علي الأمين: حين تفقد القمصان السود هيبتها ويصير السلاح عبئا على صاحبه//العرب: عون يتحدى الإرادة العربية بدفاعه المستميت عن حزب الله

217

حين تفقد القمصان السود هيبتها ويصير السلاح عبئا على صاحبه
علي الأمين/العرب/21 تشرين الثاني/17

فائض القوة الذي تعاظم لحزب الله داخليا لم يعد يقرر الوجهة السياسية في البلد، فحزب الله القابض على مفاصل السلطة، يدرك اليوم أن هذه القوة ليست من يحسم الخيار داخل لبنان.

حين قدّم الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من الرياض، انتشر فيديو مصور لأحد المنشدين القريبين من حزب الله، وهو يقوم بكيّ قميص أسود، في إشارة إلى أنّ القمصان السود عائدة إلى المشهد اللبناني لتقلب الموازين لصالح حزب الله، في إشارة إلى ما حصل في العالم قبل سنوات عندما قام حزب الله بتسريب خبر عن انتشار أصحاب القمصان السود في أحد شوارع بيروت، وكانت هذه الخطوة كفيلة بحسم موقف النائب وليد جنبلاط لعدم تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.

القمصان السود كان تعبيرا رمزيا يحرص حزب الله عبر أنصاره على التلويح به، حين يجد أن ثمة من يعترض من القوى السياسية الوازنة على قرار من قراراته الداخلية، وهو كان يلبي حاجته لبث الخوف لدى بعض الفئات من اللبنانيين، وكان الوجه السحري أو القناع الذي يتخفى خلفه التهديد باستعمال السلاح.

أهمية هذه الواقعة المتمثلة بالتلويح بالقمصان السود اليوم، تكمن في أن فائض القوة كان سبيل حزب الله لفعل ما يريد في ترتيب المعادلة السياسية في الداخل اللبناني، إسقاط الحكومات وتشكيلها، إلغاء نتائج الانتخابات أو تجويفها من مضمونها السياسي، فرض سلاحه على الجميع ولا سيما مؤسسات الدولة، وكان يتحقق له هذا الأمر منذ أن قام بعملية 7 مايو 2008 والتي كانت درسا أراد حزب الله أن يلقنه لجميع اللبنانيين من خلال انتشاره العلني بالسلاح واقتحامه بيروت وصيدا وغيرهما عسكريا، للقول إنكم أمام خيار إما القبول بما أمليه عليكم أو أرغمكم بالقوة على ذلك. وفعلا تحققت له منذ ذلك التاريخ السيطرة والنفوذ ليس على الأرض عسكريا وأمنيا، بل أمسك بمعظم أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية بطرق منظورة وأخرى غير منظورة.

لقد تغيرت قواعد اللعبة اليوم. فائض القوة الذي تعاظم لحزب الله داخليا لم يعد يقرر الوجهة السياسية في البلد، فحزب الله القابض على مفاصل السلطة، والحاكم بأمره في امتداد الجغرافيا اللبنانية، والمتفوق عسكريا وأمنيا على كل القوى السياسية والرسمية في لبنان، يدرك اليوم أن هذه القوة ليست من يحسم الخيار داخل لبنان، كما كان الحال خلال العقد الأخير من الزمن. لم تعد القمصان السود مفيدة ولا سطوة السلاح تقدم شيئا بل باتت أضرارها عليه أكثر من سواه، فحزب الله لن يتجرأ على القيام بذلك، لإدراكه أن مشكلته اليوم لن يحلها التهويل الداخلي، لأن التحدي اليوم خارجي ويتربص بأيّ خطوة قد يقوم بها في الداخل ليمارس عليه ضغط العقوبات الاقتصادية والمالية وغيرها من أوراق الضغط التي يملكها هذا الخارج العربي والدولي.

بيان وزراء الخارجية العرب الذي صدر الأحد من القاهرة وضع الإطار الذي من خلاله سيتم التعامل مع لبنان عربيا في المرحلة المقبلة. البيان اعتبر حزب الله منظمة إرهابية، وشدد على رفض الممارسات الإيرانية في المنطقة العربية، وتفادى اتخاذ أي إجراء ضد لبنان، ولكنه أبقى السيف مسلطا عليه من خلال الاستعداد لحمل الملف إلى مجلس الأمن. عملية تضييق الخناق مرشحة إلى المزيد فيما لو أصر حزب الله على سلوكه وفي استخدام لبنان منصة لعمليات خارجية في أكثر من دولة عربية.

