الياس بجاني/ذاكرة العاملين في السياسة اللبنانية الإنتقائية وأخطار الشعبوية/كلمة الرئيس عون في الأمم المتحدة ومقارنتها مع نص مقابلة اجريت معه سنة 2002

302

ذاكرة العاملين في السياسة اللبنانية الإنتقائية وأخطار الشعبوية
الياس بجاني/22 أيلول/17

ما هو محزن وكارثي سيادياً واستقلالياً ووطنياً وصدقاً ومصداقية بما يتعلق بطبيعة العمل السياسي والسياسيين في لبنان.. هو أن 99% من السياسيين وفي مقدمهم أصحاب شركات الأحزاب المافياوية والمذهبية والتجارية والعائلية والوكيلة للخارج والأصولية، ومعهم كل المجموعات التي تعمل في الشأن العام.. أنهم للأسف جميعاً ودون استثناء واحد يعملون في السياسة على خلفية ومفاهيم وثقافة وقواعد التجارة ودون أية التزامات بقيم ومبادئ وثوابتـ وطنية، وأيضاً دون احترام عقول وذكاء وسعة اطلاع وعلم الشعب اللبناني… والأخطر أنهم لا يحسبون حساباً للتاريخ ويتناسون عن غباء وسابق تصور وتصميم أن للتاريخ ذاكرة لا يمكن محيها وأنه يحاسب ولا يغفل أي أمر ويحفظ في سجله كل شيء أكان جيداً أو عاطلاً.

أمس ألقى فخامة الرئيس العماد ميشال عون كلمة لبنان في الأمم المتحدة (في أسفل نصها الحرفي)، كما نُشرت له مقابلة مع موقع ال مونيتر الالكتروني باللغة الإنكليزية (نص المقابلة مرفق أيضا).. وفي أسفل ايضاً نص حرفي لمقابلة مطولة ومفصلة وشاملة ومهمة جداً كان تلفزيون المر (MTV) أجراها مع العماد ميشال عون من منفاه الباريسي بتاريخ09/04/2002 .

رأينا وموقفنا من كل القضايا اللبنانية ومن السياسيين والأحزاب والإحتلالات موثق ومعروف ومنذ العام 1988.. وبالتالي لن نعلق لا على مقابلة سنة 2002 ولا على كلمة الرئيس أمس ولا على مقابلته بالإنكليزية.. ولكننا سوف نترك للمواطن اللبناني أكان مؤيداً للتيار الوطني الحر أو معارضاً له، أو متحالفا معه أو متموضعاً في القاطع السياسي المعاكس، وأيضاً سوف نترك لكل عامل في الشأن السياسي مهمة قراءة الوثائق الثلاثة المرفقة ومن ثم المقارنة بين ما جاء بها.. وفقط وفقط المقارنة بعقل منفتح ومن ثم العودة إلى الوجدان والضمير دون تحيز أو ذمية لاستخلاص ما يجب أن يُستخلص احقاقاً للحق واحتراماً للحقيقة وتقديراً وعرفاناً بالجميل لكل لبناني دفع حياته من أجل الحقيقة ولبنان المحرر من الإحتلالات ولبنان السيادة والحرية والاستقلال..

المقارنة ضرورية جداً ما بين محتوى كلمة الأمس ومقابلة سنة 2002 بما يخص مفهوم الاحتلال لمزارع شبعا والجنوب، ولمفهوم انسحاب إسرائيل من الجنوب عام ألفين، ولمفهوم مقاومة إسرائيل، ولمفهوم طبيعة العلاقات مع سوريا ومع نظامها الأسدي، ومفهوم دور حزب الله ومرجعيته، وأيضاً مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي والقرارات الدولية.. مهمة جداً المقارنة بعقلانية وموضوعية للحكم على جدية ومصداقية المواقف والشعارات التي رفعت وسوّق لها سنة 2002 ومن ثم ما تبعها من تبدل هائل منذ العام 2006 وحتى يومنا هذا..

رئيس الجمهورية امام الجمعية العامة للامم المتحدة: لبنان لن يسمح بالتوطين لا للاجئ أو لنازح والقرار بهذا الشأن يعود لنا

الخميس 21 أيلول 2017 /وطنية
شدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ان “لبنان الذي تمكن من مواجهة الارهاب الذي اشعل نيرانه في العديد من الدول، استطاع أن يتجنب السقوط والانفجار من خلال حفاظه على وحدته الوطنية رغم كل الانقسام السياسي الحاد الذي كان قائما، وهو تمكن، وبجميع قواه، من القضاء عليها تدريجيا. ومؤخرا قام جيشنا بالمعركة النهائية على حدودنا مع سوريا وحقق انتصارا كبيرا على التنظيمات الارهابية من “داعش” و”النصرة” ومتفرعاتها وأنهى وجودها العسكري في لبنان”. وعرض امام الجمعية العامة للامم المتحدة، للصعوبات التي يواجهها لبنان “في استقبال الاعداد الكبيرة من النازحين السوريين اليه وتأثير ذلك على الحياة اليومية للبنانيين”، معتبرا ان “الحاجة قد أصبحت ملحة لتنظيم عودة النازحين الى وطنهم بعد أن استقر الوضع في معظم أماكن سكنهم الأولى”. وقال: “هناك من يقول بعودة طوعية لهم ونحن نقول بالعودة الآمنة ونميز بين الاثنين، واجتماعات مجموعة الدول الداعمة لسوريا ISSG قد أكدت على ذلك. أما اللجوء الجماعي بشكله الحالي الى لبنان، فهو قد حصل لسبب أمني أو اقتصادي، وهربا من أخطار الحرب، ولذلك نسميه نزوحا وليس لجوءا، وهو لم يقترن بقبول الدولة ولم يكن إفراديا، إنما على شكل اجتياح سكاني”.
أضاف: “أما الادعاء أنهم لن يكونوا آمنين إذا عادوا الى بلادهم فهذه حجة غير مقبولة؛ فمن ناحية، هناك حوالي 85% من الأراضي السورية قد أصبحت في عهدة الدولة، ومن ناحية ثانية، إذا كانت الدولة السورية تقوم بمصالحات مع المجموعات المسلحة التي تقاتلها وتترك للمقاتلين حرية الخيار بين أن يبقوا في قراهم أو أن يرحلوا الى مناطق أخرى، فكيف بها مع نازحين هربوا من الحرب؟ وما حصل بعد الأحداث الأخيرة في لبنان يؤكد هذا الكلام”. وتطرق الى تحدي اسرائيل للقرارات الدولية وعدم تنفيذ مضمونها وبالاخص ما يتعلق منها بالصراع مع الفلسطينيين، واشار الى ان “الحروب الإسرائيلية أثبتت أن المدفع والدبابة والطائرة لا تأتي بالحلول ولا بالسلام، فلا سلام من دون عدالة، ولا عدالة إلا باحترام الحقوق. ولا شك أن جريمة طرد الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم لا يمكن أن تصحح بجريمة أخرى ترتكب بحق اللبنانيين عبر فرض التوطين عليهم، كما بحق الفلسطينيين عبر إنكار حق العودة عليهم. وليس تعطيل دور مؤسسة الأونروا إلا خطوة على هذه الطريق تهدف الى نزع صفة اللاجئ تمهيدا للتوطين، وهو ما لن يسمح به لبنان، لا للاجئ أو لنازح، مهما كان الثمن والقرار في هذا الشأن يعود لنا وليس لغيرنا”.
واذ شرح تأثير الفقر والعوز على الشعوب في المنطقة، دعا الى “ضرورة أن يترافق أي حل مع إجراءات اقتصادية واجتماعية كفيلة بتحقيق النمو وتحسين الأوضاع الاجتماعية لشعوب المنطقة بما يؤمن لهم الحياة الكريمة والمستقرة، والى التفكير جديا في مشروع إقامة سوق اقتصادية مشرقية مشتركة لضمان لقمة العيش في ظل الحرية”. ورأى ان “الحرب العالمية الثالثة اتخذت شكلا جديدا يقوم على حروب داخلية مدمرة، وان الحل لن يكون إلا بتغيير فكري وثقافي، وان الحاجة ملحة الى مؤسسة تعنى بتربية السلام وتقرب الإنسان من الإنسان وتساهم في تمتين العلاقات بين المجتمعات المختلفة، وتساعد على اعتماد لغة الحوار وسيلة لحل النزاعات”. وشدد على ان “دور لبنان، لا بل رسالته، هو في الحرب على أيديولوجية الإرهاب”، وطرح “ترشيح لبنان ليكون مركزا دائما للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق، مؤسسة تابعة للأمم المتحدة”.

نص الكلمة
مواقف رئيس الجمهورية اتت خلال القائه كلمة لبنان امام الجمعية العامة للامم المتحدة، عند العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم بتوقيت نيويورك (الخامسة والنصف عصرا بتوقيت بيروت)، وفي ما يلي نص الكلمة:
“معالي السيد ميروسلاف لاتشاك رئيس الجمعية العامة،
سعادة أمين عام الأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس،
السادة رؤساء الدول والحكومات،
السيدات والسادة.
يسعدني بداية أن أهنئكم حضرة الرئيس، على توليكم رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الحالية وأتمنى لكم التوفيق فى مهامكم. كما أود أن أتوجه بالشكر لمعالي السيد بيتر طومسون على حسن إدارته للدورة السابقة. وأحيي أيضا سعادة الأمين العام السيد غوتيريس وجهوده لتفعيل دور منظمة الأمم المتحدة.
سيادة الرئيس، نحن اليوم في نيويورك، وفي شهر أيلول، ولا بد أن تعود بنا الذاكرة ستة عشر عاما الى الوراء حين ضرب الإرهاب هذه المدينة موقعا آلاف الضحايا. ونجدد من على هذا المنبر تضامننا مع عائلاتهم ومع عائلات كل ضحايا جرائم الإرهاب في العالم.
هذا الحدث المأساوي كان انطلاقة لحرب دولية ضد الإرهاب ما لبثت أن تفرعت وتوزعت وضاعت أهدافها وأشعلت النيران في العديد من الدول خصوصا في الشرق الأوسط حيث طالت شظاياها كل بلدان؛ منها من وصلته النيران مباشرة ومنها من حمل عبء النتائج. وقد أفرزت وغذت أبشع أنواع الإرهاب، هدفه القضاء على الإنسان والحضارة والثقافة، فمارس أكثر الجرائم وحشية على شعوب منطقتنا؛ لم يوفر مدنيا، طفلا كان أو امرأة أو عجوزا، ولم يوفر معلما، أثريا كان أو ثقافيا أو دينيا. ثم تمدد نشاطه ليضرب في القارات الخمس بأفظع الأساليب وأكثرها دموية، وينقض بإجرامه كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية ولا أحد يعرف أين ستصل حدوده ومتى أو كيف سوف ينتهي. مع بدء الأحداث في سوريا اضطرب الوضع في لبنان وبدا واضحا أنه من عداد الدول العربية التي كان مقررا لها أن تقع في براثن الإرهاب، ولكنه استطاع أن يتجنب السقوط والانفجار من خلال حفاظه على وحدته الوطنية رغم كل الانقسام السياسي الحاد الذي كان قائما. فلم يتخط أحد الخط الأحمر المرسوم في وجدان كل مواطن، ما أمن وحدة لبنان وحفظ أمنه، على الرغم من تسلل العناصر الإرهابية الى بعض مناطقه وبلداته وقراه وتشكيلهم مجموعات وخلايا مسلحة فيها. لكن لبنان تمكن، وبجميع قواه، من القضاء عليها تدريجيا. ومؤخرا قام جيشنا بالمعركة النهائية على حدودنا مع سوريا وحقق انتصارا كبيرا على التنظيمات الارهابية من “داعش” و”النصرة” ومتفرعاتها وأنهى وجودها العسكري في لبنان.
إن الأعباء التي يتحملها لبنان جراء الحرب الدائرة في سوريا تفوق بكثير قدرته على التحمل، لكن الشعب اللبناني أثبت أنه شعب إنساني ومسؤول؛ استقبل النازحين في بيوته ومدارسه ومستشفياته، وسمح لهم بمشاركته لقمة العيش وسوق العمل على مدى السنوات الأخيرة الماضية ما ضاعف نسبة البطالة فيه. وأشير هنا الى أن أكثر من نصف مدارسنا الرسمية تعمل بدوامين، قبل الظهر وبعده لنتمكن من استيعاب الأطفال السوريين.
إن لبنان بلد صغير المساحة كثيف السكان محدود الموارد، اقتصاده تأثر بأزمات عدة أولها الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم حروب المنطقة التي طوقته ومنعته من التحرك باتجاه الشرق والدول العربية التي تشكل له المد الحيوي، ثم جاءت موجات النزوح واللجوء التي أضافت اليه ما نسبته 50% من سكانه، ما يعني أنه مقابل كل لبنانيين صار هناك نازح أو لاجئ، وارتفعت الكثافة السكانية في الكيلومتر المربع الواحد الى 600 بعد أن كانت 400، وكل هذا الاكتظاظ الشديد هو على مساحة 10452 كيلومترا مربعا، ما زاد من صعوبات أوضاعنا الاقتصادية، وزاد أيضا نسبة الجريمة بمختلف أنواعها. والأخطر أن المجموعات الارهابية قد اتخذت من بعض تجمعات النازحين مخابئ لها محولة إياها بيئة حاضنة، وكانت تخرج منها لتقوم بتفجيراتها حاصدة أرواح الأبرياء.
من هنا، فإن الحاجة قد أصبحت ملحة لتنظيم عودة النازحين الى وطنهم بعد أن استقر الوضع في معظم أماكن سكنهم الأولى.
هناك من يقول بعودة طوعية لهم ونحن نقول بالعودة الآمنة ونميز بين الاثنين، واجتماعات مجموعة الدول الداعمة لسورياISSG قد أكدت على ذلك؛ فالعودة تكون طوعية أو آمنة وفقا لسبب النزوح؛ فإذا كان اللجوء إفراديا ولسبب سياسي يهدد أمن الفرد وسلامته تكون العودة طوعية، أي أنها تمنح للاجئ السياسي ويترك له تقدير توقيتها، وهذا النوع من اللجوء يقترن بقبول الدولة المضيفة. أما اللجوء الجماعي بشكله الحالي الى لبنان، فهو قد حصل لسبب أمني أو اقتصادي، وهربا من أخطار الحرب، ولذلك نسميه نزوحا وليس لجوءا، وهو لم يقترن بقبول الدولة ولم يكن إفراديا، إنما على شكل اجتياح سكاني.
أما الادعاء أنهم لن يكونوا آمنين إذا عادوا الى بلادهم فهذه حجة غير مقبولة؛ فمن ناحية، هناك حوالي 85% من الأراضي السورية قد أصبحت في عهدة الدولة، ومن ناحية ثانية، إذا كانت الدولة السورية تقوم بمصالحات مع المجموعات المسلحة التي تقاتلها وتترك للمقاتلين حرية الخيار بين أن يبقوا في قراهم أو أن يرحلوا الى مناطق أخرى، فكيف بها مع نازحين هربوا من الحرب؟ وما حصل بعد الأحداث الأخيرة في لبنان يؤكد هذا الكلام.
وفي السياق نفسه، يعيش النازحون في البؤس وفي بيئة صحية غير سليمة بالرغم من كل تقديمات المؤسسات الدولية واللبنانية، ويؤلمنا ان نكون عاجزين عن تحسين أوضاعهم بسبب كثافة أعدادهم وبسبب إمكاناتنا المحدودة. ولا شك أنه من الأفضل لهم أن تقوم الأمم المتحدة بمساعدتهم على العودة الى وطنهم بدلا من مساعدتهم على البقاء في مخيمات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.
بالإضافة الى النزوح السوري، يتحمل لبنان أعباء لجوء 500 ألف فلسطيني، هجروا من أرضهم منذ 69 عاما، ينتظرون عودتهم الى فلسطين، ومؤسسة الأونروا على طريق الانهيار المالي، ولا نرى في الأفق أي جهود جدية من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لتنفيذ مشروع الدولتين، بل على العكس فإن المجتمع الدولي بجميع مؤسساته يعجز عن جعل إسرائيل تتوقف عن إقامة مستوطنات جديدة. ولا يزال العنف مستمرا لأنه لا يمكن إخضاع شعب سلبت هويته وأرضه.
لطالما كانت مقاربة إسرائيل للحل تقوم دائما على القوة العسكرية وانتهاك الحقوق، ولبنان خير شاهد على ذلك، فهي تخرق السيادة اللبنانية والقرار 1701 بشكل دائم، وخلال الأيام الماضية قصفت طائراتها الأراضي السورية انطلاقا من الأجواء اللبنانية، ثم قامت بغارة وهمية على علو منخفض خارقة جدار الصوت فوق صيدا وتسببت بأضرار مادية، أضف الى ذلك زرعها من حين لآخر أجهزة تجسس في الأراضي اللبنانية. وهذه الانتهاكات ليست بجديدة، فهذا ما دأبت عليه إسرائيل منذ سبعة عقود حتى يومنا هذا، وهي تسجل ما لا يقل عن مئة اختراق بري وبحري وجوي للسيادة اللبنانية كل شهر. ولبنان يتقدم بالشكاوى الى مجلس الأمن، من دون أن يتمكن هذا الأخير من ردعها.
حضرة الرئيس، هذه العقود السبعة من الحروب الإسرائيلية أثبتت أن المدفع والدبابة والطائرة لا تأتي بالحلول ولا بالسلام، فلا سلام من دون عدالة، ولا عدالة إلا باحترام الحقوق. ولا شك أن جريمة طرد الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم لا يمكن أن تصحح بجريمة أخرى ترتكب بحق اللبنانيين عبر فرض التوطين عليهم، كما بحق الفلسطينيين عبر إنكار حق العودة عليهم. وليس تعطيل دور مؤسسة الأونروا إلا خطوة على هذه الطريق تهدف الى نزع صفة اللاجئ تمهيدا للتوطين، وهو ما لن يسمح به لبنان، لا للاجئ أو لنازح، مهما كان الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود لنا وليس لغيرنا.
لقد تركت جميع هذه الحروب جراحا ثخينة في المجتمعات وبين الأفراد، وقضت على الأفكار الاجتماعية الواعية، وخربت مبادئ التعايش والتضامن وروح التسامح وقبول الآخر بين الأفراد والمجموعات في العالم، وصارت منطقتنا أسيرة الفقر والحاجة وهي تتحول الى بؤرة لمزيد من التطرف وتتوالد فيها الأزمات وتتصاعد.
من هنا ضرورة أن يترافق أي حل مع إجراءات اقتصادية واجتماعية كفيلة بتحقيق النمو وتحسين الأوضاع الاجتماعية لشعوب المنطقة بما يؤمن لهم الحياة الكريمة والمستقرة. لهذا أدعو الى التفكير جديا في مشروع إقامة سوق اقتصادية مشرقية مشتركة لضمان لقمة العيش في ظل الحرية.
