ايلي الحاج/أزمة قانون الانتخابات بعيون موحدين دروز

100

أزمة قانون الانتخابات بعيون موحدين دروز
 ايلي الحاج/النهار/13 شباط 2017

يصلح هذا العرض إلى حدٍ، لسانَ حالٍ لغالب اللبنانيين من طائفة الموحدين الدروز، بإزاء مسألة قانون الانتخابات التي استُهلكت حتى لم يبقَ فيها إلا ما لا يُقال.

الأزمة أكبر من قانون للانتخابات. هناك سعي تحت هذا الشعار إلى تصحيح توازن اختل بفعل تطبيق اتفاق الطائف منذ انتهاء الحرب بطريقة مجحفة بحق المسيحيين. يجب الاعتراف هنا بأن الصراع السني – الشيعي قلب هوية لبنان. مسيحيو قوى 14 آذار أيام 14 آذار صاروا ملحقين بالمسلمين السُنّة، ومسيحيو قوى 8 آذار بالشيعة.

على طريق المناداة بالحقوق السليبة، واجه الثنائي المسيحي، “التيار العوني” و”القوات، كتلة تنظر إلى خطواته مندرجة في سياقين: التحضير لمعركة رئاسة الجمهورية التالية، والسعي لإعادة الأوضاع إلى ما كانت قبل اتفاق الطائف.

بمعنى آخر، للتحالف الثنائي أهداف كبيرة قد تفسر ما يحصل منذ تفاهم معراب في 18 كانون الثاني 2016. ربما قرأ أركان هذا التحالف تراجعا لدور السُنَّة في ضوء تقدم “حزب الله” والانتصارات العسكرية التي حققها مع حلفائه في سوريا. وربما قرأوا في المقابل تراجعاً للشيعة في ضوء صعود للدور الروسي، أُضيف إليه لاحقاً فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، فرأوا فرصة تاريخية لاستعادة التوازن والحضور السياسي للقوى المسيحية. ولربما اعتبروا أن المشروع السني قدم “الإرهاب”- في نظر الغرب على الأقل- فيما المشروع الشيعي يجر لبنان إلى محاور إقليمية، كما أنه فاشل سياسياً، ففكروا في إمكان إحداث وضع جديد يعيد الصيغة السياسية إلى جذورها. لكن محاولة التطبيق شابَها استعجال وارتجال وانكشاف أهداف. بدأت ترتفع أصوات تقول بأن غاياتكم أيها الأركان في “الثنائي” لا تقتصر على تصحيح الخلل. ففي دربكم بدا للآخرين مشروع لإلغائهم، عن قصد أو غير قصد، لئلّا نغلّب سوء النيّة. لاحَ مشروع لا يوفّر حتى الأقليات السياسية في بيئتكم، الكتائب والمردة والأحرار والنائب بطرس حرب وجميع من لا يجلسون إلى طاولتكم. عززت المخاوف في هذا المنحى دعوة الرئيس ميشال عون إلى التصويت لأحزاب، وليس لشخصيات مستقلة.

إعادة القراءة هذه للوضع الجديد تستدعي تقزيم أحجام الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، أقله تمثيلاً لمسيحيين في مناطق معيّنة. لكنها لا تؤدي إلى أقل من تقسيم لبنان. نحن، الموحدين الدروز، استفزنا هذا الوضع ورفعنا الصوت. في الواقع الآخرون سنةً وشيعة أبدوا خشيتهم هم أيضاً من هذه الاندفاعة، و”حزب الله” الذي لا يريد عملياً عودة الوضع إلى ما كان قبل الطائف لم يبدِ استعداداً للتدخل أو لأداء دور وسيط. ترك عقدة جنبلاط ليقف خلفها. تصرّف تماماً كما فعل خلال مرحلة الفراغ الرئاسي. كان يقول “حِلُّوا عقدة عون” واليوم يقول “حِلُّوا عقدة جنبلاط”. في النتيجة دخل لبنان معمعة تذكر ببرج بابل. هل هناك مصلحة لـ”حزب الله” في ترك الوضع يجرّ إلى فراغ اشتراعي بعد تجربة الفراغ الرئاسي، وهل يتحمّل اللبنانيون مرة أخرى وضعاً على هذه الدرجة من السوء؟

لعلّ الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المقرّرون في “الثنائي المسيحي”هو تجاهل البُعد التاريخي للكُتل التي يتشكل منها الشعب اللبناني. عندما يتناهى إلى جنبلاط وفريقه سؤال ركن بارز في الحكم عن حق الزعيم الاشتراكي الدرزي بإنجاح نائب مسيحي في الشوف، أو عاليه، على لائحته، وبالتالي يتوجب انتخاب النواب الدروز أكثرياً والمسيحيين نسبياً وفق قانون مختلط، فطبيعي أن يتصرف جنبلاط باعتبار أنه أمام محاولة فصل بين الدروز والمسيحيين. هل يريد حقاً أبناء الجبل المسيحيون أن ينفصلوا عن واقع “العيش معاً” في المنطقة؟ وما ذنبه إذا كانت ماكينته الانتخابية في الشوف تنطلق قبل تدويرها بعشرات آلاف الأصوات من مختلف الطوائف في الجبل؟

على الموحدين الدروز أسياد اللياقات والاحترام لا يُرمى كلام على عواهنه. وكما يريد طرفا “الثنائي” معاملة مميزة للمسيحيين في لبنان بصرف نظر عن العدد، ومراعاة حساسيات تاريخية، عليهما تطبيق المبدأ نفسه على الموحدين الدروز. قانون الانتخابات ليس لعبة. واستقرار الجبل رسَخته مصالحة تاريخية في الـ2001 لا عودة عنها، رعاها وحضرها البطريرك السابق نصرالله صفير وجنبلاط، وهو أساس لاستقرار لبنان. عندما حُكي عن قصر تأثير جنبلاط على اختيار 4 نواب دروز لم يكن عن عبث الجواب بأن انتخابات 1957 التي سار بها أعيان دروز وفازوا بمقاعدها بدعم من العهد القوي آنذاك، قادت إلى ثورة 1958. هناك دوماً مجال لحلول وسط بعيداً عن أوهام غلبة أوصلت مراراً إلى كوارث. ومنفتحون على حلول وسط. ولكن لا يُمكن تنظيم انتخابات في الجبل غصباً عن إرادة غالبية الموحدين الدروز الملتفة حول قيادة جنبلاط والحزب التقدمي الاشتراكي. أبناء اليوم عليهم العودة إلى قراءة تاريخ لبنان، القديم والحديث.