نوفل ضو: الإستنسابية في النسبية: «الستّين» حيّ يرزَق

70

الإستنسابية في النسبية: «الستّين» حيّ يرزَق
نوفل ضو/الجمهورية/17 حزيران 2017

عندما نقول إنّ قانون الانتخاب الذي أقِرّ، هو نسخةٌ مجَمَّلة عن «الستّين»، استُعين في تفصيله باستنسابية غازي كنعان على نحوٍ جعلَ من عنوان النسبية إسماً على غير مسَمّى، فذلك يَستند إلى وقائع ومعطيات ثابتة لا تلغيها اجتهادات آباءِ القانون في تسويقه.

1- الدوائر و«الستين»:
أ- في الدوائر الكبرى: دوائر بعلبك – الهرمل، زحلة، البقاع الغربي – راشيا، عكّار، المتن الشمالي وبعبدا، هي نفسها الدوائر المعتمدة في «الستين».

ب- في الدوائر الصغرى: ما لم يُعتمد وفقاً لِما كان عليه في «الستين» في الدوائر الكبرى، اعتُمد في الدوائر الصغرى. فـ«الستين» نصَّ على أنّ القضاء الذي يتمثّل بنائب واحد يضَمّ إلى القضاء الملاصق له، ممّا استدعى يومها ضمَّ الهرمل الذي كان يتمثّل بنائب واحد إلى بعلبك، وراشيا إلى البقاع الغربي، وحاصبيا إلى مرجعيون، والزهراني إلى صيدا.

وهكذا تمّ جمعُ قضاءَي حاصبيا ومرجعيون في دائرة صغيرة واحدة رغم أنّ موجبات جمعِهما بموجب «الستين» لم تعُد موجودة بفِعل تمثيل حاصبيا بنائبَين من خلال زيادة مقعد سنّي بعد «الطائف». ومع أنّ الهرمل بات يتمثّل بـ 4 نواب وراشيا وحاصبيا بنائبَين، أبقِيَت الأقضية الثلاثة مجموعة مع بعلبك والبقاع الغربي ومرجعيون في التصويت الأفضلي بحسب ما كان معتمداً في «الستين».

2- إستنسابية المعايير:
تَميَّز القانون الذي عُرِف بـ«قانون كنعان» باعتماد معايير استنسابية في تقسيم الدوائر وتوزيعها بشكل يَجعل النتائج معروفة سَلفاً.

فمثلاً، ضمَّ «قانون كنعان» دائرةَ بشرّي إلى دائرة عكّار وجَعلهما دائرةً واحدة رغم عدم ارتباطهما جغرافيّاً، لمنعِ «القوات اللبنانية» التي كانت منحَلّة، مِن إيصال ممثّليها إلى مجلس النواب.

واليوم يتكرّر السيناريو نفسُه مع ضمِّ قضاء جزين إلى قضاء صيدا في دائرة واحدة بعد فصلِ جزّين عن صيدا جغرافيّاً من خلال سلخِ قرى شرق صيدا التابعة إداريّاً لقضاء صيدا وإلحاقها انتخابياً بقضاء الزهراني وبالتالي بدائرة صور الانتخابية، لإضعاف تأثير الصوت المسيحي في جزين وقرى شرق صيدا على دائرة صيدا.

ومِن الأمثلة على اختلاف المعايير في القانون الجديد، اعتماد صيدا وجزين دائرةً كبرى يمثّلها 5 نواب، في حين أنّ عاليه الذي يمثّله 5 نواب ضُمَّ إلى الشوف ليصبح العدد الإجمالي لنوّاب الدائرة الكبرى 13 نائباً.

ومن الأمثلة أيضاً، دائرة المنية التي تتمثّل بنائب واحد أبقِيَت على حالها في الدوائر الصغرى حيث يقترع الناخبون بالصوت التفضيلي. وبالتالي سيَقترع ناخبو المنية للائحة على مستوى الدائرة الكبرى من دون أن يكون لهم القدرة على استخدام الصوت التفضيلي، في اعتبار أنّ منطقتهم تتمثّل بنائب واحد.

3- صحة التمثيل المسيحي:
رافقَ شعارُ استعادة حقوق المسيحيين وتصحيحُ تمثيلهم معركةَ قانون الانتخاب. لكنّ أداءَ «التيار الوطني الحر» في مسألتين أساسيتين يَحرم المسيحيين من قوّةٍ انتخابية مهمّة ويُضعِف حضورَهم السياسي في لبنان.

ففي حصرِ الصوت التفضيلي في القضاء بدل الدائرة الموسَّعة وفقاً لِما تمسّكَ به الوزير جبران باسيل حرم نحو 50 ألف ناخب مسيحي في صور والنبطية وبنت جبيل من الاقتراع تفضيلياً لنائب مسيحي، وحرم نحو 12 ألف ناخب مسيحي في الضنّية من الاقتراع تفضيلياً لنائبَي طرابلس المسيحيَين في الدائرة.

