الدكتورة رندا ماروني: مدينة الشمس… ألن تعرف نهارا؟

380

مدينة الشمس… ألن تعرف نهارا؟
الدكتورة رندا ماروني/07 أيار/17

لقد طفح الكيل وقال المجتمع المدني كلمته: نريد الدولة، نريد الأمن، نريد رفع الغطاء عن المطلوبين، وهذا ما ورد حرفيا على لسان إحدى سيدات المنطقة “باختصار وبلا ما كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر المطلوب رفع الغطاء عن الزعران المعروفين بالأسامي مين ما كان الطرف يلي حاميهن بيكفي تشويه لصورة المنطقة وكأنها غابة خارجة عن القانون، يكون الكل تحت القانون ويتحاسب المخطئ أهل بعلبك من خيرة الأوادم وأبسط حقوقن يعيشو بأمن وأمان في ظل التقصير المجحف من قبل الدولة على كل الصعد”.

فالعمليات الأخيرة من قتل وسلب وخطف جعلت مدينة الشمس تعيش حالة رعب حقيقية، ومن يرى المشهد من بعيد تترآى له الاحداث وكأنها تدور في واقع إفتراضي خارج إطار العالم الواقعي، واقع مرير دفع المواطنين لرفع الصوت عاليا مطالبين الدولة ببسط الأمن ومواجهة خارقيه، وفي ظل هذا الواقع المأساوي الذي تعيشه المدينة ما زال هناك أيضا من يطالب الدولة بإقرار قانون العفو العام عن المطلوبين والخارجين عن القانون.

لقد أضحت مدينة الشمس غير آمنة لقاطنيها، فبالإضافة للإعداد الهائلة من النازحين التي تزاحم المواطن في لقمة عيشه، لم تنفع الخطط الأمنية في الحؤول دون إرتكاب الجرائم، الأمر الذي دفع المواطنين للاحتجاج على الواقع الامني المتفلت المتمثل في عمليات السلب والخطف وجرائم القتل، وكان آخرها مقتل الشاب خليل عمر صلح نتيجة تلاسن لأسباب تافهة بالقرب من منزله داخل أحياء المدينة، تلاه عملية سلب نفذها مسلحون بكل هدوء بعدما ترجلوا من سيارتهم وسلبوا أحد صرافي المدينة مبلغ خمسة الآف دولار في شارع بشارة الخوري وسط مدينة بعلبك، وقبلها في 30 نيسان 2017 أقدم مجهولون يستقلون جيب نيو غراند شيروكي لون أسود على سلب اللبناني حسين وهبه الملقب ب”الجمل” 75 ألف دولار في حي آل الرفاعي في بعلبك، علما أن المذكور يملك محل للصيرفة في بعلبك. كما سرقت محال لبيع الهواتف الخيلوية وأسلحة صيد في حي العسيرة وشارع بشارة الخوري وعين بورضاي ودورس، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية على إختلافها من توقيف أي منهم، هذا عدا عن تفشي تجارة تصنيع وترويج وتعاطي المخدرات بشكل كبير وبين الشباب الصاعد، وفي 2 ايار الجاري تمكن عناصر من مكتب المديرية العامة لأمن الدولة في بعلبك من ضبط ثلاث ماكينات لتصنيع حبوب الكابتاغون المخدرة في بلدة دورس كان يتم نقلها بواسطة رافعة بإتجاه بعلبك وتم توقيف شخصين خلال العملية.

لقد طفح الكيل وفاض بأهل المنطقة، الأمر الذي دفع بهيئات من المجتمع المدني للدعوة لإضراب عام لمطالبة القوى الأمنية بوضع حد للفلتان الأمني في المدينة، فأعلن الإلتزام كل من: بلدية بعلبك، بلدية مقنة، بلدية إيعات، إتحاد بلديات بعلبك، بلدية دورس، ثانوية المهدي، ثانوية الحكمة، ثانوية الشروق، تجمع المدارس، مدرسة الراهبات، موظفو وطلاب المعهد العالي للعلوم التطبيقية، ثانوية الادباء، متوسطة بعلبك الجديدة الأولى الإنكليزية، ثانوية الإيمان، مدرسة بعلبك الخاصة، الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، ثانوية هليوبوليس، ثانوية الصلاح، ثانوية السيد عباس الموسوي، بلدية نحلة، المدرسة المارونية، ناشيونال كولدج، ثانوية المنار، المانر سكول، الجامعة اللبنانية فرع بعلبك، المصارف، تعاونيات لبنان، ثانوية الهدى، الجامعة اللبنانية كلية العلوم، الجامعة الإسلامية، معهد الإبرار التقني، معهد بعلبك الفني، مدارس الهيئة اليسوعية، القرض الحسن.

