إميل أمين: رهان طهران… الهروب لا يفيد/محمد الرميحي: الطموح الإيراني في الجوار… تاريخاً وحاضراً

61
In this picture released by official website of the office of the Iranian supreme leader on Wednesday, May 10, 2017, Supreme Leader Ayatollah Ali Khamenei attends a graduation ceremony of a group of the Revolutionary Guard cadets in Tehran, Iran. Iran's supreme leader warned Wednesday that anyone trying to foment unrest around the upcoming presidential election "will definitely be slapped in the face" — a sign authorities want to avoid a repetition of the violence that followed the country's disputed 2009 poll. Iran will hold presidential and municipal elections simultaneously on May 19. (Office of the Iranian Supreme Leader via AP)

رهان طهران… الهروب لا يفيد
إميل أمين/الشرق الأوسط/16 كانون الأول/17

لا تتوقف طهران عن الرهانات الخاسرة، ولهذا نراها تستغل شعارات ديماغوجية لإشعال الشارع العربي، عبر التلاعب المنحول بقضايا ضحى العرب من أجلها بالدم والمال طوال سبعة عقود وأزيد. الذين تابعوا ردود الفعل الإيرانية بشأن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وقر لديهم بكل عمق زيف رهانات طهران، التي تبدت في الثرثرة الكلامية المفرغة من أي مضمون إيجابي، بل والتي تزيد القضية تعقيداً، لا أن تقدم حلولاً، والهدف من ورائها إثارة أصحاب النفوس الضعيفة وخلخلة تماسك النسيج الاجتماعي الوطني العربي، كي تبدو هي جواد السباق الرابح.
منذ أيام كان سليمان قاسمي قائد ما يعرف «دعائياً» بفيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني يفعل اتصالاته ببعض القيادات الفلسطينية، مبدياً استعداد بلاده لتفعيل التعاون العسكري معهم للدفاع عن القدس. الكلام أجوف، والوعود واهية، وغير ممكنة، وبخاصة أنها صادرة من عاصمة لم تنطلق منها رصاصة واحدة على إسرائيل طوال أربعة عقود عمر الثورة الإيرانية. المزايدة الإيرانية بلغت الرئيس حسن روحاني نفسه، ما يؤكد أن فكرة الحمائم والصقور الإيرانية غير قائمة، وأن المشهد ليس إلا توزيع أدوار.
روحاني وعلى هامش قمة «منظمة التعاون الإسلامي»، يتشدق بدوره بالحديث عن استعداد بلاده للدفاع عن القدس دون أي شرط مسبق. هل قدمت إيران شيئاً للقضية الفلسطينية سوى «الديماغوجية» المخربة للأوطان العربية؟ وهل يحق لها أن تزايد كما نرى من خلال أبواقها الإعلامية «عربياً» على مصر والمملكة العربية السعودية؟ دون شوفينية مصرية أو سعودية، تبقى القاهرة العاصمة العربية التي خاضت أربع حروب وقدمت أكثر من مائة ألف شهيد، وتحملت عناء ومشقة بالغين، بل تعرضت للتخوين، وإن أثبتت الأيام أن ما عرضته مصر على الفلسطينيين في مفاوضات سابقة، هو غاية المراد من رب العباد اليوم، لكن السبل تقصر عنه، والطرق إليه غير معبدة، والدروب مقطوعة.
أما الرياض فلم تقدم عاصمة عربية دعماً أدبياً ومالياً، للقضية الفلسطينية ورجالاتها مثلما قدمت، بل إن القدس تحديداً وتخصيصاً لم تغب يوماً عن خطاب ملوك السعودية وأمرائها، شاء من شاء وأبى من أبى، من زمن الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، إلى حاضر الملوك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذي أكد في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى، قبل بضعة أيام، أهمية استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كان حرياً بقاسم سليماني وحسن روحاني التوقف قليلاً قبل أحاديث وتصريحات العنتريات أمام نتائج استطلاع الرأي الأخيرة، التي أجرتها شركة RIWI الكندية الشهر الماضي لحساب وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث أظهرت أن 30 في المائة من الإيرانيين يرغبون في إقامة علاقات متميزة مع إسرائيل. ليس سراً عمق وقدم العلاقة التاريخية وكذا الوجدانية بين الفرس وبني إسرائيل، وقد اعترف قبل وفاته شمعون بيريس بأن يهود العالم مدينون بحياتهم وتاريخهم لكورش ملك فارس، الذي من دونه ما كان لهم البقاء على الحياة، والقصد هنا لمن لا يعلم هو أن كورش الإمبراطور الفارسي هو من أعادهم إلى أرض فلسطين، بعد السبي البابلي على يد نبوخذنصر ملك بابل والذي استمر زهاء خمسة قرون.
