حنا صالح/ساعة الحقيقة

72

ساعة الحقيقة
حنا صالح/الشرق الأوسط/19 كانون الأول/17

مع إعلان الرئيس الروسي بوتين الانتصار على الإرهاب، من القاعدة الجوية الروسية في حميميم، وتأكيده أن قواته أنجزت المهمة وروسيا تضمن وحدة الأراضي السورية، وأن القواعد الروسية مستمرة لنصف قرنٍ وليست غافلة عن شيء، تكون موسكو قد أنهت عملياً الحرب ضد «داعش»، ولم يعد ممكناً لأي من الأطراف الإقليمية، وفي المقدمة نظام إيران، أن يختبئ خلف شعار الحرب على الإرهاب لتنفيذ أجندته الخاصة، وبينها إقامة قواعد دائمة للحرس الثوري.
تزامناً بدأت واشنطن الكشف عن استراتيجيتها للأمن القومي الأميركي، حيث تحتل المواجهة مع النظام الإيراني أولوية لافتة، فكان المؤتمر الصحافي للسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي محطة مؤثرة، عندما تم تسليط الضوء على تمادي طهران في خرق القرار الدولي 2231، بشحنها الأسلحة الصاروخية الباليستية إلى اليمن، واستخدام هذه الأسلحة ضد أهداف مدنية، أبرزها مطار الملك خالد الذي يمر عبره عشرات ألوف المسافرين يومياً، وهذا السلوك الخطير يكمن أيضاً في أن دولة في الأمم المتحدة تقوم بتزويد ميليشيا إرهابية بالسلاح الصاروخي المتوسط والبعيد المدى. ضمناً يشملُ الخرق الإيراني للقرار الدولي تزويد «حزب الله» وسائر الميليشيات المتطرفة التابعة للحرس الثوري في سوريا بالأسلحة الصاروخية الشبيهة.
الملاحظ أن واشنطن علقت الحديث عن موضوع الاتفاق النووي، تلافياً لتوسيع الهوة مع الشركاء الأطلسيين، ورمت لتفعيل موقف هؤلاء الشركاء من خلال قضية الصواريخ الإيرانية، واتجهت إلى مجلس الأمن الدولي لإقامة تحالف عالمي بوجه نظام طهران، ورغم طمأنة وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس المدعوين لهذا التحالف بأن لا عمل عسكرياً ضد إيران، فإن هذا المنحى الذي قوبل بترحيب عربي واسع، من شأنه محاصرة طهران وفتح الباب أمام عقوبات ضدها أكثر شمولاً، والأمر إذ ترافق مع إعلان واشنطن الإبقاء على وجودها في الشمال والشرق السوريين حتى إنجاز التسوية السياسية، فالإشارة واضحة من أنه لن يكون مسموحاً لطهران بأن تملأ بميليشياتها الفراغ الناجم عن هزيمة «داعش».
الرئيس الروسي الذي عبر مراراً عن استعجاله التوصل إلى تسوية في سوريا، يقول إن ظروفها متوافرة، رفض عملياً منطق النظام السوري وطهران من أن التسوية يجب أن تكون على صورة المتغيرات العسكرية، وفرمل الاندفاعة الحربية التي أرادتها طهران باتجاه الرقة وسواها. لكنه في المقابل يؤكد أن التسوية ستكون بشروط الغلبة الروسية، وكما نجحت موسكو في جعل «آستانة» أداة فرض متغيرات شملت المعارضة أشخاصاً وأداء، فالضغط من أجل مؤتمر «سوتشي» هو وفق موسكو لبلورة اتجاه رياح التسوية، ومرتكزات النظام السوري الجديد وبعدها لا بديل عن جنيف.
