى المبتذل للكلمة، أي الصراع من أجل السلطة. أذكر أنه لم يكن مسرورا” بتعيينه وزيرا” للمالية، بالرغم من أهمية وزارة المالية، لأنه كان يدرك أن هذا الأمر سوف يستنفذ طاقته في أمور هامة ولكن جزئية، تحرفه عن المساهمة الفعالة في معالجة القضايا الوطنية.
لم يكن محمد معتدلا” إلا بمعنى واحد أنه ضد التطرف ولا سيما التطرف الديني أي يكن ومن أية جهة أتى. كان مسلما” ولكنه لم يكن قطعا” إسلاميا”.
كان متطرفا”، متعصبا” للبنانيته. كان يحب لبنان، لبنان الإزدهار والعلم والجمال والثقافة والمبادرة والإشعاع والإنفتاح، لبنان اللبنانيين كما عرفوه عند تأسيسه.
أما بسلوكه السياسي، فكان متطرفا” بتمسكه بالمبادئ ومعتدلا” بأسلوب ترجمتها في الواقع الملموس. يمكننا إختصار هذه المعادلة بالتالي: التمسك بالمبادئ والليونة في التطبيق.
كان واقعيا”، ولكن دون الإستسلام للواقع. كان براغماتيا” دون التخلي عن المسلمات اللبنانية.
كان ثاقب النظر، يرى الأمور بحركيتها، ينظر إلى الصورة الكبيرة بكليتها ولا يغرق في بحر التفاصيل التافهة، فيستشرف المستقبل ويدرك ما يجب فعله. كان يفرق بين الإستراتيجية والتكتيك، بين بعد النظر في التصويب على الهدف الإستراتيجي وضرورة إتخاذ الخطوات الجزئية الآنية الآيلة بالتدرج إلى الوصول إلى الهدف
كان يتعلم من أخطاء الماضي، فكان يقول أن ثمة خطء إرتكب بحق لبنان حين فتحت حدوده للعمل الفدائي الفلسطيني، فأدخل في حروب من طبيعة مختلفة تفاعلت فيما بينها وأوصلت إلى الوضع المأزوم الكوارثي الذي نعيشه في يومنا هذا. وعندما إندلعت نيران الثورة في سوريا، كان ضد التورط في دعمها منذ بدايتها، مهما كانت قضية الثوار محقة. وكان رأيه بأن تقفل الحدود من وإلى سوريا بوجه كافة الأطراف اللبنانية والطلب لتوسيع مهام اليونيفل إلى الحدود السورية-اللبنانية لدعم الجيش اللبناني في إطار القرار 1701.
كان يرى أن لا قيامة فعلية للدولة في ظل وجود السلاح في يد الميليشيات، فكيف إذا كانت ثمة ميليشيا أقوى من القوات المسلحة اللبنانية؟! كان يردد أن أي نظام سياسي لأية دولة في العالم يحصر حيازة السلاح وإستخدامه في يد الدولة دون سواها، وأن الدستور اللبناني كما إتفاق الطائف وكافة القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، ولا سيما القرارين 1559 و1701، تؤكد على هذا الأمر. من هنا، كان يرى أن الهدف الإستراتيجي الرئيسي للقوى السيادية اللبنانية يكمن بمعالجة جذرية لمسألة سلاح حزب الله بمعنى تسليم سلاحه للجيش اللبناني، وأن الجيش كفيل بتشغيل صواريخه لحماية لبنان مظللا” بالثالوث الذهبي: الدستور، الطائف والقرارات الدولية، إضافة إلى التحييد الذي نص عليه إعلان بعبدا.
وبالمناسبة، كان ضد إستخدام كلمة المقاومة من قبل البعض، إذ أن لبنان بنظره لم يعد محتلا” بعد تنفيذ القرار 425. فسوريا-الأسد لم تعترف بلبنانية مزارع شبعا لكي ينظر إليها كأرض لبنانية محتلة.
كما كان يعتبر أن كلمة المقاومة ملتبسة.
فقد إستأثرها حزب الله وأصبحت مرادفة له. وهو يوصفها في أدبياته وأحيانا” في وسائل إعلامه بالمقاومة الإسلامية في لبنان، ولا حتى بالمقاومة الإسلامية اللبنانية. وتدرج هدفها من “تحرير” الأرض اللبنانية، وتحديدا” الجنوب اللبناني، إلى حماية لبنان من عدو أوحد، أي العدو الصهيوني الذي يطمع بأرض لبنان ومياهه، وبالتالي يشكل خطرا” دائما” جاسما” على صدره لا يزول إلا بزوال إسرائيل. إن توكيل حزب الله نفسه بحماية لبنان وفيما بعد بحماية نفطه، بعد تحرير جنوبه، أراده أن ينساب إلى الرأي العام اللبناني بهدف التأكيد على ضرورة حيازته على السلاح حتى في غياب أرض محتلة.
