علي الأمين: سنكون حيث يجب ان نكون» لزيادة الشروخ وتعميق الجروح //الدولة والدويلة كمشروع إيراني للعرب: لبنان نموذجا وغزة اختبارا

86

سنكون حيث يجب ان نكون» لزيادة الشروخ وتعميق الجروح
علي الأمين/جنوبية/25 تشرين الأول/17

من لا يهتم بشؤون بيته لن يهتم ببيوت الآخرين، يجد حزب الله ان من واجبه ان يكون في اصقاع الأرض لمقاتلة الارهاب والاستكبار وغيرها من الاوصاف التي تناسلت طيلة السنوات الماضية من التكفيريين والوهابيين والمسلحين والعثمانيين والى اخر المصطلحات قتال لن يتوقف مادام يبحث عن الحرب والقتال باسم الدين حينا وباسم المذهب احيانا وباسم القدس دوما وباسم ايران على طول الطريق في المقابل لا يتورع عن ان يعمل المعول في بنيان لبنان الدولة ومؤسساتها وهيبتها.
“سنكون حيث يجب ان نكون”، شروخ تُشق في جسد الدول العربية، وجروح تُعمِّق الانقسام وتزيد من هذه الشروخ في بنية الاجتماع العربي، تساهم في بناء المتاريس بين مكونات الدول، ولا تفتح اي باب على اعادة الوحدة، فشرط النفوذ ادامة الإنقسامات في البيئة المستهدفة طالما أن مقومات المشاريع المتقاتلة في الاقليم وعلى رأسها المشروع الذي تقوده ايران، يقوم عصبه من اليمن الى العراق الى لبنان وسوريا على عصب مذهبي او أقلوي، والاستثمار في الخوف من أجل فرض وقائع استراتيجية تقوم على مفهوم الغلبة بالمعنى الفئوي، او التسوية على حساب الهوية الوطنية والدولة الوطنية.
انه سير عكس التاريخ، ولن يستقيم بل هو مسار سيودي الى مزيد من التدمير والى حروب اهلية سواء كانت هذه الحروب بالنار او في النفوس.
عصب الأقلوية لا ينتج سلاما، لأنه بطبيعته لا يشتد الا في مواجهة الاكثرية، فيما يرتخي -هذا العصب- أمام كل نفوذ او سيطرة خارجية، وهنا لا بد من التمييز بين الاديان او الطوائف او بين المذاهب من جهة وبين العقلية الاقلوية، ذلك أن التنوع والغنى الطائفي والاثني في المجتمعات العربية يفترض في اي مشروع نهضوي أن ينطلق من ثابتة اساسية تقوم على الانتماء للمجتمع او الشعب او الامة، وقد اسس لها الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين في قوله ” في منطقتنا العربية الإسلامية ـ لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد مسيحية. توجد أكثريتان كبيرتان: إحداهما أكثرية كبيرة هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية الأكبر، وهي الأكثرية المسلمة التي تضم عرباً وغير عرب. والشيعة طالما كانوا مندمجين ضمن هاتين الأكثريتين، وكل شيء دون ذلك فهو مشروع فتنة، وفخ يُنصب لاستخدام الشيعة في مصالح غربية أجنبية مخالفة لمصالحهم الخاصة، ومخالفة لمصالحهم كعلاب ومسلمين…” وهو ما ينطبق على كل الاقليات.
لذا فالفكر الاقلوي الذي ينقلب على هذه المعادلة عبر الايغال في الذهاب نحو خصوصية لا يمكن أن يستقيم مع الاندماج في الرؤية الحضارية، وبالتالي لا يمكن أت يصب في اغناء مشروع النهوض العربي والاسلامي، وبالدرجة الاولى من الباب الوطني.
