علي الحسيني/«داعش» ابن النظام.. وإلى أحضانه يعود

51

«داعش» ابن النظام.. وإلى أحضانه يعود
علي الحسيني/المستقبل/29 آب/17

لن تُفلح كل محاولات النظام السوري لرفع صفة الإرهاب عن نفسه، ولا الطرق التي يسلكها في سبيل حرف الأنظار عن ممارساته الإرهابية والإجرامية والتي وصلت إلى مرحلة لم يعد السكوت عنها جائزاً، في تبييض صورته وصفحته لا أمام الرأي العام ولا حتى امام الشعب السوري المعني الأساس بهذا الاجرام المُتجّذر ضمن عائلة ما استهوت يوماً غير الاجرام والقتل والتنكيل، سبيلا، ولا عرفت غير الخيانات والمؤامرات طريقا. وهذا ما يُثبّت اليوم بالوقائع والأدلة، من خلال سعيه الحثيث لإنهاء ملف وجود تنظيم «داعش» في الجرود بكافة الطرق وفتحه ممرات آمنة لعناصره، للعبور نحو مدينة «البو كمال» في ريف دير الزور، في حافلات لا همّ لونها ولا حجمها، فالمهم أنها مطابقة للمواصفات المشروطة من قبل «التنظيم» وأبرزها ان تكون «مُكيّفة».
يوم الأحد الماضي، أعلن النظام السوري عن موافقته على اتفاق وقف إطلاق النار مع تنظيم «داعش» في منطقة القلمون الغربي في ريف دمشق. وقد برّر موافقته هذه، بأنها حقن لدماء القوات السورية والقوات الرديفة التابعة لها والمدنيين، مع العلم أن جيش النظام وحلفاءه وعلى رأسهم «حزب الله»، كانوا اعلنوا في خلال الأيّام الماضية في بيانات رسمية، «إنتصارهم» في معركة القلمون الغربي وانه لم يعد أمام عناصر هذا التنظيم، سوى الاستسلام أو الموت. هذا في العلن، أمّا في الخفاء، فيأبى سيناريو معركة جرود عرسال مع «جبهة النصرة»، إلا أن يتكرّر في جرود القلمون.

ها هم عناصر «التنظيم» الأكثر إرهاباً وإجراماً في العالم، يخرجون من الجبال التي تحصّنوا فيها لفترة تزيد عن ثلاثة أعوام، وذلك ضمن صفقة أتاحت لهم تجميع أنفسهم وإحراق نقاطهم واختيار نوعية الباصات التي يُريدون الانتقال بها، وكأنهم في مهمة نظامية رسمية، تكفل لهم حريّة الاختيار والتنقّل بالطريقة التي يختارونها هم وتكفل سلامتهم وأمنهم. وبدروه، أفاد الإعلام الحربي التابع لـ «حزب الله» أمس، عن بدء خروج مسلحي «داعش» من جرود القلمون الغربي باتجاه دير الزور بعد أن قاموا بإحراق مقارهم، وأن هذا الأمر جاء في سياق تنفيذ الاتفاق الذي تضمن الكشف عن استشهاد العسكريين الذين كانوا مخطوفين لدى «داعش». لكن الحزب لم يتطرق الى مصلحته الشخصية في الصفقة والتي مكنته من استعاده رفاة خمسة من عناصره كانوا لدى التنظيم، وبانتظار الكشف عن مصير أحد عناصره.

الاعلام الحليف للنظام السوري و»حزب الله» والذي يُصرّ على وصف الصفقة بـ «الإنجاز» و»الإنتصار»، يسعى جاهداً لأن يُبرّر عبور عناصر «داعش» إلى دير الزور بحماية جنود من النظام وعناصر من الحزب، وذلك من خلال نشر معلومات تقول «إن عملية التفاوض نجحت في نقل المسلحين من ميدان كانوا يستطيعون فيه القتال بضراوة وإلحاق ضرر كبير بمهاجميهم، الى منطقة سيتكفل الطيران السوري والقوى المهاجمة في الصحراء في قتالهم وبأقل كلفة ممكنة إذا عادوا الى الميدان». وليعود ويُشير إلى أن «الاتفاق أكد بأن داعش بات في حالة انهيار كامل ربطاً بما يحصل له في العراق وسوريا، إذ من المتوقع ان تنتهي المعارك ضد «داعش» في دير الزور والرقة بأسرع مما كان متوقعاً».

ومن المعروف، أنه في منتصف ليل السبت الماضي، لاحتْ مؤشرات صفقة «حزب الله» – «داعش» مع الإعلان عن أن مسلّحي الأخير في الجرود قرروا تسليم أنفسهم جميعاً إلى أقرب حاجز للحزب وسط تقارير في وسائل ربطتْ الأمر باقتراب مقاتلي «حزب الله» من مسلّحي «داعش» وبأنه على وشك القضاء عليهم وصعود الحزب إلى بداية مرتفع «حليمة قارة» وهو آخر نقاط وجود «داعش» في المقلب السوري. مع العلم أن معلومات من داخل الحزب، كانت كشفت عن قرب حصول معركة كبيرة بين الجهتين، سوف لن يخرج منها الحزب إلا بعد القضاء بشكل كامل على «داعش». وهذا ما أنبأ به السيد حسن نصرالله اللبنانيين خلال خطابه ما قبل الأخير عندما قال «احفظوا هذا الاسم جيدا (حليمة قارة»)، فسوف تسمعون به كثيراً خلال الفترة المُقبلة». وبالتأكيد فإن نصرالله كان يتحدث عن معركة ضارية لا عن صفقة وعملية تبادل.