ومن القديم إلى الحديث نذكر سليماني وروحاني بالزيارات والعلاقات السرية بين طهران وتل أبيب؛ ففي عام 1961 قام بن غوريون بزيارة لإيران، أبقيت سراً، واتبعت برحلات متتالية قام بها رؤساء وزراء إسرائيل طوال ثلاثة عقود، عبر ما يعرف بـ«البروتوكول السري».
لم تنقطع أو تتوقف العلاقات بعد ثورة الخميني، ففي مستهل العام 1980 أي بعد شهور على اندلاع أزمة الرهائن قام أحمد كاشاني النجل الأصغر لآية الله العظمى أبو القاسم كاشاني بزيارة إسرائيل لمناقشه مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ضد البرنامج النووي العراقي في أوزيراك.
مزايدات إيران الأخيرة تجاه القدس والمقدسيين تؤكد لنا وبجلاء واضح أن محاولات ظهورها بمظهر المناصر الحقيقي للقضية الفلسطينية أمر دوافعه استراتيجية تبغي الهيمنة على المنطقة، وليست مدفوعة بحافز آيديولوجي أو دوغمائي عميق هدفه مناصرة قضية عادلة، أو دعم الإنسان الفلسطيني المظلوم، وإرجاع الحقوق لأهلها. لم تكن قطر لتفوت الفرصة بدورها، فاستغلت قنواتها الإعلامية التقليدية بوصفها «رأس الفتنة» لسكب الزيت على النار، ولم تتوقف عن بث الأكاذيب في حق القادة العرب، ما يعني أنها لا تقيم وزناً لأشهر من المقاطعة، وأن الدور المنوط بها هو خدمة إيران وتوجهاتها، لا العمل على دعم القضية الأكثر استحقاقاً للدعم، أو مساندة الشعب المقهور تحت نظام أبرتهايد وحيد حول العالم. هل مزايدات طهران نوع من الهروب إلى الأمام ومن وجه الغضب الأميركي القادم بمواجهاتها تحديداً؟ إيقاع الأحداث يتسارع في واشنطن، فالكونغرس ألقى الكرة في ملعب ترمب، بعد أن قرر السماح بانقضاء مهلة العقوبات على طهران، وترك القرار للرئيس المتشوق لمعاقبتها، وبينما يجدد وزير الخارجية ريكس تيلرسون اتهاماته لإيران بتسليح المنظمات الإرهابية في المنطقة، يستعد الكونغرس بدوره أيضاً للموافقة على مشروع قانون لفرض عقوبات جديدة على نظام الملالي الداعم للتخريب والتقتيل في اليمن. يتبقى على الشعب الفلسطيني ولا أحد غيره أن يدرك طبيعة المزايدات والشعارات الوهمية للحكومة الإيرانية… هذا وقت تفريق الأصدقاء عن الأعداء، والتنبه لمكائد ومصائد «الأعدقاء» من الإيرانيين والقطريين.

الطموح الإيراني في الجوار… تاريخاً وحاضراً!