لا شكّ أنّ الصاروخ الباليستي الذي تمّ إطلاقه من اليمن باتجاه الرياض وتمّ إسقاطه، كان الخطأ الإيراني الاستراتيجي الذي أتاح للدول العربية ولا سيما السعودية أن تطلق عملية مواجهة سياسية عربية ودولية ضد إيران وحزب الله المتهمين بإطلاقه، ذلك أنّ إيران من خلال إطلاق هذا الصاروخ استنفرت الأميركيين والأوروبيين الذين اعتبروا هذه الخطوة تجاوزا للخطوط الحمر، ما رفع من وتيرة الحديث عن فرض عقوبات على إيران على خلفية تصنيعها للصواريخ الباليستية، فيما الدول العربية ولا سيما في الخليج، وجدت في إطلاق الصاروخ على الرياض تهديدا للأمن الوطني والخليجي من قبل إيران، وهذا ما أتاح للرياض أن ترفع من سقف المواجهة مع النفوذ الإيراني وحزب الله من دون أن يواجهها أي معوق دولي.

يبقى أنّ السؤال الفعلي والمطروح في لبنان هو كيف سيتعامل حزب الله مع هذه التطورات الجديدة وكيف سيتعامل مع شروط المواجهة الجديدة.

القمصان السود كان تعبيرا رمزيا يحرص حزب الله عبر أنصاره على التلويح به، حين يجد أن ثمة من يعترض من القوى السياسية الوازنة على قرار من قراراته الداخلية
شروط لن تغير في عناصرها ووجهتها الموازين الداخلية. حزب الله مطالب بأن يتبنى فعليا النأي بالنفس بالانسحاب من الإقليم العربي، وبالبدء في البحث في مستقبل سلاحه. كرة الثلج ستكبر وفائض القوة بات قيدا بعدما كان ميزة يستقوي من خلالها على أقرانه اللبنانيين، الجميع لبنانيا أو معظمهم سلّم بقوته واستسلم له ولكنهم يعتمدون التقية. يدرك حزب الله هذه الحقيقة كما يدرك أنه غير قادر على تغيير المعادلة من الداخل اللبناني، ذلك أن إجماعا عربيا ودوليا بدأ بالتبلور هو رفض ومواجهة أي ميليشيا أو حزب إقليمي، ولا مجال لأن ينجو من اصطدام مع أكثر من طرف إقليمي أو دولي إلا بالعودة إلى لبنان.

حزب الله الذي استخدمته إيران في طول المنطقة العربية وعرضها، أمام عدة خيارات هي:

◄ أولا إما محاولة الالتفاف على الضغوط وتشديد الخناق، عبر إعلان شكلي بالتزامه النأي بالنفس وتقديم مصلحة لبنان على المصالح الإيرانية، من دون أن يلتزم فعليا بهذا النهج، وهذا بالتأكيد خيار سيكون عبارة عن عملية شراء وقت من دون أي أفق موضوعي في ظل المواقف العربية الأخيرة والمراقبة الدولية الشديدة عليه ولا سيما في واشنطن وباريس، فضلا عن الأمم المتحدة.

◄ ثانيا القبول الفعلي بالانسحاب من الإقليم، وبالتالي محاولة مقايضة انسحابه بتأمين شرعية لبنانية لسلاحه ودائما بذريعة مواجهة العدو الصهيوني وتحرير مزارع شبعا، وهذا خيار ربما سيخفف عنه جزءا من الضغوط الدولية لكن سيفرض عليه في المقابل ضغطا لبنانيا داخليا يتمثل في أنّ لبنان سيكون عرضة للمطالبة بتنفيذ القرارين 1559 و1701 الدوليين واللذين يتضمنان نزع السلاح من القوى غير الرسمية.