كما أن هذه “المقاومة” بنظر حزب الله هي جزء من ما يسميه “محور المقاومة” الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران. هدفها يتعدى مواجهة إسرائيل وتحرير كامل تراب فلسطين وصولا” إلى مواجهة أميركا والغرب، ومرورا” بإخضاع العالم العربي عبر دعم أو إحداث “ثورات” إسلامية في دوله تزعزع كيانها بهدف وضع اليد عليها! أما غائيتها النهائية، فهي وضع المعمورة بأسرها تحت حكم الشريعة الإسلامية وفقا” لعقيدة ولاية الفقيه.
هكذا كان محمد شطح يقرأ حزب الله ولم يغب عن باله يوما” أن الحزب جزء لا يتجزء من الجمهورية الإسلامية في إيران. أعضاؤه لبنانيون. ولكن علاقته بإيران عضوية منذ نشأته في بداية الثمانينات : فهو أهم فصيل في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن تصدير الثورة الإسلامية (بمفهوم ولاية الفقيه) إلى العالم.
فحزب الله لبناني بالجنسية وإسلامي-فارسي بالمضمون والمشروع. هو إيران-الإسلامية التي تتكلم العربية. هو قاطرة التنظيمات العسكرية المنضوية في فيلق القدس.
لهذه الأسباب كلها، لم يكن محمد مقتنعا” بما سماه البعض في مرحلة أولى لبننة حزب الله، لأنه كان يرى أن هذه اللبننة تفقده علة وجوده.
فالتعاطي مع حزب الله، بنظر محمد، بالتغاضي عن طبيعته وعلى قاعدة أنه حزب لبناني أو على طريق أن يتحول إلى حزب لبناني، يشكل خطأ” جسيما” في توصيف واقع حاله ويؤدي إلى مسارات ومهالك كالتي بدأت بعيد إستشهاده.
ولأن محمد وأنا عبر مداولاتنا اليومية والمتواصلة كنا قد أصبحنا متيقنين من طبيعة حزب الله ومشروعه الذي يتخطى الحدود اللبنانية ومقتنعين تاليا” بعدم جدوى محاولة لبننته،
ولأن ميزان القوى الإقليمي واللبناني بات لصالحه قبيل إستشهاد محمد في نهاية عام 2013 وبالتالي أصبح قرار لبنان بيده مهما فعلنا وكابرنا،
ولأن المساكنة المستحيلة منذ عام 2005 في ظل ميزان قوى أفضل بكثير للقوى السيادية في حينها، أجهضت ثورة الأرز وكلفت عددا” كبيرا” من الشهداء وأوصلت إلى حرب تموز 2006 التي دمرت لبنان وقوت قبضة حزب الله على لبنان وشلت السلطة وأنتجت أحداث أيار 2008 وأدت إلى بداية فرط عقد 14 آذار،
لأن حزب الله يريد “إقناع” اللبنانيين بالقوة بأن ما يفعله هو الصواب ولأن الدولة اللبنانية الممسوكة منه تحت شعار وحدة وطنية مزعومة تخدم مشروعه على حساب لبنان واللبنانيين وتشكل الدرع الواقي الشرعي لتدخلاته “الثورية” في المنطقة وأداة إضافية لسياسته الإقليمية ومشروعه الكوني الذي لا ناقة ولا جمل لللبنانيين فيه. ولكن أيضا” لأن المساكنة في ظل إختلال ميزان القوى، تظهر للعالم الخارجي صورة خداغة للبنان قد أصبح كله حزب الله ولدولة تكون قد إبتلعتها الدويلة. فيكون حزب الله قد حمّل اللبنانيين جميعا” تبعات مغامراته في لبنان والمنطقة، عسكريا”، أمنيا”، إقصاديا”، إجتماعيا”، وفي كل المجالات.
لهذه الأسباب كلها، وصلنا إلى النتيجة المنطقية الوحيدة وهي أن أفضل ما يمكن فعله هو الطلاق الحبي مع حزب الله، أي عدم الجلوس معه على الطاولة (طاولة مجلس الوزراء أو طاولة الحوار) والذهاب بإتجاه تزخيم معارضة سيادية، سلمية، عابرة للطوائف على قاعدة تنفيذ الدستور وإتفاق الطائف والقرارات الدولية، ولا سيما القرارين 1559 و1701.
نعم! ما بعد شطح ليس كما قبله! غير أن الرياح ذهبت حتى الآن بما لا تشتهي السفن!
نعاهدك يا صديقي محمد أننا، مع أصدقائك ومحبيك الكثر، سوف نكمل المسيرة التي بذلت دماءك الذكية لأجل نصرتها، أنت وكافة شهداء ثورة الأرز وعلى رأسهم الشهيد الرئيس رفيق الحريري.
فارقد بسلام ونم قرير العين!

في أسفل فيديو رابط احتفال الذكرى الرابعة لإستشعاد محمد شطح من ال ام تي في/27 كانون الأول/17

https://www.youtube.com/watch?v=pw6loEsI-bg&t=1982s