إن لبنان الذي يشكل عالما مصغرا بحد ذاته، سواء بتنوع شعبه وثقافته، أو بحضارته التي هي عصارة حضارات متراكمة منذ العصور القديمة، من الآرامية، لغة السيد المسيح، وصولا الى العربية لغة الرسول مرورا بالفينيقية والرومانية واليونانية واللاتينية والفارسية ووادي النيل… أضف الى ذلك أن الشعب اللبناني يجمع المسلمين بكل مذاهبهم والمسيحيين أيضا بكل مذاهبهم، وعرف الحرب وتداعياتها والسلام وإيجابياته، وبهذه التجارب في العيش المشترك وشمولية الثقافة يستطيع لبنان أن يكون واحة يمكن للعالم أن يلتقي فيها ويتحاور.
حضرة الرئيس، الحضور الكريم، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أنشئت عصبة الأمم، وهدفها الحفاظ على السلام العالمي، ولكنها فشلت، واندلعت الحرب الثانية خلال أقل من ثلاثة عقود، وبعد أن توقفت أنشئت منظمة الأمم المتحدة وكان أول أهدافها حل النزاعات سلميا بين الدول ومنع الحروب المستقبلية، فهل تمكنت من تحقيق هذا الهدف؟
الإجابة ليست صعبة، والعالم المتفجر حولنا خير جواب. إن الحرب الثالثة اتخذت شكلا جديدا، فلم تعد حربا بين الأمم إنما حروبا داخلية مدمرة، وكثيرة هي الدول التي تفجرت من الداخل لأسباب دينية أو إتنية، وبسبب التطرف ورفض حق الآخر بالوجود.
أما اللجوء الى تقسيم الدول طائفيا أو إتنيا فقطعا ليس هو الحل، ولن يحول دون اندلاع الحروب. بل على العكس، فمن شأن هذه المقاربة أن تزيد العصبيات والتطرف والصراعات.
إن الحل لن يكون إلا بتغيير فكري وثقافي. من هنا تبرز الحاجة ملحة الى مؤسسة تعنى بتربية السلام؛ إذ وحدها ثقافة سلام وسماح جديدة تعلم مبادئ العيش معا أو ما يسميه البعض “العيش المشترك” يحترم فيه الإنسان حرية المعتقد والرأي وحق الإختلاف، يمكنها أن تواجه الإرهاب وأن تؤسس لمجتمعات قادرة على إرساء السلام بين الشعوب والأمم. ثقافة تقرب الإنسان من الإنسان وتساهم في تمتين العلاقات بين المجتمعات المختلفة وتساعد على اعتماد لغة الحوار وسيلة لحل النزاعات.
ودور لبنان، لا بل رسالته، هو في الحرب على أيديولوجية الإرهاب، لأن لبنان الذي يتميز بمجتمعه التعددي هو نقيض الأحادية التي تمثلها داعش ومثيلاتها. والجهد الأساس الذي يجب أن تقوم به الأمم المتحدة هو محاربة الإرهاب فكريا إذ لا احتواء له ولا حدود ولا جغرافيا لأنه عدوى فكرية متنقلة الكترونيا في العالم.
لكل هذه الأسباب أطرح ترشيح لبنان ليكون مركزا دائما للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق، مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، آملين من الدول الاعضاء ان يدعموا لبنان في سعيه لتحقيق هذا الطلب عندما يعرض لنعمل معا على تأمين ما تطمح إليه الأمم المتحدة، مؤسسة وأمما، من سعي الى السلام وحياة كريمة لجميع الشعوب، في عالم ينعم بالأمن والاستقرار”.
وبعد انتهائه من القاء الكلمة، تلقى عون تهنئة رئيس الجلسة الذي نزل من مكانه لمصافحة رئيس الجمهورية، كما بادر عدد من رؤساء الوفود الى تهنئته على مضمون الكلمة التي القاها باسم لبنان وابدوا ترحيبهم لما ورد فيها.

Aoun sees role for Hezbollah until threats to Lebanon cease/عون: لحزب الله دور طالما لبنان مهدد
Al-Monitor Staff September 21, 2017
https://eliasbejjaninews.com/?p=58913
http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/09/lebanon-president-aoun-unga-hezbollah-threat-syria-israel.html
NEW YORK — Lebanese President Michel Aoun, speaking to Al-Monitor Wednesday evening prior to his address before the UN General Assembly today, said that any solution to “the problem of Hezbollah” would have to come as part of a wider solution to the crises plaguing the region.
Aoun, who as head of the Free Patriotic Movement met with Hezbollah leader Hassan Nasrallah in 2006 to agree on defining relations between the two groups and disarming Hezbollah, said that Lebanon cannot ask the latter to disband as long as the country still faces threats. “You cannot say to Hezbollah, ‘We have to dismantle your organization,’ since Israel is provoking Lebanon and it is attacking,” he explained.
The president also spoke about the refugee crisis facing his country, which now hosts upward of 1.5 million displaced Syrians. Aoun said the Lebanese government isn’t getting enough support on this issue, stressing that Lebanon “is paying more than the international community to help the refugees” at a time when it is facing economic and security crises.
Yet Aoun said international parties should focus on helping Syrians get back to their homes, rather than merely providing support to those displaced. While thousands of such repatriations occurred last month, these transfers have been criticized by international aid groups as failing to ensure returnees’ welfare.
He also rejected recent calls for the United Nations Interim Force in Lebanon (UNIFIL) to take a more active role in curbing Hezbollah’s activities on the southern border, saying it is “not a military force” and that Lebanon “cannot give them … a mission to inspect the homes of the people to see if they have weapons or not.”
A transcript of the interview, conducted by Al-Monitor’s managing editor, slightly edited for clarity, follows:
Al-Monitor: As the Syrian conflict continues, Lebanon is now hosting over 1 million refugees. The Lebanese government has called for more aid from international parties, including the EU and Washington. During meetings — during President Trump’s meetings with Prime Minister Saad Hariri earlier this month — President Donald Trump stressed the military angle, responding to a question about refugee support, by saying, “We are helping. And one of the things that we have made tremendous strides at is getting rid of [the Islamic State].” What additional forms of support would you like to see?
Aoun: Well, America is still helping. And we are doing a good job, because we are getting rid of [IS], and I think it’s going very well. But the international community doesn’t help the Lebanese government. And we are paying more than the international community to help the refugees or displaced people in Lebanon because we have to provide them with water, electricity and everything else to make their life in Lebanon easier. The others, they are giving them food — but we are educating children, Syrian children. The schools are open twice a day, one session in the morning and one in the afternoon. And the hospitals are full.
All of these services are provided by the Lebanese government, and we are living under three crises. First, the global economic crisis certainly influenced our economy. Second, the war all around us has limited [our access to] Arab countries, because the only [land] access we have to the Arab countries is Syria. Otherwise, we have to go by plane, and this is not suitable for commerce. It is not the economic way, you know, to [conduct trade]. And the third crisis is the displaced people. And it is the most expensive.
Al-Monitor: What other priorities will you address in your meetings here this week?
Aoun: Well, to help us. But the refugees will go back to Syria because the biggest areas of Syria are stabilized and secured right now, about 82% or 85%. The Syrians now are gaining stability and security. And then, if the international community wants to help them, they may help them in Syria. It will be more economic. The cost will be lower than in Lebanon. That’s what we are asking now from the international community: not to help us, but to help the people go back to their homes. That’s what I am asking from [the international community] — and I will say it [on Thursday].
Al-Monitor: Recent operations against Islamic State fighters on the Lebanese-Syrian border have revived debate about cooperation between the Lebanese army and Hezbollah. You have previously said that as long as the Lebanese army isn’t strong enough to defend against threats, there is a need for Hezbollah to have weapons. Do you foresee further cooperation in the future, and are you concerned that this could negatively impact the army’s international support?
Aoun: Hezbollah, you know, is a Lebanese organization that was founded to liberate our territory from the Israeli occupation. It was created for that in 1985, and then later, in 2000, Israel withdrew from Lebanon and we believed that the action of Hezbollah was finished.
And I met with them [in early 2006 as head of the Free Patriotic Movement] and signed a memorandum of understanding about how to [disarm] Hezbollah and to maintain a dialogue for that, but in [the summer of] 2006, Israel attacked once more. And it’s complicated, this situation. You cannot say to Hezbollah, “We have to dismantle your organization,” since Israel is provoking Lebanon and it is attacking. Last week, they attacked twice. The first attack, it was not on Lebanon, but it was from the airspace of Lebanon to Syria. And after that, they simulated an air attack on Sidon, and they broke windows of houses. They broke the sound barrier and [the sonic boom caused damage]. This was at a low altitude, just over the buildings.
Actually Hezbollah has become a component of the regional crisis. If we have to solve the problem of Hezbollah, it would be within a general solution to the Middle East crisis, especially in Syria.
Al-Monitor: Last month, the UN Security Council extended the mandate of UNIFIL, yet UN Ambassador Nikki Haley argued that UNIFIL must step up its patrols and inspections to disrupt Hezbollah’s illicit activities. Given Hezbollah’s strong presence in the area under the UNIFIL mandate, do you foresee this being an issue in future debates concerning the force?
Aoun: UNIFIL is not a military force to be used; they are observers. We cannot give them a combat mission or a mission to inspect the homes of the people to see if they have weapons or not. They are there to observe the borders of Lebanon and Israel and to count how many times the Israeli aircraft goes through Lebanese borders.
Al-Monitor: I have one last question. Prime Minister Hariri recently traveled to Moscow to discuss boosting economic and military ties with Russia in his first visit to the country as premier. How can boosting Russian ties support the Lebanese economy, and are you planning military cooperation with Russia to counter extremist militants?
Aoun: Right now, we don’t have any accord with Russia about that kind of trading, mutual trading from Russia and to Russia. But they are showing goodwill for that. I think if I visit the Russians, at that moment [we will] decide what we’ll do. But we have some Russian weapons. I think we need some ammunitions for these weapons — they can help from the military side.

حديث دولة الرئيس العماد ميشال عون لتلفزيون MTV
برنامج “سجّل موقف” 9/4/2002
المحاور الأستاذ إيلي الناكوزي
في بداية الحلقة أعلن عن استفتاء للمواطنين حول السؤال التالي: هل أنت مع فتح الجبهة اللبنانية لدعم الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية
– دولة الرئيس، أهلاً بك ونرجو أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي نقابلك فيها في باريس، وإن شاء الله تكون مقابلتنا القادمة في استوديوهات ال MTV ، في لبنان.
– هذه هي أمنيتي أيضاً، أن ألتقي باللبنانيين وجهاً لوجه على الأرض اللبنانية، لا فرق في البيت أو تحت زيتونة أو صنوبرة، المهم أن نكون على أرض لبنانية حرة.
– كثيرون يسألون عن التيار العوني اليوم وكيف لا نراه متظاهراً مع الشعب الفلسطيني وهو الذي يؤمن بالتحرك على الأرض والاعتصام والتظاهر؟
– على العكس، نحن لم ندعُ للتظاهر، ولكننا أوعزنا إلى عناصر التيار بالمساهمة في التعبير لمن يريد ذلك، واليوم كان هناك اعتصام في نقابة المحامين وأكبر مجموعة كانت موجودة هي من التيار وكذلك المهندسين، التيار الوطني الحر مدعو للمساهمة الإنسانية في كل ما من شأنه مساعدة الفلسطينيين، ولكننا لا ندعم إملاء المواقف على الفلسطينيين، لدينا رؤية شاملة للموضوع الفلسطيني ولسنا في موقع التبعية السياسية لأحد، فإذا أحبّت فئة أن تتظاهر بأسلوب معين فنحن لا نؤيدها.
بالمطلق نحن مع الشعب الفلسطيني بالهوية وبالوطن، ولكننا في نفس الوقت لا نريد أن نملي عليه ما يقبل به وما يرفضه، نحن ندعم حقوقه بالمطلق ولكن ليس لدينا سياسة مزايدة على الفلسطيني كي نحرجه في التفاوض، فمن يقبل بالتفاوض للوصول إلى حلّ يجب أن يكون مهيّأً لحدّ أدنى من القبول بالمصالح الحيوية ولحد أقصى من المطالب، وأثناء التفاوض لن يستطيع الوصول إلى الحد الأقصى في المطالب، ولا النزول دون الحد الأدنى في القبول، ولكن منذ بدء المفاوضات حتى اليوم يصدف أنه كلما اقتربت المشكلة الفلسطينية إلى حل معين نشعر بأنه يتم الضغط على الفلسطينيين من قبل فئة مزايدة من الخارج بهدف إحراج و”زرك” رئيس السلطة الفلسطينية كي يرفض هذا الحل، فيضعونه في موقف الضعيف، وأحياناً في موقع التخوين، إذا قبل بالحلول المطروحة.
– من برأيك يضغط ؟
– هناك فئة رفضية، الظاهر منها اليوم اثنان سوريا وحزب الله، وهما الفئتان اللتان تضغطان على الشعب الفلسطيني وعلى كافة المقاومة الفلسطينية كي يوجهوها في اتجاه معين، وهنا أقول أنه من الخطأ خلق أجواء ال67 حالياً لأن الفتى الفلسطيني الذي حمل غصن الزيتون بيد والحجر بيد أخرى أكسب القضية الفلسطينية عطف العالم ودعمه، ولكن عندما بدأت السيارة المفخخة خسر هذا العطف وحرّر القوة التدميرية لإسرائيل، وهذا أمر خطير…
– تقصد العمليات الاستشهادية ؟
– هي عمليات انتحارية وليست استشهادية، ولا يوجد أي ديانة سماوية تدعو لذلك، هذه حضارة القتل والانتحار ولا يجوز إعطاء أي إنسان مهمة تكون نتيجتها الموت المؤكّد.
– حتى ولو تبرّع هو لذلك ؟
– لا تنسى الأجواء النفسية التي يوضع فيها من أجل تهيئته لهذا العمل.
وأعود لمتابعة فكرتي، إن ذلك الفتى الفلسطيني حامل الحجر، أكسب قضيته تأييداً دولياً، ولكن التفجير والتفخيخ حرّر القوة التدميرية لإسرائيل وحلّل استعمالها. في مرحلة معينة كان هناك جيش إسرائيلي بدأ يعترض على وجوده في الضفة الغربية ويقول “لا لوجودي هنا”، وقد وقّع حوالي 350 جندياً وضابطاً إسرائيلياً عريضة بهذا الخصوص، وفيما بعد استدعي 20 ألف من الاحتياط فلم يتأخر أحد، والآن استدعي 31 ألف آخرين وأيضا لم يتأخر أحد، فما السبب؟؟ لأن هناك خطاب رفضي للوجود الإسرائيلي، حتى الإنساني منه، هناك مثلاً خطاب حزب الله الذي يعتبر أن المجتمع الإسرائيلي بكامله محلّل قتله، وخطاب سيادة الرئيس بشّار الأسد المطابق تماماً لخطاب حزب الله، حيث يقول بأن لا وجود لمجتمع مدني إسرائيلي، وبأن قتل الإسرائيليين حلال، هذا كلام مرفوض ونحن نرفض هذا الخطاب كما نرفض سياسة الإبادة. وبالمناسبة أذكر هنا أن النظام السوري قال أنه جاء إلى لبنان ليخلّص المسيحيين من الإبادة، وهنا أريد أن أسأله من كان يريد إبادتنا غيرهم، ومن أرسل القوى التي كانت تقوم بأعمال الإبادة ؟
أن تطلب القضاء على شعب بكامله هو ضد التوجه الإنساني وضد التوجه الحضاري، وهذا أمر لا يجوز ولا نؤيده، وخاصة الأعمال الإرهابية التي سبق وعانينا منها الكثير، نحن بلد ال 258 سيارة مفخّخة خلال الأحداث، واللبنانيون يتذكرون جيداً السيارات التي كانت تنفجر في كل المناطق، نحن ضد هذا الفكر، فكر إبادة المجتمع لأنه لا يميّز.
– ولكن إسرائيل تستعمل سياسة الإبادة تجاه الفلسطينيين فكيف يمكن مواجهتها ؟
– هذه الحرب الحالية هي انقطاع عن الحضارة، كل الأطراف تقتل كل الأطراف، إسرائيل هي قوة تدميرية كبيرة وقوة عسكرية كبيرة، وباستعمالنا هذا السلاح (سلاح التفخيخ) نحرّر قوتها التدميرية هذه ونحلّل استعمالها، أنا لا أناقش ما تقوم به إسرائيل ولست قيّما على إسرائيل كي أعطيها النصائح، أنا أبدي رأياً في قضية تهمني وتعزّ علي وهي القضية الفلسطينية التي كانت تربح الكثير في السابق، والآن أطمئنكم أن الشعب الفلسطيني سيكون له وطن وسيكون له هوية، والانتصار العسكري الإسرائيلي لن يزيل الوطن الفلسطيني ولا حقوق الشعب الفلسطيني.
– أنت متفائل إذاً بانتصار الشعب الفلسطيني ؟
– أكيد ولكن ليس بالشكل الذي يريده البعض، ليس بإبادة إسرائيل كما يقول حزب الله وبشار الأسد لأن هذه السياسة مرفوضة عالميّاً. بالطبع سيتوصلون إلى نوع من التسوية، ولكن ليست هذه السياسة هي ما سيوصل إلى التسوية، وكان بالإمكان اختصار أمور كثيرة. أنا أدعم حق الشعب الفلسطيني بالمطلق ولكن لا أدعم أموراً تتنافى مع معتقدي، خاصة وأنني رمز لحركة استقلالية لبنانية تؤمن باللاعنف، ومعي شباب بنفس حماس الشباب الفلسطيني ويحبون استعمال العنف ويحاولون دائما إقناعي باجتياح مركز سوري، ودائما تكون إجابتي “لا” لأنني لا أريد أن أحرّر القوة السورية الموجودة على الأرض من الضوابط حتى تضرب هؤلاء الشباب، ولا أن أحرر القوة اللبنانية التي هي أداة بيد السلطة كي تضرب الشباب اللبناني، هذا نوع من الحكمة والتجربة.
– هذا التحرك والمنطق اللاعنفي الذي تؤمن به هل هو بعد تجربتك في السلطة، فأنت كنت من المؤمنين بالعنف لتحرير الوطن؟
-أنا كنت قائد جيش نظامي وكنا نواجه جيشاً آخر، لقد قاتلنا في مجتمع موبوء فكرياً، خطف على الهوية ووضع سيارات مفخخة وسرق وقتل ونهب، فماذا يتسجّل علينا نحن من كل ذلك ؟ نحن احترمنا في قتالنا كل شروط الاتفاقيات الدولية التي تنصّ على احترام الآخر في القتال، نحن لم نقتل أسيراً، حتى أننا لم نعصب أعين موقوف. هناك فرق بين القتال وبين القتل، نحن قاتلنا ولم نقتل.
