الدكتورة/رندا ماروني: اللبناني يتنقل بين إرهاب وإرهاب، ويعيش في حالة انتداب

450

اللبناني يتنقل بين إرهاب وإرهاب، ويعيش في حالة انتداب
الدكتورة/رندا ماروني/17 شباط/17

بالتزامن مع ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومع كل ما تعنيه هذه المناسبة من تفاقم إرهاب المحتل ومحاولة تقويضه للقوى التحررية التي سعت إلى استصدار القرار 1559، يعيش المواطن اللبناني ويتنقل كل يوم بين إرهاب وإرهاب أشد وطأة من الاغتيال المباشر، كان آخرها ما تزامن مع هذه الذكرى الأليمة.

إن انتهاك مفهوم الدولة فيما يعنيه حقها في احتكار استعمال القوة، وتقرير السلم والحرب، هو في دائرة الإرهاب الذي يمارس على المواطن اللبناني، حيث ينعكس لا استقرار في حياته كل يوم، وخوف من الغد، وعدم ثقة في قدرة الدولة على حمايته الأمر الذي يؤثر على الدورة الاقتصادية ككل، وهروب رؤوس الأموال من دولة لا تعرف الاستقرار، فكيف إذا صدر هذا الموقف من رئيس البلاد وجنوحه عن الاعتبارات الدستورية والقرارات الدولية، والمواقف الإقليمية بالإضافة إلى القفز فوق إرادة معظم اللبنانيين الذين ينظرون لهذا السلاح عدا عن كونه خارج الشرعية، فهو مساند لدولة اعتبروها محتلة ومتهمة في اغتيال رموز وطنية، عدا عن أطماع هذا النظام التاريخية المعروفة بلبنان.

تنشأ المقاومات عادة للدفاع عن الوطن ككل والوقوف في وجه المخاطر المحدقة به من أينما أتت، ولكن في الحالة اللبنانية، نشأت مقاومة مبررة للوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي وظلت كذلك حتى الانسحاب منه عام 2000. أما حجة مزارع شبعا فالنظام السوري الحليف لمقاومة حزب الله لا يعترف بلبنانيتها لتمنعه من الإقرار بذلك من خلال وثائق ترسل إلى الأمم المتحدة.

وإذا كانت مبررة كمقاومة للاحتلال الإسرائيلي إلا أن شراكتها مع الاحتلال السوري، يخلع عنها صفة مقاومة وطنية، فالمقاومات لا تتحالف مع احتلال طامع بكل مقدرات الشعب اللبناني لتواجه احتلال آخر، فهي غير مبررة بالنسبة إلى نصف الشعب اللبناني إذا لم نقل في غالبيته، إلا إذا كانت اعتبارات المقاومة تمارس بمفهوم غير لبناني عابر للحدود، مقاومة ضمن معايير يحددها الموجه في إطار مصالحه وأهدافه لا في إطار مصلحة لبنان ومصلحة شعب لبنان.

لقد وجه الرئيس الذي زار السعودية مطالبا بالهبة، صفعة قوية لمعنويات الجيش اللبناني ووضع له شريك شرعي، معرضا المساعدات المقدمة للجيش من الولايات المتحدة الأمريكية إلى خطر إعادة النظر، وهذا الموقف أثنى عليه السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة في ذكرى القادة الشهداء، وليبشرنا بأنه باق كقوة عسكرية طالما إسرائيل موجودة. فالخطر الدائم يستوجب السلاح الدائم حسب كلامه، بمعنى إن الدولة اللبنانية معلقة الفعالية إلى أجل غير مسمى، وكما كل إطلالة استفاض في شرح كيفية مقاومة إسرائيل، فيما حروبه تخاض في أماكن أخرى، وعلى حساب استقرار الشعب اللبناني، وعلى حساب تحييده عن المخاطر والانصراف لمعالجة المشاكل الحياتية والأزمات المعيشية، وكلنا يعلم ثمن عامل القوة العسكرية غير الشرعي، الذي يقابله ضعف عوامل أخرى كالاستقرار والازدهار وعودة الرساميل والثقة بلبنان.

فليس صدفة إن لبنان على شفير الانهيار الاقتصادي، فمن جهة عامل المحاصصة التي تشمل جميع القوى الحاكمة، ولا يخبرنا أحد إنه خارج هذه اللعبة، وفي جانب آخر إقفال وضرب كل مورد رزق ممكن لاستمرار عيش الشعب اللبناني من خلال تحويل لبنان من منصة سياحية واقتصادية إلى منصة عسكرية تريد أن تدير حروب المنطقة العربية جمعاء.

