طارق حسون/هكذا وُلدت داعش العراق والشام

452

هكذا وُلدت داعش العراق والشام 
بقلم طارق حسون/موقع القوات اللبنانية
17 تشرين الأول/14

عندما يكون هناك في القرن الواحد والعشرين، “نظام سجون وقبور” من بقايا العصر الحجري في سوريا، يُجبر المعتقلين لديه على ابتلاع الفئران والصراصير، ثم يقتلهم عبر ابتكاراتٍ شيطانية تتضمن وضع الألتيكو اللاصق على اعضائهم التناسلية لمنعهم من التبوّل…
وعندما يكون هناك “نظام سجون وقبور” يضع الجرذان في كيسٍ يوثقه برأس معتقليه، ثم تبدأ الجرذان بنهش وجوههم ورؤوسهم حتى الموت…
وعندما يكون هناك نظام طائفي عنصري في العراق يُسهّل اغتصاب 3000 امرأة واعتقال 5000 امرأة أخرى من دون محاكمة، ويُقصي طائفةً بأكملها عن الحكم…عندها علينا الاّ نتفاجأ كثيراً إذا وُلدت جماعة متطرفة وغاضبة وحاقدة وناقمة على كل شيء، كداعش.
اي “اقلياّتٍ” او “تحالف اقليّات”، او كلامٍ فارغ، يمكن ان يقتل الله والضمير والذاكرة الجماعية فينا كمسيحيين؟؟؟ اي “اقلياتٍ” او “تحالف اقليات” ممكن ان يجعلنا لامبالين، او مصفّقين، او متآمرين، او فاقدي الذاكرة، تجاه ما ارتكبه “نظام السجون والقبور” بحقّنا كمسيحيين ولبنانيين اولاً، قبل ان يُعيد ارتكابه بحق شعب سوريا اليوم.
ليضع كل واحدٍ منّا نفسه مكان احد هؤلاء المعتقلين، او مكان امّه او والده او ابنه او شقيقه، ثم فليتخيّل ردّة فعله على امرٍ مشابه…الأكيد ان الغالبية الساحقة، ما عدا القديسين والطوباويين، لن تتناول سبحة صلاةٍ لمجابهة درجةٍ كهذه من الظلم، لأن غريزة الثأر والدفاع عن النفس والثورة على الظلم فينا، هي التي سوف تتغلّب على ما عداها في حالاتٍ شبيهة…وهذا بالضبط ما حوّل المعتدل الى داعشي، والمسالم الى عنفي!!
كيف وُلدت داعش؟ سؤال لا يلزمه الكثير من التحليلات لأن الإجابة سهلة جداً، ولا تتطلّب سوى استعراض عددٍ من الوقائع والأحداث التي حصلت في العراق وسوريا قبل سنوات، ومهدّت الطريق طبيعياً لولادة داعش.
لو خُيّر اهالي المعتقلين والمخفيين قسراً في السجون السورية بين خيارين حصريين، لا ثالث لهما: النظام الأسدي او داعش؟ لما ترددوا باختيار شياطين الأرض مجتمعةً، على النظام الأسدي.
فما هي هذه الوقائع والأحداث؟
في العراق:
*في نيسان 2003 اُسقط نظام الرئيس صدام حسين.
*خسرت الجماعة السنّية في العراق مكتسباتها السياسية التي امتدّت لسنواتٍ طويلة.
* تعاونت ايران مع “الشيطان الأكبر”، فاستغلت الدخول الأميركي للعراق لمد نفوذها في هذا البلد، وإنشاء المليليشيات المسلّحة الموالية لها.
* بدأت الجماعة السنّية تشعر بالقهر، ولاسيما بعدما بدأت هذه الميليشيات، بالتعاون مع الحكم العراقي الجديد الذي ارسته ايران، باغتيال واضطهاد ناشطين من الطائفة السنيّة، واستبعاد هذه الطائفة عن الحكم.
* تم اعدام صدام حسين، بما يمثلّ من رمزٍ معنوي للطائفة السنية، بطريقةٍ استفزازية، وذلك من خلال شدّ خناق الحبل على عنقه، متسبباً ذلك في انفصال الرأس عن الجسد، ثم عمد منفذو حكم الإعدام الى تصوير فعلتهم، مطلقين الهتافات المذهبية التي تدّل على انتماءهم للهوى الإيراني.
* في العام 2009 حصلت انتخابات نيابية في العراق، وحصد التكتل الذي يقوده اياد علاوي، بدعمٍ من الطائفة السنّية، العدد الأكبر من مقاعد البرلمان، ولكن عوض ان يُفضي هذا الإنتصار الديموقراطي الى ترجمةٍ سياسية تُنصف الطائفة السنيّة، جرت تسوية خفية بين ايران و”الشيطان الأكبر” نتج عنها استبعاد علاّوي عن تشكيل الحكومة العراقية، والإتيان بنوري المالكي الأقّل تمثيلاً، والأكثر عداءً للجماعة السنيّة.
* قام الحكم العراقي الجديد والميليشيات المتعاونة معه باعتقال اكثر من 5000 امرأة سنيّة ورميها في السجون دون محاكمات، كما تعرضّت 3000 امرأة سنّية للإغتصاب، منها 1500 نتج عنها حالات حمل.
* مارس نوري المالكي، بشهادة معظم المحللّين والمراقبين، اقسى انواع التمييز بحق المواطنين العراقيين السنّة، فأبعد ممثليهم عن المواقع الحساسة ورمى بقياداتهم في السجون، ويُقال بأنه تورّط في اغتيال العديد منهم، مُطبّقاً الأجندة الإيرانية بحذافيرها.
*عملاً بمقولة “فرّق تسد”، عمد الحكم العراقي الجديد الى محاولة إيجاد شرخ داخل الجماعة السنّية، من خلال إنشاء “الصحوات” التي كان هدفها الإقتتال السنّي الداخلي.
