ديانا مقلد: حزب الله.. سيرة الحجاب والموت

141

حزب الله.. سيرة الحجاب والموت
ديانا مقلد/موقع راديو سوريالي/02 تشرين الأول/17

حين عدت إلى لبنان في نهاية الثمانينات، كانت الحرب في سنواتها الأخيرة وكنا كلّما اشتدت معارك بيروت ومحيطها نهرب إلى بلدتنا في الجنوب. ورحلة الذهاب الى بلدتي “تبنين” لا يفترض أن تستغرق أكثر من ساعة ونصف لكنها كانت تستنزف منّا أربع أو خمس ساعات بسبب الازدحام ورداءة الطرقات، والأهم بسبب الحواجز الأمنية التي كانت تنقلنا من منطقة نفوذ ميليشيا إلى أخرى. فمن حركة أمل في محيط منزلنا في زقاق البلاط إلى حواجز الحزب الاشتراكي في كركول الدروز ثم الجيش السوري على مداخل بيروت في خلدة وصولاً إلى حواجز التنظيم الشعبي الناصري على مداخل مدينة صيدا وعودة مرة أخرى إلى حواجز حركة أمل وهكذا. لم يكن حزب الله ينصب حواجز حينها لكنه كان حاضراً بقوة الشعارات وبقوته العسكرية التي شرعت تثبت نفسها رويداً رويداً.

كانت الطريق طويلة والطرقات مليئة ومزدحمة، ولم يكن لدي هاتف ذكي ولا إنترنت لقتل الوقت فكانت تسليتي الوحيدة متابعة السيارات العابرة قربي، استرق بعض النظر لما تيسر من شاطئ البحر، وأتخيل نفسي في مكان آخر قبل أن تحجب المباني العشوائية المياه الزرقاء لأعاود الانشغال بالشعارات العديدة التي كانت تملأ الطريق خصوصاً بعد أن نتجاوز مدينة صيدا. عبّدت الطرق بصور لا تحصى لشباب ماتوا خلال عمليات عسكرية وعبارات “إسرائيل شرٌ مطلق” و”الموت لأميركا” حتى بتّ لكثرة الشعارات أميز المناطق بها وليس باسمها الأصلي.

ومن بين تلك الشعارات كان دائما يستوقفني شعار “أختي حجابك أغلى من دمي”..
هذا الشعار كان يخاطبني كما يخاطب كل النساء والفتيات كلما مررت قربه فأحدق فيه بصفته رسالة من “المقاوم” الذي يموت وهو يقاتل المحتل الإسرائيلي. هل هناك ما هو أغلى من الموت في سبيل الأرض والقضية والحرية! نعم، هناك “حجابي”.

كان يفترض بي أن أشعر بالخجل من نفسي أنا غير المحجبة من ذاك المقاوم الذي يغادر نحو المعركة ضد المحتل وهو يوصيني بالحجاب.
مرّ نحو ثلاثين عاماً على تلك المرحلة، والآن وبعد أن أجريت هذه الاستعادة التاريخية البصرية لنكبس زر “تسريع الصورة” لنتجاوز الزمن ونصل إلى يومنا هذا وكيف بات المشهد. الشعارات تملأ الطرقات ولا زلت حين أذهب إلى قريتي أعبر رحلة بصرية من الصور المثقلة بالمعاني الدينية والسياسية. وفي هذه الأيام هناك الكثير من العبارات التي صيغت ونشرت على امتداد مساحات هائلة لمناسبة ذكرى عاشوراء. وطقوس إحياء المناسبة تزيد زخماً عاماً بعد عام بحيث لا تقتصر على مشهدية نثر الأعلام السوداء والعبارات التحفيزية في الأحياء والطرقات بل باتت في صلب الخطب والعظات التي تبث يومياً عبر مكبرات الصوت وعبر الشاشات.

هذه السنة تراجعت السياسة لصالح العلاقات الاجتماعية، وبدت خطب رجال الدين نموذجاً لما سيكون عليه نهج حزب الله في المرحلة المقبلة. في خطبة له سخر نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم من المطلقات واعتبرهن غير صالحات لتربية الأولاد في المدارس. صحيح أن رأيه هذا أثار ردود فعل سلبية شاجبة ما دفعه لتعديل كلامه لكن في الحقيقة فإن موقف نعيم قاسم من النساء ينسج مع عقيدة الحزب. وقبل قاسم دعا رجل دين معروف في حزب الله وهو سامي خضرا النساء لاستبدال صورهن على فايسبوك بصورة شجرة حفاظاً على الأخلاق.