– أليست العمليات الانتحارية شكلا من أشكال المقاومة ؟
– هذه فتوى من الفتاوى، وهناك فتاوى أخرى لا تجيزها، مثلاً هناك فتاوى من الأزهر لا تسمي هذه العمليات استشهادية بل انتحارية ولا تجيزها، ولقد قرأت الكثير من المقالات لعلماء مسلمين لا يقرون بهذا النوع من العمليات، هناك وجهات نظر مختلفة وأنا من ناحية المبدأ لا اقرّها ولن أفعل، أنا لم أجزها لنفسي فلا أستطيع أن أجيزها لغيري. لست بوارد محاكمة المقاومة الفلسطينية لأنها استعملتها، ولكن هذا الاستعمال مهما كانت دوافعه قد حرّر القوة التدميرية لإسرائيل، لست أبرّر شارون ولا الحكومة الإسرائيلية، ولكنني أعتبر هذه العمليات خطأ لأنها سمحت كما ذكرت بتحرير القوة التدميرية لإسرائيل وحلّلت استعمالها، بالإضافة إلى أنها خلقت تضامناً إسرائيليا بين من يريدون السلام “الآن”، وبين الذين لا يريدون السلام على الإطلاق، فدعمت بطريقة أو بأخرى الفكر المعادي للحل السلمي، من هنا أقول أن التصعيد العسكري لا يجدي وخاصة في ميزان قوى خاضع بدرجة كبيرة للضوابط العالمية وليس لقوة ذاتية عربية تتوازن مع إسرائيل.
– هل تعتقد أن العرب غير قادرين اليوم على إقامة حرب ؟
– هم يعرفون قدراتهم أكثر مني، فأنا لا أعرف ما لديهم، ولكن أعتقد أنه بعد 54 سنة من الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية التي بدأت عام 1948، وبعد عدد من الحروب العربية الإسرائيلية، من حرب ال56 إلى حرب ال 67 وحرب ال 73 إضافة إلى حرب 1982 وغيرها من المناوشات والحروب الصغيرة، والآن هذه الحرب الداخلية في فلسطين، أعتقد بعد كل ذلك أن العرب أصبحوا يملكون التجربة، وقد لاحظت أن من لديهم التجربة يتصرّفون بحكمة في هذه المرحلة، أما الذين لا يملكون التجربة وهم في معظمهم شباب، هم المتحمسون للحرب، كحزب الله وسيادة الرئيس بشار الأسد.
– ولكن انتفاضة الحجارة استنفذت ولم ترجع للفلسطينيين حقهم، لذلك صعّدوا ووصلوا إلى العمليات الإستشهادية.
– هذه العمليات “الاستشهادية” ترتّب عليها الوضع الناشئ حاليّاً.
– لمصلحة من هذا الوضع ؟
– في النهاية سنعرف لمصلحة من، فأنا ليست لدي المعطيات التي جعلت الفلسطينيين يقومون بما يقومون به، ما قلته هو رأي وليس مسؤولية، وأكرر أنني مع حق الشعب الفلسطيني، مع حقه بالهوية وبالوطن، ولدي محاضرات عديدة في هذا الشأن، ولكني لا أتدخّل بما يقبل به الشعب الفلسطيني لأن هذا حقه وهو من يقرر، بينما في المقابل لا أقبل أن يُزجّ بالفلسطيني ويُدفع من الخارج بتحريض على الرفض، خاصة من قوى سياسية تدّعي أنها مع الفلسطينيين ولا تحرك ساكناً على الجبهات، وأقصد سوريا بالذات، وهي حاليّاً أكبر دولة رافضة، وهي لا تحرّك جبهة الجولان ولا أي شيء عندها، باستثناء تحريكها لحزب الله في لبنان ليقوم ببعض التحرشات، وتدّعي أنها تدعم الفلسطينيين، هي تدعم الرفض ولكنها لا تدعم القتال، أو على الأصح تدعم القتال بالآخرين وهذا أمر غير مقبول منا حالياً. هذا الموقف المتطرف من قبل السوريين وحزب الله له تفسير من اثنين، هو إما موقف طائش سياسياً وغير ناضج، وإما موقف تواطئي مع إسرائيل كي يحرّر لها قوتها التدميرية، موقف تواطئي ويتغطى بأسلوب رفضي كي يبعد الشبهات عنه.
– هذا اتهام لا يشاركك به الكثيرون.
– لا يهم، ثم أنا لم أتّهم، أنا قلت أنه موقف يحتمل تفسيرين، إما الطيش وإما التواطؤ.
– هل تعتقد أن المقاومة لتحرير الأرض والرفض هما عمل طائش ؟
– بمجرد الذهاب إلى مفاوضات السلام فهذا يعني اعتراف بالآخر، ولا يمكنك في نهاية عملية السلام، وبسبب عدم الاتفاق مع الآخر على بعض النقاط، أن ترفض من جديد وجود الآخر وتضع هذا الوجود موضع الشك، لا يمكن أن تقول خطاباً تريد به إلغاء إسرائيل. لا أتحدث الآن بهدف اكتساب الأصوات والمؤيدين، وقد لا يعجب حديثي الكثيرين ولكنهم سيتذكرونه بعد فترة.
– برأيك إذن لا يوجد واقعية في حلم إلغاء إسرائيل أو إزالتها من الوجود؟
– على الأقل ليس في المدى المنظور، ومسار السلام مشى على طرقات خاطئة منذ البدء، اتّبع طريق المناورات التي أساءت إلى لبنان وإلى العرب وإلى الفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى فقدان “إنسان السلام”، ففي المحيط الذي يحاولون بناء السلام فيه لا توجد تربية لإنسان السلام، ولا يوجد أنظمة سلام، فالأنظمة الدكتاتورية لا يمكنها أن تصنع السلام، السلام يحتاج إلى أنظمة ديمقراطية، يحتاج إلى استفتاء الشعوب عليه كي يكون له مرتكز شعبي، يجب أن يرتكز السلام على أرضية صالحة، فمن يضمن قبول الشعب في منطقة معينة بالسلام، ومن يضمن أن الموقف لا يتغير مع تغير النظام طالما أنه لا يوجد استفتاء ولا يوجد رأي للشعب؟
– كيف تتوقّع أن تنتهي هذه الأزمة ؟ ولماذا أنت متفائل بأن الفلسطينيين سيكون لهم وطن في النهاية ؟
– أولاً لأنهم شعب حيّ يدافع عن نفسه، وهو موجود وحتى لو اعتبرنا بعض أدائه خاطئاً ولكنه موجود ويدفع، أما ثانياً فهناك قرارات دولية ستنفّذ، ولكنها ستنفّذ ضمن شروط، وأول شروط التسوية هي إيقاف العنف المتبادل، نسمع كثيراً بعض العرب ينصحون إسرائيل بأن القضية الفلسطينية لا تحلّ بالعنف، وهذه النصيحة أيضا تجوز للطرف الآخر، فالفلسطينيين يجب أن يعرفوا أن قضيتهم لا تحل بالعنف، ولديهم 54 سنة تجربة عنف وحروب متبادلة.
– ولكنها المرة الأولى التي تكون فيها الحرب من الداخل.
– وإن يكن، فعندما تصبح المسألة مسألة وجود وكل طرف يدافع عن وجوده يصبح أسير الموقف، ولا يعود بإمكانه الخروج بحل، ولا أحد يستطيع إفناء الآخر، ويجب أن تتوقف القصة في مكان ما.
– ولكن لبنان استطاع بمقاومته أن يحرّر أرضه وأعطى النموذج للفلسطينيين
– في لبنان كان هناك قرار دولي، والمقاومة أطالت أمد الاحتلال، كان هناك عرض مقدّم من الحكومة الإسرائيلية عام 1994 فهل تخبرنا الحكومة اللبنانية لماذا انسحبت يومها من المفاوضات عندما قُدّم العرض الإسرائيلي للانسحاب؟ انسحب لبنان من المفاوضات لأنه ربط نفسه بالقافلة السورية وأذاب شخصيته السياسية والدبلوماسية، ونص هذا العرض لا يزال موجوداً واسألوا سفير لبنان في واشنطن آنذاك السيد سيمون كرم فهو يعرف الكثير.
– هذا هو رأي سعادة السفير سيمون كرم أيضاً
– هناك مذكرة قدّمت للوفد اللبناني وللحكومة اللبنانية ونشرتها صحيفة السفير وحُوّلت بسببها إلى المحكمة لأن المذكّرة اعتُبرت سريّة، مذكرة جاءت من إسرائيل إلى الحكومة اللبنانية واعتبروها سرّية! سرّية على من؟ السرّية تكون على العدو وهي جاءت من “العدو”، كما يقولون، فلماذا اعتبروها سرّية؟ هل خافوا أن يطّلع عليها الشعب اللبناني؟ ولماذا اعتُبر نشرها في ذلك الوقت مخالفة قانونية وحوّلوا الصحيفة إلى المحاكمة؟ ببساطة لأنهم لا يريدون أن يُحرَجوا أمام الشعب اللبناني.
– أليس هناك فضل للمقاومة في تحرير لبنان ؟ وكيف تعتقد أنهم أطالوا أمد الاحتلال ؟
– كان هناك حل مطروح، فليشرحوا لنا لماذا لم يقبلوه أو لماذا لم يطلبوا تعديلات؟ لماذا لم يبلغوا واشنطن بأنهم يريدون تعديل بعض ما جاء فيه وينتظرون لمعرفة ماذا ستفعل؟ رفضوه بالمطلق وقالوا أن إسرائيل تريد المياه والأرض في لبنان، وأعلنت إسرائيل العكس فقالوا لها “لا، أنت تريدين المياه والأرض”، أنا أتحدث الآن أمام الشعب اللبناني وأنا مسؤول عن كلامي.
– في الماضي كنت تحيّي المقاومة؟
– لا أزال أحيي المقاتل، ولكن من أخذ القرارات لديه خلفية معينة لا بد من أن يُسأل عنها، المقاتل حمل البندقية عن قناعة وهذه القناعة قد تكون تكوّنت لأن المعطيات خاطئة، أحيي المقاتل وليس القرار السياسي، فعلى الأقل كان يجب استنفاذ المسعى السياسي قبل الوصول إلى هذه المرحلة.
– هناك اعتقاد عند بعض اللبنانيين بأن قرارات الشرعية الدولية لم تقدّم شيئاً للبنان، ولا حل غير المقاومة؟
– هذه إذاً نصيحة لنا لأن نفعل بالجيش السوري كما يفعل الفلسطيني بالإسرائيلي كي نجبره على تنفيذ القرار 520، فما الفرق عسكرياً بين رام الله وبعبدا؟ ولكن أنا مؤمن بغير هذا الأسلوب.
– إسرائيل هي العدو بالنسبة لجميع اللبنانيين، ولكن سوريا بالنسبة لقسم كبير منهم هي صديق؟
– وأنا أقول لك أنها أكثر من صديق إنها أخ، فنحن والشعب السوري أخوة ولم نرد لهم الأذى يوماً، ولكن هل من المسموح أن تقتل باسم الأخوة؟ هل من المسموح أن تحتل بعبدا باسم الأخوة؟ لماذا لم يفاوضوا؟ لماذا واجهوني بالعدائية منذ لحظة استلامي الحكومة الانتقالية؟ لا نريد أن نعود للماضي ولكننا لا نستطيع بناء المستقبل إذا كنا نجهل الماضي، فيجب أخذ تجربة الماضي بعين الاعتبار، وهذا ما دفعني لعدم الموافقة على اتفاق الطائف لأنه يرهن لبنان إلى أبد الآبدين ولا يزال مرهوناً.
– يطالب الكثيرون اليوم بفتح الجبهة اللبنانية لمساعدة الفلسطينيين على المقاومة وعلى الاحتمال، فهل يمكن أن يحدث ذلك وما هي النتائج ؟
– جبهة لبنان لم تغلق أصلاً، فلبنان كلّه مفتوح، أين هي الحدود المغلقة؟ لا مع سوريا هي مغلقة ولا مع إسرائيل، والدولة غير موجودة على الحدود، هي مفتوحة وكل ليلة تحصل مناوشات، أنا مع إغلاق الحدود، ليس للهروب من المسؤولية، ولكن ماذا يحصل اليوم؟ الجميع يتبرأ من المسؤولية عن الصواريخ التي تطلق، وآخر نكتة أنهم قالوا أن هذا عمل فردي، فضرب صواريخ الغراد أصبح في لبنان وعلى لسان الحكومة اللبنانية عملاً فردياً، وكأن راجمة الصواريخ هي سلاح فردي، وصاروخ الغراد هو خرطوشة كلاشينكوف، فليخجلوا أمام الرأي العام العالمي، بإمكانهم أن يفرضوا اليوم هذا القول على اللبنانيين ويقولون لهم أن واحد زائد واحد يساوي ثلاثة ورغماً عنكم، واللبنانيون قد يقبلون بذلك لأنهم شعب فُرض عليه الفكر الأيديولوجي والفكر الواحد، ولكنهم لن يستطيعوا فرضه على العالم فمن سيصدّقهم؟
– ولكنهم أوقفوا الفلسطينيين الذين أطلقوا الصواريخ
– اليوم تحدّثت معطيات عن أن الذين أطلقوا الصواريخ هم خمسة فلسطينيين وسوريان، فأين السوريان؟ ثم أنا أسأل من هو المسؤول عن الحدود؟ الحدود مسؤولية من؟
– مسؤولية لبنان؟
– مسؤولية لبنان كدولة أو كحزب؟
– نحن لا يزال لدينا جزءاً محتلاً لذلك لا بد من المقاومة
– أين هو الجزء المحتل؟
– مزارع شبعا
– كذبة، وأنا مسؤول عما أقول، لا يمكننا تعديل الخريطة على مزاجنا، مزارع شبعا ليست لبنانية، وحتى ولو كانت الأرض لبنانية فهي مضمومة سورياً منذ زمن ولبنان سكت عنها، والحكومة اللبنانية لم تذكر مرة أن لديها أرضاً محتلة خاضعة لتنفيذ القرار 242، على العكس قالت أنا لست معنية بالقرار 242، وليس لدي أرض محتلة، فلا يمكن أن تتراجع وتتبناها بعد تنفيذ القرار 425 وتقول أن لديها أرضاً محتلة. وعلى افتراض أن سوريا تريد إرجاع الأرض لنا فلتتفضل وتعطينا وثيقة وفقاً للشرائع الدولية على أن هذه الأرض لبنانية وتحدد على الخريطة رقعة الأرض التي هي لبنانية في مزارع شبعا، وعندها فلتترك لنا المقاومة شرف تحصيلها.
– إذا اعترفت سوريا بلبنانية مزارع شبعا فهل توافق على تحريرها بالمقاومة؟
– بالمقاومة وبغير المقاومة، المهم هو أكل العنب وليس قتل الناطور، أنا أريد أكل العنب، أريد حقوق الشعب الفلسطيني، الحلول الأخرى لا تجوز إلا عندما يعجز كلياً الحل السلمي.
– إذا أعلنت مزارع شبعا ضمن الحدود اللبنانية يصبح مبرراً إذا وجود حزب الله؟
– عندها، وإذا رفضت إسرائيل إخلاءها يصبح مبرراً وجود حزب الله وكل أنواع المقاومة اللبنانية.
– إذاً لا يجب نزع سلاح حزب الله اليوم؟
– لماذا ؟
– لأن مزارع شبعا قد تكون لبنانية ونحتاج إلى ذلك السلاح يوما ما.
– لماذا لا يعطوننا الوثيقة بأنها لبنانية، ما الذي يمنع؟ لبنان كله كان قيد التفاوض بين سوريا وإسرائيل، هل قرأت شلومو بن عامي مؤخراً؟ سياسة رابين كانت تريد إعطاء سوريا السيطرة على لبنان بكامله فهل بعد ذلك تهم مزارع شبعا طالما أن لبنان بأسره “طاير” وسيصبح أرضاً سورية؟
ثم لدينا مزارع أخرى بحاجة إلى التحرير غير مزارع شبعا، لدينا مزرعة قريطم ومزرعة بعبدا ومزرعة ساحة النجمة وكلها تحتاج إلى تحرير، تحتاج إلى قرار حر، فليتركوا قصة مزارع شبعا وهي أصلا قصة مختلقة. يريدون فتح الجبهة اللبنانية، حسنا فلنسلم جدلاً بأن هذه المزارع لبنانية وبأن فتح النار هو حق لنا وبأننا لا نريد فتح حوار مع إسرائيل ولا تنفيذ القرار الدولي، ولكن يبقى هناك الجولان المحتل، فلماذا لا تبادر الدولة الشقيقة التي جعلت من نفسها وصياً على لبنان بفتح جبهتها.
– وما علاقتنا نحن بالجولان، نحن نريد تحرير لبنان؟
– فليذهب السوري إذاً “وما يركب على ضهرنا” بقوله أنه يريد أن يساندنا في تحرير مزارع شبعا، وهو لديه الجولان الخاضع للاحتلال ولا يحرّك ساكناً.
– بحديثك عن مزارع قريطم وبعبدا والنجمة فإنك تهاجم مؤسساتنا الدستورية، فبغض النظر عن موقفك من الأشخاص أنت تهاجم مواقع دستورية يحترمها اللبنانيون.
– صحيح، أنا لم أعد أحترم هذه المواقع لأنها لم تعد لبنانية، أما الأشخاص فلا مأخذ لي عليهم إلا بقدر ما يغطّون تحويل هذه المواقع إلى مزارع، فأين هو القرار في هذه المقرّات والمواقع، لقد تحولت إلى هياكل عظمية خالية من الحياة، وأتوا لتعبئتها بقرارات معلّبة من الخارج، لا يوجد قرار لبناني حر في أي من هذه المؤسسات، بالإضافة إلى مؤسسات الإدارة والعدل والمؤسسات الأمنية، أصبحت كلها ملحقات للإدارة السورية.
– حاول البعض مقارنة وضعك في 13 تشرين مع وضع الرئيس عرفات، وقيل لو أن الجنرال بقي في بعبدا وتحاصر كانت قضيته تحولت إلى عالمية ؟
– لقد سبق وتحدّثت عن كيفية ذهابي إلى السفارة، وأعود وأكررها الآن، ذهابي إلى السفارة كان شرطاً أساسياً لوقف إطلاق النار فرضه الياس الهراوي على السفير الفرنسي الذي بلّغني به وقال “إذا كنت تقبل وقف إطلاق النار عليك أن تأتي إلى هنا” وصارحني بأنه هو من سيضمن وقف إطلاق النار لأنهم “لا يريدون أن تكون في بعبدا حراً طليقاً وتقوم بمقلب وتستأنف القتال بعد إعادة تنظيم القوى”، ويومها تجادلت مطولاً مع السفير لأكثر من نصف ساعة، ولكن في النهاية فكّرت بأننا طالما أقرّينا بأننا هزمنا عسكرياً فلم لا أذهب إلى السفارة الفرنسية إذا كان هذا هو الشرط، وليكن السفير الفرنسي شاهداً. ذهبنا إلى هناك ولكن النار لم تتوقف واستمر القتال حتى الساعة الثانية وهذا ما تسبّب ببقائي في السفارة الفرنسية، فلا مجال إذن للمقارنة بين الوضعين.