محمد الرميحي/الشرق الأوسط/16 كانون الأول/17
عُقدت في الكويت الأسبوع الماضي ندوة علمية مهمة، حضرها عدد كبير من المهتمين والمتخصصين في تاريخ الخليج، كانت بعنوان «علاقات عُمان بدول المحيط الهندي والخليج، في القرون الثلاثة من السابع عشر حتى التاسع عشر»، نظمها باقتدار واضح مركز الوثائق العُماني، بالاشتراك مع المجلس الوطني للثقافة والآداب في الكويت. الأبحاث التي قُدمت على مدى ثلاثة أيام كانت ثرية ومتعددة المداخل. وليس غرض هذا المقال الدخول في تفاصيل ذلك الحوار المعمق الذي تناولته الأوراق أو المناقشات. ما يلفت النظر أن مجمل الأوراق قد ناقشت منصة مشتركة، هي تكرار التدخل الإيراني في شؤون الخليج، ومحاولة إيران على مر سنوات طويلة في تلك الفترة النيل من القوى القائمة، أو الدولة العربية في ذلك الوقت في شرق الجزيرة العربية، من أجل بسط هيمنتها عليها. وقد يفاجئ البعضَ من غير المتابعين أن «الدولة» بمعناها الحديث ليست طارئة في الخليج وفي الضفة العربية منه، فقد كانت هناك دولة في الجزيرة العربية قبل ظهور النفط بقرون من السنين، كانت الدولة السعودية الأولى والثانية موجودتين، وكانت الدولة العُمانية، إما بقيادة اليعاربة أو الأكثر البوسعيديين (الذين هم في الحكم اليوم) وكانت دولة شامخة ذات أسطول بحري لا ينافَس؛ بل كانت المشيخات الأخرى كالبحرين والساحل العماني (الإمارات اليوم) جميعها موجودة ككيانات سياسية. ويمدنا التاريخ الذي جرى في القرون الثلاثة المذكورة بعدد من المحاولات التي كانت الدولة «الفارسية» آنذاك تقوم بها من أجل التوسع في الجوار، سواء في عُمان أو على الساحل الغربي للخليج العربي أو في اليمن! إلا أن معظم تلك المحاولات، وفي بعضها تمت له نجاحات مؤقتة، كان أحد أسباب نجاحها هو فرقة الطرف العربي، أو ما يمكن أن يعرف اليوم بالفريق الموالي لدولة خلف الأفق (فارس)، فقد كانت فارس القديمة في تلك العصور تستفيد من تلك الفرقة بين أطراف عربية داخلية في المنطقة المذكورة، لتقوم بمد نفوذها مستخدمة تلك المجموعات، وما إن يُقدر للعرب قيادة توحدهم حتى يتخلصوا من تلك الهيمنة؛ لأنها كانت تستخدم عناصر عربية في مد النفوذ والتوسع.
هذا الدرس الواضح من التاريخ، الذي كشفته أوراق الندوة المهمة بوضوح، ومن خلال كثير من الوثائق وفحص المختصين، يكاد اليوم يكرر نفسه، ولكن بحلة جديدة لها علاقة بالمتغيرات العصرية، ولكن الثابتة في منطلقاتها. إنها استخدام فريق داخلي للقفز على مقدرات البلاد. الحوثيون أحد شواهد اليوم، ولكن ليسوا هم فقط! اليوم والخليج يتمتع بمصدر مهم للاقتصاد، وهو الطاقة النفطية والغاز، إضافة إلى موقعه الجغرافي المميز، فإن عودة الشهية «الفارسية القديمة» والإيرانية الحديثة تظهر جلية للعيان. أهدافها القديمة واضحة، ووسائلها الجديدة متاح سبرها.
تعتمد إيران اليوم على مقولات لها علاقة بثلاثة منطلقات «آيديولوجية»، من أجل بث القبول بمشروعها لدى بعض العرب في الجوار، ومن ثم إتمام السيطرة على المنطقة، كما فعل «الأجداد الفرس».
المنطلقات الثلاثة هي: الأول «آيديولوجية المذهبية»، والثاني «حرب الاستكبار ونصرة المستضعفين»، والثالث «تحرير فلسطين»! تحت هذه الثلاثية الجديدة، تدفع إيران اليوم بمشروعها التوسعي كما دفعت فارس بمشروعها التوسعي «بمنطلقات مختلفة»؛ ولكن للأهداف نفسها، في القرون من السابع عشر حتى التاسع عشر! لو وضعنا تلك المنطلقات الثلاثة تحت المجهر، وتمت محاكمتها عقلياً، لوجدنا كثيراً من الادعاءات تتهاوى، فالحديث عن أن إيران تحمي «الشيعة العرب»، أو هي وكيلة عنهم، لا يصمد أمام الحقائق الموضوعية، فأولئك الذين يتبعونها (آيديولوجياً) هم قلة القلة، نعم هم ناشطون بما تمولهم وتدعمهم به المؤسسات الرسمية الإيرانية؛ ولكنهم يبقون قلة، والكثرة من الشيعة العرب أو المستعربين في بلاد الخليج هم مواطنون لهم ولاء كامل لوطنهم.