◄ ثالثا الذهاب نحو المواجهة ورفض كل القرارات العربية والدولية، وهذه خطوة انتحارية له وللبنان، وهي ستكون أشبه بالصاروخ الإيراني الذي انطلق نحو الرياض، أي خطأ استراتيجي سوف يؤلب العالم عليه وليس المحيط العربي فحسب. لذا فالأرجح أنه لن يغامر بنظام المصالح الضخم الذي أمسك به في لبنان، من داخل الدولة وفي مؤسساتها وفي البلديات، فإغراء السلطة ومنافعها وفرا لحزب الله النفوذ والشعبية، وليست الأيديولوجيا الدينية أو المذهبية إلا عنصرا محدودا في تكون شعبيته، وبالتالي فإن نظام المصالح هذا كفيل بأن يجعله منحازا لعدم المغامرة به، علما أن مغامرته في سوريا ما كانت لتتم لو لم يكن مدركا أنّ الدول الكبرى وإسرائيل غير معنية بتدخله، بل ربما شجعته على التدخل والمغامرة في سوريا.

الخيارات الثلاثة هي ما سيقرر تشكيل حكومة جديدة أو بقاء أزمة الحكم في لبنان، علما أنّ قواعد جديدة فرضتها الجامعة العربية بقرارها الأخير، فإدراج حزب الله كمنظمة إرهابية في الجامعة العربية، هو بداية نهاية لنموذج مثله حزب الله في منطقة باتت عاجزة عن تحمل نموذج عسكري عابر للحدود ومهدد لمصالح الدول وأمنها الوطني، خصوصا أنّ شعار قتال إسرائيل وتحرير فلسطين انكشف على واقع أن فلسطين لم تكن إلا ذريعة، فيما المعركة الحقيقية كانت في مكان آخر في اليمن والعراق وسوريا والخليج، بينما ظلت إسرائيل جنة الأمان رغم وجود مئات الآلاف من الصواريخ الباليستية وغير الباليستية الإيرانية في لبنان وسوريا، يقال إنّها موجهة ضد إسرائيل ولكن واقع الحال يقول غير ذلك، هذا ما يقوله الميدان السوري والعراقي وهذا ما قاله الصاروخ الذي كاد يسقط في الرياض.

 

 