لقد نفذ في الثالث من أيار إضرابا واسعا شكل نقطة تحول كبيرة وخروجا واضحا عن الحالة الصامتة السابقة، وبالرغم من إختلاف الرأي العام في المنطقة حول تحديد الأسباب للوضع المتردي وتقاذف المسؤوليات، حيث حمل البعض مسؤولية الفلتان الحاصل للدولة، وحمل البعض الآخر مسؤولية الفلتان للأحزاب والعشائر والفعاليات الإجتماعية والدينية في المنطقة واعتبروهم متواطئين ومساهمين في إرساء هذا الواقع، والبعض الآخر ألقى اللوم على الجهتين معا، إلا أن الكل طالب الدولة بالقيام بواجبها الأمني وملاحقة المخلين، ولقد نفذت الهيئات المحلية والبلديات والجمعيات الأهلية والتجار اعتصاما في اليوم السابق للإضراب أمام سيار قوى الأمن الداخلي عند مدخل مدينة بعلبك احتجاجا على الفلتان الأمني فأتت كلمات المعتصمين لتعلي شأن الدولة الأمني، وفي كلمة بإسم التجار أتى فيها “إن مسؤولية الأمن وتوقيف الزعران والشبيحة تقع حصرا على القوى الأمنية”.

أما مسؤول العمل البلدي في حزب الله حسين النمر ألقى بإسم البلديات كلمة إعتبر فيها أن الأجهزة الأمنية إذا كانت تعرف ما يحصل مصيبة، وإذا كانت لا تعلم فالمصيبة أعظم، متوجها إلى القوى الأمنية بالسؤال: نسألكم من يمنعكم من القيام بواجبكم؟ إلى متى؟
وتابع المسؤولية مسؤوليتكم ونحن نرفض الأمن الذاتي وعلى الدولة تطبيق القانون وكلنا تحت القانون.

أما رئيس بلدية بعلبك شدد إلى أننا نعيش في ظل دولة، وللدولة قوانينها وأنظمتها ومؤسساتها التي ترعى الشأن الأمني والقضائي، ومسؤولية الأمن بالتحديد عند قوى الأمن الداخلي، وإذا كانت عاجزة عن معالجة أي خلل في أي منطقة فهي قادرة على طلب المؤازرة من الجيش فلا توجد مشكلة عصية على المعالجة، وأشار إلى أن المخدرات بدأت تتفشى في سوق بعلبك واولادنا معرضون للانحراف والتعاطي والإدمان على المخدرات وهذا الموضوع الذي لا يمكن حله بإمكانيات الأهل أو البلدية أو السياسيين والأحزاب وأضاف،” الآفة الثالثة التي نعاني منها هي السلب والخطف ما يهدد كرامتنا واقتصادنا وهذا أمر مرفوض ولا يمكننا أن نقبل به باي شكل، واضاف نتيجة هذا الوضع التقينا في هذا الاعتصام لنوجه كتابا مفتوحا عبر وسائل الإعلام إلى كافة المسؤولين في الدولة ونأمل أن تكون مسامعهم جاهزة وحاضرة لمحاربة الآفات التي تهددنا وتهدد البلد بكامله.

