الدكتورة منى فياض: العنف المعنوي اشد ضررا

67

العنف المعنوي اشد ضررا

الدكتورة منى فياض/صوت لبنان الكتائبية/24 أيلول/17

نعلم جميعا ان للعنف اشكالا وانماطا متعددة، وربما من السائد الاعتقاد ان اسوأ انواع العنف هو الجسدي لأنه الأكثر شيوعاً وأذىً؛ لكنه يسهل كشفه لصعوبة اخفاء نتائجه المباشرة وبالتالي مواجهته. بينما العكس مع العنف المعنوي، ويعرف بالتحرش harassment moral او التنكيل بمعنى الاضطهاد. وهو نوع من العنف اليومي الخفي، المنحرف وشديد الضرر بالصحة الذهنية.

حياتنا تقوم على تبادل العلاقات مع الآخرين، بعضها قد يكون محفزاً لنا على إعطاء افضل ما عندنا لكن بعضها الآخر قد يؤدي الى تدميرنا. فقد ينجح البعض في تدمير شخص ما بواسطة الاضطهاد او التنكيل. وربما انتهى الأمر أحياناً إلى اغتيال نفسي حقيقي.

هذا النوع من الاضطهاد قد يوجد في علاقات الكوبل والعائلة أو العمل؛ كما يمكن أن يطال الحياة الاجتماعية والسياسية.

وهو قد يُمارس من قبل أي منا في أي لحظة. لكنه لا يصبح تدميرياً إلا بسبب وتيرة استخدامه وتكراره المزمنين. فهو سمة بنيوية عند الأشخاص المنحرفين الدائمين الذين يعجزون عن الامتناع عن “كسر الآخرين” والحطّ من قدرهم من أجل السلطة أو القوة. وهم متعطشون لاكتساب إعجاب الآخرين وقبولهم دون ان يكون لديهم أي احترام أو تعاطف تجاههم مع عجز عن معاملتهم ككائنات إنسانية او الاعتراف بعذابهم.

هذا النوع من العنف قد يتضمن الاستغلال ويظهر بواسطة السلوك او الكلام او الأفعال او الحركات. ويتم بالتلاعب الشاذ وبالمخاتلة والقيام بالتحرش بطريقة متسللة لا تبدو مؤذية. ما يجعل الضحية عاجزة عن التعبير عن التنكيد والمعاكسات واللسعات التي تحشرها في وضعية دونية بشكل منتظم ودائم. فهل ستشكو من نظرات مواربة او تجاهل متعمد أو عدم تلقي التحية الصباحية او دعوات الى مناسبات اجتماعية !!

ان صعوبة الوصف العيادي للحالة من هذا النوع من العنف هي أن كل كلمة وكل نبرة صوت وكل تلميح له أهميته عندما تؤخذ مجتمعة. ولكن عندما تؤخذ كل هذه التفاصيل منفردة تبدو غير مؤذية . إن اجتماعها واستمراريتها هو الذي يتسبب بالدمار النفسي.

هذه الاعتداءات لا تقتل الشخص مباشرة لكنها تجعله يخسر جزءاً من نفسه، فيعود كل مساء مستهلكاً، مهاناً ومتلفاً. ولا يعود الشخص قادرا على تمالك نفسه او استعادة عافيته فيعاني من صدّ ذهني ونقص في الثقة في النفس وحالة من الاكتئاب مقاومة للأدوية ما قد يوصله الى الانتحار.

اذ نادرا ما يُعترف بوجود هذا العنف أو يشخّص لأن الضحية نفسها، بالرغم من معاناتها لا تدرك أنه عنف واعتداء صريحين.