ويؤدّي دمج قضاءَي حاصبيا ومرجعيون في التصويت التفضيلي إلى إغراق الصوت المسيحي في مرجعيون بألوف أصوات مسلمي حاصبيا، كما يؤدّي الإبقاء على قضاء الهرمل مع قضاء بعلبك في التصويت التفضيلي الى إغراق الصوت المسيحي في بعلبك بنحو 40 ألف ناخب شيعي إضافي من قضاء الهرمل.

كلّ ذلك لحفظِ مصلحة باسيل في رفعِ حظوظ فوزِه بأحد مقعدي البترون، نظراً للتنافس الحادّ في دائرة الشمال الموسّعة التي تضمّ البترون والكورة وزغرتا وبشرّي، حيث لخصومه الانتخابيين ومنافسيه حضورٌ كبير وفاعل ومؤثّر.

أمّا تخصيص 6 مقاعد للمغتربين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، وشطبُ المسيحيين المهاجرين عن لوائح قيد الناخبين في لبنان ووضعُهم على لوائح قيد انتخاب المغتربين فيوجّه ضربةً عددية موجعة لقدرةِ المسيحيين المقيمين على اختيار نوابهم، علماً أنّ نسبة المسيحيين المسجّلين على لوائح القيد هي في حدود 36 في المئة. فكيف يكون تعزيز دورهم في اختيار نوابهم الـ 64 بإنقاص عدد الناخبين في لبنان؟

4- النسبية:
النسبية الحقيقية هي قِسمة عدد المقترعين على عدد النواب. وفي حالة لبنان، المقترعون الفعليون هم في حدود المليونَي ناخب، وعدد النواب 128، ما يَعني أنّه يحقّ لكلّ نحو 15600 مقترع بنائب. أمّا وأنّ اللبنانيين اتّفقوا على المناصفة في المقاعد رغم أنّ عدد الناخبين المسيحيين الفعلي هو في حدود الـ 650 ألف مقترع، وعدد الناخبين المسلمين في حدود المليون و300 ألف مقترع، فالنسبية التي تضمن التمثيلَ الصحيح تفترض أن يتمثّل كلّ 10000 مسيحي بنائب وكلّ 20000 مسلم بنائب. فهل هذا ما يَسمح به القانون الذي تمّ التوصّل إليه؟

نظرةٌ سريعة إلى التقسيم الاستنسابي للدوائر والصوت التفضيلي وطريقة احتساب الأصوات وتحديد الفائزين تُظهر أنّ كتلاً شعبية لا بأس بها مؤيّدة لأحزاب وقوى عريقة موزّعة على مساحة لبنان ستبقى خارجَ المجلس لتشتّتَ ناخبيها في الأقضية والدوائر. فهل مَن يمكنه إقناع اللبنانيين بأنّ حزباً كـ«الوطنيين الأحرار» أو «الكتلة الوطنية اللبنانية» على سبيل المثال لا الحصر لا يملك 10 آلاف ناخب أقلّه على مستوى لبنان؟ وكيف يمكن لمِثل هذين الحزبَين وغيرهما أن يتمثّلوا عملياً في ظلّ ضوابط القانون الجديد ما لم يمنَّ عليهم «كبار القادة» بمقعد أو أكثر على لوائحهم؟

النسبية الحقيقية يمكن الوصول إليها في لبنان فقط من خلال النظام الانتخابي القائم على الصوت الواحد للناخب الواحد في دوائر صغيرة أو الدوائر الفردية. فمِثلُ هذا النظام من شأنه ضمانُ التوازن في التمثيل بين المسيحيين والمسلمين وجعلُ التمثيل الشعبي نسبياً ولو من خلال نظام تصويت أكثري في ظاهره.

أمّا الصوت التفضيلي في صيغة القانون الحالي فهو نسخة مشوَّهة لنظام الصوت الواحد للناخب الواحد، لأنّها تَسمح للناخب بالاقتراع لاسمٍ من بين أسماء اختارها زعماء اللوائح في ما يُشبه الاستفتاءَ وليس الاختيار، في حين أنّ نظام الصوت الواحد للناخب الواحد يترك للمقترع حرّية اختيار الاسمِ الذي يريده من بين المرشّحين.

إنّ أخطر ما في القانون الحالي هو أنّ واضعيه اتّخذوا من شعار الحفاظ على التعدّدية المسيحية الإسلامية، غطاءً لإلغاء التنوّع داخل كلّ من المجموعتين عبر قانون مركّب مزَج بين النظامين النسبي على مستوى الدائرة الكبرى والأكثري على مستوى الدائرة الصغرى، وعبر تقسيم متفاوت للدوائر يَضمن لقادة الكتل الحاليين التحكّمَ بمسار العملية بدءاً بالترشيحات والتحالفات واللوائح مروراً بالحملات الانتخابية وما تتطلّبه من إمكانات ماليّة لا أحد سواهم يملك مثيلاً لها وصولاً إلى النتائج المتّفَق عليها سَلفاً.