الدكتورة رندا ماروني/الرئيس المخطوف

576

الرئيس المخطوف
الدكتورة رندا ماروني/18 تشرين الثاني/17

يأتي عيد الاستقلال هذا العام ليذكرنا بصفات رجال إستقلال لبنانيين ناضلوا من أجل الحرية، وليظهر لنا مشهد حالي معاكس عنوانه الإرتهان والخضوع لمشيئة المحتل، فالرئيس الأول مخطوف ومسجون سياسيا في محور الممانعة، والرئيس الثاني محتجز اليوم في إطار تطبيق قواعد جديدة للعبة السياسية لا يستطيع القفز فوقها، تغاضى وتماهى عنها لفترة، ضغوط أتت نتيجة لانحراف السياسة العامة اللبنانية عن الحياد أو النأي بالنفس المعلن قولا وغير المطبق فعلا، وأتت لتعلن إنطلاق حقبة لبنانية جديدة عنوانها المواجهة لتعيد خلط الأوراق بعد إعلان النصر وليرتد صداها بقوة هذه المرة مستهدفا الحريات العامة في محاولة لكم الأفواه والرأي المخالف.

وبالرغم من أن هذا الأسلوب في قمع الحريات كان قد مورس في محاولات متتالية مؤخرا، إلا إنه هذه المرة أتى مبرزا عن أنيابه بحدة ليذكرنا بالقضاء العضومي في حقبة الإحتلال السوري، حيث عمد هذا الإحتلال على الإمساك بكل مفاصل الحياة السياسية في لبنان بوسائل عديدة أتى من مندرجات هذه الوسائل التدخل السافر والمستمر والعالي الوتيرة في عمل القضاء وإستخدامه كوسيلة للمعاقبة حينا والتخويف حينا آخر، للسياسيين المناهضين وأصحاب الرأي المخالف، فتمت ملاحقة صحافيين، وأقفلت صحف ومحطات تلفزيزنية، وإستنسبت الملاحقات وفتحت الملفات، فثمة من يفتح ملف الرئيس الأسبق أمين الجميل ثم يعود لطيه، وثمة من يفتح ملف العماد ميشال عون حين يرى ذلك مناسبا، ثم يعود لطيه، فأسلوب التخويف كان الأسلوب الأبرز لنظام الإحتلال السوري المعتمد بإستمرار ظنا منهم أنه وسيلة ناجحة للسيطرة النهائية الأمر الذي أثبت فشله كقاعدة نظرية يعتمد عليها لتغيير الثقافة العامة ولاخضاع المجتمعات والدليل الأبرز على ذلك هو الشعب السوري نفسه الذي خضع لشتى أنواع التلقين والتدجين والتخويف والتهديد وعندما لاح له في الأفق أمل ضئيل للتحرر حمل سيفه معلنا النضال في وجه السلطة.

لم يقل أحمد الأيوبي سوى رأيه، ولم يرتكب ما يستحق عليه السجن، وبالرغم من ذلك فهو موقوف في نظارة وزارة العدل منذ مساء الخميس، ولم يفعل الإعلامي مارسيل غانم سوى واجبه كإعلامي بإلقاء الضوء على حقيقة الأزمة التي نتخبط فيها دون مواربة أو تجميل، فما هو المقصود اليوم من المباشرة الشرسة في سياسة كم الأفواه؟

ما نسب للأيوبي من تهم لا يصب إلا في إطار إستخدام النفوذ السياسي من قبل من لم يعجبه ما قرأ، فالتهمتين الموجهتين تتناول إحداهما مسألة تحقير الرئيس على خلفية جملة كتبها على صفحته على الفايسبوك جاء فيها: ” لم يكسب الرئيس عون من عرض العضلات الدبلوماسية سوى سواد الوجه” والجدير ذكره أن هذه التهمة لم توجه للأيوبي من صاحب العلاقة أي الرئيس ما يبطل مفعولها، أما التهمة الثانية فهي تحقير دولة شقيقة وهي المملكة العربية السعودية وهو أمر مثير للسخرية حيث تمتلئ أفواه السياسيين والمحللين الممانعين بعبرات الشتم كل يوم عبر المنابر المسموعة والمقروءة، مع العلم أن الأيوبي هو من الصحافيين المؤيدين لسياسة المملكة العربية السعودية وما ورد في مقاله المعنون ” من قصد السبهان في تغريدته عن “الذي باع اللبنانيين ويحرض علينا” ” لم يكن سوى مجرد تحليل خاص مضيفا إليها معلومات منسوبة إلى مصادر لا تستحق مثل ردة الفعل هذه، خاصة أنها تأتي في السياق الطبيعي لإحتدام الصراع والوضع المتأزم وانقسام السلطة من أعلى الهرم.

أما مقدمة مرسيل غانم التي توجه فيها للرأي العام كانت كافية لإلقاء الضوء على إعتماد سياسة الشتاء والصيف تحت سقف واحد، طارحا عدة تساؤلات:
لماذا لم تتحرك الدولة عندما حاورت جريدة لبنانية مطلوبا من الدولة اللبنانية؟
لماذا لم يتحرك وزير العدل في ملف المنطقة الحرة الذي كان الوزير نفسه بطله وكازينو لبنان؟
والملف الأكبر، أحداث عرسال، أين التحقيقات في الإبراء المستحيل؟
لماذا لم يتم الإدعاء على من شكك في مواقف الرئيس عندما عارضوا موقفه حول إحتجاز سعد الحريري؟

إن البعض يحن إلى الزمن السوري أو لم يخرج منه بعد، وإعتماد الإستنسابية في فتح الملفات وتحريك القضاء يظهر الصورة الواقعية لدولة اللاعدل ودولة اللاقانون، ويخلع ورقة التوت عن النظام الفوقي الذي يظن نفسه منتصرا، في حين إن الآوان فات على مثل هذا الظن ليتحول مع إستقالة الرئيس الحريري إلى مواجهة وصراع سياسي حيث لا أحد فيه يستطيع أن يملي إستنسابيته ليجعلها حقا أو أمرا واقعا، لقد عجز الإحتلال السوري عن ذلك فهل من عبرة لهواة نفس الأسلوب؟

في ذكرى الاستقلال نترحم على رجالات الاستقلال وشتان ما بين الأمس واليوم بين رجال وأشباه الرجال، بين أحرار حققوا نصرا وخانعين إغتالوا وطنا، لكننا في عصر ممنوع فيه التذمر ولنخفف من مأساتنا نقول: الرئيس مخطوف…
رئيس مخطوف
حريات مستهدفة
ترتفع السقوف
وتسقط زاحفة
مطأطأة الرؤوس
دموع ذارفة
قاسمة الصفوف
رهاناتها خاسرة
حيادها مقصوف
سياساتها زائفة
تصطنع الوقوف
والقانون حاذفة
سروب رفوف
تغادر خائفة
عتمة الكهوف
وازمنة آنفة
تجول تطوف
بأرواح عازفة
تخط الحروف
لعودة والفة
وترسم الظروف
لحلم كاشفة
إستقلال موصوف
مرتفع التكلفة
لتعيش الشغوف
وتستيقظ عارفة
قساوة الظروف
والرواية السالفة
لترتفع السقوف
وتسقط زاحفة
فالرئيس مخطوف
والحريات مستهدفة