الدكتورة رندا ماروني: حوار الحضارات، ولغة التواصل شتائم وتهديدات

312

حوار الحضارات، ولغة التواصل شتائم وتهديدات
الدكتورة رندا ماروني/08 تشرين الأول/17

من يرى ويسمع هذا الكم الهائل من الشتائم المتبادلة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تارة ومن خلال الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة تارة أخرى وعلى صفحات الجرائد اليومية الورقية والإلكترونية، كما على ألسنة سياسيين ومسؤولين منقسمي الوجهة والأهداف، يقف حائرا عاجز الفهم عما طرحه رئيس الجمهورية من جعل لبنان مركزا لحوار الحضارات في ظل النظام القائم حاليا، هذا العنوان الذي أطلقه من على منبر الأمم المتحدة ليردده لاحقا في مناسبات عدة.

في هذا الوقت بالذات حيث نشهد حربا باردة مهددة بالانفجار عاكسة لحروب المنطقة الساخنة، وكأن لبنان يرسو على ضفاف جزيرة نائية هادئة، ويعيش عصره الذهبي أو بالأحرى عهده الذهبي الخالي من الهموم والمشاكل في جو من الوئام الداخلي الخاضع لهيبة الدولة ولمنطق إحترام الدستور، فهل النظام القائم حاليا مؤهل في ظل هذه المعطيات للعب الدور الريادي كإنموذج حضاري في الحوار؟

حرب حتى النصر معلنة، بأذرع عسكرية وسياسية وإقتصادية وأيديولوجية وإعلامية ونفسية تهديدية شتائمية، حرب كاملة المعطيات لا نفع من إنكارها والقفز فوقها لرسم صورة لواقع وهمي لا يمت إلى الحقيقة بصلة.

في العام 1993 أثار هانتغتون جدلا كبيرا في أوساط منظري السياسة الدولية بعد كتابته لمقال بعنوان صراع الحضارات في مجلة foreign affairs التي أتت ردا مباشرا على أطروحة تلميذه فرانسيس فوكوياما في نهاية التاريخ التي قرأت في نتائج نهاية الحرب الباردة حيث ستكون الديمقراطية الليبرالية الشكل الغالب على الأنظمة حول العالم، وأتى رد هانتغتون واصفا أطروحة فوكوياما بالنظرة القاصرة مبينا أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية وإختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الإختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر.
وشرح في كتاب لاحق موسع تحت عنوان صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي جادل فيه بأنه وخلال الحرب الباردة كان النزاع أيديولوجيا بين الرأسمالية والشيوعية ولكن النزاع القادم سيتخذ شكلا مختلفا ويكون بين حضارات محتملة ذكر منها، الحضارة الغربية، الحضارة اللاتينية، الحضارة اليابانية، الحضارة الصينية، الحضارة الهندية، الحضارة الإسلامية أي كل الدول ذات الأغلبية المسلمة، الحضارة الأرثوذكسية، الحضارة الأفريقية، والحضارة البوذية.

وبالرغم من صحة قراءة فوكوياما، إنما المرحلية، حول انتصار الديمقراطية الليبرالية بقيمها عن الحرية والفردية والمساواة والسيادة الشعبية ومبادئ الليبرالية الإقتصادية، حيث أن صحة هذه المقولة لم يكن بتوقع لأحداث قادمة، بل أتت لاحقة لمعطيات وحقائق كان أبرزها إنهيار الإتحاد السوفياتي ومعه منظومة الإقتصاد الموجه، إلا إنه أخطأ في حسمه بوصف هذه المعطيات ستشكل في المدى البعيد، نهاية للتاريخ أي نهاية للصراعات.

