الدكتورة/رندا ماروني: عين حلوة ودموع مالحة

445

عين حلوة ودموع مالحة
الدكتورة/رندا ماروني/04 آذار/17

تضاربت النظريات حول مسببات حرب عين الحلوة ولم تأتي هذه المسببات بحسم واضح، وبعيدا عن الاجتهاد والتحليل علق وزير الداخلية نهاد المشنوق خلال جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء الفائت على الوضع بالقول: إن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها سواء بالاحتياط أو بالتطويق لضبط الوضع وحتى الآن التجربة ناجحة، وانتهى التعليق عند هذا الحد.

إن الإيجاز يوحي بضبط الأمور والإمساك بها، فيما هو في الحقيقة بالنسبة للمواطن وفي ظل التكتم والاختصار، هو عدم امتلاك المعطيات الكافية للغوص في التفاصيل، وشرح ما يدور من انتهاكات أمنية، فأقتضى إيجاز التعليق، وكأن الدولة تعيش في مكان آخر على كوكب آخر، ويترآى للمواطن أنه متروك في مهب الأهواء، حيث لا مسؤولية جدية بالتعاطي مع الواقع المتفلت أمنياً.

بكافة الأحوال لا مصدر موثوق يعتمد عليه المواطن لاستقاء المعلومات التي تهمه في أمنه، فيلجأ لمعرفة ما يدور من حوله من خلال آخر الإصدارات التحليلية، حتى مع المخضرمين منهم، بقيت الأمور متضاربة الخلفية، فمنهم من نسبها إلى إشكالية تطال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان ومحاولة إفشالها، ومنهم ما نسبها إلى نظرية المؤامرة، ومنهم ما نسبها إلى إشكالية خلفيتها لبنانية، ومنهم ما نسبها إلى تدخلات إقليمية، كما إن البعض الآخر وصفها بخلافات صغيرة داخل المخيم.

أما فيما خص نظرية إفشال زيارة الرئيس عباس، حيث عكست الاشتباكات الأخيرة التي شهدها مخيم عين الحلوة بين حركة فتح وبين متشددين يتلقون تعليماتهم وفق مصادر فلسطينية من إمارة الرقة، والمدربة بإمرة بلال بدر، ردا على إعلان الرئيس الفلسطيني عن تبنيه خيار نزع السلاح الفلسطيني داخل الأراضي اللبنانية وتسليم الجيش اللبناني مسؤولية أمن المخيمات، حيث قال: من حق الحكومة اللبنانية أن تسحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، فنحن في حماية الجيش اللبناني، ولذلك لسنا بحاجة إلى سلاح، وقد جاء موقف الرئيس نتيجة لعجز حركة فتح في ضبط الأمن داخل المخيمات وخاصة في مخيم عين الحلوة في ظل تصاعد قوى إسلامية متصلة بقوى إقليمية.

إلا أن لهذا الطرح اعتراضات سياسية مرتبطة بحجة الإطار العام للقضية الفلسطينية وعدم جواز نزع السلاح إلا في إطار العودة، ومن ناحية أخرى اعتراضات مرتبطة بوجود سلاح حزب الله، حيث قال أبو الشريف عقل، الناطق باسم عصبة الأنصار: إذا سُحب السلاح الفلسطيني فإن الأصوات ستعلو للمطالبة بسحب سلاح حزب الله وهذا ما لن يقبل به حزب الله كما لن تقبل به حركة أمل، وإن ما أدلى به الرئيس عباس هو تعبيرا عن وجهة نظر خاصة به.

لكن وفي حسابات أخرى نتساءل حول هذا الطرح الواثق من موقف حزب الله تجاه نزع السلاح، فماذا لو تغيرت الإستراتيجية؟ ماذا لو كان هناك معطيات وسيناريو آخر؟

كما أتى الاعتراض على موقف الرئيس عباس من حركة حماس حيث قال علي بركة، الناطق الرسمي باسم الحركة في لبنان: إن ما جاء به عباس هو هروب من المسؤولية، حيث يحاول إلقاء مسؤولية إدارة شؤون المخيمات على الدولة اللبنانية والجيش اللبناني وهذا أمر خاطئ والمطلوب هو إقامة حوار فلسطيني لبناني شامل حول مجمل الوضع الفلسطيني في لبنان.