الأقلوية هنا في تعبيراتها الميدانية والمجتمعية في حاضرنا العربي اليوم، لا تحمل في مضمونها ما يتجاوز طبيعتها وخصوصيتها، لابل تبدو ذاهبة نحو مزيد من ترسيخ الخصوصية وأدلجتها عبر الولاء الديني السياسي الخاص والمقدس والمنفصل عن احدى الاكثريتين، وعبر الاستتباع الكامل لخصوصية دينية سياسية وليس للأمة في دوائرها الوطنية والعربية او اسلامية، هذا الاستتباع الشامل هو الذي يرسخ موضوعيا شروخا عصبية ومذهبية مع المكونات الأخرى، تلك التي لن تجد ذاتها الموضوعية في مشروع ينتقص من وجودها، سواء كانت هذه الاقلية مذهبية او دينية او اثنية، او ما الى ذلك من هويات. اذ لا يمكن لأي مشروع نهوض عربي ان يميز بينها او يخل باحترام وجودها.
قد يذهب البعض من الغارقين في اقلويتهم الى ادعاء انه يقاتل مشاريع نفوذ دولي واستعماري في منطقتنا، فضلا عن المشروع الصهيوني، نجيب من دون الاكثار في الشرح والتفصيل، ان رفع هذا الشعار لا يعني ان الواقع كذلك، ذلك أن ما يجري على ارض الواقع هو ان المظلة الحاكمة هي خارجية سواء كانت روسية او اميركية، وان المشاريع الاقليمية الفاعلة سواء كانت ايرانية او تركية، تقوم على سياسة تقاسم النفوذ تحت هذه المظلة، فوحدة المنطقة العربية ونهوضها، ليست في الواقع سياسة ايرانية ولا تركية قصارى ما يسعيان له تعزيز الدور الاقليمي لتركيا او ايران وعلى حساب المصالح العربية،لا باتناقض مع الحسابات الاميركية ولا الروسية ولا حتى الاسرائيلية. فمهما كانت اهداف المشروعين اي الايراني والتركي نبيلة، فان الموضوعية تقتضي ملاحظة انهما مشروعان عاجزان عن تكوين اجماع عربي حولهما، بل كانا ولا يزالان وسيلتان من وسائل تعميق الشروخ المذهبية والطائفية في الدول العربية ومتعارضان مع اي مشروع نهوض عربي هو بالضرورة سيحد من دورهما في الفضاء العربي في الحد الأدنى.
لذا يذهب حزب الله مستجيبا لنداء الانقسام والحرب الاهلية في المجتمع العربي الى حيث يجب ان يكون من دون ان يتخفف من رفع رايات الانتصار، لكن في نظام المصالح الوطني، هذه “الانتصارات” تتحقق على ركام الدول العربية ومجتمعاتها وتحت المظلة الاميركية والروسية.
ومن دون ان نخل باخلاصه وتفانيه في سبيل المرجع السياسي والديني المقدس في ايران، ففي هذا البلد الصغير الذي اسمه لبنان، يعيّرنا حزب الله بأنه حمانا من التكفيريين والارهاب، علما أن ايران عدو التكفيريين كما تروج، لم تكن يوما هدفا لا لتنظيم داعش ولا لتنظيم القاعدة، لقد رأينا شراسة الارهاب على معظم دول العالم في اوروبا وفي اميركا وفي روسيا وفي معظم الدول العربية، ولكن هذا الارهاب او التكفير، كان عاجزا عن ان ينفذ عملا ارهابيا واحدا في ارض عدوه ايران،اليس هذا مدعاة تساؤل واستغراب؟
حزب الله يريد ان يكون حيث يجب ان يكون وهو في لبنان حيث يجب ان يكون، موجود في معترك الفساد وافساد الدولة والدستور وفي فرضه لامنطق الدويلة على الدولة، هي معارك يخوضها الحزب ويعجز البسطاء امثالنا معرفة موقعه منها وفي اي محور يقف، مع الناهبين او مع المنهوبين من شعبه؟

 

الدولة والدويلة كمشروع إيراني للعرب: لبنان نموذجا وغزة اختبارا
علي الأمين/العرب/25 تشرين الأول/17

يقترح حزب الله على اللبنانيين أن يتدبروا أمورهم بعد تسليمهم مرغمين أو طائعين، بأنّه المقرر في شؤونهم الإستراتيجية، سواء في علاقات لبنان الخارجية، أو بالتسليم بأنّهم ضمن المحور الإيراني، وباستعدادهم لتقبل تقاطر رؤسائهم ووزرائهم إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة، فضلا عن تسليمهم بحق حزب الله أن يقرر وحده الحرب أو السلم مع إسرائيل، وقبل ذلك وبعده، يجب أن يسلموا أو يستسلموا لواقع أنّ الدولة اللبنانية هي صيغة نظام مشروطة ببقاء الدويلة التي تحيا على حساب الدولة، فيجب أن يسلم اللبنانيون أنّه خارج أيّ مساءلة أو محاسبة، فلا سلطة تعلو على سلطاته، لا سياسيا ولا قضائيا ولا عسكريا ولا أمنيا.