وبالعودة إلى الرئيس عرفات أريد أن أسأل من الذي يريد عزله هل هي إسرائيل التي حاصرته وحبسته، أم الذين منعوه من التوجه بالكلام إلى العالم العربي في قمة بيروت؟ من متآمر مع من ضد ياسر عرفات، من يسجنه ويحوّله إلى بطل، أم من يمنعه من التوجه إلى الأمة العربية؟
– هم منعوا البث المباشر لأسباب تقنية
– نحن نتعاطى مع نظام يكذب كما يتنفّس، وبدعة التبريرات التقنية لم تقنع أحداً، وإذا أردنا أن نصدّقهم فقد كان بإمكانهم بثّ الكلمة، وعند شكّهم بأي تشويش خارجي يُقطع البث على الفور.
– ماذا كان سيتغير لو أن الكلمة ألقيت مباشرة أو سُجّلت ؟
– المشكلة ليست في الكلمة، لكن هناك عدائية معينة ضد أبو عمار، هناك أناس تُضرب لأنها تحمل صورة أبو عمار في التظاهر، وهذه العدائية هي من بعض الأنظمة العربية.
– ولكن الشعوب العربية متضامنة معه
هو الرمز، والعاطفة الشخصية لا علاقة لها بالموضوع، عندما تريد التعبير عن قضية معينة فإن تصفية الحسابات الشخصية لا تعود واردة، وما حصل كان تصفية حسابات شخصية ضمن قضية عامة تتعلّق بالشعب الفلسطيني. هل هم قادرون على خلق أحد مكان أبو عمار غير الفوضى؟
– لقد قيل كثيراً أن لا علاقة للسوريين في هذا الموضوع وأنهم لم يطلبوا من لبنان عدم بث الكلمة، والمسألة كانت قراراً شخصياً من الرئيس لحود خوفاً من دخول شارون على الخط كما أعلن الرئيس لحود؟
– كلمة أبو عمار لم تكن مرتجلة وكانت ضمن جدول الأعمال وما حصل غير مقبول إطلاقا، وإذا انفرد به إميل لحود كما يقول فهو غير كفء لأن يكون رئيسا للجمهورية ولا للقمة العربية، فمن أين له الحق بمنع رئيس آخر يمثل شعباً، من الكلام، هل اعتقد أن سلطته مطلقة؟ هو ملزم بالتقيد ببرنامج معين، وأي عائق خارجي يطرأ لا يستبقه هو بقرار، بل يأتي القرار كنتيجة لهذا العائق، هل اعتقد أن تمثيل الشعب الفلسطيني هو كحقوق الجنرال عون يمكن احتجازها بقرار تعسفي؟ هناك درجة معينة من المسؤولية عندما يتعاطى المرء مع قمة لرؤساء وملوك دول عربية، لا يمكن أن تتصرف بحقهم، وأنت مجبر على احترام الجدول الزمني للأحاديث والكلمات، والأكيد أن القصة ليست عفوية كما يتصور البعض.
– يبقى هذا رأيك وقد لا يشاركك به الكثيرون حول كفاءة رئيس الجمهورية الذي يعتبرون أن له إنجازات كثيرة ؟
– هل تحب أن تقوم باستفتاء شعبي من الMTV حول كفاءة “رئيس الجمهورية”؟
في كل الأحوال من الطبيعي أن يكون هناك آراء مع وآراء ضد ما أقوله، فالعزة الإلهية بذاتها لم تقنع جميع الناس وعدد الذين ينكرون وجود الله على الأرض أكثر من عدد الذين يؤمنون به.
أنا تحدثت عن وقائع ولم أعط آراء، وقلت بأنه لا يستطيع أن يدير جلسة وأن يتصرف بحقوق شعب بالكلام، يمكنه أن يفرض توقيف طالب يوزع نشرة للعماد عون وأن يضعه في السجن بقرار تعسفي، بإمكانه أن يضغط على القضاء كي يمنعني من الكلام أو على الMTV ، ولكنه لا يستطيع منع رئيس شعب أو رئيس دولة فلسطينية مستمد شرعيته من شعبه، من الكلام في القمة تحت عذر تدخّل إسرائيل.
– يقال أن هذه أنجح قمة عربية من حيث القرارات، فمن مبادرة الأمير عبدالله السلمية، إلى قرار العرب بالإجماع لدعم الصمود الفلسطيني للانتفاضة هي أمور تحصل للمرة الأولى، فلماذا لا ترى هذه الإيجابيات التي حققها الرئيس لحود ولبنان؟
– تطلب مني الآن تقييما للقمة ولمبادرة الأمير عبدالله، نحن طبعا مع المبادرة ونؤيدها ونؤيد أي مسار سلمي يعيد التفاوض ويوقف العنف، فالعنف سيعيدنا إلى نفس الدوامة التي عشناها منذ قيام إسرائيل حتى اليوم، العنف لن يحل القضية لا من جهة إسرائيل ولا من جهة العرب، الاتهامات الكلامية لا تحل المشكلة، نتهم شارون بأنه سفاح وشارون يتهم عرفات بأنه سفاح وهذا لا يحل المشكلة، المشكلة تحل فقط بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وهذا يستتبع اعترافاً بحقه بالوطن وبالهوية وبالحدود، وبالاعتراف بحق إسرائيل بالوجود وهذا يستتبع اعترافاً بحقها بالأمن، ولكن إذا أردنا أن نقيس الوطن الفلسطيني بالسنتيمتر والوجود الإسرائيلي بالسنتيمتر فهذا هو الخطأ الجسيم الذي يرتكبه الطرفان.
السلام في الشرق الأوسط هو حالة حضارية يجب أن تتطوّر ضد سياسة العنف، وتقوم على القبول بالآخر وحق الاختلاف وديمقراطية الأنظمة، لا يمكن بناء شرق أوسط جديد بذهنية الحرب، يصبح التنافس بالإنماء وبالتعددية التي ستأتي من خلال القبول بالآخر وتعدد الأعراق والأجناس وحرية المعتقد وفقا لما جاء في شرعة حقوق الإنسان، أنا لا أومن بدول يمكن أن تدير العملية السلمية وتتقدم في أنظمتها إن لم تعترف بحرية المعتقد، وحرية المعتقد ليست دينية فقط، هي تشمل السياسة وكل الحريات، هناك أنظمة لا تزال متخلفة، أوتوقراطية تيوقراطية، هي خارج العصر ولا يمكنها أن تعيش اليوم، مدرسة بن لادن لا يمكن أن تعيش، وشعار الحرب على النصارى واليهود لا يمكن أن يعيش لا في الشرق ولا في الغرب، ولبنان هو الواحة الوحيدة لتصالح الحضارات بإسلامه ومسيحييه لأنهم عاشوا التجربة ووجدوا أنها قابلة للعيش، ولكن المداخلات الخارجية والسياسات العربية المرتجلة، بالتواطؤ مع الإسرائيلي، ضربت لبنان كي تجعل منه وطناً بديلاً للفلسطينيين، وهنا وقعت المشكلة وغرق فيها الأميركيون، ودفعت أنا ثمن هذه السياسة، لن أنسى أبداً أن الحكومة الإسرائيلية قالت في 29 تشرين الأول 1989 “لا ندعم العماد عون ولسنا ضد السيطرة السورية على لبنان وعون سيدفع الثمن غاليا” وكذلك موقف لوبراني في 7 تموز 1990 عندما قال “عون يحفر قبره بيديه “، فلماذا قيل هذا الكلام، وما التهديد الذي كنت أشكّله أنا لإسرائيل ؟ هذا الكلام قيل لصالح سوريا.
– بالعودة إلى القمة العربية فهذه القمة قامت بإنجاز في مبادرة الأمير عبدالله وهو يقضي باعتراف العرب بإسرائيل مقابل عودة اللاجئين وهذا كان دائماً مطلباً لبنانياً، ألا تعتبره إنجازاً لبنانياً ؟
– لقد قدّمت القمة وجهة النظر العربية بالمطلق كي يقوم السلام، وهذا ما يسمونه المطالب القصوى في المفاوضات ويجب أن تتحاور مع الطرف المقابل لمناقشة هذه المطالب للوصول إلى اتفاق، ولكن لا يمكنك وضع متفجرة له ومناقشته في نفس الوقت.
– أنت إذاً ضد العمليات الإستشهادية ؟
– أكرر أنها انتحارية، وهذا رأي الأزهر ورأي العديد من المفكرين الإسلاميين، وأنا مع الرأي الذي يعطي حرمة للحياة حتى ولو كان المقاتل يقوم بمهمة خطرة، فالإنسان يقاتل ليعيش حراً وليس ليموت، وكل مهمة ترسله فيها ليموت فإنك ترتكب جريمة قتل، هذا معتقدي، لا يوجد تقديس للموت، التقديس يكون للحياة، وهذا أصبح ضلالاً، أنا أعتبره ضلالاً وأقوله على “رأس السطح”، أنا لا أطلب أصواتاً انتخابية، ولا أحاول إرضاء أحد، هناك حقيقة يجب أن تنتصر في النهاية ولا يمكن أن تكون الحضارة حضارة استشهاد وحضارة موت، حضارتنا يجب أن تكون حضارة حياة.
– حتى لو أتت هذه العمليات على العسكر وليس على المدنيين ؟
– أنا أتكلم عن المدنيين، وحتى العسكري فعندما يرسل في مهمة خطيرة جداً ويقبلها يجب أن يكون له حظ في الحياة، ولا ينتحر فيها، لا أقول هذا الآن فقط، راجع كل الكلمات التي ألقيتها في بعبدا وخاطبت بها العسكريين، دائماً كنت أقول لهم نقاتل كي نعيش أحراراً، ولم أقل يوما لنستشهد، فأنا خلّصت من الموت عدة مرات وأعرف ما معنى المخاطرة، لقد خفت وتغلّبت على خوفي في أماكن عديدة، ولا أقدس أبداً حضارة الموت والقتل والانتحار.
– العمليات التي كان يقوم بها حزب الله على العسكريين الإسرائيليين وليس على المدنيين في جنوب لبنان هل هي مبررة؟ هل تبرّر أن يقوم استشهادي بتفجير نفسه أو سيارته في دبابة إسرائيلية أو بمركز إسرائيلي ؟
– أنا ضد أي عملية انتحارية، بإمكانك أن تقصفه أن تفجّره، ولكن يجب أن يكون هناك حظ للمقاتل بالحياة ولا يمكن أن يفجر ذاته، فهذا بالنسبة لي ضد كل معتقداتي الإنسانية والإيمانية.
– كيف ستنتهي برأيك هذه الأزمة ؟
– ستنتهي بوقف العنف والعودة إلى الحوار، وقيام الدولة الفلسطينية، والتعايش بين الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، لأن حوار الحياة في النهاية سيتغلّب على حوار الموت، أما بالنسبة للبنان فهو عائد.
– هل لبنان وسوريا قادمان لسلام مع إسرائيل ؟
– ما يهمني هو عودة السيادة والاستقلال إلى لبنان.
– ووحدة المسار والمصير؟
– هذا خطأ، فوحدة المسار والمصير لا علاقة لها بالسيطرة على السيادة، هناك عملية سطو على سيادة واستقلال لبنان وهذا هو المرفوض، ليس المرفوض أن نتعاون مع سوريا في اختيار السلام ومشروع السلام مع إسرائيل، ما أرفضه هو مصادرة السيادة اللبنانية لغاية حل قضية الشرق الأوسط، فلماذا لا تصادر إذاً سيادة الأردن أو حتى سوريا؟ لماذا لبنان هو الرهينة؟ ومن يأخذه باسم الأخوة؟
– لماذا تطالب دائما بنزع سلاح حزب الله رغم أنه لم يوجّه يوماً إلى الداخل اللبناني ولا يشكل تهديداً للداخل بل لإسرائيل ؟
– ألم تسمع الخطابات التي هددتنا بالحرب الأهلية في حال مطالبتنا بالانسحاب السوري، حزب الله هو الذي هدّد ومن غيره يملك السلاح، قال أننا نريد أن نقوم بكوسوفو ثانية وأنه سيتصدّى لهذا الأمر، وأنه في الخط الأمامي للدفاع عن سوريا، وهذا ورد في صحيفة “السياسة الكويتية” وعلى لسان السيد حسن نصرالله، وكأنه يتّهمنا أو يهدّدنا بالحرب الأهلية إذا طالبنا بالانسحاب السوري من لبنان.
فلماذا الحرب الأهلية إذا تركت سوريا لبنان؟ لماذا لا يمكنني أن أعيش أنا وحزب الله وأنا معترف بوجوده وبحقه بالاختلاف عني؟ لماذا لا يعترف هو لي بحق الاختلاف ونضع معاً العقد الاجتماعي والسياسي؟ من يرفض وجوده؟ نحن لا نرفضه، فلماذا يهدد، ولماذا هو خط الدفاع عن سوريا في لبنان؟
– هو حليف لسوريا، ويعتبر أن سوريا هي ضامن الاستقرار في لبنان، هذه وجهة نظره.
– هناك عقد الاستقلال، وهناك مقومات الوطن، وهي لا تقوم على عقود يجريها حزب مع دولة خارجية، مقومات وجود الوطن هي السيادة والاستقلال ووحدة الأرض والشعب، وهي ليست مطروحة للنقاش، الوجود السوري يحذف الاستقلال والسيادة والقرار اللبناني فكيف يكون ضامناً للاستقرار؟ هو قد ألغى الوطن وجعله محافظة سورية، فمع الوجود السوري لم يعد هناك شيء اسمه لبنان.
– ألا ترى أي إيجابية للوجود السوري ؟
طبعاً لا، ما هي إيجابياته؟ هل هي اقتصادية أو مؤسساتية، لقد انتدبتنا فرنسا مدة 25 سنة فأقامت لنا مؤسسات بعد أن كنا في الولايات، وهذه المؤسسات وازت يومها الجمهورية الثالثة لديها، وشكّلت بالنسبة لنا أسس الجمهورية الأولى، واليوم، وبعد 27 سنة من الانتداب السوري طارت مؤسساتنا، فعن أي إيجابيات تتكلم؟ الإيجابية تحتاج إلى نموذج ملموس كي تظهر، والأفضل عند السوري هو مرفوض لدينا، فماذا سيعطينا؟ نظامه؟ ليبيراليته؟ حرياته؟ نظامه الاقتصادي؟ كل ذلك مرفوض بالنسبة لنا لأنه ليس من ذهنيتنا، السوري يجب أن يصبح مثلنا كي يكون مقبولاً لا أن نصبح نحن مثله، لأننا نحن التجربة المتقدمة، لبنان هو النموذج الذي يجب أن يتّبع في التعددية الثقافية والدينية، هو النموذج الذي سيؤمّن الاستقرار. أما رفض حرية المعتقد، ورفض الحرية السياسية، وتوسيع السجون وضرب الأهالي، فهذا لا يؤسّس لنظام.
وسأروي هنا حادثة في هذا الشأن حصلت معي : “كنت مرة في طريقي إلى وزارة الدفاع فشاهدت ضابطاً لبنانياً يتجادل مع بعض الأشخاص على حاجز سوري قرب اليرزة، ووصل إلى مسمعي كلام نابٍ وُجّه إلى الضابط من قبل الحاجز، توقفت بعيداً وأشرت للضابط فاقترب مني وسألته عما يحصل فقال لي “إنهم ضربوا جندياً لبنانياً على الحاجز ولما جئت لأستعلم عن السبب شتموني وأهانوني”
فتوجّهت على الفور إلى مكتب الجنرال خوري، وكان يومها قائداً للجيش، وأخبرته بما حصل فقال لي “وماذا تريدهم أن يفعلوا؟ هم يعاملون بعضهم بهذه الطريقة” فقلت له “لكن نحن لسنا كذلك، لا نضرب الجندي ولا نشتم الضابط ونهينه”، فقال لي “هم هكذا وهم يعطوننا مما عندهم”، فقلت له عندها: “ولماذا لم تجلبوا لنا جيشاً من أكلة لحوم البشر، فكانوا كلما أكلوا جندياً لبنانياً نقول بسيطة، إنهم يعاملون بعضهم بهذه الطريقة.”
فعندما تريد أن تكون نموذجاً حضارياً وتؤمن الاستقرار لبلد ما عليك أن تقدم له نموذجاً حضارياً متقدماً عن النموذج الذي لديه وليس متخلفاً عنه.
– من أعاد الاستقرار الأمني للبنان ؟
– من كان يقصفنا؟ كنا نُقصف بمدافع ال 188 وال 155 السورية، هتلر عندما احتل فرصوفيا توقف المدفع الألماني، وعندما مسحت دبابات ستالين بودابست توقف المدفع، وعندما دخلوا إلى براغ وقضوا على ربيع براغ لم يعد هناك من قتال، فلا أحد يقول لنا “ويربّحنا جميلة” بأنهم أوقفوا المدفع، الاحتلال قد حقّق أهدافه فلماذا سيستمرّ إذاً بقتلنا، والآن في كل المناطق التي سحقها الإسرائيلي في فلسطين لم يعد هناك من مدفع، أصبح هناك سكون، ولكن هذا لا يعني السلام والهدوء، والقول بأن من إيجابيات الوجود السوري إيقاف المدفع يبدو وكأنه يحلّل استعمال القوة لحذف الآخر واعتبار ذلك مكسباً.
– أنا أتحدث عن ويلات الحرب التي عاشها اللبنانيون.
– لقد عاشوها بسبب السوريين، كل الاجتياح الذي حصل للبنان جاء من الحدود السورية، بدأ من العرقوب وامتد إلى الداخل. من أين انطلقت العمليات الفلسطينية التي زعزعت الاستقرار في لبنان؟ ولماذا حصل الخلاف مع المقاومة الفلسطينية، ثم بعد ذلك بين سوريا والمقاومة الفلسطينية، الخلاف حصل في النهاية على اقتسام المغانم، فعندما وضعت سوريا يدها على لبنان ضربت الفلسطينيين وغيرهم، استعملتهم في البداية لتقويض الاستقرار في لبنان، وهم أصلاً جاءوا من حدودنا الشرقية، من عين عرب ودير العشاير.
– ولكن نحن تقاتلنا وتذابحنا على الهوية.
– هناك دائما أجهزة مخابرات وخلايا مخابرات تنشط.
– نحن نتحدث عن حرب وليس عن حوادث محددة، الحرب بدأت بمؤامرة وخيوط أجنبية وأصبحت حرباً أهلية وتقاتل المسلمون والمسيحيون، هناك أحد ما جاء وبفضله عاد الهدوء إلى البلد فمن هو ؟
– هو نفسه الذي تسبب لك بالمشكلة، عاد وقام بدور الإطفائي لأنه حقّق أهدافه، لا يمكن تزوير التاريخ معي لأنني عشته، عشته كمنفّذ عندما كنت ملازماً أول، ثم كشاهد لقرارات ولعمليات وللقاءات مع الفلسطينيين وجدل معهم في صيدا وغيرها، ثم كمقرر في الأزمة اللبنانية0 فلا يمكن للسوري أن يقول بأن لبنان تحوّل إلى ساحة فوضى وبأنه جاء لإعادة الأمن لهذه الساحة، لأنه هو من حوّل لبنان إلى ساحة الفوضى، فمن أين أتت المنظمات الفلسطينية التي قوّضت الاستقرار في لبنان، ومن أعطاها السلاح؟ اقرأ خطاب المرحوم حافظ الأسد الذي ألقاه في جامعة دمشق في 20 تموز 1976 حين قال : “أرسلنا الرجال وأرسلنا السلاح ولم يكن هذا كافياً، فأرسلنا بعد ذلك الجيش”. إن خطأ العالم الحر وأميركا التي تدفع حاليا ثمن الإرهاب، هو أنهم دفعوا بلبنان كفدية كما كانوا يدفعون في الماضي كل يوم ضحية للتنين كي يسكت عن المدينة بحسب الأسطورة، جعلت من لبنان ضحية كي تهدئ وضعاً معيناً وأسمت سوريا “عامل استقرار” في لبنان! لم نسمع أبداً أن دولة تكلّف بإعادة الاستقرار إلى بلد تسببت هي بتقويض استقراره.