العرب/عون يتحدى الإرادة العربية بدفاعه المستميت عن حزب الله
العرب/21 تشرين الثاني/17
يصر الرئيس اللبناني ميشال عون على التغاضي عن تورط حزب الله في أزمات المنطقة، متمسكا بتوفير غطاء سياسي له، وهذا يعني حسب المراقبين إبقاء لبنان في دائرة الخطر.
عون يغرد خارج الإجماع العربي
بيروت – أبدى الرئيس اللبناني ميشال عون الاثنين دفاعا مستميتا على حزب الله معتبرا وجوده ضروريا لمقاومة إسرائيل، وذلك بعد أن وصف بيان لجامعة الدول العربية الحزب بالإرهابي.
موقف عون من حزب الله ليس بالمستغرب فهناك تحالف يربط بينهما منذ العام 2006، وكان للحزب دور في وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا، بعد نحو سنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي. وأظهرت أزمة استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري عمق هذا التحالف حينما عمد رئيس الجمهورية وصهره وزير الخارجية وشؤون المغتربين جبران باسيل على تحريف الأنظار عن الأسباب الحقيقية التي دفعت الحريري إلى هذا القرار الصعب وتسويق المسألة محليا ودوليا على أن الاستقالة تمّت تحت “ضغط سعودي”. ونقل مكتب عون عنه قوله على “تويتر”، عقب اجتماعه بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في بيروت، بأن “لبنان ليس مسؤولاً عن الصراعات العربية أو الإقليمية التي تشهدها دول عربية، وهو لم يعتدِ على أحد ولا يجوز بالتالي أن يدفع ثمن هذه الصراعات من استقراره الأمني والسياسي”. وفي تبريره لسلاح حزب الله قال عون “الاستهداف الإسرائيلي لا يزال مستمرا ومن حق اللبنانيين أن يقاوموه ويحبطوا مخططاته بكل الوسائل المتاحة”. وشدد الرئيس اللبناني على أن “بلاده لا يمكن أن تقبل الإيحاء بأنّ الحكومة اللبنانية شريكة في أعمال إرهابية”، في تلميح إلى توصيف حزب الله الموجود في الحكومة بالإرهابي.
ويرى مراقبون أن تصريحات عون لا تصب في صالح لبنان ولا في إنهاء أزمته الحالية التي نشأت على إثر استقالة الحريري لا بل إنها تطيل أمدها لجهة أن بداية الحل يقتضي المصارحة والبحث عن الأسباب الفعلية للأزمة وهو تورط حزب الله في مشاريع إيران التدميرية في المنطقة.
أزمة استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري أظهرت عمق التحالف بين حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون
ويقول المراقبون إن تبرير عون لحزب الله وسلاحه هو محاولة لذر الرماد على العيون، وتوفير غطاء سياسي محلي له للاستمرار في تدخلاته الإقليمية التي تشكل عبئا ثقيلا يصعب أن يحتمله بلد صغير مثل لبنان. وتأتي هذه التصريحات غداة اجتماع طارئ عقده وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد بطلب سعودي، على خلفية إطلاق المتمردين الحوثيين في اليمن قبل أكثر من أسبوعين صاروخاً باليستياً إيراني الصنع باتجاه الأراضي السعودية. وحمّلت الجامعة العربية في ختام الاجتماع حزب الله “الشريك في الحكومة اللبنانية مسؤولية دعم الجماعات الإرهابية في الدول العربية بالأسلحة المتطورة والصواريخ الباليستية”.
وطالبت الحزب المدعوم من إيران “بالتوقف عن نشر التطرف والطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم تقديم أي دعم للإرهاب والإرهابيين في محيطه الإقليمي”.
وتحفظ لبنان الذي شارك في الاجتماع عبر مندوبه الدائم لدى الجامعة السفير أنطوان عزام، بغياب وزير الخارجية جبران باسيل، على الشق المتعلق “بدور حزب الله” في البيان الختامي.
وعقب لقائه عون أكد أبوالغيط في بيروت أن أحدا لم يتهم الحكومة اللبنانية بالإرهاب. وأضاف “شرحت للرئيس عون الظروف التي أحاطت باجتماع الأحد، ولا أحد يمكن أو يرغب بإلحاق الضرر بلبنان”. وأضاف أن أحد أطراف الحكومة متهم بذلك وهذه طريقة غير مباشرة لمطالبة الدولة اللبنانية بالحديث إلى هذا الطرف وإقناعه بالإحجام عن هذه الأعمال على الأراضي العربية مشيرا إلى أن الجميع يقر بخصوصية الوضع اللبناني. ويسجل حزب الله حضوره في أكثر من ساحة عربية حيث أنه يعتبر أحد الأطراف الرئيسية في الحرب الدائرة في سوريا، كما أن له مستشارين اليوم يقدمون الدعم لميليشيا الحوثيين التي تقاتل قوات الشرعية في اليمن وأخيرا وليس آخرا سعيه إلى هز استقرار أكثر من دولة خليجية، الكويت والبحرين ابرز الأمثلة على ذلك.
وشدد أبوالغيط على أن الهدف من الاجتماع الطارئ للجامعة ليس زعزعة الاستقرار في لبنان أو التصويب على الحكومة اللبنانية، بل “إحاطة الأمم المتحدة ومجلس الأمن أساساً بالتدخلات الإيرانية” في المنطقة. والتقى أبوالغيط في وقت لاحق رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، كما شارك في مؤتمر نظمته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا).
ويرى مراقبون أن زيارة أبوالغيط كان الهدف الأساسي منها على ما يبدو طمأنة الجانب الرسمي اللبناني بأن هناك إجماعا عربيا على النأي بلبنان عن لهيب الإقليم، ولكن في الآن ذاته التأكيد على أن هذه المسألة لا يمكن ضمانها دون الضغط على حزب الله للخروج من بؤر التوتر في المنطقة وكفّ يده عن الدول العربية. ويقول المراقبون يبدو إنه من خلال مسار الأحداث وردود فعل عون ليس هناك إرادة رسمية لبنانية للضغط بهذا الاتجاه وبالتالي يبقى لبنان في “دائرة الخطر”.