بسهولة يمكن ملاحظة كيف يكثر رجال الدين المحسوبون على بيئة حزب الله من الحديث عن قضايا اجتماعية فينتقدون الاختلاط في أماكن السهر وبرامج الكوميديا والمثليين وغيرها. وقبل أسابيع قليلة ظهر زعيم الحزب حسن نصرالله في خطاب هاجم فيه الرافضين تزويج الصغيرات واعتبرهم يحرضون على الانحراف وهاجم المثليين بعنف.

وهنا لا شيء جديداً في هذه الأفكار الرجعية التي يطلقها حزب ديني مذهبي مقيد بصيغة ولاية الفقيه، إلا أن ما يبعث على الشفقة هو حال المصابين بالذهول من هذا الكلام وكأنهم فوجئوا، بل هناك يساريّون وممانعون دافعوا عن تلك التصريحات.

ليس حزب الله وحده من يجاهر بمواقف وآراء تحقيرية للمرأة، فمن الشائع في بلادنا أن نستمع لفتوى من هنا ورأي من هناك حول نكاح الزوجة الميتة وإرضاع الكبير أو كما خرج علينا داعية سعودي هو سعد الحجري بقوله إن النساء بربع عقل لذلك لا تجوز لهن قيادة السيارة. وتبقى المفارقة أن حزب الله حين يطلق آراءاً رجعية ينبري من يهاجم شيوخ النكاح والإرضاع ويوصمهم بالداعشية ليعود ويبحث عن تبريرات لما يرتكبه ويقوله حزب الله
فالطبيعة «المقاومة» للحزب عندما تصبح سلطة ترتد سريعاً إلى الكتاب الأول لهذه السلطة وهما الدين والعقيدة.

كل هذا لا ينفي أن استهوال مواقف قادة حزب الله ينطوي أيضاً على حقيقة نجاح «الحزب نفسه في رسم صورة مغايرة له وتسويقها. والأرجح أن وراء الذهول والغضب الذين يخلفهما موقف من هذا النوع كل مرة هو شعار «قتال إسرائيل». يغفل هؤلاء عن قصد وعن خبث أن حزب الله قاتل اسرائيل بصفته حزباً دينياً (المقاومة الإسلامية)، ويقاتل في سورية اليوم بصفته هذه (حماية المراقد الدينية). أما في السياسة اللبنانية فهو يخوض الانتخابات مستعيناً بتكليف شرعي. وعلى امتداد انخراطه في الحياة السياسية لم يرشح حزب الله يوماً سيدة على لوائحه لأن ذلك بحسب قيادات فيه “مرهق” للمرأة وقيادة الحزب ارتأت ألّا ترهق النساء بالسياسة. هذا التبرير لم يستدع استهجاناً من المعجبين بالحزب “المقاوم”.

نعم حزب الله حزب رجعي يطمح لبعث عصور منصرمة خصوصا لجهة موقع المرأة ودورها وهو في هذا يتصرف كأي حزب ديني آخر. كل الصور التي يحاول ممانعون ويساريون إسباغها على الحزب بصفته “تقدمياً” مقارنة مع أصوليات صاعدة في المنطقة سريعاً ما سينقلب عليهم قبل غيرهم، فالطبيعة «المقاومة» للحزب عندما تصبح سلطة ترتد سريعاً إلى الكتاب الأول لهذه السلطة وهما الدين والعقيدة.

وهنا كم يبدو مضحكاً تبرير جماعات لبنانية مسيحية أو شيوعية لما يقوله حزب الله بصفته “زلة لسان” أو أنه أمر ثانوي أمام القضايا الكبرى وهي قتال اسرائيل والمتطرفين. فقتال حزب الله في سورية إلى جانب نظام مجرم هناك اقتضى ضم شرائح من خارج الحزب لدعم معركته، لكن من يتوهم أنه شريك الحزب في مهماته سيكون الضحية الأولى له بعد انقضاء المهمة وها هي بواكير هذا الانقلاب بدأت تلوح.
http://souriali.net/?p=27026