أصدر المشاركون بيانا ختاميا جاء فيه:
1- يتوجه المجتمعون إلى المسؤولين في الدولة اللبنانية للتحرك السريع لإنقاذ مدينة بعلبك مما يجري فيها من إساءات من قبل الخارجين على القانون والمخلين بالأمن، والعمل على ملاحقتهم أينما وجدوا واعتقالهم ومحاكمتهم.
2- دعا المجتمعون إلى الحرص الشديد على أمن مدينة بعلبك السياحية والأثرية الخالدة وذلك بتعزيز تواجد عناصر الجيش وسرايا فوج المغاوير ومخابرات الجيش وفرق التدخل من قبل النخبة ودوريات المداهمة والملاحقة للمخلين بالأمن واعتقالهم وتعزيز عناصر قوى الأمن الداخلي بالعديد والمعدات والعتاد وانتشار الدوريات الثابتة والمتحركة ومصادرة السيارات المخالفة التي تسير بدون لوحات في نطاق محافظة بعلبك.
3- أكد المجتمعون بأن مدينة بعلبك التي أساء إليها الأشرار المخلين بالأمن، الذين يروعون المدينة منذ سنوات، لن يسكتوا بعد اليوم عن ممارساتهم واساءاتهم وحرصا على حقن الدماء والحيلولة دون عودة عادة الأخذ بالثأر، وحتى لا تصل بعلبك ومنطقتها إلى ما لا تحمد عقباه فإننا نحمل الأجهزة الأمنية كامل المسؤولية.
4- ناشد المجتمعون كل المسؤولين في الدولة اللبنانية العمل على وضع مدينة بعلبك ومنطقتها على خارطة اهتمام الدولة، والعمل على انمائها والنهوض بها على كل صعيد.
5- قرر المجتمعون الدعوة إلى الإضراب…. استنكارا للوضع الأمني في المدينة.
6- قرر المجتمعون التوجه باسمهم وباسم أهالي مدينة بعلبك عموما بكتاب مفتوح إلى كل من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإلى دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري وإلى دولة رئيس الحكومة سعد الدين الحريري للعمل على إصدار الأوامر للتخلص كليا ونهائيا من تردي الوضع الأمني في مدينة بعلبك
ووجه المجتمعون إلى الرؤساء وإلى وزيري الداخلية والبلديات والدفاع الوطني المذكرة التالية: من أهالي مدينة بعلبك وبكل احترام ومحبة وتقدير، إيمانا منا بوطننا الحبيب لبنان الذي لنا شرف الإنتماء إليه والولاء لدولته العزيزة نتوجه إليكم بطلب ملح ووحيد من ضمن حقوقنا الشرعية كمواطنين لبنانيين نعيش على جزء من تراب هذا الوطن، ألا وهو ضبط الوضع الأمني في مدينة بعلبك ومنطقتها وهذا من صلب مسؤوليات المؤسسات الرسمية المعنية دون أي أحد سواها لأن حالة التفلت الأمني فيها باتت تهدد الإستقرار العام في البلاد وتنذر باخطر التداعيات السلبية اجتماعيا وأمنيا واقتصاديا. كلنا أمل أن يلقى طلبنا هذا القبول من جانبكم، تثبيتا لعيشنا في ظل دولة مسؤولة حريصة على سلامة أبنائها، ساهرة على أمنهم حافظة لكرامتهم، تحترم قوانينها وأنظمتها وتقدر قيمة هذه المدينة الجوهرة التراثية والثروة الوطنية الاقتصادية .
من يقرأ في هذا البيان يلمس طوقا لتواجد الدولة وانحراما منها، كأنهم مواطنون يعيشون في كوكب آخر، فالكل ناشد الدولة وطلب الحماية منها، وإن اللبيب من الإشارة يفهم، فلا حزب ولا مرجعية مهما علا شأنها تستطيع أن تحل مكان الدولة، فهل بدأت المواجهة؟
مدينة الشمس
ألن تعرف نهارا؟
طال ليلها
وغفا إنتظارا
تبحر في ظلمة
وتمعن إبحارا
تعيش غروبا
باكية الاوتارا
جسدها مهشم
وحالها إنهيارا
نفسها تائهة
وضعها انكسارا
اقتصاد مدمر
يزداد دمارا
وعبث أمني
يخلق إفقارا
من هاوية لأخرى
تنزلق إنحدارا
لصوص عصابات
أوباش وأوكارا
تغزو المدينة
يمينا ويسارا
ترسم أدوار
وتحترف أدوارا
تزرع إنتهاكا
وتحصد أضرارا
تستعمر الأرض
وتنشد إستعمارا
مدينة الشمس
ألن تعرف نهارا ؟
طال ليلها
وغفا إنتظارا.