فرنسوا المعرّاوي: جراب الماء وقوّة الايمان

119

“جراب الماء وقوّة الايمان”
فرنسوا المعرّاوي/فايسبوك/08 آب/17

جرت أحداث هذه الحكاية في القرن التاسع عشر
ذات يوم قرّر ضوميط بطرس عزيزه زيارة دير مار انطونيوس قزحيا الواقع في وادي “قاديشا” لوفاء نذر كان قد قطعه على نفسه. لزيارة هذا الدير المقدّس كان الأهدنيون يسلكون اكثر من طريق منهم من يختار طريق كفرصغاب حوقا ومنهم من يختار طريق عربة قزحيا ومنهم من يختار طريق عينطورين.
أمّا ضوميط الذي يقع منزله على كتف “شوريا” فقد اختار طريق عينطورين التي هي الأصعب ولكن الأقصر مسافة. فالمسافة بين شوريا وعينطورين “اربع مسابح صلا ” ومن عينطورين لدير قزحيا “خمس او ست مسابح صلا ” حسب الهمّة. هكذا كان الأهدنيون يقيسون المسافات بعدد حبّات مسبحة الصلاة .
بدأ ضوميط ينزل “درجات شوريّا” خاشعا حالما راجيا ان تكون الزيارة مقبولة .
“شوريّا” باللغة الآرامية تعني الشير وهو جرف صخري بنى الاهدنيون على كتفه عدّة كنائس وأديار وحوّلوا الأراضي الوعرة الواقعة تحته إلى حقول وكروم تفيض بمواسم الخير ساعدهم في ذلك وجود عين ماء تقع في أعلاه تدعى عين “الدقيّه” .
كان ضوميط كلّما مرّ بجانب حقل أو كرم ذكر صاحبه بصلاته وترحّم على من تعب وشقى وفتّت الصخر بمخله ومهدّته وحوّله إلى أرض معطاء مردداً قبل تلاوة كلّ “سلام” “يا يسوع الرحوم ارحمهم” .
قطعت صلاة ضوميط ولولة أمّ يعقوب التي رآها من بعيد تتنقل في حقلها ترفع يديها نحو السماء تارة وتضربهما على جنبيها تارة أخرى وعندما اقترب منها حيّاها قائلا: “يتمجّد اسم يسوع يا إمّ يعقوب”.. فأجابته:”ويتمجّد اسم العدرا يا بو بطرس”.. ثم أضاف:”شو القصّة يا إمّ يعقوب؟” ..فأجابته:”الدودة الدودة يا بو بطرس ما رح تتركلي شي خربت الدني”. ثم بدأت بسلسلة أسئلة لا تنتهي “وين كنت” و”لوين رايح” و”أيش رايح تعمل”.
كان الأهدنيون عندما يلتقون يكثرون الأسئلة ليس تطفّلا ولكن بدافع محبّتهم وإيمانهم بأنهم عيلة واحدة. وعندما أخبر ضوميط أمّ يعقوب انه ذاهب لزيارة دير قزحيا سارعت وافرغت جرابا صغيرا من جلد الماعز كانت قد ملأته ماء ووضعته جانباً في سلّتها لتروي عطشها وناولته لابي بطرس قائلة له: “العدرا تخليلك وحيدك ويرحم اهلك خذ هذا الجراب واجلب لي معك ماءاً من “نبع الندامة” لأرشّ الحقل وأبعد هذه الدودة عنه.”
“نبع الندامة” يسقي دير قزحيا وينبع في أرضه.
لبّى أبو بطرس طلبها وأضاف قائلا:”تكرم عينك يا أمّ يعقوب” وعندما جفّ الجراب طواه ووضعه في جيب سرواله الكبير.
وصل ضوميط إلى الدير وشرب من ماء “نبع الندامة”، لكنّ قداسة المكان وحرارة الإيمان والتأمل والصلاة جعلته ينسى ما طلبت منه أمّ يعقوب ولم يتذكّر جرابها إلاّ عندما عاد ووصل على مقربة من حقلها. فحزن جدا وشقّ عليه الأمر ولم يعد يعلم ماذا سيفعل وكيف سيواجه ام يعقوب وقد اتكلت عليه وعقدت كلّ
آمالها على ماء الجراب. بدت ملامح الحزن على وجه ضوميط عندما دخل منزله فبادرته امرأته حوّا قائلة: “ما الأمر يا ضوميط هل جرى مكروه لأحد جمهور الدير؟هل الجميع بخير؟”
فأخبرها قصّته متحسّرا نادما مستغفرا الربّ. ابتسمت حوّاء وقالت له: “هات أعطني الجراب سأملأه من ماء عين “الدقيّة” وسأعطيه لامّ يعقوب. الأصل للإيمان كلّ أرضنا وكلّ مياهنا مقدّسة”.
وعندما أعطت ام بطرس الجراب لام يعقوب لم تتوقف هذه الأخيرة عن ترداد عبارة: “يرحم بيّك هاك القدّيس يا امّ بطرس”
ام بطرس هي ابنة الخوري فرنسيس يمين الذي اشتهر بتقواه وقداسته وكان المرشد الروحي للمقاوم يوسف بطرس كرم.
بقي ضمير ضوميط تعبا لم يستطع النوم تلك الليلة رغم جميع التطمينات التي قدّمتها له زوجته بإيمان كبير ولم يرتاح بال ابي بطرس الا عندما سمع ام يعقوب عشيّة اليوم التالي تناديه صارخة: “المجد للربّ يسوع المجد للربّ يسوع يا ابو بطرس رشيّت الميّات واختفيت المقبورة رايح رايح”، وعنت بالمقبورة الدودة التي كانت تتلف زرع ذاك الحقل.
*ضوميط بطرس عزيزه هو جدّ والدي..رحم الربّ يسوع آباءنا وأجدادنا وجدّاتنا جميعاً وأشرق عليهم نوره آمين