الدكتورة رندا ماروني: ملف النازحين وقمة العشرين

314

ملف النازحين وقمة العشرين
الدكتورة رندا ماروني/09 تموز/17

إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقات التنسيقية اللبنانية السورية في تاريخ لبنان الحديث وبالتحديد بعد وصول الحكم الأسدي إلى السلطة في سوريا نرى إنها خالية من التنسيق، وإذا نظرنا إليها لفترة أقدم، فلقد طُبّعت هذه العلاقات بالأزمات لأسباب متعددة: تاريخية وسياسية واقتصادية وعقائدية.

الواقع إننا أمام نموذجين شديدي الاختلاف بين الدولتين في الشكل وفي المضمون، في تكوين النظام السياسي وحركته وأهدافه، وفي دور العسكر في السلطة، وفي أسس العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي النظام الاقتصادي، وفي الحياة السياسية بجوانبها كافة الحزبية وغير الحزبية، وفي الدولة ودورها في النظام الإقليمي، وفي علاقاتها مع الدول الكبرى المعنية بالمنطقة وبنزاعاتها.

فإذا تناولنا الاختلاف على الصعيد الاقتصادي نقول، من يعرّض العلاقات الاقتصادية اللبنانية- السورية منذ الانتداب وحتى الخروج السوري من لبنان، يلفته بأن هذه العلاقات لم تشهد ثباتا إلا بعد توقيع معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق والتي رسمت أطر التعاون الاقتصادي، ولكن من منطق القوي المهيمن، فرسمت حينها علامات تساؤل عدة حول مدى مراعاة الاتفاقات المعقودة، أو بالأحرى المفروضة أصول الاتفاقات الدولية بين دولتين مستقلتين.. فما لبثت بعد الخروج السوري وبعد تغير المعطيات الدولية أن تداعت وانهارت نتيجة لهيمنة مقوننة لا تراعي المصلحة الحقيقية للطرفين.

أما إذا تناولنا الاختلاف على الصعيد العقائدي فسوريا كانت ترى نفسها في النظام الإقليمي دولة كبرى في المجالين السياسي والعسكري، ودولة رائدة في العروبة والاشتراكية، ودولة صامدة ومتصدية لإسرائيل ولمخططاتها التوسعية، فلا حرب مع إسرائيل ولا سلام معها بدون سوري،ا فهي الراعي والناطق الرسمي بإسم لبنان، هكذا رسمت صورتها وقدمت نفسها أما أفعالها وسياساتها ناقضت كليا ما قدمه الوصف.

في المقابل الدولة اللبنانية ترى نفسها محايدة في النظام الإقليمي، أو هكذا سعت أن تكون في حقبة ما قبل الحرب ذات نظام سياسي ديمقراطي، ومجتمع تسوده الحريات وهو قائم على توازنات سياسية طائفية دقيقة، وهذه التوازنات في أساس الحريات التي تميز لبنان عن سواه من الدول العربية
إذا ثمة مسافة تفصل بين النظرة إلى الذات وإلى الموقع والدور في المنطقة بين الدولتين.

أما الاختلاف على الصعيد السياسي فقد بدأ يكبر بين النظامين السياسيين منذ أواخر الأربعينات إثر وصول العسكر إلى الحكم في سوريا في العام 1949 الذي شهد ثلاثة انقلابات واتسعت الهوة بين لبنان وسوريا منذ بداية الخمسينات بعد الانفصال الجمركي وعسكرة النظام واتباع الدولتين نظامين اقتصاديين مختلفين… غير أن الهوة كانت أعمق من الاختلاف في التوجهات السياسية في المجال العربي، إذ أنها طاولت المفاصل الأساسية للنظام السياسي والاقتصادي في كلا البلدين:
في سوريا دولة سلطوية وحزب حاكم ونظام تحت سلطة العسكر ونظام اقتصادي تسيطر عليه الدولة،
يقابله نظام سياسي مغاير في لبنان حيث الدولة غير سلطوية والتعددية السياسية قائمة والنظام الاقتصادي حر والمجتمع متنوع ومنفتح.
بكلام آخر حالتان، لا بل مدرستان متناقضتان في الحكم ميزتا لبنان عن سوريا لا يجمع بينهما شيء سوى الانتماء إلى الجامعة العربية والموقف من النزاع العربي الإسرائيلي.

هذه الاختلافات كلها، إضافة إلى الاختلاف في النظرة حول التاريخ ومفاهيمه، فثمة قراءتان مختلفتان لتفسير حركة التاريخ في المنطقة والوقائع التي أنتجتها:
واحدة ترى العالم العربي وحدة سياسية قائمة بحد ذاتها قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية وبعدها، جاء من جزأها من الخارج والمقصود اتفاقية سايكس-بيكو التي شكلت خطة مدبرة حاكتها فرنسا وبريطانيا بهدف ضرب الوحدة الجغرافية والسياسية للمنطقة وبالطبع النظام الأسدي خطابيا تبنى هذه النظرة ولكن لم تترجم في أفعاله إلا في سياسته تجاه الكيان اللبناني فلقد كان يشدد دائما على وحدة المصير والمسار بقيادته، كما كان يذكر دائما باتفاقية سايكس-بيكو بغية اختزال الكيان اللبناني.