كما أنه وبالرغم من صحة نقد هانتغتون لمقولة نهاية التاريخ حيث توقع عودة الإختلافات، إلا أن ما ذكره حول طبيعة الصراع بعد الحرب الباردة بأنه لن يكون بين الدول القومية وصراعاتها السياسية والاقتصادية لم يكن موفقا، كما أن ما ذكره حول إحتمالات صدامية بين حضارات حددها بتسعة كان مبالغا فيه.
فالإختلافات السياسية والاقتصادية بين الدول القومية ما زالت هي الاسباب المحركة للصراعات، ولا مانع من أن تستخدم الإختلافات الحضارية والثقافية كوقود وداعم للأهداف المبتغاة، هذا فيما خص الدول القومية المحركة للسياسات العالمية، القومية بمعنى الدولة الحديثة état nation وليس قومية كعبارة متداولة في عالمنا ذات معان ومقاصد مختلفة، نتيجة سوء فهم للمعنى الأصلي للكلمة وما يلصق بها من وصف ديني أو مذهبي، كقومية إسلامية أو قومية سنية أو شيعية…

بالرغم من أن الصراع الأيديولوجي( الرأسمالية- الشيوعية) بين الدول القومية إنتهى، إلا أن الإختلافات السياسية والإقتصادية ما زالت المحرك الرئيسي للصراع، فيما صراعات المنطقة تحرك دينيا وعقائديا ومذهبيا، وتطرفا لتنقل صورة لواقع مذر لا حوار فيه، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، هذه المعركة التي تهدف نصرا نهائيا يطيح بما يخالف تطلعاتها ويخالف نهجها، ولتخلق حالات إنفصالية مشرذمة للكيانات، فكيف في ظل هذه المعطيات اللاحضارية التي تحيط بنا ونشهد أحداثها يوما بعد يوم ونرى تطورها وإنعكاساتها في واقع النظام اللبناني المهدد بوجوده واستمراره ككيان مستقل نتيجة لحالات إنفصالية عابرة للحدود وليست ظرفية كما يصفها البعض مرتبطة بمعطيات إقليمية كما بالصراع مع العدو، إنما مرتبطة بمعطيات إجتماعية مذهبية بدأت تحت رآية حركة المحرومين وتطورت أعتدة وسلاح ودولة ضمن الدولة، لا بل مقوضة للدولة، حيث يسود منطق الغالب والمغلوب على أمره في دولة مجردة من كل مقومات الإستمرار والبقاء على قيد الحياة، فكيف ستتحول هذه الدولة العاجزة عن معالجة شؤونها مركزا للحوار فيما يسود فيها منطق حوار الطرشان.

إن للحوار الحضاري شروطا لا نملك معطياته، فهو حالة من التشاور والتفاعل بما تحمله جميع الأطراف من أفكار مخالفة، وهو حالة من الإعتراف المتبادل بالحق في الوجود والحفاظ على المقومات، وهذا سابق للعقد الاجتماعي بين أبناء القومية الواحدة أو الدولة الواحدة، كما يمكن له أن يكون بين قوميات مختلفة، إنما ما يدور في عالمنا اليوم هو مخالف لهذا المنطق، فالصراعات الدينية العقائدية والمذهبية داخل الدولة الواحدة، في ظل إنحلال تام للنظام السياسي ودون أفق في بروز عقد إجتماعي جديد، ما يشكل لها إنهزاما سياسيا ويجعلها عاجزة عن لعب أي دور ريادي، حيث لا زالت تمكث في طور ما وراء العقد الإجتماعي أو في طور تجميده حتى إشعار آخر أو حتى إعلان النصر المنتظر، فيطول الإنتظار وتضيع لغة التواصل وتتحول شتائم وتهديدات.
حوار حضارات
ولغة التواصل
شتائم وتهديدات
دخل القمقم
خرج وبات
فائق القوة
حازم العبارات
منتفخ الصدر
متعالي الذات
أبجدية جديدة
ترسم سياسات
مصوبة سهامها
تطلق طلقات
واللهجة آمرة
بكل ثبات
نواجهها بحق
تقول مات
طريقها جديد
عازم الخطوات
قافلتها تسير
قاطعة مسافات
تطير تحلق
تغزو غزوات
تستكين لبرهة
تلملم الشتات
نحاورها بعقل
تجيب مناورات
حوار سباب
ولغة التواصل
شتائم وتهديدات.