* لهذه الأسباب وغيرها، حصل الفراغ على الساحة السنّية في العراق، ووجد ابناء هذه الطائفة انفسهم، مستضعفين، مُبعدين، مُضطهدين، عرضةً لـ “مؤامرةٍ دولية” حاكتها ايران مع “الشيطان الأكبر، فما كان منهم سوى رفع رايات “محمد رسول الله”، بمواجهة رايات “يا حسين”…
وهكذا فإن التطرّف والكيدية من هذه الجهة، كانا السبب في نشوء وإزكاء التطرّف من الجهة المقابلة.
في “الشام”:
•استأثرت عائلة الأسد بحكم سورية ديكتاتورياً لأكثر من اربعة عقود، مُبعدةً الغالبية السنّية عن الحكم.
•تعرضت الغالبية السنّية خلال تلك الفترة لأبشع انواع القمع والمراقبة والإضطهاد والإفقار، من دون مجرد السماح لها بأن تنشد التغيير سلمياً.
•في العام 2005 اغتيل رفيق الحريري، وقبله اُعدم صدام حسين، وفي كلتا الحالتين كانت إيران المتهم الرئيسي من قبل الجماعة السنّية في لبنان والعراق والشام.
•في 7 ايار 2008 اجتاح حزب الله المدن والأحياء السنّية بعدما حاول عرقلة قيام المحكمة الخاصة بلبنان.
•في كانون الثاني 2011 اسقط حزب الله بغطاءٍ من التيار العوني حكومة الرئيس سعد الحريري، وابعده بـ “وان واي تيكيت” عن لبنان.
•في 15 آذار 2011 حاول الشارع السوري، اسوةً بالشوارع العربية الأخرى، النزول في تظاهراتٍ سلمية للمطالبة بالحرية، فقوبل بالرصاص والقذائف ونزع الأظافر واقتلاع الحناجر وسحل الأعين. استمرت التظاهرات “سلمية سلمية” لأكثر من ستة اشهر، من دون ان يرف للإجرام الأسدي الكيماوي اي جفن، ومن دون ان يتحرك العالم الحر لحماية الشعب الأعزل من بطش الكيماوي.
•عند هذه النقطة بدأ يتكوّن لدى الطائفة السنية في لبنان وسوريا والعراق شعورٌ مشترك بالقهر والغبن والإستهداف، مصدره واحد: الدولة “العلوية” في العراق والشام.
•وبالمقابل قام نظام الأسد بإطلاق سراح قياداتٍ من “القاعدة” بغية إضفاء طابعٍ إرهابي متطرف على الثورة السورية.
وبعدما كان الإختيار سهلاً ومحصوراً بين ثورة الربيع السوري من جهة، وديكتاتورية النظام البعثي من جهةٍ ثانية، اي بين الأبيض والأسود، اراد النظام البعثي التلاعب بهذه المعادلة جاعلاً الخيار يتمحور بين: الجماعات التكفيرية غير المنضبطة من جهة، والنظام الأسدي من جهةٍ ثانية، اي بين السيء والأسوأ، فنجح إذّاك بخداع شريحةٍ معينّة من الرأي العام .
•في العام 2012 ذهب حزب الله الى سوريا لمؤازرة نظام الأسد بوجه الجيش السوري الحرّ قبل ولادة داعش في سوريا، فأضعف بذلك الجيش الحر وأجج مشاعر الكراهية والتطرّف لدى عددٍ من عناصر هذا الجيش الذي التجأوا بدورهم الى العقائد المتطرفة لمجابهة العقيدة التي حاربهم بها حزب الله في سوريا.
ظاهرة داعش يجب ان تخضع لتحليل سوسيولوجي ونفسي قبل خضوعها لتحليلٍ سياسي او ديني يُرجع سلوكها الى “مؤامرةٍ” دولية من هنا، او قراءةٍ دينية من هناك.
ظاهرة داعش هي الوحش الذي وُلد من رحم وحشية نظامي الأسد والمالكي، وهي التنظيم المتطرّف الذي وُلد من رحم تطرّف حزب الله والجمهورية الإمامية في ايران، وهي التنظيم المنحرف الذي وُلد من رحم التهميش والإقصاء والقهر والعبودية.
قبل ظهور داعش بعقود، كان هناك تدمر، ومزّة وصيدنايا، والبوريفاج وعنجر ومعمل البصل، وكان هناك المُصاب بعُطلٍ دائم جرّاء الضرب والتعذيب في المعتقلات، والمختل عقلياً جرّاء الكرسي الكهربائي، والمريض بالسّل وغيره، عدا عن المخفيين حتى اليوم والمطمورين في مقابر جماعية لا يعلم مصيرهم إلاّ الله…
قبل ظهور داعش بعقود، كان هناك عنصر في المخابرات السورية يتطاول على اكبر شخصيةٍ في لبنان، وكانت بعض الحواجز الأسدية توقف الرجال الذين تبدو عليهم علامات الأناقة، من اجل ربط اعناقهم الى معالف الحيوانات وجعلهم يأكلون الشعير إمعاناً في تحقير وإذلال اللبنانيين!!!
الم يخطر ببالكم يوماً ان تسألوا: من اين استوحت داعش اساليبها في الوحشية؟ ومن هو النظام الأقرب في سلوكه الى النمط الداعشي؟ الجواب: نظام كيم يونغ ايل في الشرق الأقصى، ونظام بشار حافظ الأسد في الشرق الأوسط.
ثمّة شيءٌ اكيد حصل لحظة ولادة داعش، وهو ان “نظام السجون والقبور” واعوانه كانوا… “يوزّعون المغلي”.