التسوية في سوريا كي تكون حقيقية تتطلب أساساً الكثير من التوافقات الإقليمية مع السعودية وبلدان الخليج، والتوافقات الدولية وخاصة مع أميركا، وموسكو التي أنجزت توافقات كبيرة مع دول الإقليم وخاصة الرياض، تدرك حاجتها لواشنطن للإقرار بدورها كشريك عالمي في مواجهات النزاعات الدولية، إلى الكثير من القضايا المتعلقة بالعقوبات وأوكرانيا والقرم وتوسع الأطلسي شرقاً… وفي العلاقات الدولية لا هدايا، خصوصاً أن الاستراتيجية الأميركية للأمن صنّفت روسيا والصين كعدوين. هنا بالضبط النقاش الحقيقي سيكون بين الكبار حول الدور الإيراني.
مع تسليط واشنطن الضوء على الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات الشيعية، وخروقات طهران للقرارات الدولية، وسعيها لترتيب تحالف دولي لكبح نظام خامنئي، وما نشهده من بلورة محور عربي لا تقوى عليه طهران مع الضغط لتحجيم أذرعتها العسكرية، سيضيق الهامش أمام موسكو التي ستذهب لوضع مصالحها وما يمكن أن تحققه في الميزان، وهي تعلم أنه يستحيل ترجمة نجاحاتها العسكرية كاملة في السياسة كما تريد.
هناك قول للسيد نصر الله إبان الحرب على الشعب السوري وثورته، مفاده، أن من يتقدم في الإقليم يتقدم في الوضع الداخلي اللبناني، ولا شك أنه نجح في إقناع أخصامه السياسيين بانتصار محوره، فكانت «التسوية» السياسية، التي أنهت الفراغ السياسي ومنحت الأخصام السابقين مقاعد في الحكم، مقابل وضع مفاصل قرار البلد بيد «حزب الله»، الذي أرغمت ممارساته في الداخل والخارج رئيس الحكومة على إعلان استقالته، ولاحقاً مسرحية التريث والعودة عن الاستقالة على قاعدة التزام ما سُمي «النأي بالنفس»، ولو أن الأمر كان جدياً لوجب العودة إلى إعلان بعبدا الذي يرسم الإطار الحقيقي لتحييد لبنان، والعودة أساساً إلى الدستور فهو الفيصل، ولأنه كذلك، يستمر أهل الحكم في ممارسة السلطة من خارجه.
أحاديث انتصار محور الممانعة مجرد كلام؛ ففي اليمن قوات الشرعية تطرق أبواب صعدة وتكاد تضيق الحصار على صنعاء… وفي العراق القوى المؤثرة تدعو «الحشد الشعبي»، الأداة بيد طهران، للانضمام إلى الجيش العراقي، وتتولى القوات الأميركية تدريب وتجهيز 14 فرقة عسكرية ستكون العمود الفقري للجيش الجديد، وعندما يحين أوان الصفقة الكبرى في سوريا، فلن يكون نفوذ النظام الإيراني، المتعارض أصلاً مع الدور الروسي أولوية لدى القادة الروس، وبالتأكيد ستنعكس التسوية السورية على وضع لبنان وعلى معادلة الحكم… وتجدر الإشارة إلى أن شركاء التسوية الداخلية في طرفي الانقسام الآذاري السابق، لم ينجحوا في جعل توافقهم شعبياً، فما زال الانقسام عمودياً وحاداً حول سلاح «حزب الله» المتعارض مع أحادية السلاح الشرعي، كذلك الانقسام حادٌ إنْ حول السياسة الخارجية والتضامن العربي حيث المصلحة الحقيقية للبنانيين، أو موقع لبنان من الصراع العربي مع النظام الإيراني.
أمام تحالف حكم يضم كل خصوم الأمس، هناك ممارسة مرتاحة أن لا معارضة قوية بوجهها، فيتتالى إبرام الصفقات المريبة في النفط والغاز وسواهما، وتكريس أعراف جديدة لا دستورية في الممارسة السياسية، وانصياع لسياسات التفريط في السيادة والاستقلال. لكن المنحى التصاعدي لكم الأفواه، ومحاولة إسكات كل صوت معارض، دلالة على أن اللاحسم في الإقليم وسياسة المحاصصة و«السيلفي» لن تخدم استمرار مخطط الاستئثار والانفراد بالحكم.