– ألا تريد الصداقة مع السوريين ؟
– أريد الصداقة مع الشعب السوري وليس مع النظام.
– هل تريد أن يكون السوري عدواً ؟
– أبداً، وسأوضح ما هي أسباب الخلاف مع النظام السوري، فعندما طلب الأميركيون مني أن أدخل في سياق المبادرة السورية وأخضع للوصاية السورية وجهت كتاباً إلى جيمس بيكر في 27 حزيران 1989، وهو بالمناسبة يردّ أيضاً على الادعاءات التي تقول بأنني كنت أفتش على رئاسة الجمهورية، وكان جواباً على رسالة أرسلها هو، وقلت له “القوة ليست هي الحل في لبنان، ولكن هل أن المبادرة السورية خالية من القوة؟ نحن نريد أن نعطي سوريا كل ما باستطاعتنا أن نعطيها، ونستطيع أيضاً أن نحافظ على جميع المصالح السورية كما هو مرتقب من جار وصديق وأخ لسوريا، يبقى شيئان غير قابلين للتفاوض هما سيادة لبنان واستقلاله، ثم في نهاية الرسالة قلت له لن أخسر لبنان من خلال نصائحك الدبلوماسية، أخسره من خلال معركة مشرفة ولكن ليس من خلال نصائح دبلوماسية تطلب منا أن نوصي بلبنان كإرث كما لو كنا سائرين على طريق جنازتنا لا على طريق الخلاص”.
هذا مضمون الخلاف بيني وبين الأميركيين، وبيني وبين السوريين، هناك وضع يد على استقلال وسيادة لبنان، أنا رفضت هذا الواقع وقلت كلمة لا يزال يذكرها العديد من الشعب اللبناني، قلت: “يستطيع العالم أن يسحقني ولكنه لن يأخذ توقيعي”، بعضهم اعتبرها يومها نوعاً من الشعر، ولكنها كانت بمثابة الإنذار، ومن يقول اليوم أن العماد عون لم يكن يعرف أنه سيخسر هو شديد الغباء، العماد عون كان عارفاً أنه سيخسر ولكنه لم يقبل بتسليم لبنان.
– ما رأيك بخطوة إعادة انتشار الجيش السوري خصوصاً مع صدور بيان يقول بأنها تأتي وفقاً لاتفاق الطائف، وهل تعتبرها سلبية ؟
– لا هي ليست سلبية، هي انتشار تكتيكي جديد للجيش السوري وفقاً للمعطيات الإقليمية الجديدة، سموه انسحاباً وفق الطائف، جيد ولكن ليس هذا ما ينص عليه أي اتفاق انسحاب، فأي انسحاب من لبنان يجب أن يتم وفق جدولة محدّدة في الزمان والمكان، وكل شيء غير ذلك يكون عبارة عن تنقّل من مكان إلى آخر، خاصةً وأن بعض الانسحابات هذه السنة تمّت من الأماكن التي سبق وتمّت منها انسحابات العام الماضي، ومن الممكن أن يقوموا في العام المقبل بانسحابات جديدة من الأماكن ذاتها، وأيضاً وفقاً لاتفاق الطائف، ويعرضونهم على التلفزيون.
يجب أن نكون جديين أكثر وأن نضع جدولة للانسحابات باتفاق خطي مكتوب بين الحكومتين، ويعلن هذا الاتفاق مسبقاً، لا أن يأتي على سبيل التسوية لتغطية قرار صادر، على كلّ الأحوال هي خطوة إيجابية ويمكن إذا صحت وإذا تتابعت أن تكون بداية للتفكير بعلاقات إيجابية مع النظام السوري. وهنا يجب أن لا ننسى بأن البقاع والشمال أيضاً من لبنان، زحلة من لبنان، بعلبك من لبنان، عكار من لبنان، وطرابلس من لبنان، فمتى يتم الانسحاب منهم؟
– حسب اتفاق الطائف عندما تنتفي الحاجة الأمنية الاستراتيجية
– هذا لعب على الكلام، فعن أي حاجة أمنية استراتيجية يتحدثون؟.
– هناك عدو إسرائيلي على الحدود اللبنانية يهدد سوريا ولبنان.
– نعم نعم نعم، انظروا المقاومة السورية الشرسة التي تتم يومياً لمنع إسرائيل من اعتدائها، فليذهب وليمسك جبهته وليترك لنا جبهتنا “وما يخاف علينا أبداً”
– ألا تريد حليفاً قوياً في المنطقة مخافةً أن يُستفرد لبنان؟
– ما هي القيمة العسكرية للجيش السوري في ميزان القوى في حال حصل الصدام العسكري مع إسرائيل؟ هل تعتقد حقاً أن من يحافظ على السلم والهدوء في الشرق هو ميزان القوى؟ ما يحفظ الهدوء حتى الآن هو إرادة دولية ويمكن أن تنفلت حالياً بسبب التحرشات التي تحصل، نحن نعيش لحظات دقيقة جداً فإذا كان تصعيد حزب الله وسوريا جدياً وليس سينمائياً فمن الممكن أن يورط المنطقة في حالة من الحرب، وعندها تعرف فعلاً ما هي قدرة الجيش السوري الحقيقية، لا نريد أن نخدع أنفسنا، وأنا لا أبوح بسر، وأنا بعيد جداً عن معلومات تسليح الجيش السوري وقياداته الحالية، ولكن من المعروف بشكل عام ما قيمته العسكرية نسبة إلى القوة العسكرية الإسرائيلية، هو لا يستطيع أن يحمي لبنان.
– الجيوش العربية مجتمعة ليس لها قدرة إسرائيل وهذا أمر معروف، فهل يعني ذلك أنه يجب أن يكون هناك انقسام عربي ولا يكونون حلفاء وأصدقاء ؟
– من يقول أن الجيش السوري عندما يكون على جبهته في الجولان فهذا يعني انقساماً عربياً؟ الانقسام العربي سببه مشكلة السيطرة السورية على لبنان، يرد من السوريين كلام غير مقبول، أنا لا أريد الوصاية، أنا راشد نفسي وأفهم إنسانياً وأخوياً علاقتي التاريخية بالشعب السوري والمصالح المشتركة، ولكن لا أقبل أن يحكمني ضابط مخابرات سوري في نظام سوري، هذا أمر مرفوض منا بطبيعتنا، نحن شعب وصلنا إلى التشريع في نظامنا، من حضور المحامي للتحقيق، إلى نظام قضائي متطور يوازي الدول المتطورة في العالم، فهل تردّنا إلى عدالة المخابرات التي ترسلك إما إلى السجن إما إلى القبر من دون محاكمة؟ هذا أمر مرفوض قطعاً.
– ولكن النظام السوري لم يطلب يوماً تحويل النظام اللبناني إلى نظام سوري.
– هو قد حوله فعلياً، لدينا أكثر من 5000 موقوف اعتباطياً خلال هذه السنوات، لدينا أكثر من 100 موقوف في سوريا ودائما ينكرون أن لديهم موقوفين ونجدهم فجأةً يطلقون بعضاً منهم، وحتى في السجون اللبنانية فإن الذهنية السورية مسيطرة، لقد نشرت المؤسسات الدولية منذ فترة أن هناك 7000 موقوف في لبنان بينهم 2500 فقط مدانون، أما الآخرون فموقوفون دون إدانة.
– لماذا لا تعتبر خطوة إعادة الانتشار إيجابية وتقابلها بإيجابية ؟
– أنا أحب أن آكل الرغيف عن الطاولة مباشرةً ولا أحب أن التقط الفتات، أنا لا أشحذ من سوريا ولا من غيرها، لدي حق طبيعي بالسيادة على أرضي وأريد أن يقرّ به عبر جدولة وعبر بروتوكول يدل على احترام للشعب اللبناني وإرادته، لا أريد أن يأتي ضابط من سوريا إلى “رئيس الجمهورية” ويقول له قرّرنا أن نعيد التشكيل فابحثوا عن الإخراج المناسب لهذه العملية، هذا شيء مرفوض بالرغم من أن بعض المناطق ارتاحت لأن وجودهم كان عبئاً عليهم ولكن هذا لم يرح لبنان، المخابرات لا تزال موجودة في جميع الأجهزة، والدولة لا تزال محتلة معنوياً وعسكرياً، القصة ليست قصة عسكرية فقط، يجب خلق إنسان متطور لديه حرية الفكر وحرية المعتقد ويستطيع أن يعيش في لبنان ويساهم في تطوره وفقاً للمعايير الإنسانية الكبرى، وليس وفقاًُ لمصلحة نظام متخلّف يفرض أولوياته علينا.
– لقد جربت بالتصادم مع الجيش السوري أن تطلب منه الانسحاب من لبنان ولم تنفع هذه الطريقة
– أنا دافعت عن نفسي، وحرب التحرير كانت ردة فعل على الضرب السوري علينا.
– ولكنك لم تستطع أن تحرر بهذه الطريقة.
لأن كان هناك تصميماً دولياً لإعطاء لبنان جائزة ترضية، استعملت كل ما هو متاح لدي ولكنني لم أوقّع على الخسارة، ثم أنا لم أكن في الشام ولم أعلن الحرب على سوريا هناك، المدافع السورية ودباباتها كانت تبعد 800 متر عن القصر وسجلت لدينا إصابات مباشرة، قتالنا كان مشرفاً وعدم المشاركة به هي الخيانة الوطنية لأننا كنا في موقع الدفاع عن سيادة لبنان التي كانت تُسلب منه شيئاً فشيئاً، وجود الجيش السوري في لبنان أصبح منذ عام 83 غير شرعي، وقد وجهت كتاباً للرئيس الأسد بهذا الموضوع وقلت له أن وجودكم بعد عام 83 هو غير شرعي فلماذا تبقون في لبنان. فهل إذا قاموا بعملية تسوية عام 89 ، بنواب منتخبين عام 72، وبضغط أميركي ومصالح، وإذا “لحس العرب توقيعهم” على تقريرهم الأول الذي كتبوه والذي يتحدث عن الاعتداء السوري على السيادة اللبنانية، فهذا لا يعني أنني فشلت أو خسرت، أنا أظهرت الحق اللبناني ولكن حصل تخاذل وتنازل في الموضوع.
– ماذا تقصد بقولك أن لبنان هو جائزة ترضية؟
– إقرأ شلومو بن عامي فقد سبق وذكرت ما قاله عن سياسة رابين، ثم في آخر مفاوضات أفشلتها سوريا، ألم يتم الاعتراف الإسرائيلي علناً بأن سوريا تسيطر على لبنان في الواقع “وينقص اعترافنا القانوني بذلك”، الإسرائيليون ذكروا ذلك عدة مرات، والسوريون لم يردّوا على ذلك بل قبلوا به لأنهم يريدون أن يأخذوه مع اتفاقية السلام.
– أنت رمز بالنسبة لعدد كبير من الشباب الذين يؤمنون بوجهة نظرك، ألا تعتقد بأن هذا العداء يربي حقداً في هذا الجيل؟ وكيف ستحول هذا الجيل من العداء المطلق لسوريا إلى صداقة وأخوة إذا انسحب السوريون؟
– أنت تضع الأسباب مكان النتائج والنتائج مكان الأسباب، في أي خطاب كنت أنا معادياً لسوريا؟ السوري هو معتدٍ عليّ، فليترك أرضي، أنا لا أحتل سوريا ولا أصادر القرار السوري، احتلال الأرض اللبنانية ومصادرة القرار اللبناني هو ما يخلق هذا العداء، أما خطابي فهو صداقة للشعب السوري، وقد سبق وقلت أنني مرتبط بمراسلات دولية أذكر فيها أننا مستعدون أن نعطي إلى أقصى حدود كي نحافظ على المصالح السورية، ولكن ويبقى شيئان فقط غير قابلين للتفاوض هما السيادة والاستقلال، فأين العدائية في هذا القول، العدائية هي في من يأتي ويغتصب أرضك واستقلالك وسيادتك، سواء كان معه عميل داخلي أم لا، لا فرق، فالعمالة وجدت في جميع الشعوب.
في فيتنام كما في الجزائر حارب العملاء الوطنيين ولم يسمّها أحد حرباً أهلياً، فلماذا تريدون تسميتها كذلك فقط في لبنان وقد تداخل فيها السوري والفلسطيني وكل شذاذ الأفاق والمنظمات، الحرب صارت في بيتنا فإما أن نأخذ البارودة وندافع عنه وإما أن نسحق، لاحظ أن التهجير وقع على الأكثرية اللبنانية التي لم تحمل البندقية ورفضت الحرب الأهلية، فلو حملوا بندقية لكانوا خلقوا مصلحة للطرف القوي الموجود، ولكان حافظ عليهم وتركهم في مكانهم ، فالحرب إذاً ليست أهلية.
– أعود إلى إعادة الانتشار، ألا يمكن أن تؤسس لعلاقة إيجابية مع السوريين؟ أو يجب أن ينسحبوا من كامل الأراضي اللبنانية دفعة واحدة؟
– لم أطلب ولا في أي لحظة أن ينسحبوا انسحاباً كاملاً دفعة واحدة، طالبت دائماً بجدول ثابت يلتزم بتواريخ وبأمكنة وبوضع بروتوكول للعلاقة بين سوريا ولبنان خلال هذه المرحلة، العلاقة الأخوية لا معنى لها في العلاقات الدولية، هي علاقة عشائرية، قد يكون هناك شعور بالمحبة والصداقة بين شعبين لأن هناك تمازج بينهما ولكننا لا نتشارك نفس المفاهيم، ونحن لا نقبل بالمفهوم السوري
-هناك فئات لبنانية أخرى كحزب الله مثلاً ترى أن الوجود السوري ضرورة، وهي فئات ممثلة لشرائح شعبية كبيرة
لا يستطيع أن يقوم بشراكة ويربط كل الوطن برأيه هو، لا تجوز الشراكة في الوطن، أنا أرفض الذمية الدينية والسياسية، ولبنان يعيش اليوم حالة من الذمية السياسية، لا أحد يستطيع أن يخالف بالرأي الشيء العام المفروض في أجهزة الإعلام، ودائماً هناك صوت واحد يسير في اتجاه واحد مفروض على الجميع، لذلك يبدو صوتي دائماً وكأنه نشاز، لماذا تبدو دائما أصوات اللبنانيين في لبنان وكأنها صُبّت في نفس القالب؟ ألا يوجد اختلاف بين رأي وآخر؟ يريدون فرض التدجين.
تصور مثلاً ما حصل مع طلابنا في مدرسة ال MONT LA SALLE ، فلقد طُرد طالبان، ولمدة عشرة أيام، بسبب توزيعهما بياناً صادراً عن التيار الوطني الحرّ يدعو إلى الاعتصام في ذكرى 14 آذار، وفي الوقت نفسه أصدرت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية بياناً ضد إسرائيل وداعماً للشعب الفلسطيني، وحرّضت الطلاب على النزول إلى الشارع وعلى الإضراب والتظاهر، فمن هو هذا الأخ الذي اتخذ قرار طرد تلميذين يدعون للتظاهر في 14 آذار للمطالبة بانسحاب السوريين من لبنان، وكيف يسمح لنفسه بذلك، فهل تقول بعد هذا أن هناك فكراً حراً في لبنان؟
إن بيان الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية كان بلهجة تفجيرية وعنيفة، أما بياننا فلم يكن كذلك أبداً، وهنا بالمناسبة أود أن أشير إلى ما زعمته وزارة الداخلية التي تكذب كما تتنفس، بالنسبة لتظاهرة 14 آذار حين قالت “مصادر” فيها “أن العماد عون يدعو الطلاب إلى الوصول إلى المراكز السورية حتى ولو أدّى الأمر إلى إراقة الدماء”، هذا كذب وأتأسف أن ينبري صحافي كالأستاذ جميل مروه ويناقش هذا الخبر المدسوس في صحيفة على أنه حقيقة واقعة ويقول بأن العماد عون لا يحق له أن يطلب من الطلاب إراقة الدماء.
– الأستاذ مروه قال ” إذا كان هذا الكلام صحيحا ً”
– لا يناقش في برنامج على التلفزيون شائعة مصدرها “المصادر”، ومعروف لدى الجميع أن كل ما يصدر عن المصادر في الجمهورية اللبنانية هو إشاعات كاذبة تصدر عن السلطات.
– ماذا طلبت بالتحديد من الطلاب؟
– طلبت منهم أنه “حتى ولو كانت الطريق مفتوحة إلى المركز السوري تتوقفون قبله، فمهمتكم إيصال رسالة سلمية تطلب من السوريين الرحيل، ولا تتخطوا أبداً آخر خمسين متر حتى ولو كانت الطريق مفتوحة كي لا يخلق أي إشكال” وقد اعترض الكثير من الطلاب وأبلغوني باعتراضاتهم عبر رسائل، وكانوا يريدون أن يتابعوا باتجاه المراكز السورية ويقتحموها سلمياً، ولكني لم أسمح لهم بذلك.
– ماذا لو دخلت بعض العناصر المدسوسة وتسببت بخلق مشكل، أما كانت قد حصلت كارثة ؟
– لهذا السبب طلبت منهم أن لا يقتربوا من المراكز، ثم لا أحد يقوم بذلك غير الأحزاب المسنودة على السلطة وليس أحزاب المعارضة، فلا أحد لديه مصلحة بتحرير قرار السلطة باستعمال العنف، وشباب التيار هم من خيرة الشباب الجامعيين وأصبحوا معروفين ولديهم رصيدهم وسيرتهم، لا أحد مسلح غير أحزاب الدولة كالحزب القومي والبعث وحزب الله، هؤلاء هم مؤيدو السلطة وكل ذلك يستعمل تحت شعار المقاومة كي يبقى هناك سلاح يهددون به الآخرين بالحرب الأهلية وبالقتل، نحن لا نخاف من القتل ولكن إذا فرض علينا العنف فسندافع عن أنفسنا.
