أحمد عياش: شيعة خارج الثنائيّ بدأوا مساراً انتخابياً وصوت قويّ آت من البقاع/إيلي القصّيفي: شخصيات مستقلة في مؤتمر نداء الدولة والمواطنة: التغيير فـي التمثيل الشيعي ضرورة وطنية

116

شيعة خارج الثنائيّ بدأوا مساراً انتخابياً وصوت قويّ آت من البقاع
أحمد عياش/النهار/05 تشرين الأول/17

للمرة الثانية، ولكن بعد فترة طويلة من الغياب، عاد صوت شيعي من المستقلين خارج الاصطفاف مع ثنائي “حزب الله” وحركة “أمل”، فالتقى عشرات من نخبهم في بيروت مطلقين نداءً حمل عنوان “آن لدولة مدنيّة أن تبنى والانتخابات النيابية بداية قيامها”. وساد اللقاء الذي التأم في فندق مونرو نقاش بشأن كيفية تعميم هذا النداء على المستويين الشيعي والوطني معاً.
وكان لافتاً أنّ اللقاء الجديد تميّز بحضور شخصيات من البقاع، فكانت العمامة الوحيدة فيه للشيخ عباس الجوهري إلى جانب نشطاء برزوا في ساحات العمل السياسي والمدني، يتقدمهم غالب ياغي الذي نال عشرات الآلاف من الأصوات في الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة بعلبك. وخلال ترؤسه اللقاء دعا إلى “خلق جبهة وطنية معارضة لا ارتباط لها بأيّ جهة غير لبنان وشعبه. “وبعدما تلا البيان الدكتور حارث سليمان، وجّه السفير السابق خليل الخليل باسمه نداءً مقتضباً من محتوى البيان الموسّع، دعا فيه إلى “تغيير السلطة التي لا تؤمن بتداول السلطة”.
ثم طرح الحضور جملة ملاحظات، منها ما طرحه الإعلامي محمد بركات لجهة الأخذ بالاعتبار مخاطبة البيئة اليسارية داخل الطائفة الشيعية، وهو ما عبّر عنه الناشط جمال شحادة فيما دعا الصحافي غسان الزين إلى تفادي إنشاء “حوزة” جديدة تضاف إلى الحوزات الدينية القائمة. وحثّ علي الديراني على مواصلة العمل، فيما نصح ميّاد حيدر بـ “تصغير حجر” الأهداف. وطالب الصحافي علي الأمين بالالتفات إلى مضمون النداء لا إلى شكله، فيما ردّ الشيخ الجوهري على ملاحظة أحد المشاركين قائلاً: “إنّ العمائم تتحكم في الناس منذ ثلاثين عاماً وآن الأوان للعودة إلى الحق والمنطق والقانون”. ومن المداخلات اللافتة أيضاً تلك التي أدلت بها الدكتورة منى فياض،
التي لفتت إلى “اليد الثقيلة لإيران على لبنان”. وميّزت بين واقع جنوب لبنان الذي يجري التحكم به لأسباب اقتصادية وبين واقع البقاع الشيعي الذي يمتلك قدرة على الحركة لأسباب قبلية وعشائرية، داعية إلى طرح لائحة من 128 نائباً لخوض الانتخابات المقبلة. وقال الكاتب يوسف مرتضى إنّ هناك فرصة للاستفادة من قانون الانتخابات الجديد القائم على النسبية. وجاءت دعوة من “بيروت مدينتي” حملها المهندس هشام عيسى، للنضال على المستوى اللبناني من أجل إيصال عشرة نواب إلى البرلمان الجديد. وفي ما يأتي نصّ النداء الذي صدر عن المجتمعين:
نداء من شخصيّات لبنانية مستقلة إلى اللبنانيين:
“آن لدولة لبنانية مدنية أن تبنى، والانتخابات النيابية بداية قيامها.”
نحن لبنانيون وطنيون وديموقراطيون من مشاربَ مختلفةٍ، التقينا وتناقشنا فوجدنا أنّ ما يجمعُنا همٌّ واحدٌ هو بناءُ دولةٍ مدنيّةٍ قويّةٍ وقادرة، دولةٍ سيّدةٍ على أرضها وحدودها، تؤمّنُ تداولَ السلطةِ الدوري وفقَ النصوصِ الدستورية، دولةٍ تبسطُ سلطتَها بواسطةِ جيشِها وقواها الأمنيّة دون سواها، دولةٍ تقومُ على فصلِ السلطات وتعاونِها ومحاربةِ الفساد وصرفِ النفوذ، دولةٍ تحتكمُ لأصولِ المحاسبةِ العموميّةِ والشفافيةِ الماليةِ وتمنعُ استغلالَ السلطةِ من أجل الإثراء غير المشروع. دولةُ رعايةٍ لمواطنين أحرارٍ لا دولةُ محاصصةٍ لرعايا مستعبَدين، دولةُ عدلٍ وقانونٍ لا دولةُ ظلمٍ واستبداد.
