الدكتورة رندا ماروني: فجر الجرود وملاحم الخلود

382

فجر الجرود وملاحم الخلود
الدكتورة رندا ماروني/20 آب/17

دقت ساعة الصفر عند الخامسة فجرا لمعركة الجرود معلنة قروب فجرها وعودتها سالمة إلى الكنف اللبناني، فلقد أعلن قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون إطلاق عملية تحرير جرود رأس بعلبك القاع والفاكهة تحت عنوان عملية “فجر الجرود”، قائلا: بإسم لبنان والعسكريين المختطفين ودماء الشهداء الأبرار وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم أطلق عملية “فجر الجرود”.

تلى القرار مؤتمرا صحفيا خاصا بعملية الجرود، عارضا تفاصيل المعركة وحاسما بوضوح قرار خوض المعركة منفردا دون تنسيق مع هواة التطبيع لا مباشر ولا غير مباشر.لقد أعلنت ساعة الصفر لمهاجمة داعش التي تنتشر في بقعة تبلغ مساحتها حوالي 120 كلم مربع، في جرود بعلبك والقاع لاستعادة الأرض حتى الحدود اللبنانية- السورية.

لقد أعلنت ساعة الصفر وأعلن الهدف المنشود ألا وهو القضاء على داعش كما أعلن مكان المعركة وساحتها حيث قسمها داعش إلى ولايات تشبه المحافظات المعتمدة في بلادهم الأم، تخضع العناصر الإرهابية في رأس بعلبك وجرود القاع إلى ولاية الشام قاطع القلمون الغربي، وتتمركز شمالا على جرود رأس بعلبك وجرد القاع وتتمركز غربا على جرد رأس بعلبك وجزء من جرد عرسال وجنوبا فهي تنتشر على امتداد التلال المشرفة على وادي شحود أما شرقا فهي متواجدة في منطقة قاره والجراجير والبريج داخل الأراضي السورية وهي محاصرة من قبل الجيش اللبناني منذ ما يقارب الأسبوعين حيث إستطاع إستعادة تلال ضهور الخنزير وحقاب خزعل والمنصرم. ولحق هذا الإعلان إعلان آخر من جيش النظام السوري وحزب الله أطلقا فيه بدء عملية “إن عدتم عدنا” يدعون فيه مساندة الجيش اللبناني الرافض بوضوح تام لأي مساندة، حيث أعلن الإعلام الحربي التابع لحزب الله في بيان، إطلاق الحزب لعملية مشتركة مع الجيش السوري لتحرير جرود رأس بعلبك من الجهة السورية.

أتى البيان بعد أقل من ساعة على إعلان قائد الجيش اللبناني إطلاق عملية “فجر الجرود” من الجهة اللبنانية، فأتى النص حرفيا كالآتي: ” إلتزاما منا بالعهد الذي قطعناه لأهلنا بإزالة التهديد الإرهابي الجاثم على حدود الوطن، تعلن المقاومة الإسلامية أن مجاهديها جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري بدأوا بتنفيذ عملية “وإن عدتم عدنا” لتحرير جرود القلمون الغربي من إرهابيي داعش.

هذا السعي إلى التطبيع في العلاقات بين النظام السوري والدولة اللبنانية بقرار إيراني أخذ شكل السلسلة بعدة حلقات بدأت حلقته الأولى بضرورة التنسيق بين لبنان والنظام السوري لعودة النازحين. تلاه في الحلقة الثانية ضرورة التنسيق بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري لمحاربة الإرهاب ولقد أتت الحلقة الثالثة المتمثلة بزيارة بعض الوزراء الى سوريا ليس بصفة شخصية إنما بالمجاهرة بالصفة الرسمية، أتت لتظهر عجز الحكومة عن ردع ممارسات الفريق الملقب نفسه بالممانع، وعلى الأكيد هو ممانع إنما لقيام دولة، ولتظهر هشاشة الترقيعة الحكومية وضعف الفريق المعارض وعدم قدرته على المواجهة مقابل المكاسب المقدرة لكل من المنخرطين في التسوية.

