د.منى فياض: عن زيارة البطريرك التاريخية للسعودية

117

عن زيارة البطريرك التاريخية للسعودية
د.منى فياض/20 تشرين الثاني/17

عندما كتبت أن زيارة البطريرك الماروني تلبية لدعوة غير مسبوقة للمجيء الى مهد الاسلام، ستدخل التاريخ كرمز لنهاية الصراع الديني وانطلاق التعايش السلمي بين المسيحية والاسلام، خصوصاً عند وضع الكنيسة التي عمرها 900 عاماً بعهدة البطريرك لترميمها.
استنكر البعض هذا الاستنتاج، فالصراع الاسلامي – المسيحي ناهيك عن الاسلامي – الاسلامي بالنسبة لهم، ثابتان لا يتغيران. ما يجعل الصراعات أبدية في تجاهل تام لحركية التاريخ وتغير الذهنيات البطيء.
ولمن يجهل دروس التاريخ؛ سأشير الى مثلين: من صدّق عام 1917 ان مجرد وعد من بلفور لليهود بإعطائهم دولة في فلسطين سيتحقق ويصبح واقعاً؟؟
أيضاً إيران المعروفة الآن بتشددها المذهبي والديني بحيث اشترطت في دستورها ان يكون رئيس الجمهورية شيعي المذهب، سيظنون انها شيعية منذ أن اعتنقت الاسلام لاقتناعها بحق علي بالخلافة منذ البداية.
لكن التاريخ يقول غير ذلك؛ ظل الفرس يحملون راية التسنن في الإسلام حتى ظهر الصفويون منذ 400 عام ومارسوا شتى الوسائل لإكراه الفرس على دخول مذهب التشيع. ولجأوا الى الاضطهاد والقتل والتعذيب في هذا السبيل.
ومن الافتراضات لشرح تشيع الصفويين انهم كانوا قديما اتراكا من البدو الشيعة الذين اضطهدتهم الامبراطورية العثمانية؛ فحاولوا ان يوجدوا سلطة موازية للسنة المسيطرين على العالم الاسلامي في تلك المرحلة. ولم يصبح التماثل بين الشيعية والايرانية واقعا الا مع السلالة القاجارية في أواخر القرن الثامن عشر.
حوّل الصفويون التشيع مذهبا قوميا في ايران، اصطبغ من جراء ذلك بصبغة الغرور القومي وامسى عقيدة سلطانية خامدة – لا تختلف- عن اي عقيدة اخرى من عقائد السلاطين. خدّروا مذهب التشيّع وروّضوه وجعلوه مذهباً رسمياً لا يختلف عن غيره من المذاهب الدينية الاخرى.
و النزاع الطائفي بين الشيعة والسنة لم يتخذ شكلاً صارخاً إلا أثناء التنافس بين العثمانيين والصفويين على العراق. وها انه يستعيد زخمه من العراق نفسه.
لنأخذ عبرة من التاريخ
ايران هذه التي أجبرت على التشيع من اجل مقارعة العثمانيين السنة؛ لا تزال تستخدم الشيعة العرب لمحاربة أعدائها السنة العرب؛ فيما تتعامل براغماتيا مع السني الذي تتناسب سياسته مع سياساتها او ليستفيد منها.
الاستنتاج ان السياسات التي تُتخذ من قبل السلطات العليا تؤثر في العقائد وتؤدي مع الوقت الى تغيرات جذرية على مستوى الشعوب تظهر تدريجياً وببطء.
شبعت شعوبنا من الصراعات ومن الارهاب الملتصق بها.
ومن اعلان الازهر الذي نادى بالدولة المدنية والمواطنة التي تساوي بين المنتمين الى تلك الدولة؛ وصولاً الى زيارة البطريرك مهد الاسلام هناك ما ينبئ بتحولات كبيرة قادمة ..