نحن لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً، ننتمي إلى ثقافةٍ ترفضُ الظلمَ والانصياعَ لمستبدّ، وترفضُ الفتنةَ وهدرَ الدماء من أجل سلطةٍ ظالمةٍ مهما علا شأنُها، ولا تُسلِّمُ بشرعيّةٍ غيرَ شرعيّةِ الدولةِ ولا بسلطةٍ غيرَ سلطةِ القانون.
نحن لبنانيون مواطنون أحرار نعلنُ أنّ سلطةَ المحاصَصَةِ الطائفيّةِ قد تجاوزتْ كلَّ الحدودِ بعدما أطاحتْ الدستورَ والقوانين وقوَّضتِ الإدارةَ وأنظمَتَها وجيَّرتْها للأزلام والمحاسيب، وعطَّلتِ الحياةَ البرلمانيةَ والمؤسساتِ الدستوريةَ والاستحقاقاتِ الديموقراطيةَ، وسخَّرتِ الوطنَ لأجنداتٍ إقليميةٍ خارجيةٍ واستباحتِ الأملاكَ والمرافقَ العامّةَ والبلدية، وباشرتْ استرهانَ الثروةِ النفطية وأغرقتِ البلادَ والعبادَ في دينٍ متفاقمٍ سيسترهن المواطنين لأجيالٍ مديدة.
من مراجعة تجربة العقد ونيّف المنصرمة، نرى أنها حفِلتْ بمحاولاتٍ عديدةٍ عقيمةٍ قامتْ بها أطرافٌ وقوى مختلفةٌ لعقدِ تسوياتٍ بين منطقِ الدولةِ لا منطقِ الدويلة، وقد سعتْ هذه القوى جاهدةً لفكّ ارتباطِ أزمةِ الإقليمِ بالواقع اللبناني. فلا النأيُ بالنفسِ ولا تحييدُ لبنانَ عن النزاعِ الإقليميِّ ولا التزامُ قراراتِ الشرعيّةِ الدوليّةِ أثمرتْ. فقد استمر الإصرار والإمعان في أخذ طائفة بمجملها إلى “صحراء تيه سياسيّ وثقافيّ في خدمة أجندات إقليمية”، وفي الاشتراك في حرب دائرة على قاعدة انقسام مذهبي سيحرق بلهيبه مستقبلنا. أيها اللبنانيون
مسؤوليتكم ومسؤوليتنا اليوم مضاعفة، فمنذ ربع قرن تستمر سلطة أحزاب بعينها، وتزيد من نفوذها يوماً بعد يوم، ويتدهور مستوى معيشتكم كل يوم، وكلما زادت الأحزاب القابضة على أنفاس الطوائف مكاسبها تدنى مستوى دخلكم، وجودة تعليم أبنائكم، وفاعلية تغطيتكم الصحّية واستشفائكم، وسدّت فرص العمل أمام شبابكم… المشهد اليوم هو نظامُ حكم في لبنان معطّلٌ، والدولة على مسارِ الفشلِ، والاقتصادُ الوطنيُ إلى إفلاس. إنّ المسؤولية في ما آلتْ إليه الأمورُ تَشَاركَ فيها جميع القوى، حكماً ومعارضةً، وإن بتفاوت.
إقرأ أيضاً: حارث سليمان يتلو بيان النداء: التغيير في الساحة الشيعية هو أساس ومفصلي للتغيير في لبنان
من هنا نرى لزاماً علينا التوجهَ إلى أهلِنا أبناءِ الطائفةِ الشيعيةِ في لبنان خصوصاً، وإخوتِنا اللبنانيين عموماً، لنؤكِّدَ أن مسؤوليتَكم ومسؤوليتَنا اليومَ هي التأكيدُ أنّ التغييرَ في الساحةِ الشيعيةِ هو أساس مفصلي للتغيير في كل لبنان، عبر وضع حدّ لاحتكار التمثيل الشيعي في السلطة من قبل ثنائية حزبية، وتوسيعه لصالح فضاء مدني أرحب. قد يكون مفيداً ومساعداً تجديد النخب السياسية على مستوى الوطن كله، لكن استمرار التمثيل الشيعي على حاله يجعل من كل تقدّم في الساحات الأخرى، جزئياً، قليل الجدوى، ويمكن الالتفاف عليه ومحاصرته. فالانسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في التمثيل الشيعي في البرلمان والسلطة، وتلك مسؤولية وطنية وضرورة لبنانية تقع على عاتقنا وعاتقكم، وأنّ اختيارَنا الحرَّ لممثلينا في الانتخاباتِ النيابيةِ القادمةِ هو بدايةُ لإصلاح منشود يوقف الانزلاق نحو الهاوية.