حزب الله يبتدع صيغة جديدة لا تستقيم في أي دولة ولا في أي نموذج للحكم. صيغة حكم يقوم جوهرها على عدم تحمل المسؤولية تجاه الدولة، وللتخفيف من أعبائها تجاه الشعب، أو تجاه الالتزامات الخارجية سواء كـانت اقتصادية أو سياسية، له الغنم، وعلى بقية اللبنانيين الغرم.
لهذا كان حزب الله بخلاف ما يعتقده بعض اللبنانيين أو غيرهم، غير راغب في تعديل صيغة النظام اللبناني بما يوفر له أو لطائفته حصصا إضافية في نظام المحاصصة الطائفية، وهو ليس من الغباء ليذهب نحو استلام السلطة بالشكل والمضمون، هو يريد السلطة لكن لا يريد تحمل المسؤولية، لذا كان وفيا لمدرسة الوصاية السورية التي عاشها لبنان بين العامين 1990 و2005 أي السيطرة على قرار السلطة من دون أن يخل شكلا بوجود مؤسسات ورؤساء ومسؤولين يتقدمون الواجهة، لكنهم بالفعل يلتزمون بمتطلبات سلطة الوصاية، والتي من أدوارها توزيع الحصص وإدارة الخلاف حول المكاسب والمناصب بين قوى السلطة الشكلية في لبنان.
يستخدم حزب الله القوة العسكرية والأمنية وسطوة السلاح، لفرض وصايته على لبنان، وربما قد يقبل اللبنانيون منه أن يحكم هو نفسه لبنان بمعنى أن تكون له كل مواقع السلطة، لكنه لن يقبل بذلك لأنه يرفض أن يتحمل أعباء الحكم بل هو يريد منافعه ولا يريد أن يتعرض لأي مساءلة دستورية أو قانونية أي أنه لا يريد تحمل مسؤولية حكم الدولة.
فمثلا هو يريد أن يقاتل في أي مكان في العالم، ويريد أن يستثمر موقعه في لبنان من أجل ذلك ودائما، من دون أن يكون مسؤولا عن تبعات خطواته، يتجاوز الدستور ونظام العلاقات بين الدول، ويفعل ما يشاء على هذا الصعيد، وهو يدرك أن الجميع سواء في لبنان أو في الخارج الإقليمي والدولي سيقدر أن الحكومة اللبنانية عاجزة عن لجمه أو محاسبته، فيما هذه الحكومة نفسها توفر الغطاء الفعلي له من خلال إظهار عجزها عن ذلك في الحد الأدنى.
ينطلق حزب الله من إستراتيجية إبقاء الدولة معلقة في لبنان، أي من ثابت يقوم على أن مشروع الدولة القوية هو خطر وجودي عليه، حتى لو كـان هو من يحكمها، وهو بالتالي يكشف المنهج الذي تسعى إيران إلى تعميمه في مناطق نفوذها، سواء في اليمن بين الدولة وأنصار الله، أو في العراق بين الحكومة والحشد الشعبي، وحتى في قطاع غزة الذي شهدنا فيه ملامح هذه الثنائية.