– ستدافعون بالعنف؟
سندافع بكل الطرق إذا اعتدي علينا، أنا لا أؤيد ما حصل اليوم مع أحد طلابنا في جامعة الحكمة فقد كان يجلس في الكافيتيريا بعد أن تبرع بالدم لفلسطين فتقدم منه أحد الطلاب وصفعه وقال له هذا لأنك تتضامن مع القضية الفلسطينية فأدار له وجهه وقال له إذا كان الأمر كذلك وإذا كان الكف من أجل فلسطين فأضرب كفاً ثانياًُ. أنا لا أؤيد هذا الموقف السلبي رغم نبله، ولكن من يضربني كفاً فسأرده له وبأقصى ما يمكنني.
– هل يتبرّع الشباب العونيون بالدم للقضية الفلسطينية ؟
نعم، وهناك أكثر من ذلك، فقد طلب أربعة أطباء من التيار من الجامعة اليسوعية الذهاب إلى مستشفى رام الله للمساعدة هناك كمتطوعين فمنعتهم المخابرات اللبنانية وهددتهم بتهمة التعامل مع إسرائيل .
– ربما لأنه ممنوع دخول إسرائيل على اللبنانيين ؟
هم يريدون الذهاب إلى رام الله، إلى أراضي السلطة الفلسطينية، إلى مستشفى عربي لمعالجة جرحى فلسطينيين.
لا يوجد أي قضية شكلية تمنعك عن ممارسة الجوهر، لا يمكن وصم الإنسان بالعمالة لأنه يريد الذهاب إلى الضفة الغربية للمساعدة، ما هي هذه العقدة؟ هل كل الفلسطينيين هناك هم عملاء لإسرائيل ؟ كما كان أهل الجنوب الذين عوملوا أيضاً كعملاء ووضعوا في السجون؟
– لقد حملني الأستاذ غسان تويني استفساراً لك عن رسالة تحدث عنها الأستاذ طلال سلمان في صحيفة السفير وفيها تقول أنك تتمنى أن تكون جندياً صغيراً في جيش حافظ الأسد. وهذا يعني أنك كنت في أطيب العلاقات مع السوريين وبعد ذلك ولأسباب مجهولة انقلبت عليهم.
– لقد توفر لدي عدة مؤشرات من عدة أشخاص حول موقفي من الرئاسة ومن السوريين وسأذكر بعضاً منها وأعتقد أن الغاية هنا هي النيل من موقف لم يستطيعوا أن يقفوه فلذلك يعمدون إلى التشويش، فقد درجت العادة في لبنان على القبول بالدور الذي يمنحوك إياه سواء أعطاك إياه العثمانيون أو الإنكليز أو السوريون، فجاء إنسان قد يكون شاذاً أو مجنوناً، لا يهم، أقبل أن يقال عني مجنون ولكن لا أقبل أن يحوّروا موقفي أو يقولوا أنه غير نابع عن قناعة معينة فهذا أرفضه تماماً.
قالوا أنني كنت أسعى لرئاسة الجمهورية كسائر الطقم السياسي اللبناني، لقد ورد هذا الأمر عند عدة أشخاص كما ورد بالأمس عند الأستاذ غسان تويني، قبل كل شيء آسف أن يصبح الأستاذ تويني في هذا العمر مروج شائعات وهو يعرف قطعاً أنها شائعات، فهو يعرف الحقيقة كاملة وهو ليس بحاجة كي يأخذ مرجعية مقالاً لطلال سلمان، ولا طلال سلمان هو مرجعية في علاقتي مع السوريين أو بعدم علاقتي معهم، ثم إن الأستاذ سركيس نعوم قد كتب كتاباً بعنوان “ميشال عون حلم أو وهم “، وفي الصفحة 170 يذكر حديثاً طويلاً سأل فيه الرئيس رفيق الحريري الرئيس حافظ الأسد سبع مرات عني وعن الرئاسة، في وقت كانوا يعتقدون فيه أن سوريا نفضت يدها كلياً من العماد عون كما يقول، وقال الأسد “لا مانع لدينا أن يكون العماد عون رئيساً للجمهورية” وسأله الحريري للمرة الأخيرة أتسمح بأن أنقل هذا الحديث للعماد عون فأجابه “نعم” ، ويستغربون بعد ذلك، وأيضا بحسب سركيس نعوم، كيف أن العماد صعّد ضد سوريا وكيف اشتعلت الحرب.
– هل وصلتك هذه الرسالة فعلاً بأن الرئيس الأسد لا يرفض أن تكون رئيساً للجمهورية ؟
– نعم وصلتني، ووصلتني بشكل إيجابي أكثر، وكانت تقول بأنني ” الرئيس المقبل”
– لماذا صعّدت إذاً ؟
هنا يكمن كلّ السر، وأنا أعتبر أن هناك نوايا سيئة لدى الذين يتساءلون حول هذا الموضوع وهم يعرفون الإجابة، لقد سئل عدة لأشخاص عن هذه المسألة فكانوا يتهرّبون من الإجابة. عندما جاء الأستاذ فايز القزي، وهو الذي نقل لي الرسالة، قلت له أنت تخطئ فيما تقول لأن المطلوب في هذه المرحلة هو إنقاذ الجمهورية وليس تعيين رئيس جمهورية، فهل سيتركون لنا الجمهورية لنعرف من سيكون رئيسها؟
المسألة بسيطة جداً إّذاً، لقد رفضت رئاسة الجمهورية لأن المقابل كان التنازل عن الجمهورية، وكان رأيي أن نخلّص الجمهورية أولاً ثم نرى من يكون رئيساً عليها، وعندما جاء الرفض صعّدوا هم، وأنا ردّيت وحصلت حرب التحرير، التصعيد بدأ قبل 14 آذار ، 14 آذار كانت مفصلاً، كانت قراراً بالرد على قصف المرافئ اللبنانية الشرعية ولم نكن نحن من بدأها، أما لماذا نسمّيها “حرب التحرير” فلأن التحرير يعني قتال الضعيف ضد القوي، قتال المواطن تجاه المحتل.
يقولون أننا أعلنا الحرب على سوريا فما هذ1 الكلام الكبير، وما هذا الجهل في الثقافة السياسية والعسكرية !! أنا أقاوم على أرضي ولو لم أقاوم لكنت إنساناً خائناً، هناك نظام أنكر لك دستورك، ورفض تنفيذ قرارات حكومتك الشرعية منذ عام 83، ووضع يده على البنك المركزي، وبعد ذلك بدأ بقصفك، وقصف الأونسكو بمدافعه، فماذا علينا أن نفعل بعد؟؟
وبالمناسبة وعلى ذكر قصف الأونسكو أذكّر أنه ومنذ ذلك الوقت ونحن نطالب بلجنة تحقيق فلينبرِ شخص جريء من الطرف الآخر الذي يتّهمنا، ويضع توقيعه بجانب توقيعنا كي نكلّف مؤسسة حقوق إنسان دولية لتحقق هي بهذا الموضوع.
وأريد أن أذكر أيضاً حديثاً أدلى به مع الأسف الشيخ أمين الجميل في برنامج “حوار العمر” يقول فيه “عندما تبلّغ العماد عون من الأميركيين بأن الرئيس الذي يريدونه هو مخايل الضاهر قلب الطاولة ورفض”، أتأسف جداً أن يكون هذا الحديث قد ورد على لسان الرئيس أمين الجميل لأن الحقيقة مغايرة تماماً لهذا الواقع، فالخلاف لم يكن على شخص مخايل الضاهر، وأن يكون رئيساً أو لا يكون، فعندما أبلغوني بالأمر قلت لهم إنني أعرف جيداً وضع لبنان السياسي وأنتم وحدكم قادرون أن تعيّنوا رئيساً والسوريون كذلك قادرون على تعيين الرئيس الذي يريدون، ولكنكم تريدون أن تفرضوا علينا تعييناً وتطلبون منّا أن نصدّق عليه، أتيتم بالاسم من الشام وتريدون فرض التعيين علينا، اتركوا لنا على الأقل انتخابات شكلية ولو ظاهرياً وليحصل ترشيح، وأوعزوا لجماعتكم بانتخاب من تريدون، فرفضوا وقالوا “THAT’S A DEAL ” “إنه اتفاق”، ومحضر هذا الحديث موجود في السفارة الأمريكية والأميركيون الذين كانوا موجودين يومها هم السفير دايفيد نيوتن والسفير ساترفيلد وملحق الدفاع رينكي ومترجم، وكان هناك محضراً بكل الحديث، أنا لم أرفض مخايل الضاهر بل مبدأ التعيين، وطالبت بانتخابات ولو شكلية ومبروك لمن يفوز بها سواء كان مخايل الضاهر أو غيره، فماذا حصل بعد ذلك؟
الرئيس الذي تعيّن بتوصية قد لا تكون سورية مئة بالمئة رحمه الله استشهد، ثم انتخب ثاني “رئيس” في مكتب المخابرات السورية، ثم مُدّد له بقرار من الرئيس حافظ الأسد وهو عائد في الطائرة عندما قال لجريدة الأهرام أنه لمس رغبة لدى الشعب اللبناني بالتمديد، فاجتمع المجلس على الفور ومدّد. ثم بعد عودة الياس الهراوي من الشام قال أن “الرئيس” هو اميل لحود فصار إميل لحود “رئيساً”، وأصبح مبدأ التعيين هو القائم، ونحن كنا بالأساس ضد هذا المبدأ .
وفي الموضوع نفسه أذكر حادثة حصلت مع غبطة البطريرك عندما عاد من روما وأراد أن يرفع الأسماء للسوريين وقال لي أريد أن ارفع أسمك مع المرشحين لرئاسة الجمهورية فقلت له ” لا أقبل لنفسي ما رفضته لمخايل الضاهر، لا أقبل بمبدأ “قبول سوريا بي” كي أصبح رئيساً للجمهورية، كما يعزّ عليّ أن ترفضني سوريا لأكون رئيساً لجمهورية لبنان، فأرجو أن لا تضعني على لائحة المرشحين” .
رئاسة الجمهورية لم تكن بالنسبة لي هدفاً رغم حقي بأن أطمح إليها. ثم لقد قال الكثيرون ومنهم السيد الياس الهراوي بأنني رفضت كل ما قدم إليّ، الهراوي قال بأنه سعى بأن أكون رئيساً للجمهورية فرفضت، وسعى بأن أكون سوبر وزير فرفضت، وهنا أتعجب لماذا لم ينبرِ أحد من الصحافيين ويسأله ” لماذا رفض وماذا كان يريد؟ ” فليقل أنني كنت مجنوناً
– ماذا كنت تريد؟
– كنت أريد أن تعود الجمهورية وأن لا يكون لبنان مستعمرة سورية، أريده صديقاً لسوريا وعلى علاقات جيدة معها، ومع تكامل اقتصادي ولكن متكافئ مع سوريا، أريد لبنان حراً وواحة للحرية في الشرق الأوسط لأن بدون لبنان لا يوجد تفاعل حضاري في الشرق الأوسط، لأن لبنان يحوي التوازن الحضاري والديني، وفيه مجتمع مختلط يتفاعل وما يأخذه الإنسان عن الآخر يأخذه باختياره ودون فرض، هو ليس مسلماً مسحوقاً في مجموعة مسيحية، ولا مسيحياً مسحوقاً في مجموعة إسلامية، خياري بما أراه عند المسلم وما أقبله به هو قبول طبيعي ناتج عن قناعة وغير مفروض، هذا هو لبنان الذي أريده.
– ألم يكن من الأفضل الحوار مع السوريين بدل الصدام؟
– السوري لا يحاور.
– هو يحاور اليوم.
– يحاور من؟ هو يضحك على الناس، الحوار معه ممنوع.
– هو يحاور السلطة اللبنانية
– السلطة معيّنة من قبله فكيف يحاورها؟
– حصل حوار مع السلطة ومع قرنة شهوان فلماذا لا تطلب أنت الحوار إذا كان هو لا يريد أن يحاور؟
– أول مشكلة حصلت مع قرنة شهوان وأول فرقة مع البطريرك كانت لهذا السبب، هم أرادوا أن يطلبوا موعداً من لحود كي يبحثوا في مواضيع مطروحة في لقاءات قرنة شهوان وهو يرفضها مسبقاً ويرفضنا كمعارضين، حاولوا وذهبوا وخرجوا مطرودين.
– لم يُطردوا، بل أعطى كل منهم وجهة نظره.
– رفض البحث في كل المواضيع التي يريدونها، فإذا كان هناك إقفال على المواضيع الأساسية التي يريدون بحثها فلم التوجّه إليه أصلاً؟
– ألا يهمك على الأقل محاورة الآخر في لبنان، الآخر المقتنع بضرورة الوجود السوري وبأن سوريا هي من يحل مشاكلنا وبأننا لا نزال نحتاج إلى وصاية.
– سوريا هي ذلك الإطفائي المهووس بإشعال النار، يشعل النار لتطلبه ويعود ليطفئها من جديد، وسياسة فرّق تسد نعرفها جيداً وموجودة في كل الأنظمة.
أما بالنسبة للحوار فطبعا أؤمن به ولكن الحوار له شروط ، وهنا سأذكر حادثة حصلت معي ومع السفير جون مكارثي ، فقد سألني مرة “هل تحاور سليم الحص حول الوضع في لبنان ؟”، فأجبته : “نعم أحاور”، فقال “أليس لديك عائقاً لكونك تعتبره رئيسا غير شرعي للحكومة “، فأجبته “موقفي منه كرئيس غير شرعي للحكومة يختلف تماماً عن موقفي من كونه إنساناً لبنانياً لديه موقع ونتفاوض معه على حلّ للأزمة، شرعيته وشرعيتي ليست مطروحة هنا، نحن كلبنانيين يجب أن نتحدّث في ما بيننا حول الموضوع، ولكن أود أن أسألك سؤالاً، هل إذا اجتمعنا أنا والدكتور الحص حول هذه الطاولة المستديرة، واتفقنا على أمر ما فهل يستطيع أن يوقّع أم أنه يريد الاتصال بأحد، وبصورة خاصة بالسوري؟” أجابني “طبعاً لا، سيتّصل بالسوري قبل التوقيع” فقلت له لماذا لا أتحاور إذاً مع السلطة السورية مباشرة؟ لماذا أتحاور مع وكيل لبناني؟” فصمت وتابعت “هذا إذاً ليس حواراً، فأول ما يتطلّبه الحوار هو حرية التوقيع على ما يتفق عليه”
وهذا الموضوع طرحته أيضاً على آخرين وبصورة خاصة على حزب الله، وكان ذلك بواسطة شباب يتحاورون مع حزب الله ، بين عامي 1993 و1994، وقد زاروني يومها في الهوت ميزون وسألوني عن رأيي، فطلبت منهم أن يطرحوا عليهم السؤال ذاته، وأيضاً ما يلي: “إذا وصلنا إلى الحدود الدولية غداً، بأسلوب أو بآخر، فهل ستسقط البندقية وتقام الدولة اللبنانية، أم سنبقى حاملين البندقية لشيء آخر؟” فجاء الجواب بأن المسألة متروكة لتقدير الوضع في حينه، أي وبطريقة ديبلوماسية لا يريدون ترك البندقية.
السؤال الثاني كان هو نفسه الذي وجهته للسفير “هل تستطيعون التوقيع على اتفاق نصل إليه أم ستسألون أحداً؟” فأجابوا بأنهم ينسّقون مع إيران “قرارنا حر ولكننا ننسّق مع إيران”
من هنا ترى العقم في أي حوار لبناني لبناني، وعندما أقول بأن بعض القوى والأحزاب اللبنانية هي امتداد للآخر فلا أتجنّى عليهم لأنني خبرت ذلك بنفسي. أنا مستعدّ لمحاورة أي كان حول هذا الوضع، ووجّهت عدة نداءات في هذا الخصوص ودعوت كل الذين يريدون لبنان وطناً إلى اللقاء والتحاور قبل أن ينتهي الوطن الذي ينازع.
– قبل أن ننتقل إلى موضوع آخر هل يمكن توضيح الرسائل التي أرسلتها للسوريين؟
– لقد وجّهت رسالتين للسوريين، فالعلاقة كانت قد قُطعت رسمياً بيني وبينهم بعد سقوط الإقليم، وبعد أن كانوا قد أعطوناً وعداً بعدم حصول عمل عسكري، وحدثت وقتها أحداث شرق صيدا والإقليم، وقطعت العلاقات معهم نهائياً عام 1985.
وعندما تولّيت رئاسة الحكومة وقاطعني السوريون ودعموا الحكومة المستقيلة وجّهت رسالة بواسطة الخارجية إلى الحكومة السورية أطلب فيها منهم استقبال موفد من قبلي لتوضيح الموقف بيننا، عندها جاءتني الإجابة بواسطة أجهزة المخابرات، كانوا يريدون علاقة مخابراتية وليس سياسية، وأنا أرفض أصلاً هذا النوع من العلاقات مع أي كان، وطلبت بأن تكون العلاقة رسمية سياسية.
أما الرسالة الثانية فقد وجّهتها في 20 آذار 1989 إلى الرئيس حافظ الأسد، أطالبه فيها بسحب قواته من لبنان استناداً لعدم شرعية وجودها لأن الحكومة اللبنانية أنهت مهمتها عام 1982 بواسطة الرئيس سركيس، ثم الرئيس أمين الجميل عندما وجّه رسالة في الأول من أيلول عام 1983 للأسد وللمراجع الدولية يطلب فيها سحب القوات السورية. وأصبح استمرار وجودها منذ ذلك الحين يشكّل اعتداءً على الأراضي اللبنانية.
واستناداً لهذين الموقفين طلبت انسحاب القوات السورية من لبنان، وهاتان الرسالتان اللتان ذكرت هما فقط الرسائل الموجّهة مني إلى السوريين، وخلافاً لذلك فإن كل حديث عن رسائل هو خاطئ وكاذب.
– ما سبب خروجكم من قرنة شهوان رغم أنكم تلتقون معهم، ولماذا تنتقدهم دائماً؟
– نحن في الأصل من مؤسسي هذا اللقاء، وهو قد بدأ أساساً قبيل انتخابات 2000، وقد أُقيمت وقتها دراسة أكاديمية عن الانتخابات وكيف يجب أن تكون، وعندما حان وقت التوقيع على المطالب سألناهم “إذا لم يستجب أحد لهذه المطالب فهل سيكون لنا موقف معين من الانتخابات النيابية؟” فأجابوا بالنفي، فهل كان الهدف من هذه المطالب هو مجرّد ورقة للحفظ أو حتى للرمي في سلة المهملات؟ وقّع الجميع ونحن تحفظّنا، وأعلنا يومها في الصحف أننا لا نوقّع على ورقة لا تستند إلى موقف لاحق وليس لها أي متابعة.