أيها اللبنانيون يقعُ على عاتقِنا وعاتِقِكم واجبُ تنكّبِ مشروعِ الإصلاح والشروعِ في مسيرةِ بناءِ الدولةِ الوطنيةِ المرتجاة. فمعركتُنا هي معركةُ لبنانَ كلِّ لبنان. هي معركةُ مستقبلِنا ومستقبلِ أولادِنا وهي تتطلبُ الشجاعةَ والتضحيةَ والعزمَ على خوضِها برغمِ الصِعاب. فلنتكاتفْ جميعاً لإنجازها متحرِّرين من الخوفِ ومتمسّكينَ بالحقِ وحدَه يحرّرُنا ويحمينا ويحمي وطننا لبنان. عشتم عاش لبنان”.

شخصيات مستقلة في مؤتمر «نداء الدولة والمواطنة»: التغيير فــي التمثيل الشيعي «ضرورة وطنية»
إيلي القصّيفي/المستقبل/05 تشرين الأول/17
منذ افتتاحه وحتى اختتامه طرح مؤتمر «نداء الدولة والمواطنة» الذي عقد في فندق مونرو في بيروت أمس، لإطلاق «نداء من شخصيات لبنانية مستقلة إلى اللبنانيين» سؤالين أساسيين. السؤال الأول حول ما الأصلح: العمل انطلاقاً من دينامية «طائفية» أو دينامية «وطنية» في مبادرات سياسية لها وجهة معارضة؟. والسؤال الثاني عن كيفية تأمين استمرارية هذه المبادرة لكي «لا تنتهي بانتهاء الانتخابات».
هذان السؤالان شكّلا محور النقاش في «لقاء مونرو» أمس. وهذا ليس بمستغرب طالما أنّ نصّ النداء نفسه يحفّز عليهما. فنصّ النداء الذي وزّع على الحاضرين في بداية المؤتمر – بعنوان: «آن لدولة لبنانية مدنية أن تبنى، والانتخابات النيابية بداية قيامها» – يخاطب ديناميتين: دينامية مدنية وطنية، ودينامية طائفية وبالتحديد شيعية بـ «المعنى الديموغرافي والسياسي للكلمة».
ولعلّ رئيس بلدية بعلبك الأسبق المحامي غالب ياغي الذي افتتح اللقاء، حدّد في كلمته المقتضبة هوية النداء، بقوله: «نحن مجموعة من اللبنانيين الديموقراطيين ننتمي إلى الطائفة الشيعية وهمّنا الأول الدولة القادرة والعادلة».
أضاف: «الساحة الشيعية إحدى ساحات نشاطنا لكننا لسنا في صدد تنظيم حزب شيعي، بل نسعى لخلق مناخ مريح لجميع اللبنانيين ليتمكنوا من الوصول إلى حقوقهم». واستبق سؤال الاستمرارية بالقول إنّ «اللقاء لن يكون عابراً بل نرغب أن يكون مستمراً، وأن يكون بداية لخلق جبهة معارضة لتصحيح الإنحراف في السياسة اللبنانية».
وتطرّق إلى ما سمّاها «سياسة المحاصصة» التي اعتبر أنّها عطّلت الدستور وستؤدي إلى تفتيت لبنان وزواله، «ومن هنا ضرورة وضع خارطة طريق لتغيير المعادلة القائمة».
والواقع أن ياغي مهّد بكلمته للنداء، إذ أطلع الحاضرين ممّن ليسوا على علم بمحتواه على مضامينه الرئيسة، لجهة المنطلق الشيعي للنداء وإنما بأفق وطني، أو وفق تعبير ياغي نفسه: «لقاء شيعي هدفه وطني بإقامة معارضة لبنانية شاملة». كذلك لجهة المناداة بالدولة العادلة القادرة التي تبسط سلطتها على كامل أراضيها، وثمّ معارضة «سياسة المحاصصة».
