عقل العويط: إنّي أتهم

164

“إنّي أتهم”
عقل العويط/النهار/18 أيلول/17

للمرة الثانية خلال أشهر، يردّ رئيس الجمهورية على الذين يقولون بالفساد، ويندّدون بانتشاره، داعياً مَن يملكون إثباتات في هذا الشأن أن يكشفوا عنها لإجراء اللازم. رئيس الحكومة قال بدوره شيئاً مماثلاً عندما ردّ على النوّاب في الجلسة النيابية العامة السابقة لمناقشة أعمال الحكومة. وقد تضمّن موقفا عون والحريري إيحاءً بأن ما يقال عن شيوع الفساد، إنما يندرج عموماً في باب التكهنات والمواقف السياسية ليس إلاّ.

أنقل حرفياً ما جاء على لسان الرئيس عون في 11 أيار الفائت: “أقول لمن لديه أي شيء يدلّ على فساد محدّد سواء كان من رجال الإدارة أو السلطة فليقدّم الأدلة وإلاّ فليتوقف عن تضليل الرأي العام”.

وليس غريباً أن يكون الرئيس عون قد أكد في التصريح نفسه تصميمه على “الاستمرار في مكافحة الفساد ووقف الارتكابات والصفقات المشبوهة للمحافظة على المال العام ومصالح المواطنين”، وأنه لن تثنيه عن هذا الخيار أي محاولات أو ضغوط تمارس.

وفي 4 آب دعا عون الى وجوب “اسقاط الحصانات عن كل من يمارس الفساد”.

فمَن يقصد فخامة الرئيس بـ”وقف الارتكابات والصفقات المشبوهة للمحافظة على المال العام”، ومَن يقصد عندما يدعو الى “اسقاط الحصانات”؟ هل يقصدني أنا المواطن؟!

في 6 أيلول الجاري قال الرئيس عون بالحرف: “من يبث الشائعات عن صفقات وتلزيمات في مشاريع الحكومة فليقدّم إخباراً الى القضاء بمعلوماته وإلاّ كان كلامه قدحاً وذمّاً وافتراءً يستوجب التحقيق”.

هذا في ما يتعلق برئيس الجمهورية، أما رئيس الحكومة فقال في 22 آب الفائت، في نهاية جلسة مناقشة أعمال الحكومة ما يأتي ” تم الحديث كثيراً عن الفساد، لكني كنت أتمنى أن تقال الأمور كما هي، وأن نقول أسماء. تم الحديث عن رئيس وزراء سابق وغيره، هؤلاء تمت تسميتهم وحاكمهم القضاء، مشكلتنا أننا نتحدث بالفساد ولا نسمّي، نتحدث بالهدر ولا نقول ما هو الاّ المقونن منه. في حال وجدت ملفات على أشخاص إداريين، أتمنى على الزملاء النواب رفع قضايا في حقهم. توجد آلية في الدستور والقانون يمكننا تطبيقها، اذا كان هناك وزير من تيار المستقبل تفضّلوا حاكِموه، لا توجد لديَّ مشكلة، يجب أن نتخطى هذا الخط، نتكلم به ولكن لا ننفّذه، أتمنى من كل القوى السياسية التي تتحدث بالفساد أن تتفضل وتذهب الى القضاء وتقول فلان فاسد ونحن مستعدون لفتح كل أوراقنا. أما الحديث عن الفساد لاكتساب شعبية في مكان ما فأنا ضده لأن فعليا يضعف ثقة الناس بنا”.

لا يا دولة الرئيس. اسمحْ لي فيها. هيدي مش طريقة لمعالجة الفساد، ولا للردّ على الاتهامات بالفساد. بل تزيد الأمور تعقيداً وتمويهاً.

على رغم ذلك كلّه، لي رأيٌ دستوريٌّ وقانونيٌّ ومنهجيٌّ صارمٌ في هذا المجال، أقترح على فخامة الرئيس وعلى دولة الرئيس أن يأخذا به، باعتباره آليةً إجرائية، بدل دعوة الناس الأوادم – أشدّد على عبارة “الناس الأوادم” – إلى السكوت على ضيم الفقر والجوع واليأس لأنهم لا يملكون دليلاً. ما هو هذا الرأي؟

ثمة هيئات رقابية، نصّ عليها القانون، مخوّلة القيام بواجبها في مسألة السهر على المصلحة الوطنية، وضبط الإنفاق العام، وقوننته، بما يفضي إلى حماية حقّ الأوادم، وخصوصاً المواطنين الذين ينتمون إلى الطبقات الشعبية، والذين يعانون الأمرّين من تفاقم الضرائب وارتفاع غلاء المعيشة، ومن غياب الضمانات الاجتماعية التي توفّر لهم حياة كريمة.

هذه الهيئات الرقابية، أريد أن أعرف، أنا المواطن العادي، الذي لا يملك القدرة العملانية على الكشف عن صفقات الإهدار والتسريب المالي، هل تقوم بواجبها حقاً؟ وإذا كانت تقوم بهذا الواجب، بما يؤدي إلى إحكام الخناق على كلّ محاولة سرقة أو نهب، فلماذا، والحال هذه، يظلّ هذا المواطن يرزح تحت أعباء لا طاقة للجبال على تحمّلها، في حين ينعم كثيرون، وخصوصاً من أهل الطبقة السياسية وذوي النفوذ – والله أعلم لماذا وكيف؟ – بالعيش الفاحش الذي لا تخوّلهم إياه – مبدئياً – وظائفهم ومرتّباتهم؟!

من حقّي أن أردّ، أنا المواطن العادي، على ما جاء في كلام رئيس الجمهورية، وفي كلام رئيس الحكومة، لأن غايتي لا أن أضلّل الرأي العام، ولا أن أبثّ الشائعات، ولا أن أقدح وأذمّ وأفتري… بل أن أوقف النهب إذا كان موجوداً – وهذه هي مهمة الهيئات الرقابية التي قد لا تكون تؤدي مهمتها على أكمل وجه بسبب الضغوط “الرسمية” – وغايتي أن أعيش بكرامة!

الطابة في ملعبكَ، يا فخامة الرئيس، بوصفكَ حامي الدستور، كما هي في ملعب السلطة التشريعية، أي مجلس النواب، الذي يكمن دوره الأساسي في التشريع ومراقبة أعمال الحكومة و”صفقات” وزرائها.

واسمحْ لي أن أدعوكَ، أولاً بأوّل، وبكلّ احترام، إلى الطلب إلى الهيئات الرقابية والقانونية المخوّلة، فتح التحقيقات الفورية في اتهامات السياسيين بعضهم لبعض بالفساد وبعقد الصفقات والتلزيمات. ولا تنسَ، يا فخامة الرئيس مسألة الكهرباء.

إميل زولا، كتب في جريدة L’Aurore في 13 كانون الثاني 1898، مقالته الشهيرة “إني أتهم”، على طريقة رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية فيليكس فور، في “قضية درايفوس”.

أحبّ أن أقلّد زولا في توجيه الاتهام بوجود التعتير بسبب انتشار الفساد، راجياً أن أحظى مثل الكاتب الفرنسي، لا بالحبس، بل بكشف النقاب عن حقيقة هذا الفساد.

وهذا – فقط – من أجل أن نحيا بكرامة في دولة الحقّ والقانون والديموقراطية!

**ملاحظة:الصورة المرفقة مع المقال هي للصحافي عقل الغويط والمرحوم سمير فرنجية