هذه الثنائيات التي تجمع بين منطق الدولة ولا منطق الدويلة، هو المشروع الذي تعدُ القيادة الإيرانية به شعوب المنطقة، وهو مشروع أقل ما يقال فيه أنه يوفر نفوذا إيرانيا بكلفة سياسية ومالية وعسكرية إيرانية مقبولة، ويجعل في الوقت نفسه الدول أمام استنزاف مستمر اقتصاديا واجتمـاعيا، فضـلا عن أنه عبـارة عـن مشروع قنابل عنقودية تتفجر عند أي خطوة نحو توحيد الشعب وتثبيت سيادة الدولة بكل ما يعنيه مفهوم السيادة للدولة من التزام بالعقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة.
حزب الله يقترح على اللبنانيين هذه الصيغة بالقوة، ويدرك اللبنانيون عموما أن هذه الصيغة والتي وَرثت الوصاية السورية، باتت أكثر خطرا على لبنان، فهي في الحد الأدنى تساهم في المزيد من تصدع المؤسسات الدستورية والقانونية، وتجعل لبنان في مهب الصراعات الإقليمية والدولية، وهي صيغة تنطوي على أكثر من الفساد في إدارة شؤون الإدارة العامة ومؤسسات الدولة، إلى الإفساد الذي تقوم عليه معادلة الوصاية الجديدة، وجوهر الإفساد يقوم على معادلة مفادها أنّ رموز السلطة في لبنان يتحاصصون مع حزب الله وبإشرافه تمارس عملية نهب المال العام، في مقابل سكوتهم على كل انتهاكاته للسيادة ولعملية تخريب علاقات لبنان الخارجية.
في كل المواقف التي تصدر عن سياسيين أو متخصصين في المجـال المالي والاقتصادي، تسود فكرة مفادها أن لبنان يتجه نحو المزيد من الأزمات على هذا الصعيد، بسبب غياب السياسات المسؤولة من قبل السلطة، وهذه النتيجة تعود في أول أسباب تشكلها إلى غياب المرجعية التي تستطيع أن تقول للبنانيين أنا المسؤول عن إدارة شؤون الدولة، لا بل يستخدم محترفو استثمار السلطة لمصالحهم الحزبية أو الفئوية من المسؤولين، وبلا خجل، مقولة أنهم غير قادرين بسبب المعادلة التي يفرضها حزب الله وطبيعة وجوده، فيما هم أنفسهم لا يتوقفون عن ممارسة مواهبهم في الاستجابة السريعة لما يقترحه عليهم هذا الحزب نفسه في الدخول في لعبة المحاصصة والفساد.
جانب آخر لا بد من الإشارة إليه، يتصل بإغراء آخر وخطير يوفره الانخراط في عملية استنفار العصبيات المذهبية والطائفية، ذلك أنّ السلطة التي تستبيح الدستور والقانون كما المال العام، باتت تحترف في لبنان مواجهة غضب المواطنين من عملية إفقارهم وإهانتهم، بدفعهم للغرق في أفخاخ هذه العصبيات، ليفجروا غضبهم من السلطة في اتجاه يعزز من نفوذها، أي عبر نقل المواجهة من شعب ضد سلطة ظالمة، إلى صراع عصبيات في ما بينها غايته أن يغطي كل الخطايا التي ترتكبها السلطة بمختلف فرقائها.
إيران توغل في عملية إعادة تفكيك الدول العربية، وهو تفكيك يتلاءم ويوفر كل شروط السيطرة الخارجية على المنطقة، وهي إذ تدغدغ الأحلام المذهبية والطائفية والإثنية، فإنها تقترح على الدول الطامعة بالمنطقة العربية سواء كانت غربية أو شرقية أو حتى على إسرائيل، أنّها الشريك الملائم والموضوعي في عملية تقاسم النفوذ طوائف ومذاهب وإثنيات، فيما الدولة الوطنية والنظام الإقليمي العربي هما الهدف، والدفاع عنهما هو صلب أي مشروع مواجهة.
*نقلا عن “العرب”