توطئة ياغي للنداء لم تفصح بطبيعة الحال عن مضامينه كلّها. فالنداء الذي تلاه عضو «اللجنة التحضيرية» الدكتور حارس سليمان، بدا أنه واعٍ منذ بدايته لإشكالية منطلقه الشيعي وهدفه الوطني. لذلك لم يظهر النداء، «الذي استغرق وضعه كثيراً من النقاش»، مربَكاً أو متناقضاً، إنمّا هو أشبه بمحاججة وبنقاش مفتوحين، و«ليس نهائياً»، كما يشير عضو «اللجنة التحضيرية» السيّد علي الأمين لـ «المستقبل»، «بل سيأخذ بكل النقاش الذي دار في اللقاء».
فصحيح أن أصحاب النداء يعرّفون عن أنفسهم أولّاً بأنهم «لبنانيون وطنيون وديموقراطيون من مشارب مختلفة»، ثمّ في المقطع الثاني يعرّفون عن أنفسهم بأنهم «لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً»، إلا أنّ سياق النداء و«فلسفته» واعيان لما قد يُعدّ تناقضاً بين التعريفين هذين.
ففي المقطع ما قبل الأخير من النداء يمكن الركون إلى فذلكة النداء أو فلسفته، لا سيّما لجهة «التأكيد على أنّ التغيير في الساحة الشيعية هو أساس مفصلي للتغيير في كل لبنان». ويضيف النداء في الفقرة نفسها إنّ «الإنسداد الوطني لا يمكن إزالته إلا بتغيير حقيقي في التمثيل الشيعي في البرلمان والسلطة وتلك مسؤولية وطنية وضرورة وطنية تقع على عاتقنا (أي الشيعة) وعاتقكم (أي اللبنانيين)». بمعنى آخر، معركة النداء «الشيعية» هدفها وطني وليس شيعياً حصراً. وإلا لما وصف النداء إحداث التغيير في التمثيل الشيعي بـ «الضرورة الوطنية»، ولما أشرك أصحاب النداء اللبنانيين عموماً في غايتهم هذه.
إلّا أنّ فذلكة النداء هذه لم تمنع إستمرار النقاش حول ما الأجدى: الإنطلاق شيعياً أو وطنياً؟ بل استمر هذا النقاش حتى نهاية اللقاء، بين من يطالب بهوية «مدنية» أو «علمانية» أو «وطنية» للنداء، ومن يرى ضرورة لحراك شيعي في ظلّ الظروف المحلية والإقليمية الراهنة. علماً أنّ المداخلات بمعظمها كانت مؤيدة للطرح الأساسي للنداء.
أمّا بالنسبة إلى سؤال الإستمرارية الذي يواجهه اللقاء كما سواه من المبادرات السياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية، فيشير عضو «اللجنة التحضيرية» السيّد مصطفى فحص إلى أنّ «اللقاء اليوم (امس) هو لقاء تأسيسي ستنبثق منه لجنة متابعة ستعدّ في المرحلة الأولى للقاء في إحدى المناطق اللبنانية»، لافتاً رداً على سؤال لـ «المستقبل» إلى أنّ «اللقاء سيلتقي مع من يشبهه على الساحة الوطنية». علماً أنّ سليمان كان قد أشار عقب تلاوته للنداء بأنّ اللقاء أمس كان ثمرة جهد استمرّ لثمانية أشهر وشاركت فيه «أربع مجموعات من البقاع واثنتان من بيروت وضاحيتها الجنوبية وثماني مجموعات من الجنوب».
وبالعودة إلى نصّ النداء فهو كان دعا إلى «بناء دولة مدنية قوية وقادرة، دولة سيّدة على أرضها وحدودها، تؤمّن تداول السلطة الدوري وفق النصوص الدستورية، دولة تقوم على فصل السلطات وتعاونها ومحاربة الفساد وصرف النفوذ».
أضاف: «نحن لبنانيون أولاً وشيعة ثانياً ننتمي الى ثقافة ترفض الظلم والانصياع لمستبد، وترفض الفتنة وهدر الدماء من أجل سلطة ظالمة مهما علا شأنها ولا تُسلّم بشرعية غير شرعية الدولة ولا بسلطة غير سلطة القانون».
وأعلن أن «سلطة المحاصصة الطائفية قد تجاوزت كل الحدود بعدما أطاحت بالدستور والقوانين وقوّضت الادارة وأنظمتها وجيّرتها للأزلام والمحاسيب».
وإذ لفت النداء إلى «فشل كل محاولات عقد تسويات بين منطق الدولة ولا منطق الدويلة»، أشارت إلى «استمرار الإصرار في أخذ طائفة بمجملها الى (صحراء تيه سياسي وثقافي في خدمة أجندات اقليمية)، وفي الاشتراك في حرب دائرة على قاعدة انقسام مذهبي سيحرق بلهيبه مستقبلنا».