وإذا نظرنا إلى عنوان المعركة التي أطلقها الجيش ضد داعش نراها متناغمة في شكلها ومضمونها، فباستعادة الأراضي وبالنصر سيعود فجرها في معركة محقة لاستعادة ما سلب منا عنوة. في المقابل إذا نظرنا إلى المعركة المعلنة من قبل النظام السوري وحزب الله، ماذا يمكن أن نستخلص منها شكلا ومضمونا؟

ففي الشكل، شكل العنوان علامة إستغراب، فماذا يعني إن عدتم عدنا، ولمن موجهة كلمة عدتم، هل هي موجهة للجيش اللبناني أم لداعش؟
فإذا كانت موجهة للجيش اللبناني بعودته إلى إستعادة الجرود عادوا ليستردوا ما سلب من اراض للنظام السوري تواجدت فيها داعش، فلماذا الربط بالاستعادة بين ما هو للبنان وبين ما هو للنظام، هل هم عاجزون عن استرداد الأراضي السورية منفردين؟ وإذا كانوا عاجزين عن إسترداد الأراضي منفردين فلماذا يدعون مساندة الجيش اللبناني قبل أم أبى..ولماذا الربط بين ما هو مسلوب من النظام وبين ما هو مسلوب من لبنان وكل يوم نشهد معارك مفتوحة للنظام السوري لإستعادة أجزاء مما سلب من تحت سيطرته دون التنسيق مع أحد أكانت على الحدود أم في الداخل. وإذا كان العنوان موجها لداعش بالقول لهم إذا عدتم عدنا فلا نرى فيها من منطق على أساس أن داعش كانت في الجرود منذ فترة ولم يحرك النظام السوري ساكنا لقلعها.

وسؤال آخر يطرح لماذا الدعوة للمعركة تتضمن مبررات مساندة للجيش اللبناني، طالما أن هناك أراضي سورية محتلة منذ فترة من قبل داعش على النظام واجب تحريرها، لم يستطيع تحريرها حتى الآن، فكيف سيقوم بالمساندة من لم يستطع تحرير أراضيه؟ في العنوان علامات إستفهام لغوية فلا بد أن من وضع عنوان المعركة لا يفهم اللغة العربية جيدا أو بالاحرى أبدا. لقد إستعملت هذه العبارة ” إن عدتم عدنا” في كلمة موجهة من الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الإدارة الأميركية عندما هددها بإنهاء الإتفاق النووي إذا ما واصلت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات على بلاده حيث قال في جلسة برلمانية بثها التلفزيون الرسمي إنتقد فيها سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يسعى إلى تقويض الإتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع أميركا وروسيا والصين وثلاث قوى أوروبية بموجب كبح نشاطها النووي مقابل تخفيف العقوبات عام 2015. وقال إن أرادوا العودة إلى هذه التجربة عدنا بالتأكيد وخلال فترة قصيرة لا تعد بالاسابيع والأشهر بل في غضون ساعات وايام إلى وضعنا السابق وبقوة أقوى بكثير، لقد هدد الرئيس روحاني بالتخلي عن الاتفاق النووي مع القوى العالمية إذا استمرت الولايات المتحدة بفرض العقوبات عليها واضعة الغرب أمام خيارين إما العودة لمشروعها النووي أو السماح لها بالاستمرار بالهيمنة على المنطقة، وفي هذا الإطار قالت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هايلي، أنه يجب تحميل إيران المسؤولية عن إطلاق الصواريخ الباليستية كما لا يمكن لإيران إستخدام الإتفاق النووي لإبقاء العالم رهينة الاحتجاز فالعقوبات الجديدة لا علاقة لها بالاتفاق النووي، كما وضحت،وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ستة كيانات إيرانية لها دور في برنامج الصواريخ الباليستية، وذلك ردا على الأعمال الاستفزازية المتواصلة لطهران، آخرها تجربة إطلاق صاروخ مخصص لحمل أقمار صناعية.

لقد إستعملت عبارة “إن عدتم عدنا” من قبل الرئيس الإيراني موجهة إلى الإدارة الأميركية واليوم تطلق معركة معلنة بإسم النظام السوري وحزب الله إنما بعنوان إيراني المنشأ خالي المعنى شكلا لكن ربما في مضمونه خطير، عنوان لم يجرؤ منفذيه على تصحيح لغويته فهو منزل، إن عدتم عدنا إنما الجيش اللبناني سيبقى دائما في المرصاد ليحقق فجر الجرود وأكثر كثيرا في ملاحم الخلود، ليحيا لبنان.
فجر الجرود
وملاحم الخلود
يصيغها أبطال
في الوصف أسود
بوجه عدو
حاقد لدود
يحتل أرضا
ظاننا يسود
يفرض منطقا
راقصا شرود
عن الحياء
عن الحياة
عن العهود
طاعنا أرضا
ناكر جحود
يساق سوقا
يخدع حشود
شيطان متفلسف
عابر السدود
جاهل لغة
يصيغها بنود
يواجه إيمان
خارق الحدود
يقود معركة
فجر الجرود
يصيغها أبطال
في الوصف أسود