والقراءة الأخرى تقول أنه لولا اندلاع الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية لما نشأت معظم دول المنطقة في حدودها الحاضرة.
وفي حقبة الحكم العثماني لم تكن المنطقة العربية موحدة في إطار كيان سياسي أو قومي، دولة واحدة كانت قائمة في زمن الإمبراطورية العثمانية ولم تكن عربية في المفهوم القومي للكلمة، وهي مصر، أما الكيانات التي أصبحت دولا، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، فلم تكن موجودة من قبل باستثناء دولة لبنان الكبير التي تختلف عن سواها من دول الجوار لجهة نشوئها على أساس نواة كيان سياسي وقانوني سابق لقيامها، إلا وهو نظام المتصرفية الذي تأسس في 1861 واستمر قائما حتى الحرب العالمية الأولى. وهذا الكيان كان معترفا به وبخصوصيته ضمن السلطنة العثمانية من الدول الأوروبية الكبرى.

كل هذا الاختلاف ما لبث أن تحول في خريف 1989 ومنذ إقرار اتفاق الطائف إلى منحى جديد لم تعرفه هذه العلاقات من قبل، “علاقات مميزة” في كافة المجالات السياسية وغير السياسية، وهذا ما أثار التساؤل فانتفى فجأة الاختلاف التاريخي والسياسي والاقتصادي والعقائدي لتتكون وحدة المسار والمصير ولكن ضمن علاقات غير متوازنة، وغير متكافئة في كافة المجالات، علاقات هيمنة مؤثرة في إعادة تركيب نموذج الدولة اللبنانية حتى بات النموذج اللبناني في فترة الاحتلال مشابها للنموذج السوري العسكري.

لقد عان لبنان مشقة علاقة ملتوية تدعي ما ليس فيها، فلم تكن على المستوى المذكور من الإخوة والتعاون والتنسيق، ولقد أتى المجلس الأعلى اللبناني السوري ليترجم هذه الهيمنة في كافة المجالات، وحتى بعد الخروج السوري من لبنان لم تتوقف محاولات إعادة إحيائه واستنهاضه من تحت الرماد.

علاقة المشقات الصعبة والويلات المنهمرة على الكيان اللبناني هل ستتحول فجأة إلى علاقات تنسيقية تخدم المصلحة العليا للدولة اللبنانية؟!
الذاكرة التاريخية تشك وتستعيد الأحداث وتتساءل أين كان التنسيق والاهتمام بالمصلحة اللبنانية في حل الملفات الشائكة التي لا تزال عالقة وفي مقدمها حل قضية ضحايا الاختفاء القسري والمعتقلين، وترسيم الحدود خصوصا في منطقة مزارع شبعا، وإعادة النظر في عشرات الاتفاقات المعقودة وتطويرها لجهة خدمة مصلحة الطرفين معا وليس لخدمة طرف واحد؟

هذا الوجوب بالتنسيق الذي طالعنا به سفير النظام السوري مستذكرا التاريخ والجغرافيا كما خطابات أسياده القديمة المزورة للتاريخ والجغرافيا والمفبركة لايديولوجيا التحامية فوقية حاقدة على كيان مسالم مدافع عن أرضه وحقوقه غير طامع بما ليس له.
لهجة مألوفة السمع مشكوكة الأهداف في أبعادها، ومن المؤكد بأن مصلحة الدولة اللبنانية العليا في وجوب التنسيق المفروض هذا ليست في الحسبان، فما الغاية إذا من فتح ملف النازحين في هذا التوقيت؟

لقد صور الموضوع على أنه مصلحة لبنانية ولكن من المعروف بأن سوريا لا تريد إقامة مناطق آمنة، وإذا كانت ترفض هذا التدبير فالحل الوحيد لإيقاف هذا المشروع هو باستعادة النازحين بالتنسيق مع الدولة اللبنانية وإجبارهم على العودة.

لقد أتى توقيت فتح ملف النازحين ملازما لقمة العشرين ولقاء ترامب بوتين المتفقين في المبدأ على هذه الخطوة أي بوقف إطلاق النار وإقامة مناطق آمنة، ولقد حددا نهار الأحد القادم موعدا لبدء وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، ما يكرس تقاسم مصالح غير ملائمة للسياسة السورية والإيرانية حيث كان ترامب جازما لجهة استبعاد إيران عن المفاوضات مع روسيا.

من الأكيد أن ملف النازحين بات يشكل عبئا ثقيلا على الواقع اللبناني وللبنان مصلحة في عودة النازحين إلى ديارهم اليوم قبل الغد، ولكن إذا كانت هذه العودة محتومة حسب المفاوضات الدولية لمناطق آمنة وإلا لما تحرك هذا الملف من قبل النظام السوري، لا بل كان يفضل بقائهم على الأراضي اللبنانية كما أنه امتنع عن تسجيل الولادات الجديدة في السفارة السورية في لبنان طمعا بنشوء جيل مكتوم القيد يستطيع الاستحصال على الجنسية اللبنانية وتأتي هذه السياسة استكمالا للسياسات الحاقدة تجاه لبنان واللبنانيين.. فأين تكمن المصلحة اللبنانية في مواجهة النظام الدولي وتنفيذ ما يريده النظام السوري؟ فالمصلحة اللبنانية تقضي بعدم فتح النوافذ للرياح العاتية وعدم دفع أثمان باهظة نيابة عن النظام السوري فملف النازحين مكانه في قمة العشرين.
ملف النازحين
في قمة العشرين
وسياسة مقابلة
تنسيق وتحصين
مطروحة بإلحاح
تحوي كمين
لشعب نازح
وبلد سجين
تبغي إشراكه
في جرم مشين
تسليم أبرياء
مقدمة قرابين
على مذبح طاغية
فاقدة المعين
وإخضاعهم ذللا
لتهويد البراكين
جريمة موصوفة
تسويقها مهين
لبلد مسالم
هزم السلاطين
أسطورة عجيبة
سفرها التكوين
لم تعتدي يوما
لا تهوى تلقين
من غاصب متعال
بالشر مستعين
مزور لتاريخ
حاقد لعين
يطرد شعبا
ويبكي نازحين.