هذا كان في المرحلة الأولى أما في المرحلة الثانية فقد صدر بيان الأساقفة الموارنة في 20 أيلول من العام 2000 ولاحظنا تغييراً جوهرياً في جوهر خطابهم، إذ كان فيه وضع نقاط على الحروف ومطالبة بالقرار520 وتحميل سوريا مسؤولية ما يحصل، فدعمنا الخطاب وقلنا لهم نحن وراءكم، أنتم الروحيون أي السماء، ونحن الأرض فالأرض والسماء معكم، وإثر ذلك دعينا للقاءات وحصلت، وطالبنا ببيان لدعم هذا الموقف وكان مفترضاً أن يصدر في تشرين الأول وبدأت المماطلة، فجاء تشرين الأول ثم تشرين الثاني ثم تشرين الثالث والرابع وهم يحذفون فقرة من هنا وفكرة من هناك، ولاحظنا أن هناك تمييعاً في الموضوع وتحمّلناه بعض الشيء، وبدأت مبادرة الأستاذ فؤاد بطرس ولم نقتنع بها لأن لا وجود لمبادرات في هذه المسألة بل تضيع للوقت وللموقف، فأخذنا نشدّ باتجاه أخذ موقف محدّد وقلنا لهم “خذوا موقفاً فالموقف لا يتعارض مع المبادرات ولا يضيعها ولا يعطّلها، بل هو متمّم لخطاب بكركي” وبدلاً من ذلك بدأ الخطاب يخفّ تدريجياً ، بدأ بفكرة دعم بيان الأساقفة الموارنة لأن مطالبه وطنية تتعلّق باستقلال وسيادة لبنان، ثم أخذ يتراجع فبدأوا يتنازلون شيئاً فشيئاً حتى وصلوا إلى ذلك البيان الشهير وتحولت المطالبة بانسحاب الجيش السوري إلى “طلب إعادة الانتشار وفقاً للطائف” وبدأ الخلل يظهر بوضوح، ثم تابعوا بمبادرة تجاه السلطة من أجل تنفيذ الطائف، وأصبحت “مقطوراً ” لأطالب بتنفيذ الطائف الذي لم ينفّذ أصلاً ولا يشكل القاعدة.
وهنا أريد التوضيح بأننا لم نرفض اتفاق الطائف بسبب الإصلاحات التي حملها وقد أعلنت هذه المسألة مئات المرات، هو مرفوض لأنه يربط مصير لبنان بتاريخ غير محدّد، قلتها في بعبدا ولا أزال أكررها، قالوا أنه بعد سنتين زائد × يعيدون انتشارهم، فبعد كم سنة تراه سيعود البقاع والشمال؟
هذا ليس اتفاقاً، ولو كان هناك نية صافية لتنفيذ “اتفاق” لجدولوا الانسحابات من الأساس، ولما كان هناك مشكلة بيننا وبين السوريين لو قبلوا بجدولة الانسحاب. وصرنا ننتقل من خطأ لآخر، طار لبنان من المفاوضات ونُفّذ القرار 425 ولم ينفع.
أما مع قرنة شهوان فقد وصلنا الآن إلى مرحلة لا يمكن السكوت عنها، وسأقرأ دون تعليق ما ورد في بيانهم بتاريخ 3 نيسان 2002 الفقرة الثالثة: “يدعو اللقاء اللبنانيين المنتشرين في العالم والملتزمين قضايا الوطن الأم إلى التحرّك للدفاع عن قضية فلسطين باعتبارها قضية حق، وباعتبار السلام العادل والشامل وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة شرطاً أساسياً لاستعادة لبنان استقلاله وسيادته وقراره الحر، إضافة إلى أن قيام دولة الاستقلال في فلسطين هو الشرط الأساسي لمنع التوطين في لبنان”
يعني ذلك أننا ننتهي من “ودّ” فتقدّم قرنة شهوان الرسن لربطنا “بودّ” آخر، فما علاقتنا نحن بقيام الدولة الفلسطينية كي تكون شرطاً أساسياً لعودة سيادتنا؟ القضية الفلسطينية عمرها 54 سنة ولا تزال عالقة، فهل نربط لبنان وسيادته بها، ولماذا؟
– المقصود أنه إذا لم يكن هناك استقرار وتسوية في المنطقة فسيبقى لبنان ضحية الصراع؟
– لماذا يبقى ضحية الصراع، ومن يأخذه رهينة؟ ليست إسرائيل بل النظام السوري، فلماذا لا يعيد لنا سيادتنا، وهل نعلن الإضراب عن ممارسة سيادتنا لأن ليس للفلسطينيين وطن؟ وما هي منفعتهم من ذلك، هل إضرابنا عن ممارسة السيادة سيهزّ الضمير الإسرائيلي أو الضمير العالمي؟ هذا خطأ جسيم صادر عن تجمع سياسي لبناني ولا يغتفر. لماذا لا تربط سوريا أو الأردن أو مصر سيادتها بالوضع الإقليمي؟ لماذا لبنان دائماً هو الدولة “الناقصة” التي تعاني من عقدة تقضي بأن تبقى دائماً مربوطة بشيء معيّن؟ لماذا؟
وعلى افتراض أن الدولة الفلسطينية لم تقم فهل هذا يعني أنه لا وجود للبنان؟ ثم افترض أن الفلسطينيين وتحت الضغط قبلوا بحل لا مكان فيه لعودة اللاجئين، فهل هذا يعني أننا نقبل بالتوطين؟
– ماذا نفعل، وهل من حل آخر؟
– طبعاً، هناك ميدان واسع، فعندما تقوم الدولة الفلسطينية يتحوّل الفلسطيني في لبنان من لاجئ إلى مواطن فلسطيني مقيم ويحمل جواز سفر فلسطيني، ولا يعود لاجئاً له حق التوطين في لبنان، العرب والمجتمع الدولي يجب أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في هذا الموضوع لأنهم هم في أساس المشكلة الفلسطينية وهم من تسبب في تهجير الفلسطينيين، في العالم اليوم هناك بلاد استيطان وبلاد هجرة، ولبنان منذ قرنين من الزمن هو بلد هجرة لقلة موارده وكثافة السكان فيه، الكثافة السكانية في لبنان اليوم تبلغ 361 في الكيلومتر المرّبع الواحد وهي أعلى كثافة سكانية في الدول العربية وهو أقلها موارد، إن أي دولة عربية بإمكانها أن تحمل قسماً من اللاجئين أكثر من لبنان، فلبنان قد هاجر منه في عهد “الحل السلمي” منذ 1990 وحتى اليوم حوالي المليون ونصف إنسان وراء لقمة العيش، ثم لماذا لا نخيّر الفلسطينيين هل يريدون أن يبقوا في لبنان ؟ أشك في ذلك. هم يعيشون اليوم على بعض المساعدات، ولكن غداً إذا دُمجوا في المجتمع اللبناني فذلك سيؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي في لبنان وعلى وضعهم هم الاقتصادي لأنهم سيصبحون كسائر اللبنانيين، أما إذا كانوا مقيمين في لبنان فيحصلون على تسهيلات في الهجرة وهناك بلاد كثيرة تستقبل مهاجرين : استراليا وأميركا والبرازيل بإمكان من يشاء منهم أن يهاجر، ومن يشاء أن يبقى يبقى كفلسطيني مقيم.
– بالعودة إلى قرنة شهوان وبكركي فانسحاب الجيش السوري وعودة السيادة والاستقلال هي نقاط مشتركة بينكم فلماذا الخلاف ؟
– الخلاف هو حول الأسلوب، ثم أريد أن أوضح نقطة فأنا عندما أختلف مع قرنة شهوان أو مع بكركي فأنا لا أختلف مع بكركي الروحية التي هي مركز الطائفة المارونية، أنا أختلف مع الرأي السياسي لبكركي ومع المستشارين السياسيين الموجودين حول البطريرك، أنا لا أقبل أن يهمّش الشعب اللبناني في قضية مصيرية كقضية التحرير من احتلال، لا أقبل أن يشترك الشعب اللبناني بمهمة تحرير ذاته وأرضه فعندما أعتبر أن المظاهرة هي عمل عنفي فهذا نوع من التحوير في الكلمات، وهو تحوير مرفوض، وإلا فلنعتبر فرنسا هي بلد العنف لأنها بلد المظاهرات والإضرابات. إن مقدمة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان تقول بتحرير الإنسان من الحاجة والخوف، ثم يأتينا نظام يريد أن يحكم بالفكر الواحد والخوف وبالحاجة، ويهدد الناس بأرزاقهم وبأعمالهم، ثم نعتبر أن كل احتجاج ضده هو عمل عنف ؟؟ هذا تحريف للمفاهيم الديمقراطية وإلغاء لحقوق الإنسان ولحقوق اللبنانيين المنصوص عنها في الدستور.
المعارضة الاحتوائية مؤذية جداً لأنها تشجع على السلبية (PASSIVITE)، وهذه السلبية في المواقف أصبحت موجودة لدى الكثير من اللبنانيين، فمن الخطأ أن لا يتظاهر اللبنانيون ويعبّروا عن ذاتهم، والمعارضة الاحتوائية تتسبب بضعضعة القوى ومن هنا أذاها الكبير كما حصل في 7 آب عندما ضُرب التيار الوطني الحرّ ودعَونا للإضراب فقالوا “نحن لسنا مع الإضراب وإذا أراد الشعب أن يُضرِب فليُضرِِب، ولكننا لسنا مع الإضراب”، هذا كان موقف قرنة شهوان والمنبر الحر يومها، ضعضعة المواقف واحتواء المعارضة.
وأريد أن أسأل لماذا الإضراب والاعتصام صالح في بيروت للقضية الفلسطينية وليس صالحاً للقضية اللبنانية، هل المطلوب أن يتوجّه احتقان الشعب باتجاه قضية أخرى غير قضيته فيتم تنفيسها. لقد أصبحت في لبنان كل القضايا أولويات إلا القضية اللبنانية، دائماً هناك قضايا أخرى أهم، فمتى تصبح القضية اللبنانية أولوية في لبنان ولو لمرة.
هناك دائماً محاولات من قبل السلطة لاحتواء التحركات الشعبية فلماذا نساعدها بمعارضة احتوائية، خذ مثلاً السيد رفيق الحريري، يريد أن يضع يده على النقابات المهنية الحرة، يريد المهندسين والأطباء، كما تمّ وضع اليد على نقابة العمال، فهل يجوز تدجين النقابات لأن رئيس الحكومة يملك المال والسلطة، برلسكوني، لأنه يملك تلفزيوناً خاصاً، يكاد يطير من منصبه، أما عندنا فقد استملك بيروت وهو على طريق استملاك النقابات والمدارس وكل شيء، هذا لا يجوز أبداً، المشكلة ليست في قرنة شهوان فقط بل في نظام حكم قائم على الخطأ من أساسه وقرنة شهوان أصبحت جزءاً منه.
– هل أن التظاهر يحل المشكلة ؟
– إنه يجعل الشعب يعي مسؤولياته، فلا يفيدنا أبداً أن يهبط الحل علينا من السماء إذا لم يكن الشعب اللبناني واعياً لمسؤولياته، لأنه إذا حصل على الاستقلال اليوم فسيخسره غداً، حتى العجائب السماوية لا تحصل إلا بالتقاء الإرادة البشرية مع الإرادة السماوية، العجيبة لا تحصل إلا بالسعي والإلحاح، فلا يقنعني أحد بأن لبنان من الممكن أن ينقذ إذا لم يحصل سعي من اللبنانيين. وهم يريدون أن يعوّدوا الشعب اليوم أن يتظاهر لفلسطين بدل أن يتظاهر لوطنه، أن يتظاهر لسورية وأن لا يتظاهر لبلده، كيف سيتحمّل هذا الشعب مسؤولياته غداً؟ فهو سيعود ليصبح “زلمة” الفلسطيني و”زلمة” السوري ولن يكون مواطناً لوطنه لأنه لم يتعوّد أن يشعر بوجوده كمواطن، المظاهرات والمطالبات كلها تنمّي الوعي الوطني للمسؤولية الشعبية وتجمع الشعب مع بعضه، يريدوننا أفراداً كالغبار، نلتصق على أي حائط، لا يريدوننا “باطوناً مسلحاً” نجتمع في مكان واحد، وهذه هي غاية السوريين حالياً.
– إذا دعيتم مع كل المعارضة إلى مظاهرة ضد الوجود السوري ونزل آلاف الشباب ودعت الأحزاب الأخرى، المطالِبة بالوجود السوري، إلى مظاهرة أخرى ونزل آلاف الشباب فماذا يحصل ؟
– عندها يكون هناك خلاف أساسي، وتصبح إعادة النظر في الوطن واجبة، لِمَ الهروب من المشكلة؟ الهروب لا يحل مشكلة، فإذا كانوا لا يريدون الوطن مستقلاً فماذا نفعل، هناك اتفاق وطني (PACTE NATIONAL) على وطن مستقل، حتى اتفاق الطائف نص على أن لبنان وطن مستقل وهذه “عجيبته” الوحيدة.
– ولكن هذه وجهة نظرهم.
– هذه ليست وجهة نظر هناك مفاهيم دولية متعارف عليها، لا يقام وطن من دون سيادة واستقلال وبدون وحدة أرض وشعب، ولا يقوم وطن تحت وصاية.
– ولكن هناك وجهة نظر تقول أن الوجود السوري لا ينتقص من سيادة لبنان.
– أكرر أن هذه ليست وجهة نظر، هذه هرطقة هناك تحديد للسيادة في كل بلاد العالم فهل نأخذ تحديدنا من شخص ملتزم بالسياسة السورية؟ هناك قاموس عالمي يحدّد معنى السيادة.
– هناك الكثير من القيادات انتخبت في مناطقها ولم تذكر الوجود السوري في برنامجها ومع ذلك انتخبها الناس بكثافة كالرئيس الحريري مثلاً.
– الحريري تحدث في برنامجه عن تعديلات لإعادة التوازن وكان وقتها في جو معارض للوضع القائم، ثم وعد بالحريات وبالمناسبة كم نفّذ منها ؟ ثم وعد بفصل السلطات فلم يستطع، ثم وعدنا بالربيع العاشر وأيضاً إذا به قاحلاً، ثماني سنوات من حكم الحريري ازداد فيها القحط واليباس، فشلٌ على فشل فإذا كان أهل بيروت بعد كل ذلك أنه يريدون الحريري فيعني ذلك أن هناك أزمة فكر في لبنان وأزمة قيادات.
– لاحظنا عند استقبال البطريرك مئات الألوف التي استقبلته وطلبت بالانسحاب السوري، وكيف نزل بعد أيام في ذكرى عاشوراء أيضاً مئات الآلاف وطالب السيد حسن نصرالله في حديثه معها بضرورة بقاء الجيش السوري.
– كانت مناسبة دينية، نزل الشيعة ليصلوا عاشوراء ككل سنة واستفاد السيد نصرالله من التجمع ليقول ما قاله، وفي كل الأحوال أقيموا استفتاء، وإذا كانوا يوافقون على هذا القول حقاً فهذا يعني أنه لا بد، وكما قلت، من إجراء إعادة نظر بالوطن، علينا أن لا نهرب من الواقع، السلام يحتاج إلى إرادتين لصنعه، أما الحرب فتكفيها إرادة واحدة، فإذا كان الفريق الآخر لا يريد الوطن سيداً حراً مستقلا فماذا نفعل إذاً؟ لن ننتحر طبعاً، وعلينا أن نبحث عن حل، ولكن من الأكيد أنه لا يمكننا أن نكون مربوطين برغبة حزبية لا نعرف أصلاً أين هي “مربوطة”، فأنا حالياً لا أضمن شيء من علاقات حزب الله، الشراكة معه صعبة طالما أنه يقرر أنه وحده على السفينة ويريد أن يأخذك معه، في أي مهب ريح لا نعرف.
– تدعو دائماً إلى تصعيد الموقف وتقول أن هذه نقطة الخلاف الأساسية بينك وبين قرنة شهوان فهل ستصل إلى العنف؟
– إطلاقاً، أنا لا أدعو إلى العنف ولن أدعو إليه، وعندما تصل المواجهة إلى مرحلة العنف تكون قيادتي الحالية السياسية قد انتهت، أنا لم أؤسّس حركة على أساس العنف، وأنا أعرف بأن لبنان لن ينقسم، ولبنان سيعود وطناً للجميع حتى ولو كان هناك مؤيدون لسوريا فدورهم سينتهي في النتيجة لأنه لا يمكنهم أن يكونوا ضد الطبيعة، فمن يؤيد سوريا يقوم بشيء ضد الطبيعة ويؤمّن مصلحة ذاتية آنية ضيقة على حساب الوطن ومقوّماته، وإذا لم يكن يؤمن بلبنان سيداً حراً مستقلاً فكل شيء ينتهي.
إن القول بأن الوجود السوري لا يمس بالسيادة هو قول خاطئ تماماً، فإذا قبل الزوج بخيانة زوجته فهذا لا يعني بأن فعل الزنى قد انتفى، قبول الزوج لا معنى له لأن حالة الزنى موجودة سواء كان هذا بقبوله أو بالاغتصاب، وعندما يكون هناك خطف للسيادة الوطنية إما بالتنازل عنها كما هو حاصل الآن لدى الموجودين في الحكم، أو بالاغتصاب، فالنتيجة واحدة وهي أن لبنان فاقد سيادته.
– في حديثك للزميل فارس خشان في جريدة السفير تنتقد استقبال البطريرك لرئيس الجمهورية وتقول “أنا عندما ألقي خطاباً في بكركي وأعود وأستقبل الرئيس الذي هو متعسّف ولا يحترم الكلام الذي أنطق به والمطالب التي أحددها فلا يعود لكلامي أي معنى”، فهل تعتقد أن البطريرك كان يستطيع أن يرفض فعلاً استقبال الرئيس لحود ؟
– طبعاً، فالكنيسة تمثل سلطة معنوية تدافع عن الحق بالمطلق وعن العدالة بالمطلق، وقد سبق ووجهت رسالة إلى السينودس عام 1995 قلت فيها ” وبما أن السياسة تتعلّق بالإنسان وتتوجه إليه في الدرجة الأولى، فالكنيسة لا يمكنها الانصراف، كما لا يمكنها التورّط فيها، ولا الحلول محلّ المؤسسات السياسية ، فالكنيسة هي “سلطة عليا” وبالتالي، هي ينبوع الحقّ وضامنته. ولهذا لا يمكنها اللجوء إلى تسويات، وإذا كان للكنيسة من موقف تتّخذه فهو موقف الحقّ والعدالة. وما التحوّل الذي اتخذه البابا “بنوا الخامس عشر” في بداية هذا القرن، سوى إقرار بوجوب تنحّي الكنيسة عن كلّ ما هو زمني، وتكريس دورها في احترام قيم السلام والعدالة والأخوّة. وما كان انغماس الكنيسة في الصراعات السياسية، ومساندة البعض ضدّ البعض الآخر، في لبنان كما في بولونيا، إلا سبباً لإحداث شرخ اجتماعي، وأزمة بين المؤسسة الأم ومؤمنيها.”
إذاً بالنسبة لمفكرين علمانيين وإكليريكيين وأخص البابا بنوا 15 هناك حدود لتعاطي الكنيسة، الكنيسة هي سلطة معنوية تتدخّل عندما يحصل اعتداء على الحق والقيم التي تجمع المجتمع، تأخذ موقفاً. ولكن لا يجوز أن تأخذ الكنيسة موقفاً سياسياً، وأنا عندما أنتقد بكركي أنتقد الموقف السياسي لها وهذا حق لي كمواطن، ولا أنتقد موقعها الروحي.