بعض الأقلام التي ترغب في تجاوز الحقائق تدعي أن هناك «مظلومية» في بلد خليجي أو آخر للطائفة الشيعية، وهذا يدحضه أمران: إذا كان هناك حيف سياسي فهو لا يقع على فئة دون أخرى، والصحيح هو الاندماج في المواطنة لتصحيح الأخطاء وتقويم القصور للجميع، وليس لطائفة دون أخرى. والثاني أن النموذج الإيراني في الحكم والإدارة ليس هو ذلك النموذج المثالي الذي يطمح إلى تكراره عاقل، فهو ليس «ديمقراطية وستمنستر» أو «الممارسة الجفرسونية»؛ بل هو أبعد من ذلك بكثير، فهو ثيوقراطية مغموسة بأوهام، وأي عاقل ومتحرر من الضغوط الآيديولوجية يعرف تجاوزاً أن «نار الدولة الخليجية ولا جنة الملالي» إن صح التعبير. فإيران تقدم نموذجاً في الاقتصاد مثقل بالقصور والفساد، ويخلف ملايين العاطلين والجوعى، كما تقدم نموذجاً سياسياً يقلص الحريات إلى ما دون الصفر، ورده الدائم على أي خروج بالقول أو بغيره، هو المشانق بالرافعات! فهو – والأمر كذلك – ليس مكاناً جاذباً تحت أي ظرف أو تبرير، وهناك من الطائفة الشيعية أغلبية تعارض ذلك المشروع الكهنوتي. الذي يحدث أن الأقلية التي تناصره هي الأعلى في الصوت والأكثر تنظيماً، والأكثرية منخفضة الصوت وأقل تنظيماً؛ ولكنها تعرف معرفة يقينية أنه لا يجوز عقلاً استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!
يدخل مندمجاً المنطلق الثاني في البروباغندا الإيرانية مع الأول، وهو «نصرة المستضعفين»! وفي الحقيقة المستضعفون اليوم هم الشعوب الإيرانية التي يساق معظمها إلى ساحة الحروب والصراعات دون هدف إلا «تصدير الثورة»، كما يراها النظام الإيراني القائم حفاظاً على نظام الملالي.
أما موضوع «تحرير فلسطين» فهو بمثابة «احتقار عقول الآخرين السليمة»، وبيع السلعة للسذج فقط، فليس من الوارد أن يقوم النظام الإيراني بأي خطوة «تزعج إسرائيل» على الأرض، وها هي قضية القدس تتفجر على السطح السياسي بقوة، والقوى العسكرية الإيرانية لا تبعد كثيراً عن الحدود، سواء في سوريا أو في لبنان، إلا بضعة كيلومترات، ولن تحرك ساكناً. وتستطيع السلطات الإيرانية أن تثير كثيراً من الغبار الكلامي، ولكن لا غبار لآليات عسكرية تجاه حدود فلسطين! تلك الآيديولوجيا ثلاثية المنطلقات، هي في الواقع شكل جديد من أشكال رغبة التوسع (الفارسي القديم والإيراني الحديث) في المنطقة الجغرافية المجاورة، وهي دول الخليج. لقد قيض الله في التاريخ القديم – كما سمعنا وقرأنا في وثائق المؤتمر – من الرجال من وقف سداً منيعاً أمام محاولات فارس في الغابر من الأيام التوسع على حساب الجيران العرب، ولن يكون الخليج اليوم أقل عزماً أو قدرة على مقاومة هذا الطموح الإمبراطوري التوسعي الذي يلبس أثواباً جديدة، وعلى طهران أن تتدبر مرة أخرى دروس التاريخ! آخر الكلام: يطرح قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس فتح سوق المزايدة، ولم تتردد دول الخليج في الوقوف مع القضية تاريخياً واليوم وفي كل المفاصل. هل تتذكرون وقف ضخ النفط الذي قاده الملك فيصل رحمه الله؟