وفي فاصل مرعب آخر، وفي نفس الوقت، بالتزامن مع ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، هجوم مفاجئ منظم على وتيرة الغرائز المذهبية المستفحلة، يستهدف محطة إعلامية، أيا تكن الأسباب فهو مستهجن، فالكلمة تواجه بالكلمة والتطاول على الكرامات إذا حدث يواجه بالقضاء، أما أسلوب العصابات فلقد أصبح مشهد منتظر في دولة ”كل مين إيدو إلو”، وهذا مكمن الرعب وإرهاب المواطنين، عصابات وعصبيات مستفحلة، ففي حين يطالب البعض بإلغاء الطائفية السياسية، وجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، تأتي هذه التحركات كمؤشر على تفاقم التعصب والإستزلام وعدم تقبل الرأي الآخر، ومحاولة محوه وإرهابه ليلتزم الصمت، فكيف بالحري تقبل الجماعات لهيمنة بعضها على البعض الآخر.

وفي رعب من نوع آخر، يأتي إعلان زيادة الضرائب كوقع الصاعقة التي تصعق قدرة المواطن الشرائية، وتضعه مهب الريح، لا حول له ولا قوة ولا قدرة على تلبية حاجاته اليومية، والأدهى إن الفريق الذي وعد بالتغيير والإصلاح وكان يزاول مهنة صنع وكيل الاتهامات ويعد المواطن أنه في حال تسلم المسؤولية فهو قادر على إحداث الفروقات العجائبية في أحوال الناس، فأتى موضوع الموازنة ليثبت إن التمويل هو من جيب المواطن أما التحريض فهم رواده وأهله

بين إرهاب وإرهاب يأتي المحتفلون، المستذكرون تضحيات الشهداء، ليصفوا التضحيات التي أقدموا عليها هم لضمان سير البلد، فالقبول بشخص الرئيس الجديد هو تضحية، ولكنها تتوقف عند حدود المس بالحصص النيابية، فإذا اقترب أحدهم للنيل منها لن يلعبوا دور أم الصبي مرة أخرى، نعم لقد تخلوا عن الصبي وأبدوا عليه الحصص، فالحصص أبدى من الصبي، وبشرونا بأنهم ليسوا بجمعية خيرية، فلقد امتهنوا العمل السياسي لا الخيري، وفي السؤال، هل من يتنازل عن اعتبار الوطن موضع رعاية واهتمام في وقت الحاجة، ويستبدله بحسابات حصصية، هو مؤتمن على قضية؟

لقد استبدلتم رعاية الصبي، بحسابات حصصية، وأنتم من أعلنها، فلماذا تجهدون في التبرير في غير مكان، ربما كانت رسالة لقوى فاعلة مؤثرة في إنتاج قانون الانتخابات، ولكنها في نفس الوقت أظهرت التناقض بين ما روج له بمقولة أم الصبي ووجوب إعادة الحياة للمؤسسات، وبين الموقف المتخلي عن الصبي إذا أصيبت الحصص تناقصا، ولإكمال الصورة التخيلية المتمثلة بقانون انتخابات مناسب للحصص المطلوبة، ظهرت الازدواجية مرة أخرى، فرسم للحصص من جهة ومن جهة أخرى وعود للنساء والشباب الذين يشكلون ثقل عددي وازن بوعود واهية، كان لا بد من تشجيع الجمهور على التصفيق وحثهم على التأييد، ورسم الانتصار، في مبارزة من دون مبارزين، فالخصم مفقود في قانون انتخابات موعود.

تتبدل التحالفات، تتغير الثوابت والخطابات، أما المواطن يتنقل بين إرهاب وإرهاب ويعيش في حالة انتداب
بين إرهاب وإرهاب
دولة تعيش
في حالة انتداب
إنه وصف محجم
والأصح في
وضع اغتصاب
بين قوي ومستقو
تطير الحقوق
وتضحى سراب
لا تطاله يد
يحلق بعيدا
خلف الضباب
نفوس في حالة
يأس وبؤس
وفي حالة اغتراب
شرور تلد شرورا
تتكاثر سريعا
ولا تكف
عن الإنجاب
تصادر خيرات أرض
تستلذ بما حلا لها وطاب
انتهاك حقوق انتهاك جيوب
في عصر الذئاب
أمن منهوك
ودستور منتهك
وفي جهة أخرى
تبريرات تدعي الصواب
ثم تقول شرطا
لا تقربوا حصصنا
وإلا يضحى الاتفاق انقلاب
فلم يعد الصبي ابننا
ولا آثرا يأثر الألباب
إرهاب ظاهر
إرهاب مبطن
نعيشها طقوس
بوتيرة متسارعة
بين إرهاب وإرهاب