– ولكن لم يكن ممكناً أن يرفض البطريرك استقبال الرئيس،
– على الأقل كان عليه أن يواجهه.
– من قال لك أنه لم يفعل ؟
– فليعلن عن ذلك، من الضروري أن يعلن ما قاله “لرئيس الجمهورية” وما وعده به “رئيس الجمهورية”. هذا رأيي أشعر أن هناك شرود في الخطاب وتراجع ومن حقي أن أعلن عن رأيي وهذا لا يعني أبداً موقفاً عدائياً من البطريرك، فلي مطلق الحق كمواطن أن أنتقد موقفه السياسي، كل شيء في لبنان يسير نحو الانهيار التام ويجب أن يقول أحدهم “كفى فليتوقف كل ذلك”، يجب أن يكون هناك موقف.
– ماذا تريده أن يفعل؟
– يا أخي “أليس له الحق بأن يحرد ؟”، لقد قيل قديماً “ما فيك تقاتل، ما فيك تفنجر عينيك ؟” هل يمكن أن تخبرني لماذا حبيب يونس في السجن ؟
– اتهم بعلاقة مع إسرائيل ومع أبو أرز.
– مع أبو أرز ؟؟؟ سلطان أبو العينين المحكوم بالإعدام في لبنان يظهر على التلفزيون اللبناني، فليعتقلوا المسؤولين في تلفزيون لبنان، هل من قانون يمنعك من التكلم مع شخص محكوم عليه بالإعدام؟
– هل يمكن أن تلتقي يوماً مع سمير جعجع وتنسيا ما حصل ؟
– هناك تعبير إنكليزي يقول “عليك أن تواجه مشاكلك”، فلكي تصفّي شيئاً مضى عليك أن تضع النقاط على الحروف، فإذا استطعنا أن نواجه الماضي فبإمكاننا أن نتخطاه، وهنا أتحدث عن مفهوم الاعتراف في المسيحية والغفران، فالغفران لا يأتي بالمجّان، يجب على الإنسان أن يعترف بخطئه ويندم عليه ويتفق على سلوك معين بعد الاعتراف، فإذا كنت قد قمت بشيء مما اتهمتني به القوات اللبنانية فأنا مستعد للاعتراف وبطلب الغفران، ولكن عليك أن تطرح السؤال عليهم أيضاً هل هو مستعد أن يعترف ويطلب الغفران ويقول أنه قد أخطأ؟
حتى اليوم ألاحظ إصراراً لدى القوات اللبنانية ولدى قرنة شهوان على اتفاق الطائف وكأنه إنجيلاً ثانياً، بينما هو في الواقع خدعة أدخلوهم فيها ولم يعرف البعض كيفية الخروج منها لأنهم يرفضون الاعتراف بأنهم خُدعوا وبأن خيارهم كان خاطئاً.
– هل أخطأت أنت تجاه القوات ؟
– إطلاقاً، اتهموني بالكثير ولكن هذا لا يعني بأنها الحقيقة، كانت لديهم ارتباطاتهم وطلب منهم أن يفتعلوا المشاكل وخاصةً المشكل الأخير على أثر اتفاق الطائف.
ثم إن تركيزهم الدائم في هذه المرحلة على الوضع المسيحي هو خطأ، يقولون الغبن المسيحي والإحباط المسيحي هذا تفكير غير صحيح.
– ألا ترى أن هناك غبناً يلحق بالمسيحيين ؟
– الغبن يلحق بكل اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، هل تعتقد أن الحريري هو حقاً رئيس الحكومة؟ هل أن المسلمين هم الحاكمون في لبنان حتى نقول أن هناك غبناً لاحقاً بالمسيحيين؟ هناك السوري يوجه الحكم، يسلّط تارةً الحريري على لحود وتارةً لحود على الحريري ويلعب بنا، اللبنانيون لا يحكمون لبنان، الوضع المسيحي مضغوط ولكن قطعاً ليس من مسلمي لبنان، مضغوط من سوريا ويريدون ترويضنا لأن نفحة الحرية الموجودة لدينا تضر بنظامهم.
– أنت لا تحمل المسلمين إذاً مسؤولية الغبن المسيحي ؟
– أحمل سكوتهم، أحمل “اللطوة” وراء بعض الأشياء.
– أريد أن تصف لي علاقتك ببعض الأشخاص.
– الرئيس الجميل: لا علاقة سياسية بيني وبينه، توجهه السياسي غير واضح بالنسبة لي
الأستاذ نسيب لحود: تحت السقف السوري
السيدة نايلة معوض: تحت السقف السوري
كل قرنة شهوان هي تحت السقف السوري لأنها لا تربط مطالبتها بالانسحاب السوري بالعمل لتحقيق هذا الانسحاب، تستقطب فقط قسماً من الرأي العام وتنفس احتقانه
سمير فرنجية : انتقل كثيراً من منطقة إلى منطقة ومن وموقع إلى موقع ولا أحد يعرف أين سيكون في المستقبل
وليد جنبلاط: أشبّهه بشخص يتلطّى تحت سقف الطائف، يخاف أن “ينفخت” السقف “فتدلف” عليه ويخاف أن يخرج من تحته “فيترنّخ” فعندما يصبح بإمكانه أن يمشي تحت “الشتي” نصبح وإياه في طريق واحد.
كارلوس إده: ينقصه الكثير من الخبرة
دوري شمعون: جيد ولكن يلزمه مثابرة وجهد أكثر على العمل
القوات اللبنانية: أسرى الماضي
البطريرك صفير: JE N’ARRIVE PAS A LE SITUER، لديه الكثير من التأرجح
الرئيس الحريري: يهمه أمران، موقعه في السلطة ومصالحه المادية
– لقد ذكرت لك أسماء أشرس المعارضين باستثناء الرئيس الحريري، من هم حلفاؤك في لبنان ؟ أليس لديك أي حليف سياسي ؟
– هذه الطبقة السياسية عليها هي أن تحرر ذاتها، أنا لا أبحث عن دور، ويدي ممدودة للجميع ولكن هل يجرؤ أحد منهم على لقائي، جميعهم يزورون باريس ولكن لم يجرؤوا على الاتصال بي، لا يزالون يأملون ببدعة العونية بلا عون ويعتقدون أنهم قادرون على جر شباب التيار إلى خطاب سياسي متراجع، ولا يعرفون أن التيار إذا أنا غيرت مواقفي فهو سيتركني وسيبحث عن قائد جديد، فتفكيري لم يعد ملكي هو ملك ل12 دورة تخرّجت من الطلاب الجامعيين، هؤلاء هم حلفائي، وهؤلاء هم مستقبل لبنان، فلا تحصرني بالزعامات التقليدية فقط.
– من يمنعهم من لقائك في باريس، هل تعتقد أن السوري يمنعهم ؟
– إن لم يكن السوري فهي المراقبة الذاتية وهذا أبشع، إن الاستعباد الحقيقي يكون بالمراقبة الذاتية وهي تطال حالياً بعض الصحافيين فيدجّن الإنسان ذاته يوماً بعد يوم، أنا كنت أتمنّى أن تبقى المراقبة من قبل السلطة فيكتب الصحافي أفكاره وتحذفها الرقابة، ولتنزل مقالته صفحة بيضاء فهذا أفضل بكثير من أن يلغي هو بذاته كلمة واحدة منها، لأن إلغاء الذات شيئاً فشيئاً سينتهي بالتدجين التام، فيتبنى الإنسان موقف السلطة دون أن يشعر ويدافع عنه، وهذا أبشع أنواع الرقابات.
– هناك إنجازات عديدة للعهد من تحرير الجنوب إلى زيارة الرئيس الأسد وإحياء المجلس الأعلى اللبناني السوري إلى إعادة الانتشار، أفلا تعترف للعهد بأي شيء ؟
– نبدأ بالجنوب، فالجنوب إذا لم يعد للسلطة الشرعية ولسلطة القانون وللقوات الشرعية اللبنانية فلا يمكن اعتباره محرراً، هو أرض خاضعة لمليشيا، وانتقلنا من إحتلالين إلى احتلال واحد، وأوضّحها للمرة الألف إن الرابط بيننا وبين الشعب السوري لا لبس فيها ولكن مفاعيل الاحتلال السوري للبنان أسوأ من مفاعيل الاحتلال الإسرائيلي لأن إسرائيل كانت تحتل شريطاً حدودياً مؤلفاً من بضع كيلومترات ولكن سوريا احتلت القرار اللبناني والسيادة والاستقرار، وانضمام الجنوب إلى الشمال لم يرجع السيادة وحتى أنه لم يعطِ سيادة لبنانية على الحدود.
أما بالنسبة لزيارة الرئيس الأسد، فبروتوكول الاستقبالات يظهرها وكأنها زيارة رئيس جمهورية لمحافظة، اشتراك الإداريين في استقبال الأسد يدل على ذلك، هذا من ناحية الشكل أما عملياً فلم ينتج شيء عنها.
– سوريا ألغت نصف ديون لبنان في الكهرباء.
– لماذا نحن مدينون بالكهرباء لسوريا؟ في ظل الوجود السوري لماذا يعجز لبنان عن جباية الفواتير في مناطق السيطرة السورية والحزبية؟ من أين يأتي عجز الكهرباء؟ من السرقة والهدر التي تصب أرباحها عند السوريين، لماذا توقف الإصلاح الذي بشرنا به “سيادة الرئيس لحود”؟
– وقفوا بوجهه.
– من ؟ ألا تعرف أن غازي كنعان قادر على تطيير الفيل، ألم تسمع بهذه الخبرية عن الأستاذ نبيه بري: “جاء ناس إلى الأستاذ نبيه يقولون له “هل صحيح أن الفيل بيطير” فأجابهم “عيب استحوا، فيل وبيطير ؟” فقالوا له “لقد كنا منذ قليل عند العقيد غازي وقال لنا أن الفيل بيطير” فقال لهم “إذا قال العقيد غازي إن الفيل بيطير فمعقول أن يطير بس ما بيعلّي كتير”، هذه نكتة تدل على واقع معين في لبنان وهو أن غازي كنعان “بيطير” فيل وأنك مجبر على التصديق بأنه طار.
– ماذا تخبرنا عن زيارة واشنطن، وقد قيل بعدها أنك قد تكون التحالف الشمالي في لبنان ؟
– لا أنا حميد قرضاي ولا لبنان أفغانستان، أما بالنسبة للزيارة فقد كنت مدعواً لإلقاء كلمة في الكونغرس عن الشرق الأوسط والسلام والإرهاب وهذه الدعوة كانت قبل 11 أيلول، وألغيت الجلسة بسبب الأحداث، ولكن الشخص الذي دعاني أصر على ذهابي وقال لي بأن زيارتي أصبحت مفيدة أكثر وسيكون فيها الكثير من المحاضرات بدل من محاضرة واحدة وهذا ما حصل، ذهبت والتقيت بالكثيرين من نواب في الكونغرس والسيناتور ومؤسسات، وتناقشنا في المسألة اللبنانية وفي مسألة الإرهاب، وكانت فكرتهم عن لبنان سيئة جداً، فلبنان غير موجود على خريطتهم السياسية، وأول من ساهم بإلغاء لبنان هما السفير اللبناني والسفير السوري، والفكرة السائدة كانت بأن سوريا هي عامل استقرار في لبنان ومن دونها سيتذابح اللبنانيون، وهذه دعاية السلطة اللبنانية والسفير عبود، تناقشنا كثيراً بتاريخ الأزمة اللبنانية وبمسبباتها وبالتداخلات التي حصلت فيها، تحدثنا عن المنظمات وعن كل شيء، وحمّلت سوريا المسؤولية من الألف إلى الياء ولا يمكن أن أنكر ذلك فهي من قوض الاستقرار في لبنان تحت ستار حمايتنا من الإفناء، فمن كان سيفنينا ولماذا لا نزال ننتظر الإجابة على هذا السؤال؟
– هل تحسنت علاقتك بالأميركيين إذاً ؟
– طبعاً فلقد تعرفوا على الشخص، لقد كانوا يعرفونني في السابق من خلال أجهزة المخابرات ومن خلال اللوبي المعادي لنا.
– بما تفيد هذه العلاقة مع واشنطن اليوم ؟
– تفيد بعودة لبنان إلى مهمته التاريخية كبقعة حضارية في الشرق الأوسط لأن النظام العالمي الجديد لا يقوم فقط على بعد اقتصادي بل أيضاً على بعد روحي وثقافي وحضاري، وعلى تعددية وديمقراطية.
– هل أنت حليف للأميركيين ؟
– المسألة ليست مسألة حليف، أنا ذهبت إلى هناك لأطالب باستقلال لبنان ولا تنسى أن أميركا هي الدولة العظمى الوحيدة، وسياستها تؤثر على سياسة كل العالم شئنا أم أبينا، هناك معادلة قوة عند أميركا فإذا استطعت أن تجعل هذه المعادلة لصالحك فتكون قد استطعت أن تخلص وطنك. إن أكثر من أذاني في العالم هما أميركا وإسرائيل ولكن لا يمكنني أن أتجاهل قوة أميركا وتأثيرها في العالم، يجب أن تفهم أنه قد حصل خطأ بحق لبنان ويجب تصحيحه ولبنان قد وقع ضحية الإرهاب. عرضت لهم جدول الاغتيالات والتفجيرات في لبنان وقلت لهم لا أريد أن أتهم أحداً، ولكن اسألوا مخابراتكم ولا تضعوا المسؤولية على عاتق أحزاب لأن هذه الأحزاب لها ارتباطات بأنظمة، والمنظمات التي تعتبرونها إرهابية هي مرتبطة بأنظمة، يجب أن يتم نزع سلاح هذه المنظمات، وأن تصبح هذه الأنظمة ديمقراطية، بالإضافة إلى ضرورة إنماء للشعوب الفقيرة.
هذه هي النقاط التي تحدثت بها وقلت أيضاً أن هذه الشعوب لا يمكن أن تتطور إذا لم تعتمد شرعة حقوق الإنسان ومنها حرية المعتقد وعدم التمييز بين الأجناس، تصور مثلاً، أنا أُعتبر عربياً ومن بلد عربي ولكن عندما أذهب إلى السعودية لا يمكنني أن أحصل على جنسيتها مهما فعلت، ولا يمكنني أن أصلي على الأرض السعودية فما هو السبب ؟
حوار الحضارات يتطلب حرية المعتقد فلا يمكن أن تحاور إنساناً محكوماً بأفكار مسبقة لا يقبل ولا يرفض إلا ما قد أُملي عليه، المطلوب حرية المعتقد ضمن الإسلام وضمن المسيحية.
– هل المطلوب ضرب حزب الله ؟
– إطلاقاً، دعوتنا إلى حزب الله هي دائماً سلمية لقد قلنا لهم دوركم التحريري قد انتهى فلا تكونوا أداة بيد غيركم فتعالوا والعبوا دوركم السياسي، صحيح أنني أرفض الكثير من أفكارهم، فلديهم أفكار غريبة نوعاً ما عن مجتمعنا ولا تنسجم مع مهمة لبنان التقليدية ولكنهم جزء من المجتمع اللبناني. أطلب منهم أن لا يكونوا بعداً خارجياً في لبنان بل بعداً لبنانياً في الخارج، لا يهمني أين يكون ولاءهم الديني في قم أو في العراق، فهذه مرجعية دينية لا علاقة لنا بها ولكن ما هو مرفوض هو أن تكون أي فئة لبنانية مسيحية أو مسلمة بعداً للخارج في لبنان.
– متى ستعود إلى لبنان ؟
– عودتي ستكون مقرونة بتغيير ما على الأرض اللبنانية.
– بعد 10 سنوات مثلاً ؟
– بعد 10 سنوات سيكون قد انتهى لبنان وستأتي أنت إلى هنا
– ألست مطمئناً لمصير لبنان ؟
– أنا مطمئن لمصير الشعب الفلسطيني لأنه شعب حي، ولكنني لست مطمئناً لمصير الشعب اللبناني لأنه يتصرف بسلبية في قضاياه، يجب أن يعطي أولوية لقضيته، فبالرغم من أنني أملك جميع عناصر التفاؤل ولكن هذا لا يعفي الشعب من المسؤولية، لأن عناصر التغيير لا يستفيد منها إلا من هو موجود، يجب أن نكون موجودين لاستعادة حقوقنا.
– ما الذي يمنع عودتك إلى لبنان ؟
– قبل كل شيء تقييد حرية عملي السياسي، فتأليب الرأي العام العالمي أمر ضروري جداً لإنجاح قضيتنا وهذا ما أفعله حالياً بواسطة المحاضرات واللقاءات والاتصالات ولا أريده أن يتعطّل، ثم أن هناك مسألة مبدئية بالنسبة لي فالدولة التي تحتجز حقوقك المادية لا يمكن أن تأتمنها على حياتك، فإذا كان هناك لص يسرق أموالك فهل تضعه حارساً عندك وتؤمنه على حياتك؟
– أين أصبح المحامي محمد مطر والملف الذي تحدثوا عنه؟
– أنا أريد أن أسأل وأرجو منك أن تطرح السؤال على الرئيس الحريري في أول مناسبة.
– ألم يتصل بك ؟
– أبداً، ولم يصدر عنه أي شيء، وفي كل الأحوال تأكد أنهم لو وجدوا شيئا ضدي لنشروه على الفور فلا أحد يخاف على سمعتي من المسؤولين.
– هل يمكن أن تفاجئ اللبنانيين بعودتك إلى لبنان كما فعل الرئيس الجميل مثلاً ؟
– من الممكن أن لا يكونوا قد وضعوا عليه شروطاً للعودة أما أنا فعلي شروط.
– ما هي ؟
– ألم تسمع وليد جنبلاط ودعوته لي “لكن تحت سقف الطائف”
– هو لا يضع شرطاً ولكنه يفضل أن تكون تحت سقف الطائف.
– أنا لا أحب “اللطوة” أنا أحب “الترنيخة”
– ما هي كلمتك الأخيرة للبنانيين ؟
– إن شاء الله نفاجئهم بالعودة إلى لبنان، وقبل العودة إن شاء الله نفاجئهم بشيء آخر يحدد الوضع الدولي والإقليمي للبنان، نحن نسعى لأشياء كثيرة نأمل أن تتحقق وأن يكون هناك نتيجة لها.
الأكيد أن عودتي ليست ضد أحد هي تجمع اللبنانيين حول فكرة لبنان السيد الحر المستقل، لا يستثني أحداً من أبنائه وإن لم يشاركنا التفكير، لأننا أول من يقدّس حق الاختلاف، ولبنان سيكون دولة ديمقراطية وستعرض على الشعب اللبناني كل الخيارات ليختار منها، لا أن تفرض عليه أو يدعي الآخرون بأنهم ينطقون باسمه. قريباً سنمارس الحرية بكل أشكالها وعندها يستطيع اللبناني أن يميّز كيف كان يعيش وكيف أصبح يعيش، وأرجو أن يكون عندنا ثقافة الحرية وثقافة الحياة في المستقبل القريب.
نتيجة الاستفتاء: 82% ضد فتح الحدود و 18% مع فتح الحدود