في ظل هذه المعمعة يقف الجانب اللبناني متفرجا على انتهاكات أمنية خطيرة ليس من المستبعد أن تتفاقم لتنحدر إلى ما لا تحمد عقباه في أي لحظة.

هذا في المبدأ المنظور للعيان، أما خلف الكواليس هل يتم التحضير لعمل أمني ما؟

ورد في تقرير أعدته صحيفة المستقبل، إن فتح أحضرت تعزيزات إلى عين الحلوة من مخيمات أخرى تحضيرا للحسم، فكيف استطاعت تمرير هذه التعزيزات، وهل زيارة الرئيس الفلسطيني إلى قصر بعبدا له علاقة بهذا الموضوع، ولماذا أثير موضوع رفع الغطاء عن المطلوبين اللبنانيين الفارين والموجودين في عين الحلوة ؟ هل هناك تنسيق وتفاوض بين الطرفين؟

يبقى الموضوع في إطار التساؤلات، هل الدولة اللبنانية هي في موقع المتفرج؟ أم هناك طبخة أمنية ما؟ وهل ما حدث مقتصر على بعض الخلافات الداخلية أو هناك ما يتخطى هذا التبسيط ؟ ولماذا أثير موضوع اللبنانيين الفارين من وجه العدالة في هذا الوقت بالذات ممن هم داخل المخيم إذا كان الموضوع يقتصر على بعض المناوشات الداخلية البسيطة؟

وفي هذا الإطار كان تصريح الناطق الرسمي بإسم عصبة الأنصار الإسلامية الشيخ أبو شرف عقل، الذي دعا فيه كل لبناني مطلوب إلى الدولة أن يسلم نفسه أو أن يخرج من المخيم، لأن الوضع لم يعد يحتمل حسب ما قال، مما يطرح مصير مطلوبين لبنانيين متهمين بأعمال إرهابية على المحك، تشترط الدولة تسليمهم لتخفيف الإجراءات الأمنية المشددة على المخيم، كشادي المولولي، وفضل شاكر، وقد أتى هذا التصريح كتهديد لمن يأوي هؤلاء في ظل التنسيق الذي برز في الآونة الأخيرة بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والعصبة.

إلا أن اللجنة المكلفة من القيادة السياسية الفلسطينية المنبثقة عن اجتماع السفارة الفلسطينية لمتابعة وقف إطلاق النار، جالت على فعاليات صيدا، وزارت الشيخ سليم سوسان في مكتبه في دار الإفتاء ووعدت بأنها سوف تقوم بخطوات ميدانية فعلية جدية وأولها إعطاء مهلة زمنية محددة لكل المطلوبين اللبنانيين بالخروج من مخيم عين الحلوة وهذا الأمر سيتم العمل عليه بشكل جدي، أما إذا رفض من يأوي هؤلاء تسليمهم فسيتم التعامل مع هذا الكلام بحزم وسوف يخرجون ولو بالقوة.

إذا هل حرب عين الحولة أتت على خلفية مطالب لبنانية عنوانها الفارين اللبنانيين وتسليمهم؟
ولماذا انفجرت الحرب الآن بالذات وفي هذا التوقيت وما هي المعطيات المستجدة للمباشرة بالتنفيذ؟
وإذا أتت الحرب على خلفية لبنانية هذه المرة، كيف سيكون شكلها في مرات لاحقة؟
ماذا لو تم طلب تسليم الفارين الفلسطينيين؟
هل ستشهد عين الحلوة جولات أخرى؟

وقائع وتحليل عما سوف يشهده مخيم عين الحلوة، هذا المخيم الذي يحوي إرث من التناقضات الهائلة فيكفي أن يشعر أحد الأطراف بأنه مهدد في موقعه لكي تُضرم النار.
في عين الحلوة نار لا تهدأ فهو بؤرة تحوي كل أنواع المطلوبين، فهي عين حلوة تحتوي دموعا غزيرة مالحة.
عين حلوة
ودموع مالحة
وطن منتهك
بأفعال فاضحة
من دون روادع
وقبضة كابحة
قصت قصصه
قصائد راجحة
مربعات أمنية
الأمن ذابحة
فصائل مسلحة
سارحة مارحة
يزداد الموت
تتكاثر الأضرحة
يموت الزمان
في سواد أوشحة
وأبيض السلام
في هروب جانحة
أنين الموت
في الأنين صائحة
وشكل سلطة
منافعها كاسحة
إنها عين حلوة
دموعها مالحة.