العلاقة بين النظام السوري وتنظيم «داعش»، هي بالتأكيد ليست وليدة اليوم ولم تتعاظم لا مع الأيّام وقرب المواقع بين بعضهما البعض، ولا بحكم الظروف والمصير الذي يجمعهما في مواجهة «عدو» واحد أي بقيّة الفصائل المُقاتلة. وفي احصائيات أجرتها المؤسسة البحثية «أي إتش إس» (IHS) في العام 2015، يتضح أن النظام السوري الذي لطالما صوّر الحرب الأهلية على أنها معركة ضد الإسلام الراديكالي – وتنظيم «داعش»، قد تجاهلا بعضهما البعض إلى حد كبير في ساحات المعارك بحسب ما تشير إليه البيانات. وتُستتبع هذه الإحصائيات بتحقيق لصحيفة «التلغراف» البريطانية يكشف بأن النظام لا يشتري النفط من داعش وحسب، بل يساعده أيضاً في تشغيل وإدارة بعض مرافق النفط والغاز. وفي بعض الأحيان، يقوم النظام بإمداد المدن الواقعة تحت سيطرة داعش بالكهرباء مقابل الحصول على الوقود.

ويتحدث ناشطون سوريون عن أن النظام يُرسل العشرات من الشاحنات المحملة بالقمح من الحسكة إلى طرطوس الساحلية مروراً بمواقع تابعة لـ «داعش» (من الرقة إلى قرابة مدينة السلميّة)، حيث يقوم التنظيم بتأمين مرورها في مناطقه مقابل الحصول على 25% من حمولتها، والتي يقوم بتفريغها في صوامع حبوب الرشيد في مدينة الرقة. هذا بالإضافة إلى أن شركتي الاتصالات الرئيستين ما زالتا تعملان في مدينة الرقة بشكل طبيعي حيث يتم إيفاد المهندسين والفنيين لإصلاح أي أعطال طارئة في مناطق تابعة للتنظيم.

من المؤكد، أنه خلال المعركة مع «داعش» في الجرود اللبنانية والسورية، وحده الجيش اللبناني نجح في حصر وجود عناصر هذا التنظيم في بقعة جغرافية ضيقة وتعطيل حركتهم بعد السيطرة على معظم المعابر والطرق التي يستخدمونها في مناوراتهم. ووحده الجيش تمكّن من السيطرة على 100 كيلومتر مربع من أصل 120 كان الإرهابيون يُسيطرون عليها. ووحده الجيش، دفع عناصر «داعش» إلى التراجع في اتجاه الحدود السورية، وتحديداً عن معبر مرطبيا، وهو المعبر الوحيد الذي تمكّنوا من استخدامه خلال انسحابهم باتجاه الداخل السوري وتحديداً مناطق النظام، الجهة التي وفّرت لهم كافة الطرق، للوصول إلى الحدود اللبنانية. إلى ذلك، نظّمت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، جولة لوسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، على الجرود في السلسلة الشرقية التي حرّرها الجيش، وطرد منها تنظيم «داعش» الإرهابي.

ونقلت الوكالة «الوطنية للاعلام» عن أحد الضباط المرافقين للوفد قوله إنه «بفضل التكتيك الذي انتهجه الجيش اللبناني، وغزارة النيران، اضطر العدو للاستسلام، والانكفاء إلى الجانب السوري، وطلب مفاوضات تؤمّن خروجهم مع عائلاتهم الى البادية ودير الزور»، مشيراً الى أن «كل موقع له ميزته ودوره في المعركة، فتلّة العشّ كان لها ثلاثة مداخل متواصلة، كان يستفيد منها العدو، فعملت وحدة من الجيش على استرداد التلّة، وانطلق الجنود نحوها سيراً على الأقدام، على الرغم من وعورة المكان، وبإصرارهم أخذوا تلّة العشّ، وقطعوا التواصل بين مراح العرب، وتْنِية عسّاف ووادي الخشن».

ولفت الى أن «معبر اللزابة كان له دور بارز، إذ تبعد عنه حلايم قارة بحدود كلم شمالاً، وكانت مهمة استرداد المعبر من نصيب فوج التدخل الأول، وفضلاً عن القضاء على الارهابيين وإجبارهم على الإنسحاب، وعندما اشتد الضغط على داعش، حاولوا إرسال الانغماسيين على دراجات نارية نحو الجيش، ولكنهم فجروها عن بعد، وأجبرهم الجيش على الانسحاب وتسليم المعبر». أضاف: «أما في حقاب خزعل، فقد عمد الجيش الى ضرب العدو من الخاصرة، وباغته من مكان لم يكن في حساب داعش، وقام بعملية التفاف مما جعل العدو يتضعضع، وكبّده الجيش خسائر فادحة بالأرواح، واستردّ حقاب خزعل المطلّ على حليمة قارة، وقام الجيش بتموضع لجنوده في التلال التي استرجعها، وشق الطرق، وبدأ التحضير للمرحلة الرابعة، وهي المرحلة القاضية لاسترداد ما تبقى من الجهة اللبنانية، وذلك تحت كثافة نيران، شاركت فيها مروحيات الجيش باندفاع وصلابة، غير آبهين بوعورة الأرض، ولم يحسبوا لألغام الأرض أي حساب، وعندما أدرك العدو كل هذا، وجد نفسه في ورطة، وانسحب إلى الجهة السورية، وطلب التفاوض والخروج نهائياً من الأراضي اللبنانية». وأكد أن «مهمة الجيش اليوم في الجرود، هي الحفاظ على الحدود، وعدم السماح لأي تسلّل إلى داخل الأراضي اللبنانية».